صفحات الثقافة

طائرة دون طيار


جمال داوود

“حلم للجثة الصغيرة”

أحلم بالطائرة..

طائرة ترفعني فوق الحرب والضغينة

طائرة من الشوكولا ربما والقشدة تذوب في فمي

طائرة من الحب والقبلات وألعاب الكومبيوتر

طائرة تفتح لي عالمًا جديدًا..غير هذا العالم الذي يستهدفني

لا…بالتأكيد ليست تلك الطائرة التي فوقنا

لقد أخطأ القدر مجددًا في فهمي..

كوني طفل طموح…لايعني أني أريد أن أموت ميتة مختلفة

عش أيّها الطيار…واتركني لأعيش….

لربما حلقنا سوية

“كتب الطفل الذي تتعقبه قذيفة “

.

.

درس في الطائرات والوطن

يكتب الطفل رسالته الأولى للطيار

بعد أن تعلم الكتابة

وقد ظن أن العسكري يحمي الحدود

وأهدافه خارج الورقة البيضاء النقية

التي تدعى وطن

وقد أخطأ الطفل…وأصابت القذيفة

.

.

هويّة الطيار

اولئك الذين قتلتهم…كانت أحلامهم تتدلى فوق أحلامك

وأطفالهم قد ولدوا من رحم الغيم…وأعلى

وكانت لديهم قصص…تروى

فيما أنت مجرد قاتل مأجور, برتبة ضابط طيار

وبعقل مسطح

.

.

يال حجم الفراغ الذي في رأسك

نحتاج لطائرة لنبلغ آخره

نحن…قتلاك

أيّها الطيار

.

.

بوصلة

نحن من نصنع لك الخبز, ومن نطحن لك الطحين, ومن نعلم ابنك بالمدارس

ومن نبني لك غرفتك, لتضاجع امرأتك بعنف…حين ترجع من قصفنا, ثم لتنام وينام أطفالك..بطمأنينة

نحن نأكل مثلك الجبن مع الشاي, ونقف على طابور المازوت, ونحتفل بجرة الغاز

 ونعجن مشاكلنا اليومية بخبر التنور

نحن..أنت أيّها الطيار…وقد ضاقت بنا الأحوال

فاسمح لنا أن نثور..

.

.

خطأ قاتل

نحن قتلاك المحليون…الوحيدون

نحن الشجرة والنهر والبيت المسكين

وبعض المتظاهرين

وربما المسلحين…بالصبر

نحن قتلاك الصغار…لم نقصد يومًا تعكير مزاجك

نأسف على ازعاجك…إن كنا دبكنا على سقف داركم يومًا

أو كسرنا زجاج بيتك يومًا…بأحلامنا الحادة

أو حطمنا لكم مزهرية للأزهار الميتة

أو دعسنا بالطين على بلاط سطحكم المخالف

أو إن كنا قضينا تلك الليلة نبكي متألمين..من الرشح أو الجوع أو القذائف

هكذا نحن أيها الطيار…نعبث نمرح نثور على الحياة…نعترض

نريد تغيير الرئيس

لكننا لانستحق منك القتل…

نحن بالحقيقة أطفالك أيّها الطيار…وقد طالهم الذل

وقد صرخوا…

.

.

“جثث فضولية”

وتتساءل تلك الجثة التي أشرقت عند الفجر

كيف ترانا من هناك؟ بشرًا نمشي, أم أوبئة؟ أم حشرات خطيرة صغيرة, تستحق الدعس؟

ألست مثلنا؟ جثة تأجل قرار إعدامها..إلى إشعار آخر أو ثورة أخرى أو انشقاق آخر؟

 وهل تملك قرارك أيها المستعبد؟ أيها المجند؟

ألم تكن يومًا على الأرض أيّها الطيار؟ ألن تعود للأرض التي أنجبتك؟ ألن تجلس معنا غدًا على قهوة أبو درويش, لتروي لنا كيف تبدو بلدنا من فوق؟

“نحن الدراويش…جمهورك أيها الطيار العربي السوري…و”مشجعينك

من نفخر بك…أمام دول العالم الآخر

” أليس لديك أقارب يقصفهم طيار آخر؟ “

“تتساءل جثة محتملة”

..

.

هوية الكاتب

وإن سألت عن هويتي أيّها الطيار

أنا واحد من الذين يصفون آلام الموتى من الأسفل

أحاول تصحيح خطأ الطيارين

والمسؤولين والرؤوساء الموهومين بأنهم رؤوساء

أحاول تحقيق الموازنة

بين الإنسان والمعدن الذي تصنع منه الطائرات

بين الكافر ورجل الدين

بين الثائر والديكتاتور

أحاول إصلاح خطأ الجينات…أو المنصب أو الموت

أحاول ألا أكون زرًا بيد من يظنون أنهم فوق

أحاول ألا أكون أنت أيّها الطيار

.

