سوريا : لا تذليل لعقبات التسليح
لا جلوس على طاولة “جنيف 2” الا بعد تحقيق تقدم عسكري يعيد بعض من موازين القوة على الأرض. هذه الرسالة كان الرئيس الجديد للائتلاف الوطني السوري، أحمد الجربا، حريصاً على ايصالها منذ اليوم الأول لانتخابه. لكنه هدف تحول دون تحقيقه عقبات عدة، أهمها عدم وجود سلاح نوعي لدى فصائل المعارضة المسلحة، إضافة إلى الخلافات المستفلحة بينها.
وإن كان انهاء أمر هذه الخلافات أمراً مستحيلاً نظراً إلى كون جزء منها انعكاساً للخلافات الاقليمية والدولية للدول الراعية لمقاتلي المعارضة، فضلاً عن دخول عامل المتشددين الاسلاميين بقوة على الخط، فإن التركيز ينصب هذه الأيام على تعزيز تسليح بعض الفصائل، وتحديداً المنضوي منها تحت راية الجيش السوري الحر بعدما اخذت السعودية على عاتقها هذه المهمة. المملكة، التي كانت تتعاطى مع الملف السوري من خلف الستار، قررت أخيراً الانخراط علناً، بعدما حققت في الأسابيع القليلة انتصارات سياسية داخل الائتلاف، فارضة رئيساً له محسوب عليها، لتتحول الى صاحبة اليد الطولى فيه.
الساعات القليلة الماضية حملت أكثر من مؤشر على هذا الاتجاه. في الجزء الأول من الصورة، رئيس الاستخبارات السعودية، بندر بن سلطان، يحط في اوروبا متنقلاً بين بريطانيا وفرنسا والمانيا، وعلى جدول أعماله ملف تسليح قوات المعارضة السورية وطمأنة الغرب إلى أن أي سلاح “نوعي” لن يصل إلى ايدي المتشددين. اما الجزء الثاني من الصورة فاحتله رئيس الائتلاف الوطني السوري والوفد المرافق له، وهم في حضرة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز.
المعلومات المتناقلة عن اللقاء وعدم تضمنه اي بحث معمق في الأزمة وحتى التسليح، تؤكد أن الهدف منه لم يكن سوى القول إن السعودية باتت البوصلة الجديدة للائتلاف السوري. اما تفاصيل التسليح وباقي احتياجات المعارضة فهي من اختصاص بندر بن سلطان الذي يقوم بجولة هي الثانية من نوعها خلال أقل من شهرين إلى أوروبا. جهود الأخير في أوروبا لم تثمر اختراقاً نوعياً حتى اللحظة. البداية من بريطانيا. فلم يكد يغادرها بندر بن سلطان حتى سربت مصادر بريطانية مطلعة لوكالة “رويترز” أن الحكومة تخلت عن “خطط تسليح المعارضة السورية، وقد تقوم عوضاً عن ذلك بتدريب المعارضة وتقديم مشورة تكتيكية وتزوديها بالمعلومات وتعلمها القيادة والسيطرة”. توجه من غير المرجح ان يتبدل قريباً، ولا سيما بعد ما ذكرته “رويترز” من أنه “في ضوء الحقائق السياسية الجديدة فإن أي قرار بريطاني بتسليح المعارضة سيتطلب موافقة أعضاء البرلمان”.
في فرنسا الوضع يبدو أقل تعقيداً. خلال العشاء الذي جمع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، بعدد من الصحافيين بعد ساعات من لقائه ببندر بن سلطان كان الحديث عن التسليح حاضراً، ونقل عنه قوله إن مهمة التسليح ستتكفل بها بعض الدول، في اشارة واضحة الى ان فرنسا لا تمانع التسليح المنضبط للمعارضة، لكنها تفضل أن لا تنخرط مباشرة في لعبة التسليح في ظل تنامي المخاوف الغربية من نشاط المتشددين الاسلاميين والقلق من انتقال اسلحة متقدمة إلى أيديهم.
أما ألمانيا فتبدو الأكثر وضوحاً في موقفها الرافض لمسألة التسليح. المستشارة الألمانية، انجيلا ميركل، تحدثت عن ما سمّته “مخاطر لا حصر لها” لتسليح المعارضة السورية. ومن غير المرجح أن تبدل زيارة الأمير بندر الكثير في موقف الالمان الا في ما يتعلق بجو الطمأنة الذي تحرص الاستخبارات السعودية على تعميمه لجهة ان اعادة هيكلة الجيش السوري الحر حتمية في الفترة المقبلة، وأن اي سلاح نوعي لن يقع في “أيدٍ غير مناسبة”.
وعلى خط أهداف جولة بندر بن سلطان، سُربت انباء عن زيارة مرتقبة لقائد المجلس العسكري، سليم ادريس، الى واشنطن في محاولة لتبديد المخاوف الأميركية، على أن يتوجه أيضاً إلى نيويورك لحضور اجتماعات في الامم المتحدة، بالتزامن مع زيارة مماثلة للجربا والوفد المرافق له إلى المنظمة الدولية، حيث سيجري تقديم احاطة غير رسمية الى ممثلي دول في مجلس الأمن حول الوضع الإنساني والسياسي في سوريا، بانتظار قرار التسليح النوعي.
المدن