سلام لذوي “الخوذ البيض”/ علي بردى
في سوريا من لم يعرفوا أن الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس نال قبل أيام جائزة نوبل للسلام. بيد أن صور ذاك المتطوع المجهول من الدفاع المدني السوري، المعروف أيضاً باسم منظمة “الخوذ البيض”، علقت في أذهانهم لوقت طويل. كان يبكي ويضحك حزناً وفرحاً حين تمكن ورفاقه من انتشال طفلة حيّة من تحت أنقاض بناء دمرته غارة جويّة في مدينة إدلب.
لم تنجح الحملة الدولية الواسعة من أجل أن تمنح الأكاديمية الملكية الأسوجية للعلوم جائزة نوبل هذه السنة للمنظمة التي تمثل نحو ثلاثة آلاف من المتطوعين هم صورة ما تبقى من أمل بالحياة في سوريا. غير أن هذه الجهود لم تذهب سدى. يستحق الجائزة أيضاً من عمل ولا يزال يعمل على إنهاء النزاع الأطول في الأميركتين مع متمردي القوات المسلحة الثورية في كولومبيا “فارك”.
تحدّى متطوعو “الخوذ البيض” أسوأ مراحل الحرب الأهلية السورية. يجازفون على رغم الانقسامات العميقة في مجلس الأمن وفشله المحزن في وقف مذبحة مدينة حلب. يعاينون كيف تحفر روسيا قعراً أعمق للأساليب البالغة الوحشية التي يمارسها نظام الرئيس بشار الأسد، بجيشه وبحلفائه. تتذرع بالوحشية الإستثنائية المتمادية لـ”الدولة الإسلامية – داعش” و”جبهة فتح الشام” (“جبهة النصرة” سابقاً) وغيرها من الجماعات الإسلامية التي تعتنق مذهب “القاعدة” في الإرهاب. هناك آلاف المقاتلين الإرهابيين الأجانب وعشرات الجماعات المسلحة الأخرى التي تساهم أيضاً في تكوين الفصول السود في الحرب السورية. متطوعو “الخوذ البيض” وجدوا مكاناً لهم في هذه المأساة الشكسبيرية.
منذ تأسيسه عام 2013، انضم الى الدفاع المدني السوري مئات المتطوعين من كل شرائح المجتمع، بينهم تجار وباعة ونجارون وحدادون وفلاحون ومعلمون وطلاب وحرفيون، محايدون وغير مسلحين، علمانيون وغير علمانيين، يستلهمون الآية القرآنية “من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”. لا غاية لهم إلا القيام بعمليات بحث وإنقاذ لتخليص أكبر عدد ممكن من الناس بعد كل عملية قصف. بدأ عملهم في المناطق التي لا تخضع لسيطرة القوات الحكومية السورية، وخصوصاً تلك التي تتعرض لغارات جوّية مدمرة. هم في طليعة المسعفين المدربين. أنقذوا ما يزيد على 60 ألف شخص.
يعرف السوريون هؤلاء المتطوعين الذين يتعرضون للاضطهاد من “داعش”. لا غرابة في أن تعتبرهم الحكومة ارهابيين. يتحلون بشجاعة استثنائية. سقط منهم 141 متطوعاً.
وحدهم متطوعو “الخوذ البيض” يواجهون الأسوأ والأسود في سوريا. ليست غايتهم جائزة نوبل للسلام. غير أنهم كانوا يستحقونها فعلاً.
النهار