“فورين بوليسي”: خطة جديدة لانقاذ نظام الاسد
نشرت “فورين بوليسي”، الخميس، مقالاً لمحرر الشرق الأوسط في الصحيفة دافيد كينير، بعنوان “إعادة كتابة الحرب السورية”، ويتناول فيه تحليلاً لتقرير غير منشور ومؤثر للصحافي السابق نير روزين، الباحث مع مركز “الحوار الإنساني HD Centre”، ويدعو فيه إلى إعادة النظر بشكل جذري بمفاهيم تحقيق السلام في الحرب السورية.
وكان المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا، ستفان دي ميستورا قد اعتمد في مقاربته للحل في سوريا، على خطة قدمها مركز الحوار الإنساني، بغرض تجميد القتال.
تقرير روزين، المكون من 55 صفحة، يتضمن تحليله الخاص، واستشهادات خاصة من مسؤولين سوريين حول رؤيتهم للنزاع. في التقرير، يجادل روزين، بأن المعارضة المسلحة أصبحت وبشكل ميؤوس منه، متطرفة، بينما يدعي بأن نظام الأسد هو غير طائفي بطبيعته. وأن الطريق الوحيد للخروج من هذا الصراع، عبر وساطة الأمم المتحدة “ايقاف محلي لإطلاق النار” بين المعارضة المسلحة والنظام، والتي من شأنها تمهيد الطريق لحقن الدماء، وانبعاث المؤسسات المحلية، ولو كانت على حساب التخلي عن الجهود الرامية للإطاحة ببشار الأسد، في المستقبل القريب.
التقرير جاء نتيجة مقابلات أجراها روزين مع مسؤولين أميركيين ومحللين في واشنطن، وكان محاولة للإجابة على أسئلة طرحت عليه خلال هذه المناقشات. وعندما انتهى من إعداده، أرسله إلى المسؤولين في وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، ومن ضمنهم المسؤول في المجلس روبرت مالي، حيث تمّ توزيعه على المجموعات المتخصصة بالسياسة السورية. في حين أنتج مركز الحوار الإنساني، نسخة من 11 صفحة من التقرير، تضمنت العروض السياسية نفسها، وحذفت منها استشهادات المسؤولين السوريين والعديد من التوصيفات الشاملة لطبيعة النظام والمعارضة المسلحة.
مع صراع الولايات المتحدة للدفاع عن مقاربتها تجاه سوريا، فإن الدعوة لوقف محلي لإطلاق النار قد تجد دعماً في البيت الأبيض. في الشهر الماضي، إدارة أوباما، بدأت مراجعة لرؤيتها السياسية في سوريا، بحيث تصب جهودها في قتال الدولة الإسلامية في استراتيجية أشمل للبلد. ولكن بينما أشار وزير الخارجية جون كيري إلى العلاقة بين الدولة الإسلامية والنظام السوري، ووصفها بالـ”تعايشية”، رفض أوباما بشكل متكرر اتخاذ أفعال تجبر الأسد للتخلي عن السلطة. وحين سئل في 16 تشرين ثاني/نوفمبر إذا كانت الولايات المتحدة تناقش بفاعلية طرق إزاحة الأسد كجزء من العملية الانتقالية السياسية، أجاب أوباما ببساطة: لا.
ورقة روزين، تمثل فقط رؤيته وليست الموقف الرسمي لمركز الحوار الإنساني. مع ذلك، استخدمت عبارات مثل: “نحن نسأل”، في إشارة إلى روزين ومنظمته، وتعرض خدمات المركز كمسهل للتواصل في كل الجوانب، وتلاحظ أن المنظمة يمكنها الوصول إلى الجميع؛ من مسؤولي نظام الأسد الكبار، إلى الضباط المنشقين، إلى قادة جبهة النصرة. وتضيف أن مركز الحوار لعب دوراً في تسهيل وقف إطلاق النار في حمص، و”ساهمت في إقناع النظام بأهمية هذه الصفقة”.
ورقة روزين هي أكثر من نصيحة سياسية “من خارج الصندوق”، فهي تمثل جهداً لتغيير الإفتراضات الغربية حول طبيعة الصراع السوري، والمواقف في كلا الطرفين، بشكل جذري.
روزين الذي أمضى وقتاً أطول من أي باحث آخر في مقابلة المسؤولين السوريين والموالين، يحاول إعادة تأهيل صورة النظام. فقد كتب: “بينما الدولة السورية لم تكن الأكثر جاذبية قبل انتفاضة العام 2011، فإن النظام السوري، أيضاً، لم يكن أسوأ نظام في المنطقة”. فـ”لديه نظام قوي للتعليم، وللرعاية الصحية وللشؤون الإجتماعية، وبالمقارنة مع بقية الحكومات العربية فإن النظام تقدمي وعلماني..لديه بنية تحتية صلبة وخدمات مدنية فعالة”.
