ظهور نصر الله.. ومقابلة الأسد
ديانا مقلد
كأنما هناك خيوط عدة تجمع ما بين الظهور العلني المفاجئ للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بين أنصاره في مهرجان إحياء ذكرى «عاشوراء» في بيروت؛ بعد سنوات من حصر ظهوره بشاشات عملاقة وعبر التلفزيون، والمقابلة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد مع شبكة «ABC»، وهي أول مقابلة له مع وسيلة إعلام أميركية منذ بدء حركة الاحتجاج في سوريا.
الرجلان أرادا إرسال إشارات ومضامين عبر خيارات الظهور هذه التي صادف أنها تزامنت في التوقيت والظروف.
في الحالة الأولى، يتبدى في خرق نصر الله لكل التهديدات الأمنية، والظهور أمام جمهوره وأمام الإعلام شخصيا ولو لدقائق قبل أن يعاود الاختفاء خلف شاشة، محاولات لبعث رسائل عدة قد يختصر بعضها في أن نصر الله أراد طمأنة جمهوره والشد من عزيمته بأنه لا يزال قويا، كما أنه أراد أن يؤكد للعالم مواصلته دعم نظام الأسد، صابا جام غضبه على رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون. إذن، أخبرنا الرجل وهو يحيي الجماهير التي احتشدت حوله أنه سيستمر في خياراته مهما كان الثمن باهظا.
في حالة الرئيس الأسد، فقد اختار هذه المرة مخاطبة الأميركيين بالدرجة الأولى عبر مقابلة تلفزيونية جرت في نفس اليوم الذي كانت فيه وزيرة الخارجية الأميركية تجتمع مع قيادة المعارضة السورية لمناقشة استراتيجية إدارة سوريا في مرحلة ما بعد سقوط الأسد. لكن الأسد، وعلى عكس النبرة العالية للسيد نصر الله، حاول الظهور بشكل أكثر مرونة من خلال تحييد نفسه بقوله: إنه رئيس لسوريا، وليس مالكا لها، ومحاولته التنصل من العنف الرهيب الذي يمارسه الأمن السوري ضد المتظاهرين من خلال تكرار الحديث عن أخطاء يرتكبها «أشخاص» وليست ماكينة قتل وعنف كاملة بناها النظام ويمارسها على نحو منهجي.
لكن ما بين لغة التحدي التي اعتمدها نصر الله، والمناورة السياسية غير الناجحة التي مارسها الأسد بدا لجوء الرجلين إلى ظهور كالذي عمدا إليه كأنه نوع من الاعتراف بمأزق فعلي يواجهانه، وسيتحملان تبعاته معا، ومعهما للأسف جمهور واسع انجرف وراء خطاب مضلل أغشى العيون وحجب العقول عن ذاك الدم المراق في شوارع حمص، وعموم سوريا، وفي سجون النظام.
كأننا نعيش اليوم في اللحظات الأخيرة من مشهد اكتمال نجاح الثورة السورية، وما المسارعة إلى ظهور علني من هنا ومقابلة من هناك سوى تعبير عن انسداد أفق فعلي وسط استمرار غليان الشارع السوري، ووسط الضغط الدولي، ولو البطيء، على النظام.
إنها تفاصيل غالبا ما تكررت في حروب وثورات دفعت برموزها إلى الانجراف أكثر وراء خيارات جذرية تحرق فيها كل خطوط العودة إلى الوراء.
كلنا بات جازما بأن سقوط نظام الأسد بات مسألة وقت لن يطول. حتما، ستكون تداعيات ذلك السقوط مدوية، وقد لا تخلو من عنف وأزمات. لكن محاولات الاستنهاض، كما في حالة نصر الله، والتنصل، كما في حالة الأسد، لن تساهم في كسب الجولات الأخيرة ولو إعلاميا.
الشرق الأوسط