طلاب الحسكة بين مطرقة الأكراد وسندان تنظيم الدولة/ أيمن الحسن-الحسكة
اشترى والد الطفلة سارة المستلزمات الدراسية وأرسلها إلى المدرسة القريبة من بيتهم في مدينة الحسكة بشمال شرق سوريا، وبعد عودتها إلى المنزل، أخبرت والديها بأنها “لا تريد العودة إلى المدرسة لأن معلم اللغة الكردية هدد بأنه سيرسل الآبوجية (وحدات حماية الشعب) لاعتقال ذوي أي تلميذ يتلف كتاب اللغة أو يعبث فيه”.
ورغم محاولة ذوي سارة إقناعها بأن الأمر مجرد تحذير من أجل الحفاظ على الكتاب، فإنها استمرت -ببراءة- ترديد عبارة “يريدون سوق والدي إلى السجن، لا أريد الذهاب إلى المدرسة”.
معاناة سارة تروي قصة طلاب مرحلتي الأساسي والثانوي في مدارس مدينة الحسكة التي يقطنها خليط من العرب والكرد، من أزمة تعليمية حادة تهدد بضياع مستقبل جيل بأكمله، حيث تفرض الأحزاب الكردية وتنظيم الدولة الإسلامية (طرفا الصراع في المنطقة) على الطلاب المناهج الذي تتلاءم وتوجهاتهم.
وبخلاف عائلة سارة، ينظر أهالي الطلاب الأكراد إلى المنهاج الجديد بعين الريبة، خاصة مع عزم الإدارة الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي طباعة مناهج لجميع مراحل التعليم، وهذا يحرم أبناءهم من القدرة على الدراسة في الجامعات السورية بالمحافظات الأخرى، وصعوبة إنشاء جامعات تتمتع بكفاءة علمية في فترة قصيرة، مستشهدين “بأزمة اللغة” للطلاب الأكراد في مدينة كركوك العراقية.
النشيد الكردي
من جهتها، نقلت وكالة “هاورا” الكردية للأخبار عن معلمي اللغة الكردية قولهم إنهم كانوا يتعلمون اللغة العربية قسراً في مدارس النظام السوري، كما كانت اللغة الكردية ممنوعة على الأكراد.
وأضافوا أنهم يدركون جيداً أهمية هذه الفرصة التاريخية، وأهمية نشر وتطوير وتعليم اللغة الكردية في المدارس، لأنها هوية الشعب الكردي.
وعلى سبيل المثال، يعاني التلاميذ في الصف الأول الابتدائي من ضخامة وعدم اتزان المنهاج بسبب تدريس المنهاج الكردي المؤلف من ثلاثة كتب للغة الكردية والرياضيات والعلوم،، إضافة إلى تدريس منهاج وزارة التربية، واللغة الإنجليزية.
ولم يكن المنهاج الضحية الوحيدة، حيث تم إلغاء النشيد الوطني في جميع مدارس القامشلي، ويتم ترديد النشيد الكردستاني “رقيب” في الأحياء الكردية من المدينة، بينما مدارس باقي الأحياء لا تُردد أي نشيد. وتعاني معظم المدارس من الفوضى وعدم التزام التلاميذ بالدوام، حسب المدرس يحيى الأحمد من مدينة القامشلي.
ويشكو الأحمد في حديثه للجزيرة نت من عدم توافر الكتب المدرسية التابعة لوزارة التربية والتعليم، بسبب فقدانه السيطرة على جميع الطرق البرية المؤدية إلى محافظة الحسكة، ويضيف أن هناك أنباء عن اتفاق مع اليونيسيف لإدخال الكتب المدرسية، “لم نرَ نتائجه حتى اليوم”.
وأشار المدرس إلى خوف المعلمين عرباً وأكراداً من قطع مديرية التربية بالحسكة لرواتبهم التي تُعد مصدر رزقهم الوحيد، كما حصل مع أقرانهم في مدينة عفرين الذين وقعوا بين مطرقة الإدارة الذاتية ومنهاجها الكردي، وسندان وزارة التربية في حكومة النظام.
وقال عبد الله السالم المعلم بمدرسة في مدينة رأس العين الواقعة تحت سيطرة المسلحين الأكراد، إن مديري المدارس في المدينة يقعون تحت ضغط تدريس المنهاج الكردي بمدارسهم، ولدى مراجعة المجمع التربوي ومديرية التربية بالحسكة يكون الجواب وعلى لسان مديرة التربية إلهام صاروخان “ليس لي أي علاقة إلا بتدريس منهاج وزارة التربية فقط”.
فصل الجنسين
وهذا كلام لا يلقى آذاناً صاغية -يتابع السالم- لدى مكتب “حركة اللغة الكردية والتدريب” التابع لحزب الاتحاد الديمقراطي في المجمع التربوي بالمدينة، والذي بدأ بتخصيص 16 حصة دراسية للغة الكردية خلال الأسبوع لطلاب الصف الأول الابتدائي (التعليم الأساسي).
وأكد السالم أن مدارس الحسكة عامة تعاني من نقص في الكادر التدريسي نتيجة عدم تعيين خريجي الجامعات الذين لم ينهوا الخدمة العسكرية الإلزامية ويرفضون الخدمة ضمن جيش النظام، لذا تلجأ مديرية التربية التابعة للنظام السوري إلى تعيين حملة الشهادة الثانوية لسد النقص، وتفوق أعدادهم العشرين ألف معلم في المحافظة، حسب الأرقام الرسمية للمديرية.
على الجانب الآخر، يشترط تنظيم الدولة لإعادة فتح المدارس في مناطق سيطرته بريف الحسكة، التقيد بالشروط التي وضعها “ديوان التعليم” التابع للتنظيم، وأهمها الفصل بين الجنسين.
وقالت مصادر مقربة من التنظيم للجزيرة نت إن الكوادر التعليمية يجب أن تلتزم بحضور دورة شرعية في “ديوان التعليم” التابع له في مناطق سيطرته بريف الحسكة، لتبيان الهدف من الفصل بين الجنسين، وأسباب حذف مواد التاريخ، والديانة، والفلسفة، والموسيقى، والرسم، والرياضة من المنهاج.
وأفادت مصادر مديرية التربية بالحسكة للجزيرة نت بأن مئات المدارس في مناطق تنظيم الدولة مغلقة، وتستعد لاستقبال الطلاب الذكور إلى حين تجهيز كوادر وأقسام للإناث، مشيرين إلى أن الكوادر التعليمية لا تزال مرتبطة بمديرية التربية في الحسكة وتستلم رواتبها منها، وسط حديث عن قطع رواتب كل معلم يخضع لهذه الدورات.
الجزيرة نت