سورية وعام من التضحيات
رأي القدس
الاحتفالات بمرور عام على انطلاق الانتفاضة الشعبية السورية المطالبة بالتغيير الديمقراطي جاءت اقل حماسا مما كان متوقعا، لأن النظام ما زال قويا ومستمرا في حلوله الامنية الدموية التي ادت حتى الآن الى سقوط ثمانية آلاف انسان معظمهم من المدنيين، ويحظى بدعم دول عظمى مثل روسيا والصين، بينما يعاني المجلس الوطني السوري، المظلة الاكثر تمثيلا للمعارضة، من انقسامات حادة في صفوفه انعكست سلبا على معنويات الكثيرين داخل سورية وخارجها.
ان يصمد المناهضون للنظام في المدن السورية لأكثر من 12 شهرا في مواجهة قوات عسكرية وامنية شرسة، فهذا اعجاز بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولكن السؤال هو: الى متى سيستمر هذا الصمود في ظل تراجع عمليات الدعم العربي والدولي بشكل ملحوظ؟
القطاع المنتفض من الشعب السوري اراد بانتفاضته هذه ان يستعيد كرامته وحريته، ويؤسس لدولة حديثة تحترم حقوق الانسان وتقوم على القضاء العادل المستقل والفصل بين السلطات واجتثاث الفساد من جذوره، ولكن طموحات المعارضة السورية التي تطالب بالتدخل الدولي العسكري ،على غرار ما حدث في ليبيا، لاسقاط النظام اصطدمت بالفيتو المزدوج الروسي ـ الصيني، وتلكؤ الدول العربية، والخليجية خاصة، في التجاوب مع نداءات الاغاثة الصادرة من المناطق المنكوبة في حمص وحماة وإدلب على وجه الخصوص.
ولا نبالغ اذا قلنا ان جامعة الدول العربية ارتكبت اخطاء كارثية في ادارتها للأزمة في سورية، عندما اساءت تقدير الدعم الروسي ـ الصيني للنظام السوري اولا، وعندما صعّدت آمال السوريين المناهضين له، اي النظام، في امكانية التدويل وجرّ الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى الى التدخل عسكريا واطاحة النظام، مثلما نجحت في اطاحة نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا.
النقاط الخمس التي جرى التوصل اليها في ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب مع نظيرهم الروسي سيرغي لافروف اعترفت للمرة الاولى بوجود جماعات مسلحة مناهضة للنظام وتخوض حرب استنزاف ضده، عندما طالبت احداها بوقف اطلاق النار من الجانبين، ورفضت نقطة اخرى التدخل الخارجي، واكدت ثالثة على الحل السياسي كمخرج من الأزمة، وكخيار اساسي لحقن الدماء. وجاءت مهمة كوفي عنان مندوب الامم المتحدة والجامعة العربية لتؤكد على النقطة الاخيرة اي الحل السياسي، وحتمية الحوار بين المعارضة والنظام.
النظام السوري الذي يشعر بحالة من الثقة العالية، بسبب الدعم الذي يحظى به من حلفائه الروس والصينيين والايرانيين، ونجاحه في السيطرة النسبية على اهم معاقل الانتفاضة في ادلب وحمص وحماة، انزل الملايين، حسب التقديرات الرسمية، الى الميادين العامة في مدن كثيرة، للتعبير عن مدى التأييد الذي يحظى به في اوساط انصاره ومؤيديه.
من الصعب التنبؤ بما يمكن حدوثه في الاشهر المقبلة، لكن هناك مؤشرات تعكس بعض التغيير في مواقف دول غربية وعربية تجاه انتفاضة الشعب السوري المشروعة، مثل حديث الفريق ضاحي خلفان تميم رئيس شرطة دبي عن مخاوف خليجية من سيطرة الاسلاميين على الحكم في سورية، وتردد صدى هذه المخاوف في بعض الاوساط الامريكية والاوروبية التي تعارض تسليح المعارضة، خشية سقوط هذه الاسلحة في ايدي جماعات متشددة مثل ‘القاعدة’.
اجتماع ‘اصدقاء سورية’ الذي سيعقد في اسطنبول في الثاني من الشهر المقبل، وتشارك فيه اكثر من ستين دولة، سيعطي صورة افضل عما ستتخذه هذه الدول من خطوات، وما يمكن استشفافه من التصريحات التركية وبعض العربية والغربية هو عودة التركيز على الحلول السياسية وتقديمها عما عداها.
الحلول السياسية تعني بقاء النظام مع اجراء بعض الاصلاحات الديمقراطية الجدية، وابرزها تداول السلطة والتعددية الحزبية، وانخراط المعارضة في حوار مع النظام للوصول الى هذه الأهداف.
الكرة الآن باتت في ملعب المعارضة، ولكنه ملعب مليء بالمطبات والحفر، فعندما تحدث الشقوق في صفوفها، وتتبادل قيادتها الاتهامات بالتخوين والعمالة، سواء للنظام او لجهات اجنبية، فإن الصورة تبدو قاتمة وبما يخفف الضغوط على النظام، ويزيد من التفاف انصاره خلفه.
مشكلة الشعب السوري ليست محصورة في النظام الديكتاتوري وحسب، وانما في معارضته ايضا التي لم ترتق الى مستوى تضحياته.