سوريا: قضاء الثورة أم قدر الجاني؟/ علي الإبراهيم
مع اقتراب الثورة السورية من عامها الثالث يبدو أن المعارضه السورية لم تتمكن حتى اﻷن من تشكيل هيئات سياسية، واجتماعية، وقضائية تابعة لها، تتولى إدارة المناطق المحررة الخاضعة لسيطرتها.
إنها السادسة مساء من يوم الثلاثاء، في أحدى الساحات العامة بريف إدلب وتحديداً في بلدة أحسم، تم إعدام ثلاثة موقوفين رمياً بالرصاص الحي من قبل المحكمة العليا الخاضعة لإحد الفصائل المقاتلة، التابعة للجيش السوري الحر.
الحكم صدر عن المحكمة، وقبل تنفيذه، وجه رئيس المحكمة، زياد الباشا، اتهامات عديدة للموقوفين، من بينها السلب والقتل وقطع الطرق، لينهي البيان بشهادة اعتراف أحدهم بارتكاب الجرم.
القضية، لاقت، بحسب ما ذكرت مصادر أهلية في البلدة لـ”المدن”، سخطاً واسعاً، كون الحكم نفذ أمام الناس وفي الساحات العامة، على اعتبار أن هذا السلوك لا يختلف عن سلوك النظام أو تنظيم “الدولة اﻹسلامية في العراق والشام” بحق المعتقلين أو مرتكبي الجرائم.
قصص معاناة الناس مع المحاكم التابعة للمعارضة السورية، تنتشر بشكل رئيسي في الشمال السوري، حيث يعتبر القائمون على تلك المحاكم أنها جاءت كبديل عن محاكم الدولة، التي عانى منها السوريون على مر أربعة عقود من ظلم وقهر وفساد وانتشار للمحسوبيات.
معظم تلك المحاكم هي تابعة للألوية العسكرية المقاتلة المسيطرة هناك، الأمر الذي يفرض عليها الامتثال إلى سياسة تلك التشكيلات العسكرية والرضوخ لتعليماتها. رئيس المحكمة الشرعية في جبل الزاوية، الشيخ محمود حبيب، أكد في حديث لـ”المدن” أن “أغلب القرارات التي تصدر عن المحكمة منبثقة من الكتاب والسنة وهناك استعانة بالقانون السوري ريثما يتم إصدار قوانين جديدة تتناسب مع المجتمع السوري”.
ولفت إلى أن تلك المحاكم تتمتع بقوة عسكرية لفرض القرارات على جميع المذنبين، عسكريين كانوا أم مدنيين. وتابع حديثه قائلاً “إن الحدود واﻷحكام التي يأمر بها القضاء معلقة حتى الآن ولم تطبق، والسبب في ذلك يرجع لعدم وجود محاكم وﻷننا في حالة حرب، ونكتفي بالتعزير، وهي عقوبة يقدرها القاضي بما يراها رادع للجاني، فنحن للآن لم نقم حد قطع اليد أو نرجم الزاني، فالسارق يرد المسروقات وقد يحبس لفترة طويلة في حال كرر فعلته، كذلك الحال بالنسبة للأحوال الشخصية، أي اعتداء على المرأة تأخذ المحكمة موقف الداعم لها وتلاحق الجاني وتطالبه بتعهد خطي بعدم تكرار فعلته”.
وحول مكتب القضاء التابع للمحكمة، يقول حبيب إنه يتألف من محاكم عسكرية ومدنية تنظر بالمعاملات والعقود واﻷحوال الشخصية، كما يوجد في المحكمة مكاتب للتحقيق، وجميع القضاة من أصحاب الشهادات في المحاماة أو الشريعة اﻹسلامية، إضافة إلى أن للمحكمة “قوى عسكرية وسجنا للموقوفين”.
ومع ازدياد الحديث عن المحاكم ودورها، كثرت في الآونة اﻷخيرة أصوات تنتقد ادارة المعارضة للمناطق المدنية من خلال المحاكم المقامة فيها، حيث خرجت مظاهرات في عدد من البلدات من بينها كفرنبل ضد بعض ممارسات “الجيش الحر” ومن قبلها ضد تنظيم “داعش” والمحاكم التابعة له جراء التعديات التي مارسها بعض من اﻷفراد المنتمين له.
ولا يخفي كثيرون من السوريين قلقهم من فساد المحاكم وازدياد الطين بلة، في ظل غياب ملامح الحياة، وخشيتهم من تكرار تجربة النظام السوري، وانتشار المحسوبيات وتطبيق القوانين واﻹحكام على الضعفاء فقط.
يقول أحد الموقوفين سابقاً في إحدى المحاكم ، لـ”المدن” إن الأحكام والقوانين “لا تطبق على جميع الناس، بل هناك لصوص ومجرمون لا يستطيع أحد محاسبتهم، حتى وإن تم إيقافهم يتم إخراجهم في اليوم التالي بالقوة من قبل الفصيل الموالي له”.
أمام ما سبق، يبقى الشعب السوري هو الجهة الوحيدة البعيدة عما أنشىء من محاكم أو هيئات شرعية، دون السؤال عن رفض أو قبول الناس لها، الأمر الذي يترك فراغاً أمنياً واجتماعياً وقضائياً في المناطق المحررة، في ظل بعض المحاولات والمبادرات الفردية لسد ذلك الفراغ، لكن حتى الآن، دون جدوى.
المدن