عبدالباسط سيدا وإضاءة جديدة على كرد سوريا
هوشنك أوسي
رغم أن بدايات الحراك الثقافي والسياسي الكردي في سوريا، تعود جذوره إلى حقبة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم، وصولاً لتأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا صيف 1957، لكن قضيّة الشعب الكردي في هذا البلد، لم تبرز على سطح التداولات السياسيّة والإعلاميّة، بشكل لافت وملحوظ، إلاّ من خلال حدثين هامّين في التاريخ القريب لسوريا، الأوّل؛ انتفاضة الكرد على نظام الاسد في 12/3/2004، وما رافقها من قمع دموي مارسه النظام ضدّ المنتفضين، أودى بحياة ما يزيد على 30 مواطناً كردياً، وإصابة المئات بجراح، واعتقال الآلاف. والحدث الثاني؛ الثورة السوريّة منتصف آذار 2011، التي شارك فيها الكرد منذ بدايتها.
وخلال السنوات القليلة الماضيّة، تعرّضت القضيّة الكرديّة في سوريا إلى الكثير من التشويه والتحوير، من قبل نظام الأسد ومعارضته، ما خلق تصوّراً مشوّهاً، سلبيّاً، لدى المواطن السوري والعربي، العادي والمسيّس أيضاً، حيال الكرد وقضيّتهم وحقوقهم ومطالبهم. على الطرف المقابل، لم تدّخر النخب الثقافيّة الكرديّة السوريّة جهداً في إطار التعريف بالكرد السوريين وعدالة قضيتهم وحقيقة مطالبهم ونضالهم السلمي، بعيداً من كل محاولات التحوير والتزوير والتدليس والتشويه.. الممارسة بحق الكرد وقضيتهم.
وفي هذا السياق، تأتي أهميّة الجهد البحثي، الأكاديمي، التوثيقي، الذي يقدّمه عبدالباسط سيدا، القيادي الكردي في «الائتلاف الوطني السوري…» المعارض لنظام الأسد في كتابه الموسوم بـ»المسألة الكرديّة في سوريا.. فصول منسيّة من المعاناة المستمرّة» والذي صدرت طبعته الثانيّة مؤخّراً في 294 صفحة من القطع الكبير، عن دار «عمار» للتوزيع والنشر في العاصمة الأردنيّة عمّان.
قسّم المؤلّف كتابه إلى خمسة فصول، هي عبارة عن دراسات وأبحاث سياسيّة – اجتماعيّة، تتناول الوجود التاريخي للكرد في سوريا، وطبيعة معاناتهم، وكيفيّة تعاطي النظام السوري ومعارضته معهم. والفصول هي: 1- جريمة استعماريّة ومأساة مستمرّة. 2 – كردستان سوريا أم مناطق كردية في سوريا؟ 3 – واقع الشعب الكردي في سوريا راهناً. 4 – الاضطهاد المزدوج. 5 – حزب البعث والمسألة الكردية في سوريا.
كما أرفق الكاتب أبحاثه ودراساته، بملحقين هما: «ويبقى الحوار العقلاني سيد الموقف» و»جدول بأسماء الأسر الكرديّة الدمشقيّة». وأورد ثلاث وثائق دوليّة تتعلّق بالقضيّة الكرديّة بشكل عام، وتسع وثائق سوريّة صادرة عن النظام السوري بحقّ الكرد في سوريا، تشير إلى مدى السياسات والمشاريع العنصريّة التي مارسها النظام بشكل ممنهج بحقّ الكرد، من تعريب واستهداف سياسي وقانوني وأمني وديموغرافي، على مدى عقود. كما أضاف سيدا مجموعة مقالات مختارة، كتبها عقب انتفاضة 12 آذار سنة 2004، وأثناء الثورة السوريّة، يشير فيها إلى موقفه وتحليله للانتفاضة الكرديّة سنة 2004 ودور الكرد في الثورة السوريّة، ورؤيته لهذين الحدثين من حيث الأسباب والإرهاصات والمجريات. كل ذلك، إلى جانب نشره بعض الوثائق الصادرة عن المعارضة السوريّة فيما يخصّ كرد سوريا وقضيتهم، بعد اندلاع الثورة، منها: «وثيقة تونس حول المسألة/القضيّة الكرديّة في سوريا« و»الوثيقة الوطنيّة حول القضيّة الكرديّة في سوريا« الصادرة عن المجلس الوطني السوري، و»نص الاتفاق بين الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السوريّة والمجلس الوطني الكردي في سوريا«. وبالتالي، هذا الكتاب الذي اعتمد فيه مؤلّفه على نحو 28 مرجعاً عربياً و23 مرجعاً أجنبياً، يمكن اعتباره من المصادر والمراجع الهامّة التي يمكن أن يعود إليها كل باحث أو دارس أو مهتمّ بالقضيّة الكرديّة في سوريا.
الحقّ أنه إلى جانب العمق التحليلي – السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي، النفسي، الذي أجراه سيدا على النظام والمعارضة والحركة السياسيّة الكرديّة، والكمّ الكبير من المعلومات الموثّقة بهذا الخصوص، لم يقتصر أسلوب سيدا في كتابه هذا على نقد النظام والمعارضة قبل وبعد الثورة السوريّة، لجهة تعاطيهما مع القضيّة الكرديّة، بل انتقد الكرد والأحزاب والنخب الكرديّة أيضاً، في أمكان عديدة من الكتاب، حيث ذكر في المقدّمة: «تمكّن النظام من تحييد قسم من القوى السياسيّة الكرديّة، استناداً إلى دفاتره القديمة، إلى جانب حرصه على عدم تصعيد الوضع في المناطق الكرديّة، في سعي حثيث منه لإظهار الثورة بالمظهر الإسلامي المتشدد». وأشار سيدا إلى أن المعارضة أيضاً متورّطة، إلى جانب النظام، في تحييد الكرد عن الثورة، معللاً ذلك بـ»عدم قدرة العديد من قيادات المعارضة السوريّة، سواء ضمن المجلس الوطني السوري أو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية لاحقاً، على التحرر من المنظومة المفهوميّة التي رسّختها سلطة البعث الاستبداديّة على مدى عقود». وعدم تمكّن تلك القيادات «من التعامل مع المسألة الكرديّة في سوريا بوصفها مسألة وطنيّة في المقام الأول، ولم يدركوا أهميّة حجمها الإقليمي، ومدى الاهتمام الدولي بها». لذا، يمكن القول: إن عبدالباسط سيدا، نجح إلى حدّ كبير في التعريف، مجدداً، بالكرد السوريين وقضيّتهم، للقارئ والباحث والمواطن العربي، بطريقة أكاديميّة، ولغة سلسة، يمكنها أن تشكّل لدى المتابع والمهتمّ بشؤون الأقليّات القوميّة في المنطقة، تصوّراً واضحاً معتدلاً عن واقع الحال الكرديّة في سوريا، قبل الثورة السوريّة وبعدها.