شهيد يحرّر الثورة في السويداء
فادي الداهوك
على بعد سنتين من اعتقال طلاب المدارس في درعا وانطلاق الثورة السورية، يقترب طلاب محافظة السويداء من تسجيل نقطة تحول جديدة في محافظتهم. يأتي هذا التحرك بعد اختطاف أحد طلاب مدرسة نايف جربوع ويدعى ناصر جمول وطلب فدية مالية قدرها عشرة ملايين ليرة سورية لا يملك ذوو ناصر ربعها فيعود ولدهم جثة هامدة بعد شهر من اختطافه.
قصة ناصر ليست الأولى التي تحصل في السويداء، حيث اعتادت تلك المدينة على حوادث مشابهة أثقلت الحراك فيها وجعلته دائم الانشغال بمسألة التفاوض والتوسط لدى الأطراف الخاطفة التي كانت في معظمها جهات معروفة أو تعرّف عن هويتها ومطالبها بشكل واضح ، إلا أن قضية ناصر خبأت شيئاً جديداً لم يتوقعه أحد، فالفتى اختطف من قلب المدينة، هناك لا وجود ل”الجيش الحر” على سبيل المثال، إضافة إلى أن الخطف تمّ في أحد أكثر شوارع المدينة حيوية، ما يفتح الباب للتساؤل عن دورٍ ما لعبته أطراف أمنية، إن لم يكن بشكل مباشر فمن خلال ما خلقته من أطراف أخرى مثلَ الشبيحة وهي مرتبطة بها وتنفذ ما تتمناه وما يمكن أن تنكره.ولعل بقية المحافظات استطاعت التخلّص من الشبيحة إلاّ أن السويداء تملك منهم الكثير.
في الآونة الأخيرة، برز تحركٌ معارض مختلف عما شهدته المحافظة طوال سنتين، وكانَ أكثر جرأة وصراحة مما سبقه، فطلاب المدارس صاروا يتظاهرون بعد حوادث اعتقال طالت عدداً من زملائهم أثناء مشاركتهم في تظاهرات طيّارة، ثم تظاهروا من أجل الإفراج عن مدرس كان قد اعتقل في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، ولأول مرة تكون التظاهرات في باحات المدارس، ويرفض الطلاب الامتثال لأوامر إنهاء الاحتجاج من الموجه ومدير المدرسة، وهما المسؤولان البعثيان العاملان في الحزب القائد للمجتمع والدولة.
ذلك الشكل الجديد من الاحتجاجات كان خارج توقعات الاجهزة الأمنية كما أنه فاجأ الناشطين أيضاً، فهو لم يأخذ وقتاً للدعوة إلى إحدى المضافات للبحث في اختيار المكان وطريقة دعوة المشاركين فيه وتحديد طرق الانسحاب بعد أن يتدخل الأمن والشبيحة، كما كان يحصل قبل التحضير لأي تظاهرة. بل كانَ تحركاً سهلاً وسلساً وأمام الجميع، فوجب تدخل ما يوقف هذا الخطر الآتي من المدينة الوادعة، سيّما وأن تحركاً مثله قبل عامين كان شرارة انطلاق ثورة عارمة.
لم يكن ناصر هو الهدف حتماً، كان الهدف أي شخص يشبهه، فالخطة اقتضت خطفَ فتىً بعمره لإيقاف تحرك الطلاب وهيَ الشريحة الغالبة عدداً على باقي الشرائح في المحافظة كلها، كما لم يكن الهدف من خطف ناصر طلب الفدية لأن ناصر ماتَ جوعاً وعطشاً بحسب تقرير الطبيب الشرعي، وكما روى أشخاص شاهدوا جثته، حيث أثار التعذيب قديمة وخفيفة لا تقتل.
تحرك الطلاب هذا يعيد إلى أذهان أهل الجبل ما حصل قبل نحو ثلاثة عشر عاماً عندما تمكن بشار الأسد ببراعة وبمساندة من وجهاء السويداء من التهام بذرة ثورة كادت أن تأتي بأجل العائلة الحاكمة ، يومَ انتفض طلاب المدارس في ما سميّ “هبّة الـ 2000” بعد مقتل الطالب فادي الأعوج وكان يكبر ناصر جمول بعامٍ واحد وتبعه سقوط الشهداء برصاص الجيش الذي استخدم كل شيء ما عدا الميغ و السكود.
في درعا كان عاطف نجيب اسماً معروفاً بعد فعلته وصارَ غريماً لكل سوريا، ولو علم بشار الأسد أن الأمور ستؤول إلى ما هي عليه اليوم لكان ابن خالته غريماً له وحده، وفي السويداء اليوم تبحث المدينة عن شبيه عاطف نجيب ، قاتل ناصر. كان المطلب مكتوباً على اللافتات التي رفعها الطلاب ” دم الشهيد مو نسيانينه .. نريد قاتل ناصر”، وترسم خطاً جديداً خارج جدران المضافة، بعيداً عن قصص الثورة السورية الكبرى التي انتهت قبل 86 عاماً ، خطاً أبعد من تقديرات كبار السن عن الوقت و المكان المناسبين للتظاهر.
المدن