مثل هذا التوصيف، هو على نقيض بشكل كبير مع تقدير معظم الموظفين الأميركيين والمحللين المستقلين. ففي السنين التي سبقت الانتفاضة، اتهم نظام الأسد بتنظيم حملة إرهابية في لبنان ضد مناوئيه، وبنى منشآة طاقة نووية سرية بمساعدة من كوريا الشمالية، وسهل انتقال الجهاديين إلى العراق لمقاتلة الغزو الأميركي، هذا عدا قمعه للمعارضة في الداخل.
جادل روزين أيضاً ضد الافتراض القائل بأن الاسد يرأس نظام هيمنة قائم على العلويين. كتب روزين: “معظم مسؤولي النظام من السنة، معظم مواليه من السنة، والكثير، إذا لم يكن معظم جنوده من السنة”. أو “النظام قد يكون وحشياً، سلطوياً، فاسداً وأي شيء آخر، ولكن لا يجب أن يرى على أنه طائفي”.
الطائفية غير موجودة في سوريا، جادل روزين، بل هي موجودة في المقام الأول، لدى مناهضي الأسد. وحشية النظام تجاه المعارضة السنية، كما كتب: “قامت نتيجة الخوف من طائفية السنة أكثر منها كنتيجة لطائفية النظام”.
لهذا السبب، يناقش روزين، بأن الحكمة التقليدية التي كرسها نظام الأسد، بأن قمع الأغلبية السنية ينطوي على عيوب قاتلة: “من الأكثر دقة رؤيته كنظام علماني متشدد يحكم سكاناً طائفيين، بحراسة امبراطورية علوية”.
على الجانب الآخر من الانقسام السوري، يقول روزين بإن كل المعارضة المسلحة المناهضة للأسد هي مكرسة لهيمنة السنة في سوريا، وليس لأي نوع من المستقبل العلماني الديمقراطي للبلاد. فلا يوجد مقاتلون معتدلون رفعوا سلاحهم منذ بداية الانتفاضة ليدافعوا عن أنفسهم؛ بل قاموا بذلك “انطلاقاً من الحماس الديني أو التطرف السياسي”.
قادة الثوار المدعومين أميركياً هم “أمراء حرب” أو تجار. وما يدعى ب”ثوار معتدلين” بحسب روزين، “يفضلون حكماً إسلامياً. هم ضد الليبرالية. نظرتهم للمرأة، العلمانية، الديمقراطية، غير السنة، وأي شيء آخر هي محافظة بعمق وغالباً سلفية. وهم متورطون في خروق خطيرة لحقوق الإنسان، أو جرائم الحرب”.
جاء تقرير روزين في وقت، تبدو فيه المعارضة المدعومة أميركياً في أضعف أحوالها منذ سنين. جبهة النصرة استأصلت كتائب متحالفة مع الجيش الحر في شمال إدلب، الشهر الماضي، مستولية على بعض آخر المناطق المسيطر عليها من حلفاء الولايات المتحدة في البلد. في الوقت نفسه، نظام الأسد يستمر في تقدمه إلى مناطق سيطرة الثوار في حلب، بينما الجهاديون والمعارضة المسلحة المعتدلة يتقاتلون مع بعضهم.
مفاوضات الوقف المحلي لإطلاق النار، في مناطق سورية عديدة، كما يقترح روزين، قد تمثل خطة لوقف تنامي التطرف وأملاً في تغيير سياسي. ومن خلال نظرة الأمم المتحدة ومركز الحوار الإنساني، يدعو روزين لنشر وقف اطلاق النار لتمهيد الطريق لوقف تصعيد العنف، وهزيمة المجموعات الجهادية مثل الدولة الإسلامية، ولامركزية السلطة التي ستنتج تغييراً سياسياً في سوريا. قضية رحيل الأسد، يمكن فقط تناولها في وقت لاحق، على الأقل بعد خمس سنوات.
روزين لا يطلب الكثير من الولايات المتحدة بخصوص هذه الخطة: فهو يعترف بأن إعادة العلاقات مع نظام الأسد في هذه المرحلة مستحيل سياسياً، ويطلب فقط أن تعلن واشنطن تصريحاً ايجابياً عن وقف اطلاق النار لاقناع الضباط المتصلبين ليتلاقوا مع الخطة. بلدان أخرى مثل النرويج أو ألمانيا، بامكانها أخذ خطوات في دعم وقف اطلاق النار.
يقترح روزين:”مثل هذا الاتفاق، لا يعرض وعداً يريده البعض بأن يلاقي بشار نهايته في لاهاي مثل ميلوزوفيتش أو على المشنقة مثل صدام”. “ولكنه يحفظ الأرواح، يمنع تهجيراً سكانياً أوسع، ويطور تهدئة وخفضاً تدريجياً للنزاع، وهذا أفضل ما يتوقعه المرء”.
المدن