عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري: لا بد أن يرحل بشار وبعدها نتفاوض مع مسؤولين لم تتلطخ أيديهم بالدماء
رئيس المجلس الوطني السوري لـ «الشرق الأوسط» : يجب أن نركز على وحدة الصف لنفوّت على النظام مخططه الخبيث
شيرزاد شيخاني
بعد فشل جهود المجتمع الدولي عبر مجلس الأمن للضغط على نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، لوقف مجازره وجرائمه اليومية ضد السكان المدنيين جراء المواقف المتعنتة لروسيا، ثم إعلان المبعوث الدولي كوفي أنان فشل مهمته في سوريا، يبدو أن رئيس المجلس الوطني السوري بدأ يتجه حاليا إلى منحى آخر لحلحلة الوضع داخل سوريا عبر تعزيز الدور الإقليمي في المواجهة الحالية مع النظام السوري، وتدخل زيارته الحالية إلى إقليم كردستان في إطار تلك المساعي التي تهدف بالمحصلة إلى تفعيل الجبهة الداخلية، فاللقاءات والاجتماعات التي نجح في جر تركيا إليها وبمشاركة فاعلة من قيادة إقليم كردستان ممثلا برئيسه مسعود بارزاني مع الأحزاب الكردية السورية المنضوية تحت المجلس الوطني الكردي السوري أثمرت عن تفاهمات سوف تنعكس في المستقبل المنظور على مجمل الوضع الداخلي بسوريا، خصوصا أن القيادة الكردية في سوريا كانت لها مآخذ كثيرة على المجلس الوطني السوري، وبخاصة في ما يتعلق بتهميش دور المكون الكردي، سواء في إطار المجلس الوطني الحالي أو في رسم مستقبل البلاد في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وبدا عبد الباسط سيدا، رئيس المجلس الوطني السوري، في حواره مع «الشرق الأوسط»، مرتاحا لنتائج اللقاءات والاجتماعات التي عقدها في أربيل خلال اليومين الماضيين، والتي استغل فسحة فيها لزيارة اللاجئين الأكراد السوريين في مجمع دوميز الحدودي بمحافظة دهوك، ودعا هناك دول العالم إلى دعم اللاجئين السوريين المنتشرين على مناطق حدودية في دول المنطقة، مثمنا المبادرة السعودية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في هذا الإطار. في هذا الحوار تطرق سيدا إلى كثير من المواضيع والتطورات المستجدة على الساحتين الدولية والداخلية. وإلى نص الحوار..
> حضوركم وتركيا والهيئة العليا للأحزاب الكردية إلى إقليم كردستان مجتمعة، واللقاء بقيادة إقليم كردستان، يشي بوجود صفقة أو ترتيبات تتعلق بالوضع الكردي في سوريا، فماذا جرى خلال الاجتماع الرباعي، وبماذا خرجتم من ذلك الاجتماع؟
– هذه النشاطات واللقاءات التي قمنا بها في الإقليم تؤكد أن لإقليم كردستان دورا محوريا وأساسيا في ما يخص الوضع السوري، وبخاصة الجانب الكردي، ولا غرابة في ذلك لأن هناك علاقة قديمة بين قيادة الإقليم وشعبه مع القوى السياسية السورية وشعبها، وتندرج في إطار العلاقات الطبيعية العراقية – السورية، ومن المهم جدا أن نأتي إلى هنا لنتشاور ونتحاور مع قيادة إقليم كردستان حول القضايا المشتركة التي تهمنا، فلنكن واقعيين، فإن القضية الكردية تهم كثيرا من دول المنطقة، العراق وتركيا وسوريا.. فهذا الشعب موزع بين هذه البلدان في المنطقة، لذلك فإن الاهتمام المشترك بالقضية الكردية أمر مفهوم، بل لا بد من التحاور المستمر بهذا الشأن، وحوارنا الحالي يستهدف الوصول إلى تصور مشترك لحل هذه القضية حتى تكون عاملا للتواصل بين الجميع بدل إثارتها الصراع بينهم، في السنوات السابقة كانت مثل هذه الاجتماعات تعقد بين دول المنطقة للبحث عن كيفية قمع إرادة الشعب الكردي، لكن الآن تعقد هذه اللقاءات على أساس الإقرار بحق الشعب الكردي وهويته القومية وضرورة احترام حقوقه، وإلغاء السياسات التمييزية التي تتبع بحق هذا الشعب، خصوصا في سوريا باعتبار أن الموضوع الكردي في سوريا هو الموضوع المحوري الآن يتم التباحث بشأنه من مختلف الأطراف، لذلك نعتقد أن هذه المباحثات كانت جيدة وصريحة، وركزنا فيها على أنه آن الأوان لحل هذه القضية وغيرها من القضايا القومية والإقرار بحقوق جميع شعوب المنطقة في سبيل أن تتحول منطقتنا إلى واحة للاستقرار والأمان والتمازج الحضاري، وقدمنا المثال الأوروبي في هذا المجال، حينما خرجت أوروبا من حربين عالميتين لتتجاوز الماضي وتتغلب على جروح الحروب والمنازعات العقيمة، لتحقق تقدما هائلا، وأعتقد أننا قادرون في منطقتنا أن نفعل ذلك إذا تعاملنا مع الأمور بعقل وقلب مستنيرين.