.

“جثث فضولية 2”

قل لنا أيها الطيار..

قبل أن تصعد للسماء

هل كنت تنوي قصف نهدي دمشق؟ التي سقتك الحليب

أيّها الطيار

ماذا كنت تتدندن وأنت تكبس الزناد

للموت ياأهل الشام؟ يا أهل الراية والشهامة؟

إلى الجحيم ياحلب الشهباء؟ يا بلد المتنبي والقلاع المتينة؟

وداعًا يا حمص يا بلد الوليد؟ يا بلد الشهيد؟ يابلد الطيبة والنخوة

وداعا يا بائع الفول و التماري والشعيبيات والفلافل والصفيحة والكباب؟ ومن أين لتأكل بعدهم يا أيها الطيار؟

ومن أي الأسواق ستشري لأطفالك الملابس, إن أنت حطمت كل الأسواق وقتلت كل الشغيلة؟

هل تدري كم عاشق قتلت أيها الطيار؟

كم صبية؟

كم طفل يحلم ببناء سورية؟

كم طفل يحلم أن يكون طيارًا لينجو ربما مع أهله من جحيمك؟

قل لنا أيها الطيار…هل بدلتك العسكرية غالية الثمن؟

أغلى من طاولة عشاء؟ لأسرة تناولت القذيفة

.

.

“مجرد أثر للقذيفة”

كانت تهمس لخطيبها…في السر عند سقوط القذيفة المدوية

طفل تعلم المشي…والقفز من فوق سرير من الشوك

رجل فشل في مصارعة القدر والذل,  لكنه لم ييأس وأصر على البقاء

تحت هدير الفقر والطائرات التي دفع ثمنها..

طبيب يداوي جراح رجل لايعرفه, قبل أن يداوي جراحه المميتة

مهندس بناء مشرد, ليس لديه بيت

عجوز لاتتوقف عن التكرار…إنه ذنبا أننا سكتنا

حانوتي طماع من أصل روسي…يبيع الأكفان والقذائف بالسوق السوداء

فلاح يقول لزوجته: انتظرنا المطر…أمطرت قنابل

أب يعاتب ولده: شو كان بدكن بهل شغلة؟

أم توصي ولدها: لاتاخد شي من حدا غريب ماما

شيخ يوصي أتباعه بالصلاة وتجنب دخول الحمام بالرجل اليمين

ثائر يشعر بالذنب لا لموته, بل لموت من حوله من ضعفاء ومكبلين وخائفين

عانس تقول لو أنها تمطر عرسانا, ثم تتمدد على شكل هدف محتمل

موظف نال علاوة أو ترقية أو رشوة, يقول: عجبكن هيك؟

ربما كان هناك أحد الموالين لك أيها الطيار فالقذيقة لاتستطيع التفريق بين المواليين للموت أو المعارضين

شاب يفتح الفيسبوك…باسم مستعار..عله يخادع الخوف, أو الموت

فالموت كان هناك معهم…يلعب بلعب الصغار

وأنت أيها الطيار….و أنا

كنا بينهم…

لكن قذيفتنا بالذات….تأجلت أو أخطأت مسيرها

نحن قصص تروى…نحن الحياة تخنق

لسنا أثرًا لقذيفة واحدة

.

.

“هوية الطيار 2”

أجسادهم كانت ضخمة

والأرض لم تكن لتتحمل خفة دمهم

اولئك الصغار

من قتلتهم

لم يكفيهم رصاص المرتزقة ولا خطابات الرئيس ولاتجاهل العالمين لوجودهم

كانوا بحاجة لقنبلة ضخمة

لتسكت ضحكاتهم العملاقة

وتثير دهشة القراء, وتربح كل الجرائد التي نشرت الخبر

“طيار سوري يقصف أطفاله بالطائرة”

.

.

لقد غشك الزجاج المغشا

وذلك الوحش الأجنبي الذي يطير

الذي تسكن جوفه

الذي يقذف النار كالتنين

الذي دمر قريتنا

الذي قطع آخر حبل يصل دماءنا ببعضها

.

.

لاتنظر لنا في الأسفل ونحن نعاني منك

فلو أنك لم تكن تعاني من الداخل لما قررت أن تتحول دروبنا وأخاديدنا وذكرياتك معنا

إلى أثر قذيفة

.

.

فإن باغتني الموت وأنا أكتب رسالة للطيار الذي يقصفنا

نحن الصغار..

فاعلموا أنه لم يكن أبدًا فوق

فوقنا…

وأني لازلت أحب الطائرات التي تحلق نحو الأعلى

ولازلت أحلم بأن أسمو…أن أطير

لكن استخدامي لكلمة طيار..

هو مجرد خطأ بالتعبير…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى