صفحات الثقافة

في العام الرابع للثورة: وقفة لاستنهاض ما هو غائب/ بشار عبود

كتب المخرج السينمائي السوري أسامة محمد، على صفحته في الفيس بوك: «الحريّة.. لمحمّد مَلَصْ»، وذلك عندما اعتقلت السلطات السورية المخرج ملص عند الحدود اللبنانية.

ليس وحده أسامة من يكتب على صفحته الحرية لأي من زملاء المهنة، عندما تُنتَقص حريته على أيدي أجهزة الأمن السورية، إذ يتسابق في إعلان هكذا موقف كل صناع الدراما والسينما السوريون، الذين أعلنوا موقفاً مؤيداً للحراك الثوري السوري، ضد النظام الديكتاتوري. فكلما وقع كاتب أو شاعر أو رسام أو فنان، في قبضة الأمن يندفع هيثم حقي، وهالة العبدالله، وهالة محمد، وثائر موسى، وعبدالحكيم قطيفان، وفارس الحلو، ونبيل المالح، ومحمد ملص، وغيرهم الكثير من المخرجين والفنانين للتنديد بالحادثة، بكلام بليغ مؤثر في الإنسانية.

لا شك أن هذا مهم، لكن السؤال الذي، بات أكثر أهمية وإلحاحاً.. هل تكفي صفحات الفيس بوك عند من يُفترض أنهم يُشكلون «ضمير الأمة»، ليعبروا من خلالها عن انحيازهم للناس؟ أين فن الثورة وأدبها من حراك ثوري شعبي استطاع أن يشعل العالم بأسره؟ أين شعر الثورة، وفكر الثورة، أين سينما الثورة، ومسرح الثورة، وأغاني الثورة، أين فكر الثورة؟

هل يكفي لهذا الضمير أن يقف عند حدود الإنتماء لوجع الناس ووجع البلد، من دون الشهادة التاريخية والعطاء الفني، القادر على حمل رسالة هذا الدم الذي يذهب كل يوم مع الريح؟ هل يمكن اعتبار فيلم «رئيس ونساء» اليوتيوبي، لفؤاد حميرة فيلماً للثورة؟ّ! وهل تقبل الثورة بفيلمي «الدم الحر» و»باب شرقي» كأفلام ناطقة باسمها، بكل ما فيهما من هزالة في الرؤية، وضعف في القيمة الفنية؟!.

وباستثناء «يا حيف» سميح شقير، وبعض مقطوعات مالك جندلي، هل نستطيع أن نتحدث عن موسيقى وأغاني لهذه الثورة اليتيمة؟ هل يكفي ما تم إنجازه حتى الآن، لرصد هذا الكم اللامتناهي من الألم والوجع لأكبر كارثة إنسانية في العصر الحديث؟

في سوريا المشهد كارثي. كل وسائل الحياة تتضاءل، لا بل كل ما فيها يدعو إلى الموت والفناء. مضت ثلاث سنوات من عمر الجحيم، وإلى اليوم لا يوجد عمل سينمائي أو درامي أو مسرحي، استطاع أن يحاكي هذا الوجع.. فهل نستسلم لما روّجه النظام عند كل وسائل الإعلام الغربية بأن الثورة ليست سوى همجية الصّقّار آكل قلوب البشر؟ وهل نقف مكتوفي الأيدي أمام فرض الجزية على مسيحيي سوريا؟ هل نتفرّج على محاكم داعش والنصرة اللاشرعية بحق أبناء الثورة؟ وهل نقبل بأغاني الحماسة التي يضخها حزب الله بعقول جنوده عندما غزوا يبرود؟

هل فعلاً لا يستطيع أسامة محمد أن يخرج فيلماً خالداً كفيلم «نجوم النهار» الذي أخرجه أيام سوريا الأسد؟ وهل توقف إبداع هيثم حقي عن إخراج مسلسل يرتقي لمستوى «خان الحرير» الذي أخرجه في سوريا الأسد؟ أين هالة العبدلله التي كانت تنتج أقوى الأفلام بالاشتراك مع المؤسسة العامة للسينما أيام سوريا الأسد؟ هل يعقل أنه، وبعد هذه الثورة من الحرية على الطغيان والفساد، لم ولن يتمكن أيٌّ من هؤلاء أن يضاهوا بعمل واحد مما كانوا ينجزونه أيام سوريا الأسد؟

ثلاثة أعوام مضت ولا توجد قناة تلفزيونية واحدة استطاعت أن تكون ناطقة باسم الثورة والشعب السوري، ثلاثة أعوام وأهم وسائل التنوير الإعلامي متروكة بيد هواة لا رؤية وطنية لعملهم، ولا تمتلك حتى الحد الأدنى من الأخلاق والمصداقية، ثلاثة أعوام ولم تكلف نفسها المعارضة بأن تؤسس لوسيلة إعلامية حقيقية، وطنية، تتحدث باسم الثورة، فيما الملايين تُهدر هنا وهناك بلا أي جدوى؟..

ثلاثة أعوام، من العمل الإرتجالي العفوي، ثلاثة أعوام ولا توجد مؤسسة واحدة نستطيع أن نعوّل عليها حتى في أبسط تفاصيل إعانة الناس.. ثلاثة أعوام ولا توجد أية معطيات حقيقية كافية عن اللاجئين السوريين، الذين انتثروا كالبذار على خرائط العالم، ولا توجد هيئة سورية ثورية اهتمت بأمرهم في بلدان الشتات، أو تعمل لحمايتهم.

ثلاثة أعوام، لم تنجز معارضة الأشاوس دراسة جدية، أو خريطة جدية، عن أوضاع الناس داخل وخارج سوريا، وكيف يعيشون. كل أعداد ضحايانا مجرّد تخمينات، مسافات كبيرة تفصل بين أدنى وأعلى رقم، حتى الذين ابتلعتهم بحار الهجرة ـ غير الشرعية – لا إحصائية حقيقية لهم.

حان الوقت.. لا بل تأخرنا كثيراً، في إظهار الوجه الحقيقي الضامر للثورة، حان الوقت لكم أيها الكتاب والمخرجون والفنانون والرسامون والنحاتون والمغنون والملحنون. حان الوقت لكم أيها الشعراء والروائيون والمفكرون والمثقفون. حان الوقت لكل النخب السورية، التي تعتز بتاريخ وطن مُتجذّر في الحضارة والريادة الإنسانية. حان لكم أن تعيدوا رسم خارطة الثورة السورية بما يرتقي إلى مستوى كارثيتها وبما يليق بدمائها.. وبنبل أهدافها.

حان الوقت لكم يا من تصدّرتم مشهد المعارضة، أن تدعموا الثورة التي تكاد تفتتها العصابات الأسدية بملحقاتها الإيرانية (حزب الله)، حان الوقت كي تستعيدوا ألق الثورة من حرامية عصابات داعش والنصرة وملحقاتهما المتطرفة، حان الوقت كي يحصل الشعب السوري على أخبار ثورته من قناة وطنية!

آن للثورة أن تعود للشعب، الذي نهض ذات يوم مثل عنقاء الرماد، ورددت حناجره: الشعب يريد الحرية.. الشعب يريد الكرامة.. الشعب يريد وطناً يتسع للجميع. حان لكم أن تعلموا أن الشعب لا يريد فقط إسقاط النظام.

كاتب وإعلامي سوري

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى