فاجعة سورية جديدة
غسان المفلح
“أفاد سكان في مدينة درعا جنوب سوريا أن قوات الأمن قتلت 6 أشخاص على الأقل، بعدما هاجمت المعتصمين أمام المسجد العمري بالمدينة، بعد منتصف ليل الثلاثاء الأربعاء 23-3-2011. وقال السكان إن من بين القتلى علي غصاب المحاميد، وهو طبيب من عائلة بارزة في درعا، والذي ذهب إلى المسجد في الحي القديم بالمدينة لمساعدة مصابي الهجوم”. نقلا عن العربية.نت
“أنذر بكل حزم وجدية كل صحفي أو إعلامي (حتى من غير السوريين) يقوم بتشويه حقائق انتفاضة شعبي السوري في درعا أو في أي مدينة أو قرية سورية أنه لن يلقى منا بعد أيام أي شفاعة أو عذر، وسيلقى أشد العقوبات. ولن نقبل منه حجة لقمة العيش أو ذريعة وجهة النظر. فدمنا الذي سال في شوارع درعا ثمين، ثمين جدا، أثمن من رقاب الأبواق الكاذبة والمنافقة.” الكاتب السوري المعروف الذي اعتقل بتاريخ 23.03.2011 على خلفية موقفه من الحدث السوري”.
لا أعرف احترت باختيار عنوان لهذه المقالة التي أزعم أنها تكتب تحت وقع فاجعة سورية جديدة، تكتب في حوران الآن بأسلحة النظام السياسي وأجهزته العسكرية والأمنية، هذا ما كان متوقعا دوما من هذا النظام، وما كان يمكن أن يشكل مفاجأة في الحقيقة” هو أن يترك الناس تعبر عن رأيها دون دم وقتل واعتقالات، وحصار مدن وقرى وأحياء بكاملها. ربما هنالك من يجد في العنوان استفزازا، أو تحريضا، لهم كل الحق بالطبع، لكنني مع ذلك حاولت أن أكثف في العنوان حقيقتين” الأولى- ان حوران وشبابها الذين استشهدوا واعتفلوا ولايزالون محاصرين سال فيها الدم ولايزال يسيل، على يد النظام السوري.كما لاتزال عمليات إطلاق الرصاص الحي على المعتصمين جارية وهنالك مزيدا من القتلى والمفقودين الذين بلغ عددهم أكثر من 800 مفقود حتى اللحظة، ولا أحد يعرف ماذا ينتظر حوران أيضا.
الثانية- أن هذا الشعار ردده المتظاهرون في مظاهراتهم السلمية قلبا وقالبا في أغلبية المناطق السورية التي حدثت فيها تظاهرات سلمية، فلم أتي بشيء من عندي بل من الحقيقة التي طالما تعامى عنها معظم مثقفي العرب، ومعظم مثقفي اليسار أن هذا النظام، أسوأ بكثير من أن يدافع عنه، ربما تخافه وربما لأنك تخافه تساومه في لحظات سياسية محددة كل هذا مفهوم، لكن أبدا من غير المفهوم أن تبيض صفحته لا على المستوى الوطني ولا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
الخيانة هنا ليس عمالة لهذه الدولة أو تلك، معاذ الله أن يكون أحدا من رجالات النظام هكذا، لكن الخيانة الحقيقة هي أن تقتل أبناء وطنك بدم بارد هكذا، وبدون تردد.
الأمر الخطير في الموضوع أيضا أن حوران ولؤلؤتها درعا اصبحت ولية دم هكذا ببساطة، ولية دم عليها أن تجد طريقة قانونية لاسترداد حقها، حوران لن تلجأ للعنف مطلقا مع أنها قادرة عليه، لكنها لا تسمح لنفسها بأن تكون مطالبة بدم أحد من أبناء سورية حتى من دخل شوارعها وأطلق الرصاص الحي وقتل أبناءها. حوران والقامشلي في عهد الابن بعد حماة وحلب في عهد الأب..
هذه المقالة ليست لتبيان طبيعة هذا النظام التي كنا نعرفها دوما، بل لتبيان حجم التواطؤ السياسي من قبل الحركة السياسية السورية” المعارضة” مع ما يجري، من خلال أنها مصرة على أصدار بيانات إدانة لما يقوم به النظام، كما أنني مندهش وعاتب لموقف الحركة السياسية الكردية التي احتفلت بنيروزها تحت وقع الدم في درعا، وبحضور رجالات النظام في محافظة الحسكة، كنت أتوقع أن تسير المعارضة عموما وفدا إلى درعا، أقله يقف عند مشارف المدينة، في حال لم يسمحوا له بالدخول..
فعاليات الأقليات الدينية كانت مع السلطة هكذا بصراحة بدءاً من الآغا خان في باريس وانتهاء بأجاويد جيراننا في جبل العرب مرورا ببطاركة الطوائف المسيحة، مرورا بقيادات الأحزاب السياسية الكردية كما كتب الصديق هوشنك أوسي مقالته بعنوان” منجزات وثمار انتفاضة درعا” حيث سمح النظام لهذه الأحزاب بالاحتفال بالنيروز هذا العام لكي لا يشاركوا أهلهم في درعا على الأقل حزنا فقط، بالضبط كما كان مشايخ الإسلام السني في المدن والتي تلمع أسماءهم في كل مناسبة البوطي والنابلسي وحسون وعكام..هؤلاء أيضا اشتد عود موقفهم المتواطء هذا بعد أن علق الأصدقاء في جماعة الأخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعارض قبل سنتين من هذه المجازر ولايزال نشاطهم معلقا حتى اللحظة!!
لا صوت لهم وأصبح لسان حالهم هاهم أكبر جماعة معارضة تتخلى عن معارضتها فلماذا نحن إذا؟ كنت اتوقع سلمية منارة الحرية أن تخرج بالشموع على الأقل..لكن يبدو تعلميات باريس من شبكة الآغا خان ألا تتحرك مدينة السلمية خاصة بعد أن توسط الآغا خان لرفع الحصار عن بشار الأسد مع الدول الكبرى سابقا فلايريد أن يضيع جهده هباء، بعد أن رفع الحصار..هل يعقل أنه لايوجد صوت واحد داخل هذه الفعاليات الدينية والطائفية، يقول فقط” ارفعوا الحصار عن حوران” ما الذي يحدث في سورية؟
سيقولون الآن أنني مناطقي أو طائفي لم يعد يهم مطلقا فحجم الدم أكبر من تلك الترهات التي لم تسوق في سورية إلا في ظل هذا النظام الدموي الفاسد وكتلته التاريخية..
سورية ممثلة بحوران الآن مستباحة ودم أطفالها وشبابها أرخص بكثير من أي كلام يقال…