سوريا في “قره باغ”/ إياد الجعفري
قد يكون من المبكر الجزم بأن جبهة جديدة من الصراع بين روسيا والغرب قد فُتحت، وبأن الملف السوري مرتبط بها. لكن في حال انهيار وقف إطلاق النار تماماً بين أذربيجان وأرمينيا، وتحول الاشتباكات المحدودة الراهنة إلى حرب شاملة، فإن ذلك سيؤكد أن شقيقة أخرى للأزمة السورية وُلدت، بعد الأولى في أوكرانيا، وذلك في سياق “الصراع البارد” بين موسكو والغرب والحلفاء الإقليميين، وتحديداً، تركيا.
الاشتباكات التي دارت بين أذربيجان وأرمينيا ليل الجمعة السبت، قد تنحصر، وتتحول إلى خرق جديد متكرر لوقف إطلاق النار بين بلدين لا يزالان في حالة حرب رسمياً، منذ العام 1994، بسبب الإقليم المتنازع عليه، “ناغورني قره باغ”.
لكن في حال تفاقمت الأمور بخلاف ذلك، فالتفسير الأرجح لتوقيت انفجار هذه الأزمة الجديدة، سيرتبط بالملف السوري، وتركيا، والصراع “البارد” الروسي مع الغرب. وهذا ما يعتقده الروس فعلاً، فقد عبّرت وسائل الإعلام الروسية عن استشعار دور تركي في إشعال جبهة القتال بين الأذر والأرمن. كما أن الروس يتلمسون بروداً أمريكياً حيال تفاقم التوتر، يتمثل في الصمت الرسمي الأمريكي، وعدم المطالبة بوقف إطلاق النار بين الطرفين، (حتى كتابة هذه السطور)، وذلك بخلاف المساعي الروسية الحثيثة للتواصل مع قادة الطرفين، لوقف إطلاق النار في أسرع وقت.
أزمة “ناغورني قره باغ”، المُعلّقة دون حل منذ العام 1994، والتي تشكل غُصة للأذريين الذين أنتعشوا بثروات نفطية مكتشفة، وبعلاقات وطيدة مع حليف ذي قرابة عرقية بهم، يتمثل في تركيا، ستكون قنبلة “الموسم”، في حال تفاعلت وتطورت. إذ أنها لا تهدد الاستقرار الهش بين البلدين، أذربيجان وأرمينيا، فقط، بل تنال من مصالح روسيا وإيران، الحليفتين لأرمينيا، أيضاً.
منذ أسبوعين كان الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، في أنقرة، في زيارة يعتقد الروس أنها شهدت تحريضاً تركياً للأذريين، كي يشعلوا الجبهة مع أرمينيا. والعارفون بالشأن الأذري يعتقدون أن الأذريين لا يحتاجون إلى الكثير من التحريض، فهم في نهاية المطاف يعيشون كابوس تفكك كيانهم، منذ خسارة ستة أقاليم، من بينها “ناغورني قره باغ”، في حربهم مع أرمينيا منذ أكثر من عقدين من الزمن.
ورغم ذلك، ما يزال سيناريو تطويق الأزمة بين الطرفين مطروحاً بقوة. لكن في مقابله، يبدو أن سيناريوهين آخرين مطروحين أيضاً، الأول أن تكون تركيا هي التي حرضت الأذريين على التحرك، دون التنسيق مع حلفائها الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضم جماعة ضغط أرمنية قوية، لطالما أثّر في سياسة واشنطن حيال الصراع الأرمني – الأذري، لصالح الأرمن.
أما السيناريو الثالث، هو أن تكون جبهة أذربيجان – أرمينيا، هي أزمة جديدة قرر الأمريكيون، بالتفاهم مع حلفائهم في تركيا، تفجيرها في وجه كل من روسيا وإيران. حيث ترى الأولى، روسيا، في أرمينيا، حليفاً استراتيجياً في المنطقة، الأمر الذي خلق تعاوناً روسياً – أرمينياً وطيداً، على كل الصعد، السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية. فيما ترى الثانية، إيران، في أرمينيا، بعداً اقتصادياً مهماً، فأرمينيا تعتمد على النفط الإيراني، وتعتبر من أبرز مستورديه، إلى جانب كونها المعادل الجيوسياسي المناسب، في مواجهة التحالف التركي – الأذري في منطقة القوقاز، في نظر الإيرانيين.
إن صح السيناريو الثالث بالفعل، فإن الصراع الأذري- الأرميني، سيُضاف إلى الأزمة السورية والأوكرانية، ليشكل ضغطاً كبيراً على روسيا بدايةً، وعلى إيران لاحقاً.
لكن لماذا قد يرغب الغرب بالضغط على روسيا؟، وما علاقة ذلك بالملف السوري؟، قد يكون أحد الأجوبة مرتبطاً بالطرح المتعنت لـ بشار الأسد، حيال سيناريو التسوية السياسية، والقاضي بمنح المعارضة بضعة مقاعد في حكومة “وحدة وطنية”، تدير المرحلة الانتقالية، مع بقائه في سدة الحكم.
طرح الأسد الذي جاء في حديث مع وكالات أنباء روسية رسمية، كان بعيد التقدم العسكري لقوات النظام بدعم روسي، نحو تدمر، الأمر الذي أوحى بأن الروس يحاولون تقديم الأسد بأنه حليف مناسب في مكافحة إرهاب “داعش”، والدليل، أن التعاون والتنسيق العسكري والاستخباراتي، الروسي – السوري (قوات النظام)، تمخض عن خسارة فادحة لـ “داعش”، في تدمر.
وهكذا بدا أن التقدم نحو تدمر، إنجاز ميداني أراد منه الروس تحسين أوراق الأسد التفاوضية في جنيف. ومن ثم، تقدم الأسد بطروحاته التي تبتعد تماماً عن كرسي حكمه من دون أي تحديد لمصيره، وذلك عبر وكالات أنباء روسية.
رسمياً، ظهر الامتعاض من “الفهلوة” الروسية، في تصريحات مسؤولين أمريكيين وبريطانيين، قللت من أهمية استعادة تدمر من “داعش”، ورفضت طرح الأسد تشكيل حكومة “وحدة وطنية” تكون المعارضة جزءاً منها. أما المعارضة فأبدت “يأسها” من التفاوض من النظام.
وهكذا، إن ثبت أن جبهة أذربيجان – أرمينيا، ستتحول إلى أزمة إقليمية جديدة، فهذا يرجح السيناريو الثالث، الذي يقول بأن الغرب فتح لروسيا جبهة جديدة، إلى جانب جبهتي أوكرانيا وسوريا، كي يواصل عملية الاستنزاف الحثيثة لموسكو، بانتظار الوصول إلى اللحظة التي تنضج فيها تسوية سياسية لكل الملفات العالقة بين المتصارعين الدوليين والإقليميين. أو تبقى تلك الأزمات عالقة لأمد بعيد.
المدن