> القيادات السياسية الكردية لديها مخاوف على مستقبلها، وكانت مآخذهم على المجلس الوطني السوري تتركز على مسألة التهميش والإقصاء للمكون الكردي، ويبدو أن هذا هو الذي أدى بهم إلى اللجوء لتشكيل مجلسهم الخاص وشق صفوف المعارضة السورية، فهل أعطيتم الأكراد تطمينات وضمانات بحصولهم على حقوقهم بعد سقوط النظام الحالي؟
– أولا «مصطلح المجلس العربي» هو مصطلح غير دقيق، فهذا هو مجلس وطني سوري يضم العرب والكرد والسريان والآشوريين والتركمان وجميع المكونات الأخرى، والعلاقة بيننا وبين المجلس الكردي كانت منذ البداية جيدة وكنا على تواصل، وكان هناك إصرار من قبلنا على ضرورة أن ينضم المجلس الوطني الكردي إلى المجلس الوطني السوري مع الحفاظ على شخصيته المستقلة، وأتينا إلى هنا في أربيل أكثر من مرة، وكانت لدينا لقاءات في مناطق أخرى من أجل بلوغ هذا الهدف، وأنا أعتقد أن العلاقة حاليا متميزة بيننا، ونحن قريبون من بعضنا البعض نتشاور يوميا حول كثير من الأحداث والتطورات على الساحة السورية، أما مسألة التخوفات فهذه المخاوف غير واقعية، والسبب الأساسي أننا في المجلس الوطني السوري ما زلنا في المعارضة، لم نتسلم الحكم بعد حتى نقول سنعطي هذا أو ذاك، لكننا أكدنا منذ بداية تأسيس هذا المجلس بأنه مبني على مشروع وطني سوري سيكون لكل السوريين، ونحن لا نقر بسياسات الإقصاء والتهميش والتمييز، ونقر باحترام كل الخصوصيات، ونسعى إلى أن يكون المجلس هو الحاضنة الوطنية السورية التي ستطمئن الجميع من دون أي استثناء على حقوقهم، ولن يكون هناك أي تمييز في سوريا بسبب الدين أو المذهب أو القومية أو التوجه الفكري، لذلك نأمل من الإخوة في المجلس الوطني الكردي أن يدركوا هذه الحقائق، وأن يتعاونوا معنا في سبيل أن نتوجه معا نحو المستقبل وبناء سوريا مدنية ديمقراطية تعددية تكون لكل أبنائها وبناتها.
* لكن هناك مشكلة، فهم يتحدثون عن أن المجلس الوطني السوري يريد بناء دولة المواطنة ويتنكر بذلك للحقوق القومية للآخرين، ويرون أن لهم حقوقا قومية مشروعة يجب الاعتراف بها، فهل أن المجلس على استعداد لإعطائهم الضمانات الكافية بهذا الصدد؟
– هناك وثيقة وطنية حول القضية الكردية في سوريا، وهذه الوثيقة متقدمة جدا من ناحية تحقيق الحقوق القومية للأكراد في سوريا ولم تسبقها وثيقة أخرى من أي حزب أو تنظيم سياسي سوري، وهذه الوثيقة تقر بصراحة بأن المجلس الوطني يلتزم بالاعتراف الدستوري وبالهوية القومية للشعب الكردي وبحقوقه ضمن إطار وحدة سوريا، إلى جانب ذلك يلتزم المجلس بإلغاء العمل بكل السياسات والإجراءات التمييزية المطبقة بحق الأكراد وتعويض المتضررين، كما يلتزم بتعريف سائر أبناء المجتمع السوري بالقضية الكردية والعمل على تنظيم فعاليات مشتركة بين الشباب الأكراد والشباب العرب لتعميق التواصل، لذلك نحن ننصح الإخوة الأكراد بالعودة إلى هذه الوثيقة التي تجيب عن كثير من التساؤلات.
