صفحات العالم

سوريا … والرغيف الإيراني!


د.سعيد حارب

“إن إيران مستعدة للتخلي عن رغيف الخبز للمواطن الإيراني، لكنها ليست مستعدة للتخلي عن النظام السوري”، هذه العبارة قيلت في إحدى الندوات المتخصصة، فهل إيران مستعدة حقاً أو راغبة في ذلك؟ ولماذا؟

إن البحث عن طبيعة العلاقة بين إيران والنظام السوري يجب أن لا يتوقف عند مسألة واحدة كما يحاول البعض إبرازها كالقول بـ “مساندة قوى المقاومة”! لأن العلاقة تتجاوز ذلك إلى الدور الذي ترسمه إيران لنفسها لا على المستوى الإقليمي، بل المستوى العالمي وما مساندتها للنظام السوري إلا لتحصيل أكبر قدر من المكاسب السياسية.

إيران تعتبر سوريا امتداداً للحلف الذي تحاول إقامته حول المحيط العربي ابتداءً من العراق وانتهاءً بلبنان. وتعتبر هذا الامتداد الجغرافي مساحة لها للوقوف، أمام الجبهتين الشمالية والجنوبية المحيطة بها، ففي الشمال يتنامى الدور التركي الإقليمي سياسياً واقتصادياً وتقدم تركيا نفسها كإحدى القوى الدولية الصاعدة مستخدمة سياسة “القوة الناعمة”، وتعتبر نفسها الأولى بالقيام بالدور الإقليمي خاصة أن هذا الدور يحظى بقبول الجيران وخاصة المحيط العربي والأوروبي.

أما على “الجبهة الجنوبية”، فإن إيران ترى “تخلُقاً” لنظام عربي بدأت ملامحه تتشكل، ليس في دول الثورات العربية وحدها، بل في دول “الاستقرار” العربي، وخاصة مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي حيث برز الدور المتنامي للمجموعة الخليجية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

وقد يبدو للناظر أن الخليجيين مشغولون في بعض خلافاتهم التفصيلية كمشروع الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، إلا أن موقفهم الخارجي أكثر تماسكاً وتأثيراً خلال هذه السنوات على الرغم من “تقاسم” الأدوار فيما بينهم، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الموقف من الثورات العربية حيث ذهب بعضهم للمساندة المباشرة، بينما اكتفى آخرون بالدعم السياسي.

ولعل الموقف من لبنان صورة أخرى لـ “وحدة ” الموقف الخليجي، حيث تتخذ دول الخليج العربي موقفاً موحداً مما يدور في لبنان من أحداث.

وإلى جانب المجموعة الخليجية فإن “ملامح” النظام العربي الجديد تبدو في دول “الربيع العربي”، وفي كل الأحوال لن تكون هذه الدول جزءاً من المشروع الإيراني لأسباب كثيرة أبرزها موقف إيران من الثورة السورية واختلاف النظم من حيث ارتباطها السياسي بالديني حيث تبدو القوى الثورية العربية متجهة لاختيار نظام الدولة المدنية مقابل الدولة الدينية، الذي يتمثل في إيران بصورة واضحة، كما أن دول الثورات العربية ترتبط بعلاقات ومصالح اقتصادية واسعة مع دول الخليج العربي، وليست على استعداد للتضحية بهذه العلاقات والمصالح مقابل العلاقة مع إيران مهما قدمت لها من إغراءات، ولئن بدت الأمور مضطربة خلال الفترة الحالية، فإن مرحلة الاستقرار ستدفع بكلا الكتلتين (الخليجية ودول الربيع) إلى التقارب أكثر لهذه الأسباب ولغيرها، ولذا فإن إيران تبحث عن آخر ساحة عربية تجعلها حاضرة في الشأن الإقليمي، ولن تجد خيراً من سوريا لهذا الحضور ولنا أن نتصور حال “حزب الله” بعد سقوط النظام السوري الذي كان يشكل “قنطرة” له في علاقته مع إيران. وكيف سيكون عليه الوضع في لبنان إذا حدثت تغيرات إقليمية جذرية وربما خرج لبنان بسقوط النظام السوري من “محورية ” المشروع الإيراني، ولن يتوقف تأثير ذلك على لبنان فقط، بل سيمتد إلى العراق الذي أصبح ساحة خلفية للمشروع الإيراني في المنطقة بحيث أصبحت ” قرارات” بغداد تُتخذ في طهران، ولعل الدور الإيراني في حماية حكومة المالكي نموذجاً لذلك، وهو ما عبر عنه زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” عندما قال إنه تعرض لـ ” ضغوط “سياسية ودينية من طهران للامتناع عن إسقاط حكومة المالكي، ولذا فإن سقوط النظام السوري سيؤثر على التركيبة السياسية في العراق وسيدفع بالقوى المعارضة للتدخل الإيراني إلى صدارة المشهد السياسي في بلاد الرافدين.

ولعل أهم تأثيرات سقوط النظام السوري على إيران هو تراجع المشروع الإيراني إقليمياً ودولياً، وهذا ما تعمل إيران على تجاوزه، ولذا فهي تحاول البحث عن “مكاسب” مقابل تخليها عن النظام السوري الذي يبدو أنه لن يستمر طويلًا.

وقد بدا موقف إيران حين “استعانت بصديق” ليكون لها نصيب من “كعكة” سوريا. وتمثلت تلك الاستعانة بدعوة روسيا لعقد مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه إيران! حيث تطرح الأخيرة نفسها كلاعب دولي في القضايا العربية، ويمكن أن يكون تخليها عن النظام السوري مقابل دور إقليمي يطلق يدها في المنطقة، وخاصة منطقة الخليج العربي، التي كثيراً ما ردد القادة الإيرانيون أنها ميدان نفوذهم الذي يجب ألا ينازعهم فيه أحد! ولعل من المكاسب التي تأملها إيران مقابل التخلي عن النظام السوري هو تعزيز موقفها التفاوضي أمام الغرب والمجتمع الدولي في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، لكن يبدو أن كلا المكسبين لن يتحققا لإيران، لأن المجتمع الدولي يعلم أن مساندة إيران للنظام السوري هي “حقنة الرمق الأخير”، وليس أمام إيران سوى البحث عن ساحة جديدة لتنفيذ مشاريعها، أو أن تتعامل مع محيطها الإقليمي والدولي بواقعية براجماتية تحقق مصالحها ومصالح الآخرين ، وقبل هذا وبعده عليها أن تحافظ على رغيف الخبز للمواطن الإيراني فهي مسؤولة عنه أولاً قبل غيره!

د.سعيد حارب

كاتب إماراتي

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى