صفحات العالم

صراع بين سلفيتين


ساطع نور الدين

المواجهة لم تقع بين السلفيتين الاسلامية والبعثية اللتين شغلتا مساحتين ضيقتين من وسط بيروت، ومساحتين ضئيلتين من اهتمامات اللبنانيين الذين راقبوا من بعيد ذلك الاستنفار المتكرر بين سلفية صاعدة شكلت مفاجأة الثورات العربية كلها، وبين سلفية هابطة تمثل فضيحة الذاكرة العربية ونهاياتها الجنونية.

الوصول السلفي الاسلامي الى العاصمة هو الجديد الذي ينتهك قرار الاسلاميين التقليديين على اختلاف احزابهم وتياراتهم بعدم استدعاء الازمة السورية الى البيئة اللبنانية المفككة. اما النزول البعثي الى وسط بيروت الذي سبق ان سجل في مناسبات سورية عديدة، فقد صار اشبه بالردع الذي لم يعد يردع أحدا، والولاء الذي لم يعد ينفع أحدا، ولا يمكن ان يعيد للحزب صفة القائد للدولة والمجتمع التي فقدها أخيرا..

مارس السلفيون البعثيون الذين تجمعوا في وسط بيروت هوايتهم المفضلة ووظيفتهم المحددة التي اكتسبت من الثورة السورية معنى جديدا لم يعرفه لبنان في تاريخه حتى في ذروة البعث الذي كان جناحه اللبناني يميل بالفطرة والكثرة الى المركز العراقي اكثر من المصدر السوري. استحقوا مرة اخرى صفة المستعدين للدفاع عن النظام السوري مهما تطلب الامر، وأيا كان الخصم اللبناني الذي يتحداهم بين الحين والآخر بكثير من الخوف والقلق.

ما اطلق صفارات الإنذار اكثر من اي وقت مضى هو ان التحدي جاء من سلفيين إسلاميين خرجوا للتو من الصف الاسلامي العام، وقرروا للمرة الاولى ان يختبروا إغراء الحضور في وسط بيروت الذي يستدرج الأضواء ويستنفر الحساسيات المستنفرة اصلا .. ويمثل اختبارا أوليا لموازين القوى التي ارسيت بعد السابع من ايار العام ٢٠٠٨، لمصلحة «السلفية» السورية على تنوع أحزابها وحركاتها وتياراتها.

السلفية الاسلامية التي ظهرت في الوسط لم تكن مزحة بالنسبة الى بقية الطوائف الزاخرة بالسلفيات ولا كانت صدفة بالنسبة الى الطائفة السنية التي فقدت امس الكثير والمزيد من اعتدالها.. وافسحت المجال لسلفييها الذين كانوا يترقبون الدعوة للتحرك والتعبير عن التضامن مع الشعب السوري الذي يتعرض لمذابح مروعة هذه الايام من قبل نظامه. لكن الوقت لم يحن بعد، والنداء لا يمكن ان يأتي من صيدا، التي كانت وستبقى عاصمة الجنوب والجنوبيين، برغم ان قادة الشيعة وزعماءهم الحاليين خسروها وفرطوا بها لمصلحة أحلاف وتفاهمات عقيمة لا قيمة لها بالنسبة الى وجودهم ومستقبلهم في لبنان.

السلفية الصيداوية التي ظهرت اخيرا ونزلت امس الى بيروت هي نتاج تلك الخطيئة الشيعية التي لا تغتفر، والتي تعاملت مع عاصمة الجنوب وبوابته الحصرية والوحيدة باعتبارها هدفا دائماً للاستقواء والاستفزاز. النأي بالنفس عن السلفية البعثية التي قررت مواجهة السلفيين الصيداويين، كان قرارا فطنا، لكنه يحتاج الى المزيد من الأدلة على ان الطائفة وقادتها يدركون فعلا اهمية صيدا ومكانتها في حسابات «الأمن القومي» للشيعة في لبنان وفي المشرق العربي.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى