صفحات الثقافة

تهديد أدونيس


عباس بيضون

تكفير أدونيس وتوعّده بالقتل ليس جديداً، الجديد هو أن في لغة التكفير والتوعد ما يمكن حمله، بطريقة من الطرق، على الانتفاضة السورية. انتفاضة أيدتها وما أزال، ويتوجس مؤيدوها الذين يتابعون، بقلق ما بعده قلق مسيرة آلامها التي تجاوزت العام، أن يحمل عليها كلام كهذا. نعلم أن الانتفاضة خليط وأنها تضم في حملة ما تضم، كل تلاوين الشعب وعامته، ومن بينها المكفّرون، غير أننا لا نرضى مع ذلك لهذه الانتفاضة التي يقتل فيها الأطفال والمغنون والفنانون والأبرياء، لا نرضى لأي طرف فيها أياً كان ومهما كان، أن تبرر، في هفوة لفظية أو غير لفظية، القتل الذي ينزل بها وتصادق هكذا على ما يحل فيها. لا نرضى لهذه الانتفاضة أن تسوقها هفوة لفظية لتستوي مع النظام وتجاريه وتعادله. نؤيد الانتفاضة كرهاً بالاستبداد وشغفاً بالحرية، وتكفير الناس وتوعدهم بالقتل وبسوى القتل من طبائع الاستبداد. نؤيد الانتفاضة كرهاً بنظام يقعد على أنفاس الشعب منذ قرابة نصف قرن، والتكفير، على أي نحو كان، التكفير بالدين أو بالعروبة أو الثورة، هو آلة هذا النظام وأحد تابواته، فالمجتمع يساق هكذا بعصا واحدة وإيمان واحد وعقيدة واحدة. ولسنا نظن أننا أيّدنا الانتفاضة لنستبدل عقيدة بعقيدة وفكراً واحدياً بفكر واحدي بل لم نؤيد الانتفاضة لنستبدل استبداداً باستبداد وطغياناً بطغيان. مع ذلك فإن ما ورد ضد أدونيس ما يزال إلى الآن شطحاً لفظياً وهفوة لسانية ولا نريده أن يبقى كذلك فحسب، بل نريد عنه اعتذاراً، ولا نعرف لمن نتوجه بطلب كهذا، لكنهم أولئك الذين كتبوا ذلك أو قالوه أناس كالناس، ونريد أن نقول لهم إنهم هكذا خدموا خصومهم، بل انهم هكذا عمّوا هكذا على كثير من أنصارهم وساووا ما بينهم وبين ظلاّمهم. لا يحتاجون إلى من يشرح لهم مَن هو أدونيس. إن احتاجوا سنقول لهم إن أياً منهم لم يخدم التراث، والدين جزء منه، بقدر ما خدمه أدونيس. إن راجعوا آخر ما أخرجه «ديوان النثر العربي» فسيجدون مجلدين من أربعة خصصا للنثر الصوفي، وأياً كان موقفهم من التصوف فإننا لا نستطيع أن نخرجه من الدين، ولا نستطيع أن نحمله على الكفر. قد يكون غير طريقهم وقد يكون غير دينهم، لكنه معروف مألوف منذ مئات السنين ولا نعرف أن أحداً تصدى لهم بفتوى القتل أو حملهم على الردة. سنقول لهم إن القتل على رأي أو موقف هو بالضبط ما يخرجون إلى الشوارع ضده وما يخرجون إلى الشوارع لتحريمه. أن تساوي حياة الإنسان أو أن تطابق مصالحه رأيه وموقفه هو بالضبط الطغيان والحكم الواحدي. وإذا كان هناك من سبب للانتفاضة فهو التصدي للطغيان والحكم الواحدي. في سبيل ذلك سقط أكثر من عشرة آلاف شخص، فلا تجعلوا هذا الدم الغالي يذهب هدراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى