في العلاقة بين تنظيم “داعش” وأصول الشريعة/ محمود الزيباوي
في بضعة أشهر من الزمن، صعد نجم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق واشام” المعروف اختصارا بـ”داعش”، وبات حديث العامة والخاصة. يتابع العالم بشرقه وغربه معارك هذا التنظيم، ويتفرّج على إبادة الإيزيديين وتهجير المسيحيين من أرضهم، وكأنه قدر مكتوب. في الداخل والخارج، يتكرّر السؤال: ما هو تنظيم “داعش”، ما هي المجاميع والقوى التي تشكل قوامه المتنوع، ومن يموّله؟ كيف حقق هذا التقدم السريع على الأرض، وكيف بسط سلطته على أراض واسعة من العراق وسوريا؟
يؤكد مفتي الجمهورية المصرية الدكتور شوقي علام، أن إطلاق وصف “الدولة الإسلامية” على كيان إرهابي مثل “داعش” خطأ فادح، ويقول إن هذا التنظيم خالف القيم الإسلامية والإنسانية ومقاصد الشريعة العظمى التي جاء بها الإسلام، غير أنه لا يقدّم رداً مفصلاً على فكر هذا التنظيم ومبادئه الدينية والشرعية. يدين أستاذ الفقه الإسلامي والشريعة في جامعة الأزهر فكر “داعش” وممارساته، غير أنه لا يقدم أيّ قراءة فقهية شرعية تدين أفعاله يؤكد أنه كيان إرهابي خالف مقاصد الشريعة، وأن تسميته بـ”الدولة الإسلامية” خطأ فادح، وأنه خطر على الإسلام وأنه يشوّه صورته، ويرى أنه يسفك الدماء ويعيث في الأرض الفساد، مما يضعف الأوطان، ويعطي الفرصة للمتربصين بنا لتدميرنا والتدخل في شؤوننا بدعوى الحرب على الإرهاب. إلا أنه لا يدخل في مواجهة عقائدية مع دعاة هذا التنظيم السلفي.
يشعر المتابع أن حال مفتي الجمهورية هي حال غالبية المسلمين “المعتدلين”. بناء على توجيهات فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، تدعو الرابطة العالمية لمتخرجي الأزهر إلى “مواجهة الأفكار المتطرفة ونشر صحيح الإسلام”، وتقيم فروعها في الخارج أنشطة عدة لتحقيق هذا الهدف، وتصدر بيانات متلاحقة تحذر فيها “من مخططات صهيونية تهدف لتفتيت الأمة من طريق الأفكار المتطرفة والعنف والقتل والإرهاب”، وتجزم “أن ما يحدث في العراق ونيجيريا وأفغانستان وغيرها من البلدان يُعدّ جزءًا من هذه المخططات”، و”أن التنظيمات الإرهابية التي تنتشر في البلدان الإسلامية تحت مسميات مختلفة كـ”داعش” في بعض البلدان العربيةـ، و”طالبان” في آسيا، و”بوكو حرام” في نيجيريا، لا علاقة لها بالإسلام، بل هي صناعة يهودية تحت مسميات مختلفة تتغير على فترات متباعدة من بلد إلى آخر”. في الخلاصة، تدعو فروع الرابطة العالمية لمتخرجي الأزهر إلى مواجهة هذه المخططات “بنشر صحيح الدين الإسلامي ودعم الفكر الأزهري الوسطي باعتباره حائط الصدّ ضدّ هذه التنظيمات الإرهابية ومخططاتها”، غير أنها لا تقدم رؤية واضحة لهذا “الفكر الوسطي”.
