صفحات سوريةغازي دحمان

سورية: مفاوضات وهمية لحلول مستحيلة

 

غازي دحمان *

على زخم المبادرات التي يطرحها رئيس الإئتلاف الوطني معاذ الخطيب، وحالة التفاؤل التي تشيعها التصريحات الأميركية والروسية عن ضرورة البحث عن مخرج سلمي لحل الأزمة السورية، ثمة مساحة هائلة من التضليل السياسي تتخلق على هامش الأزمة، تشبه تماماً حالة إطلاق القنابل الدخانية لإبعاد التركيز عن منطقة الحدث الحقيقية.

تستدعي الواقعية السياسية، قبل الخوض في آليات الحل وطرق ووسائل تنفيذه، وتحديد أماكن التفاوض، تفحُّص البيئة التفاوضية ذاتها، ومواقف الأطراف المختلفة وتطلعاتها وأهدافها، لمعرفة إمكانية تحقق هذا الأمر.

على المستوى الداخلي، تتميز أوضاع الأطراف في هذه المرحلة بالتكتل حول شروطها التي باتت أسيرة لها، حتى يمكن وصفها بأنها شروط حياتها، ومشكلة هذه الشروط انها مترابطة ببعضها ترابطاً عضوياً ولا يمكن فصم أي منها عن الآخر، فشرط المعارضة تنحي الأسد لا يوجد له معادل في داخل النظام، لعدم توافر قوى حاملة لهذا وداعمة له، فضلاً عن قدرتها ورغبتها في تحقيق هذا الشرط، فالنظام متماسك، وهذه حقيقة لا يمكن المراهنة على عكسها، وقد فشلت كل الجهود لخلق تيارات داخله، وفي ظل هذه الحالة يصعب تصور أن يقوم النظام بالتفاوض على رحيله أو محاكمته.

أما من المعارضة فإن الأمر يبدو أكثر تعقيداً، ذلك ان هامش مناوراتها يبدو ضعيفاً، ولا هامش صلاحيات لديها، وتبدو طرفاً وكيلاً إذ أن أي خروج عن النص ولو بقصد المناورة يمكن ان يؤدي إلى فرطها نهائياً.

على المستوى الدولي، ثمة حقائق مهمة، ولم تعد خافية على أحد، لا تساعد في دفع العملية التفاوضية، منها عدم تأثر الولايات المتحدة الاميركية بالأزمة السورية وشبكة مصالحها لم تتأثر بعد، ومن المقدر أن لا تتأثر في المستقبل القريب، ذلك ان ترتيباتها اللوجستية تتيح لها حماية مصالحها، كما أن تقديراتها المستقبلية بخصوص الأزمة تأتي في مصلحة أهدافها.

أما روسيا وإيران، فإن حجم استثماراتهما كبيرة في الأزمة جراء دعمهما للنظام، وما زالت سياستهما تجاه الأزمة يتم بناؤها على أساس أنها ورقة مفتاحية للكثير من الملفات المتراكمة مع الغرب، وتعتقدان ان النظام ما زالت لديه القدرة على الصمود وتعملان على تزخيم هذا الصمود لفتح ملفات التفاوض الجدي.

إذاً، لماذا طرح هذه المسألة في هذا الوقت؟ تشير مختلف المعطيات المتوافرة الى قناعة مختلف أطراف الأزمة الداخلية والخارجية بصوابية مواقفها، وكل طرف يعتقد ان ثمة فرصة لتطوير هذه المواقف والإنتقال بها إلى مجال التطبيق العملي بعد حوالى عام ونصف عام على القتال العسكري على الأرض.

ويمثل التفاوض في هذه الحالة جزءاً من عملية سبر المواقف أو عملية استكشاف التوجهات والقدرات والإمكانات، فضلاً عن طبيعة رهانات كل طرف للسير في مواقفه، ولعلّ الرئيس الأميركي كان الأكثر وضوحاً بهذا الخصوص عندما سأل، في معرض حديثه الصحافي في 28 الشهر الماضي «في وضع كوضع سورية هل يمكن للتدخل ان يحدث اي فارق؟»، وأكد أنه يأخذ في الاعتبار ليس القدرات الاميركية بل حدودها ايضاً.

إذاً وحدها طاولة المفاوضات من شأنها ان تزود صناع القرار بمعطيات حقيقية عن قدرة الأطراف وحقيقة رهاناتها، غير أن التفاوض في هذه الحالة لن يكون سوى جولة جديدة الهدف منها إعادة تفعيل وبلورة التصورات عن جولة الصراع المقبلة وبهذا الخصوص، يهم أميركا فحص مدى التورط الروسي والإيراني في الوضع السوري، ويهمها أكثر إستمرار إغراق الروس في هذا المستنقع مقابل توسيع إستراتيجيتها في المحيط الهادي.

وبموازنة الفرص والمخاطر، تبدو فرص أميركا أكبر في حين ان روسيا لن تحصد منافع إستراتيجية كبيرة من الملف السوري ما دامت أهدافها دفاعية بحتة تنحصر في الدفاع ضد تمدد الربيع العربي ومنعه من الوصول إلى تخومها ومناطق وجودها وليس نفوذها، وهي في ظل ذلك لن يكون لديها ترف بناء إستراتيجية معادية لأميركا، وفي هذه الحالة فإن روسيا وبفعل ضغط الواقع على تخومها ترى في التفاوض فرصة بالمعنى الإستراتيجي للولوج إلى عالم التفاوض من موقع تكون فيه هي الطرف الذي يحصل على المكاسب، لتعديل المسار التفاوضي الخاسر مع اميركا في السنوات الأخيرة.

إيران من جهتها تعمل على تثمير خياراتها وبلورتها، ويعطيها التفاوض فرصة لاستكمال إحداث الترتيبات التي تقوم بها في المقلب السوري، وتجهيزها للميليشيات التي تقوم بإعدادها بالإتفاق مع النظام السوري و «حزب الله» لضمان إستمرار وجودها المستقبلي في سورية، مهما تكن طبيعة وتوجهات النظام الذي يحكمها مستقبلاً.

لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة الى أطراف الأزمة الداخلية فإذا كان التفاوض يمثل فرصة للمعارضة يكرسها طرفاً معترفاً به من قبل دول العالم والقوى الفاعلة فيه، ويخفف عنها الضغوط ويعطيها فرصة للظهور بمظهر القوى السياسية البراغماتية القادرة على التعامل مع القضية وفق قواعد وأصول سياسية، فإن التفاوض من شأنه أن يمنح النظام فرصة لموازنة خياراته التي صار أغلبها باتجاه الكيان العلوي، في ظل خسارته المتزايدة للجغرافية السورية، وصعوبة، إن لم يكن إستحالة، قدرته على إدارة البلاد إقتصادياً في ظل أزمة موارد خانقة باتت تحيط به من كل القطاعات.

والحال، فإن ظروف البيئة الدولية وتعقيداتها المحيطة بالأزمة السورية، غير جاهزة في هذه الآونة لإنتاج حلول سياسية، كما أن دعاوى التفاوض والحوار لا تنتج بالضرورة الحلول، ومثال الأزمة اللبنانية ما زال حاضراً في الذاكرة، وجولات التفاوض والتفاهم كانت تنهار لعدم تحقق شروطها الداخلية والدولية.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى