صفقة عفرين بين الأسد وتركيا … والأكراد/ أنطون مارداسوف
لم يخف منذ بداية العملية العسكرية التركية، «غصن الزيتون»، في شمال غربي سورية، أنها ستخلق توتراً في التحالف الروسي- التركي- الإيراني. ولا شك في أن أعمال الجيش التركي وحلفائه في صفوف المعارضة السورية موجهة ضد الأكراد في منطقة عفرين. لكن دمشق تريد استرجاع هذه الأراضي وبسط سيطرتها عليها. ولذا، يسعى الأكراد إلى الاتفاق مع السلطات السورية على دفاع مشترك ضد الهجوم التركي. ولكن موسكو تستسيغ أن تنأى بنفسها عن الوضع، كما فعلت في المناوشات السورية – الإسرائيلية أو حين قصف الأميركيون في دير الزور.
تحت ستار القوات الشعبية
وأعلنت وسائل الإعلام السورية الرسمية، في 20 شباط (فبراير) دخول قوات موالية للحكومة إلى بلدة عفرين. ولكن الرهان على أثر دعائي صاخب لهذا الإعلان، أخفق في بضع ساعات. وعلى وقع ضربات المدفعية التركية والطائرات المسيّرة، اضطرت معظم قوات الميليشيات السورية إلى التراجع. وعلّق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على الأمر بالقول: «يتخذ بعض الجماعات الإرهابية في بعض الأحيان قراراً خاطئاً. وهذا أمر غير مقبول، وسيدفعون ثمن ذلك». وأعلن أردوغان أنه ناقش وضع عفرين مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والرئيس الإيراني، حسن روحاني، وقال أن: «الموضوع (المسألة) محسوم (ة)». ويبدو أن الرئيس التركي يقول من غير لبس إن الدول الضامنة لا تؤيد صفقة دمشق مع الأكراد. وموسكو وطهران لم تدحضا أو تنفيا كلامه.
والملفت أن القوات التي أرسلت إلى عفرين لا تضم عناصر منظمة من الجيش السوري بل مقاتلي قوات الدفاع الوطني، وذلك من أجل إفساح المجال أمام النأي بالنفس. وهذه البنية أنشأها الإيرانيون في سورية، وتحاكي ميليشياتهم مثل «الباسيج» والألوية الشيعية الموالية لإيران. ويدل الرهان على الميليشيات على أن السلطات في دمشق والأكراد في عفرين لا يستبعدون الضربات التركية. وقد تعرضت قوات إيرانية الولاء مراراً وتكراراً لهجمات تركية وأميركية خلال العام الماضي، ولم يردّ عليها. ولم يتخلَ نظام الأسد عن فكرة دخول بلدة عفرين، ولكن يرجح أن يجلو الدخول هذا على صورة «تسلل» ميليشيات إلى المنطقة. ونظرياً، لا يترتب على التسلل هذا مواجهة مباشرة بين أنقرة ودمشق.
ورمى تسريب معلومات عن مفاوضات بين الأكراد ودمشق إلى التأثير في خطط تركيا. وهذا جلي في تصريحات الممثلين الأكراد. فبعضهم يتحدث بنبرة واثقة عن اتفاق أُبرم، فيما يشير آخرون إلى «اتفاق عسكري غير سياسي». ولم تتضح تفاصيل الاتفاق هذا بَعد. ونقلت مصادر صحيفة عربية خبراً مفاده أن الأكراد، مقابل نشر قوات موالية للحكومة لحمايتهم من تركيا، على استعداد لمنح النظام السيطرة على مصنع الغاز، «كونوكو»، على الضفة الشرقية لدير الزور- وهي المنشأة نفسها التي حاولت قوات شيعية وروسية خاصة اقتضامها من «قوات سورية الديموقراطية» في بداية الشهر الجاري.
وليس معروفاً بعد كيف تلقت موسكو وواشنطن هذا الاقتراح. ولكن، وفقاً للمصدر نفسه، كشف مسؤول عسكري روسي عن «عدم وجود أي تعليمات من موسكو» حول هذا الشأن في اجتماع بين الجيش السوري والقوات الروسية والأكراد، عشية محاولة دخول القوات الموالية للحكومة إلى عفرين. وفي مقابلة مع قناة كردية قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إنّ روسيا مستعدة للوساطة بين أطراف النزاع في عفرين، فيما نأى بروسيا عن الترتيبات الحاصلة بين الأكراد ودمشق بالقول، «موسكو يمكن أن تعرف عن الصفقة، على خلافي». وأعرب وزير الخارجية، سيرغي لافروف، عن قناعته بأن «المصالح المشروعة لضمان أمن تركيا يمكن أن تتحقق من طريق الحوار المباشر مع حكومة الجمهورية العربية السورية». ويتضمن البيان إشارة واضحة إلى أن عفرين قد تكون جسراً إلى استئناف العلاقات الرسمية بين دمشق وأنقرة واعتراف أردوغان بمشروعية الرئيس الأسد، في وقت يرى عدد كبير من اللاعبين الدوليين أن الرئيس السوري خسر مشروعيته بعد قتاله شعبه.
ووراء نأي موسكو بنفسها عن الوضع المربك الحالي أسباب كثيرة، منها عدم الرغبة في التورط، والخوف من إفساد العلاقات مع الحلفاء التكتيكيين، وفقدان الحد الأدنى من التفاعل مع الخصوم الإستراتيجيين. ومع ذلك، قد ترتجى فائدة من لعب موسكو دور حافظ السلام. وحتى قبل بدء العملية التركية، كان جلياً أن سيطرة أنقرة على منطقة عفرين كلها متعذرة من دون اللجوء إلى قوات عسكرية برية كبيرة «جيش»، وتكبد تكاليف وخسائر. وموسكو لا يخفاها واقع الأمور المعقدة، ويرجح أنها توقعت اضطرار تركيا إلى تسليم الأراضي إلى القوات الحكومية، في وقت تهدد وحدات الحماية الكردية أنقرة تهديداً مباشراً. وإلى ذلك، يؤدي تعاظم التوتر حول عفرين إلى زيادة الضغط التركي على الأراضي الكردية الأخرى التي تسيطر عليها «قوات سورية الديموقراطية» (قسد). وهذا يحمل «قسد» على التفاوض مع دمشق، مما يقوض الجهود الأميركية لبناء «سورية البديلة» في شرق البلاد. وتعثر المساعي الأميركية يصب في مصلحة روسيا.
والحملة العسكرية التركية مستمرة منذ خمسة أسابيع. وجلّ ما يسع الجيش التركي أن يعلنه هو تشكيل حزام أمني على طول الحدود السورية– التركية. ولكن الحزام هذا إلى اليوم بالغ الصغر ولا يقوّض قوة الأكراد ولا يصيبهم بمقتل، ولا يطمئن المعارضة السورية الموالية لأنقرة. ولذا، يتواصل توسيع السيطرة التركية على الأراضي في عفرين.
وتملك دمشق فرصة لتعزيز قوة مؤيديها في عفرين بأسرع وقت. وعليها تفادي ما يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الجيش التركي. وبعد ذلك، من الممكن الاتفاق مع الأتراك على تقسيم الجيب الكردي. فيسع روسيا أن تؤدي، مرة أخرى، دور الوسيط.
* خبير في العلاقات الدولية، عن موقع «آر به كا» الروسي، 21/2/2018، إعداد علي شرف الدين
الحياة