سوريا تدخل «رسمياً» مرحلة الحرب الأهلية
عريب الرنتاوي
جملة تطورات تدفع على الإعتقاد بأن الأزمة السورية قد دخلت مرحلة نوعية جديدة، يمكن وصفها من دون مبالغة، بأنها مرحلة الدخول الرسمي والعلني، في مسارات الحرب الأهلية…أول هذه التطورات، قيام النظام بحسم معركة حمص عسكريا، مع كل ما ترتب على ذلك من خسائر وأكلاف، مسقطاً بذلك “سيناريو بنغازي”، وواضعاً المعارضة وحلفاءها أمام خيار “إعلان الحرب المفتوحة” على النظام ورموزه ومؤسساته.
ثاني هذه التطورات، إعلان “معارضة الخارج” عن تشكيل “مجلس عسكري” لتنظيم المقاومة المسلحة ودعم الجيش السوري الحر….برهان غليون الذي يتصرف كرئيس انتقالي لسوريا، وصف المجلس الجديد بأنه “وزارة دفاع” الثورة، محتفظاً لنفسه بهذه الحقيبة إلى جانب مهامه الأخرى.
ثالث هذه التطورات، قيام ثلاث دول خليجية بارزة بأوسع حملة تجييش من أجل تسليح المعارضة، بل وانخراط بعضها عملياً، بتمويل وتسليح المعارضة، وتوجهها نحو مرحلة جديدة من التدريب والتنظيم والتجهيز للمجموعات المسلحة والجيش السوري الحر، ولقد تلقى هذا التوجه دعماً خاصاً في ضوء قرار مجلس الأمة الكويتي الخاضع لهيمنة طاغية من قبل الإخوان المسلمين والسلفيين الكويتيين…ويبدو أن هذا التوجه يلقى قبولاً لدى الأمين العام للجامعة العربية الذي بدا في تصريحاته قبل يومين، كمن يمهد لنقل ملف تسليح المعارضة للجامعة العربية.
رابع هذه التطورات، تزايد الأصوات الغربية المنادية بسلوك هذا الطريق….صحيح أن أياً من الدول الغربية الكبرى، لم يعلن صراحة قبوله بخيارٍ من هذا النوع…. وصحيح أيضاً أن معظم هذه الدول ما زال يجادل بمبررات رفض خيار “العسكرة”….لكن الصحيح كذلك، أن تيارات وسياسيين ومراكز أبحاث يمينية، بدأت تضغط على حكوماتها من أجل انتهاج تكتيك “أضعف الإيمان”، وهو هنا تسليح المعارضة وتدريبها (التدخل العسكري غير المباشر)، كبديل أقل ضرر عن خيار التدخل العسكري المباشر، والذي يبدو متعذراً لدرجة الإستبعاد.
على أية حال، فإن إعلان المجلس الوطني السوري عن إنشاء “وزارة دفاع ثورية”، بهدف تنظيم الدفاع عن النفس والمدنيين الأبرياء والحفاظ على “سلمية” لم يبدد أسوأ مخاوف المراقبين من مغبة إنزلاق المواجهة بين النظام ومعارضيه، في أتون حرب أهلية مديدة ومريرة….فنحن نعرف، والسيد غليون يعرف، أن الثورة السورية ودّعت “سلميتها” بعد أشهر قليلة من انطلاقتها الشجاعة، ولقد كان لـ”أوهام” التدخل العسكري الدولي والسقوط السريع للنظام، أثر حاسم في دفع الثورة للإنزلاق سريعاً في شراك النظام ومحاولاته الدائبة، استدراج معارضيه، إلى السلاح والخنادق… ويتحمل المجلس الوطني المسؤولية عن تفشي هذه الأوهام ورواج تلك الرهانات البائسة.
أما حكاية “ضبط السلاح” و”تنظيم تدفقاته” و”ضبط إيقاع المقاومة المسلحة”، التي تحدث بها غليون في معرض تقديمه لقرار إنشاء المجلس العسكري، فإن أغلب المراقبين الجادين للمشهد السوري، لا يأخذون هذه الأطروحات على محمل الجد…أولا؛ لأن المجلس الوطني لا يتحكم أبداً بمجريات الوضع الميداني على الأرض….وثانياً؛ لأن القوى المنضوية في “الجهاد”، هي قوى سلفية لا تأتمر بأوامر المجلس ورئيسه…. وثالثاً؛ لأن الدول (الخليجية بخاصة)، التي ستدعم المقاومة المسلحة، لا تنتظر إذنا من المجلس لكي تقرر متى تقدم السلاح ولمن وكيف ومتى، وهذا ما تفعله فعلاً، ومنذ أشهر عديدة، وحين “تقع الواقعة”، فلن يكون بمقدور أحد أن يضبط خطواتها أو أن يتحكم بتداعياتها اللاحقة.
إن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن هو: هل ستسرع خطوات كهذه حسم الموقف في سوريا، أم أن حرب استنزاف طويلة الأمد، ذات صبغة طائفية ومذهبية، سوف تفرض على سوريا، وتعيث فيها تخريباً وتمزيقاً، ووفقاً لسيناريو قد يجمع أسوأ ما في السيناريوهين الليبي والعراقي من مظاهر وعوارض.
حرب العصابات، التي توشك سوريا على ولوجها، وبما هي عمليات كر وفر واغتيالات وتفجيرات، لن تُسقط النظام في دمشق، على الأقل، وهي وإن كانت فعّالة لجهة إضعاف النظام، إلا أنها لن تسقطه في المدى المنظور…وهي بامتدادها المفتوح في الزمان والمكان (الجغرافيا)، وبحكم الطبيعة المذهبية للقوى التي ستتصدرها، سوف ترسم خرائط الإنقسامات بين المكونات السورية، وستعيد توزيع الخنادق ونشرها على حدود الطوائف وتخومها.
والخلاصة، أن حرباً كهذه سوف تخدم من دون شك، في إشغال النظام وعزله في “قمقم” الدفاع البائس والإنتحاري عن النفس، كما أنها ستبقي حلفاء النظام في حالة ضعف وتراجع دائمين، وهذا يخدم على أحسن وجه، مصالح القوى المناهضة لإيران وحلفها ومحورها و”هلالها”… لكن السؤال الذي يقرع الأذهان هو: هل تخدم حرب كهذه أهداف الثورة السورية في الحرية والكرامة والسيادة والديمقراطية والإستقلال؟.
* نقلاً عن “الدستور” الأردنية