> ما أسباب استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عن هذه الاجتماعات واللقاءات؟
– مسائل تنظيم اللقاءات والاجتماعات كانت مهمة الإخوة في إقليم كردستان، وليس لي علم بأبعاد هذا الموضوع، ولكن بالنسبة لنا فنحن نقول إننا نرحب بكل الفصائل والأحزاب والقوى التي تؤكد انتماءها للمشروع الوطني السوري، ونتعامل معها على أساس كونها جزءا من النسيج الوطني السوري بغض النظر عما إذا كان هذا الحزب كرديا أو غير ذلك، المهم أن يلتزم بإسقاط النظام ورفع علم الاستقلال الذي بات يوحد سائر السوريين.
> هل كان هناك أي تدخل أو دور تركي في مسألة استبعادهم؟
– لا لم يكن لتركيا أي دور في هذا المجال، وكما قلت اللقاء نظم من قبل الإخوة في الإقليم، ونحن نأمل من الإخوة في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أن يركزوا على المشروع الوطني السوري، وهو مشروع لصالح الجميع، وليس بيننا وبينهم أي خلافات شخصية، فخلافاتنا معهم هي خلافات في التوجهات، وأن تؤخذ الأمور بمنحى آخر مثل ربط الموضوع السوري بحزب العمال الكردستاني الذي له توجه آخر وسياسة وحسابات أخرى نحن لا نتدخل فيها، ولكننا نقول إن الوضع في سوريا مختلف ونحن مع تعميق وتوحيد الموقف الكردي ضمن إطار المشروع السوري، فإذا كان هناك التزام بهذا المشروع فلا توجد لدينا مشكلة مع أحد.
> لكنهم أكدوا مرارا أنهم ليسوا فرعا أو جناحا لحزب العمال الكردستاني، ثم يجب أن لا ننسى أن لهم مقاتلين ولهم قوة على الأرض قد تستفيدون منهم مستقبلا؟
– طبعا هذا الحضور المسلح لهم يثير أكثر من علامة استفهام، وبخاصة في المناطق الكردية، لأن تلك المناطق لم تشهد أي قلاقل أو مواجهات عسكرية، ونقول إنه نتيجة للوضعية الحساسة التي تتميز بها هذه المناطق لا بد أن ننتبه لمسألة استخدام السلاح، فنحن بالأساس لا نشجع على استخدام السلاح حتى طوال فترة الثورة السورية، كنا نريدها ثورة سلمية منذ البداية لكن النظام فرض علينا حمل السلاح. بالنسبة للمناطق الكردية هذا اللجوء إلى إبراز السلاح والتأكيد عليه أيضا أمر يثير أكثر من علامة استفهام، نحن نقول إن بإمكاننا أن نحل كل القضايا بالحوار والتفاهم بعيدا عن لغة السلاح، ومن جانب آخر نعتقد أن قيام بعض الأحزاب، وخصوصا هذا الحزب برفع الأعلام الحزبية لا يخدم المشروع الوطني السوري، طبعا نحن لسنا ضد هذه الأعلام ولكن نقول يجب أن نتضافر جميعا ونؤكد وحدة الموقف الوطني السوري.
