سوريا.. بداية الحسم
حسين علي الحمداني
التطورات في سوريا تتسارع، وهنالك تصعيد متبادل، فالحكومة السورية تصعد من هجماتها على المدن، والمعارضة في سوريا تشتد أكثر من ذي قبل، وهنالك على المسارات الدبلوماسية وتيرة عالية وجهد كبير يبذل في اتجاهات متعددة.
ولا يمكن لنا إلا أن نقول إن الوضع الأمني بات الآن على شفا الانهيار التام من خلال صعوبة وصول فرق الإنقاذ وصعوبة معرفة عدد الضحايا وحجم الدمار الذي لحق بالشعب السوري في الأيام التي أعقبت الفيتو الروسي – الصيني ضد مشروع القرار حول سوريا.
ومع هذا يمكننا القول إن الأيام القليلة المقبلة ستكون أيام الحسم، والحسم المقصود هنا هو حسم الثورة وليس نهايتها لصالح النظام، فطالما هنالك دم يراق فالنهاية ستكون لصالح هذه الدماء وليست لغيرها.
ومن الضروري هنا أن نشير إلى أن الفيتو الروسي – الصيني المشترك لم يكن لصالح نظام بشار الأسد من حيث الواقع على أرض سوريا كما تصور البعض، بقدر ما أنه كان أحد عوامل قوة الثورة السورية التي وجدت أن الفيتو الروسي – الصيني لم يشكل عائقا أمام استمرارها بقدر ما أنه كشف، على أقل تقدير، الدوافع الحقيقية لهذا الفيتو الذي ارتكز على مصالح آنية، ناسفا بذلك كل مصالح موسكو وبكين في المنطقة العربية، هذه المصالح التي هي بالتأكيد ستتأثر كثيرا، خاصة أن الهدف من الفيتو هو حماية نظام قمعي وتوفير الغطاء الكافي له لممارسة مزيد من القمع ضد الشعب العربي في سوريا.
والآن نجد أن سوريا، كنظام حاكم، في عزلة عن محيطه الإقليمي والدولي، وبات يتنفس هواء مختلطا برائحة الدم السوري والغضب السوري، نظام بات يدرك جيدا أن نهايته قريبة مثل نهاية القذافي وبن علي ومبارك ومن قبلهم صدام، نهاية الطغاة الذين جرعوا شعوبهم المرارة ممزوجة بالشعارات الفارغة التي ملأت الفضاء ضجيجا من دون أن نرى أفعالا تترجم هذه الشعارات التي لو طبق نصفها لعاش العرب ربيعهم منذ عقود طويلة.
المجتمع الدولي الآن، وبعد الفيتو المشترك للدب والتنين، بات يدرك جيدا أن مسؤوليته أكبر من ذي قبل، أشد ما يقلق المجتمع الدولي هو الرسالة السيئة التي وصلت لنظام الأسد من خلال الفيتو، رسالة بالتأكيد فسرها النظام على أنها حماية روسية – صينية له من أجل المضي قدما في إيقاع المزيد من الضحايا، سواء بالمدن أو الأشخاص، حتى تحولت حمص لمدينة منكوبة وفق قياسات النكبة في مستوياتها الأمنية والبيئية والغذائية وكل مقومات الحياة الأخرى. وهذه من علامات سقوط نظام بشار الأسد، فالأنظمة المستبدة حين تشعر بنهايتها تحيل كل شيء إلى تراب، وتسلم البلد أرضا خاوية جرداء بعد أن تقتل من تستطيع قتلهم من أبناء الشعب وتدمر ما تتمكن من تدميره من مدن وبنى تحتية، ثم تهرب أو تختبئ في جحور تشبه إلى حد كبير جحور الجرذان.
وأجد أن النظام في سوريا استنزف كل الأوراق وأخذ كل الوقت وفقد كل فرص البقاء والنجاة معا، ولم يتبق له سوى أن يبحث بجدية عن مخرج من أزمته التي بدأت مع الشعب ووصلت لأن تكون أزمة النظام مع المجتمع الدولي، أزمة لا تحتاج لتدخل عسكري لحلها بقدر ما أنها تحتاج لنصيحة من حلفاء الأسد له على أن ينظر للأمور من زاوية أن الشعب يريد الحرية، ولم يعد بشار الأسد القائد الأوحد ولا حزب البعث الحاكم الحزب الوحيد، وإن العالم يتنفس الآن برئة الديمقراطية لا رئة الدبابات والمدافع، والعالم العربي الذي عاش ويعيش الربيع الثوري من غير المنطقي أن يظل ينظر لما يحدث في سوريا على أنه شأن داخلي بحت، لأن العالم الآن تحكمه مبادئ وقيم وأعراف لا تسمح لأحد بالسكوت وغض الطرف عما يجري للشعوب على أيدي جلاديها.
الشرق الأوسط