> هناك تقارير تشير إلى وجود ضغوط على المجلس الوطني لفتح جبهات في شمال سوريا لتخفيف الضغط على دمشق وحلب، ما مدى صحة تلك التقارير، وهل تم بحث ذلك في الاجتماع الرباعي الأخير؟
– حتى الآن ليست هناك أي قوات عسكرية استراتيجية للنظام في المناطق الكردية حتى نفتح جبهة هناك، فأجهزة المخابرات والأمن لا تمثل قوات استراتيجية حتى نواجهها بالسلاح، لذلك يفترض أن نحافظ على هدوء الوضع في المناطق الكردية، وأن نعطي أهمية قصوى لمخاوف الإخوة العرب والسريان وغيرهم في المنطقة، فالنظام يحاول دفع الأمور نحو إحداث صراع بين هذه المكونات في سبيل أن يتمكن من دفعها لمواجهة بعضها بعضا بما يخفف عنه في نهاية المطاف، نحن في هذه المرحلة علينا أن نركز على وحدة الصف حتى نفوت على النظام فرصة تمرير هذا المخطط الخبيث.
> هناك دعوات كردية بإقامة مناطق آمنة هل تؤيدون ذلك بالنسبة للمكونات الأخرى؟
– نحن طالبنا بإقامة تلك المناطق والممرات الآمنة ومناطق الحظر الجوي منذ البداية، وهذا ليس حصرا في المنطقة الكردية، هم طلبوا إقامة مناطق آمنة في منطقة الجزيرة، ونحن نريدها لسائر المناطق الأخرى، على كل حال أعتقد أن الأهم من ذلك هو الحوار الوطني بين سائر المكونات المجتمعية في المناطق الكردية لإرساء أسس التفاهم الأخوي وتفويت الفرصة على النظام للنيل من وحدة الشعب.
> أعلن المبعوث الدولي كوفي أنان إنهاء مهمته في سوريا، وهذا في حد ذاته يعني فشل المهمة والرجوع إلى المربع الأول من الصراع، فماذا تتوقعون للمرحلة القادمة بعد فشل الجهود الدولية؟
– مهمة أنان كانت متعثرة منذ البداية، وكانت في الحقيقة مشلولة لأسباب، من الأفضل لصاحب المهمة وهو السيد أنان أن يكشف عنها، ويعلن أن المهمة فشلت نتيجة لها، لكي يفسح المجال أمام مبادرات أخرى أكثر فعالية، ونعتقد أن التصويت الذي تم اليوم في الجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل مدخلا لمبادرة جديدة قد تكون قادمة في المستقبل القريب.
> وماذا عن الموقف الروسي المتعنت والمتكرر، هل لديكم رسالة معينة لهم؟
– بالنسبة للروس نقول دائما إننا نرغب في إقامة أفضل العلاقات معهم، ولكن ليس على حساب دماء السوريين، وكنا في موسكو وعبرنا خلال لقاءاتنا معهم عن مواقفنا الثابتة، ولكن الروس مصرون على تفضيل هذا النظام ومده بالأسلحة، وهو الأمر الذي لا يمكن قبوله بأي شكل من الأشكال.
> هم دائما يركزون في تصريحاتهم ومواقفهم على ضرورة إجراء حوار بين المعارضة وسلطة بشار الأسد حلا للأزمة؟
– بالنسبة لنا فإن السلطة فقدت مصداقيتها وشرعيتها، وقلناها بصراحة في موسكو إن الحوار لم يعد ممكنا بيننا وبين هذا النظام، ولا بد أن يرحل بشار وزمرته، وبعد ذلك ننتقل إلى التفاوض مع المسؤولين الآخرين ممن لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين أو يتورطوا في قضايا الفساد الكبرى.
> قبل أيام قام الجيش السوري بقتل العشرات في مخيم اليرموك، فهل لديك تعليق على ذلك؟
– قبل كل شيء أتقدم بأحر التعازي إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس على استشهاد هؤلاء الفلسطينيين في المخيم، وأود أن أقول إن هذا هو النظام الذي كان يتشدق بشعارات الممانعة والصمود، وكان يعتبر نفسه قلعة صامدة في وجه إسرائيل ويدعي نصرة حق الشعب الفلسطيني، ولكن ظهر أن هذا النظام الدموي يحاول خلط الأوراق بعضها ببعض، فتراه يحدث مناوشات مع الجيش الأردني، ويحاول افتعال الحوادث مع لبنان أو تركيا ويقصف مخيم اليرموك، من خلال افتعال هذه الأمور يحاول أن يبين أنه يستطيع إلحاق الأذى بالآخرين، ولكن هذه المحاولات ستبوء بالفشل وستكون آخر محاولاته العقيمة لتخويف الشعب الثائر بوجه نظامه الدموي.
الشرق الأوسط