بخفة غريبة، يتحول تنظيم “داعش” إلى ظاهرة غريبة عن المجتمعات الإسلامية، صنعتها القوى المعادية للإسلام والمسلمين. يعلن رئيس فرع رابطة متخرجي الأزهر في باكستان الشيخ صاحب زاده عزيز محمود الأزهري “أن تنظيم داعش الإرهابي هو مخطط صهيوني يهدف إلى قتل المسلمين وسفك دمائهم واغتصاب النساء والبنات”، ويطالب العالم الإسلامي “بالتمسك بالفكر الأزهري الوسطي المعتدل ونشره لمواجهة مثل هذه التنظيمات المتشددة”. كذلك يعلن رئيس فرع الرابطة في الصومال عبد الولي سعيد بري أن شيوخ وقبائل منطقة قرضوا في ولاية بونت لاند في الصومال يستنكرون موجة العنف التي تجتاح العالم الإسلامي، وهم يؤكدون “أن التمسك بالفكر الأزهري يجنّب البلدان المختلفة الكوارث الإرهابية التي حلّت بهم”، و”أن الإسلام بريء ممن يتخذون الدين ستارًا لهم في قتل الأبرياء من المسلمين وغيرهم”. هنا وهناك، تؤكد الرابطة العالمية لمتخرجي الأزهر أنها استطاعت مواجهة الأفكار المتشددة والمتطرفة بفكر الأزهر المعتدل، غير أن واقع الحال لا يظهر تراجع التشدد والتطرف بأي شكل من الأشكال.
يحرج تنظيم “داعش” مشيخة الأزهر، ويعكس هذا الإحراج بشكل صارخ الأزمة العميقة التي يعيشها الإسلام والمسلمون. في مقالة عنوانها “داعش والجهاد والرق والسبي والشريعة… ليس لديكم غير الفكرة الجمهورية”، يشير الأستاذ أحمد مصطفى الحسين إلى هذا المأزق، ويحدد أسبابه ومكوّناته بجرأة لافتة. يبدأ الكاتب باستعراض الوقائع الراهنة، ويذكر البشاعات المروعة التي يرتكبها “داعش” في العراق وسوريا في حق الأقليات الدينية فى البلدين، ويضيف: “لا يكاد المرء أن يصدّق أن مثل هذه البشاعات تحدث في العقد الثاني من الألفية الثانية، بعد أن تجاوزتها البشرية بقرون، وذلك بعد أن أنفقت في سبيل هذا التجاوز الكثير من الدماء والدموع”. يبيع تنظيم “داعش” سبعمئة امرأة إيزيدية بالمزاد العلني في الموصل، ويجبر المسيحيين على دفع الجزية أو الرحيل، كما أنه يقوم بأفعال عديدة تهين الإنسان وتضطهده. وهذه الأفعال ليست مجانية، وهي ليست من ابتكار “داعش”، وأصولها الدينية لا يمكن انكارها. “مما لا شك فيه أن نصوص الشريعة الاسلامية، كما يفهمها غالبية فقهاء الاسلام، تدعم الممارسات الداعشية وإن غابت عن ممارساتهم تلك حكمة الشريعة ورحمتها، وما ذلك الا بسبب أن الداعشيين تحركهم سخائم نفوسهم وأحقادهم ورقة دينهم”.
يضع الكاتب إصبعه على الجرح، ويقول: “نحن نبرئ الشريعة من بشاعاتهم تلك وإن كنا نعلم أن نصوصها تبرر ما فعلوا ولكنهم بعيدون كل البعد عن جوهرها وروحها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يعارض أيٌّ من رجال الدين الذين نعرفهم بمختلف اتجاهاتهم ومذاهبهم الفقهية والفكرية ممارسات “داعش”، وينكرون نسبتها للشريعة الاسلامية، على الأقل من الناحية النصوصية؟ أنا أعرف أن كثيرين منهم سوف يتقعرون مراوغة من الرد التي تتطلبها الاجابة المباشرة على هذا السؤال، وهم يعرفون تماماً أن بعض هذه الممارسات، كالرقّ مثلا، كانت موجودة قبل الإسلام، وأقرّتها شريعته التي قامت على نصوص القرآن المدني، ومارسها المسلمون عمليا في غزواتهم المختلفة في العهد الاسلامي الأول والعهود التي تلته. وتفرد كتب الفقه الاسلامي أبواباً ثابتة تضمنت أحكام التعامل مع المسيحيين أهل الذمة، والأرقاء والسبايا وكل ما يتعلق بعمليات بيعهم وشرائهم وعتقهم ومكاتبتهم على حريتهم”.
يعود أحمد مصطفى الحسين إلى “الفكرة الجمهورية” التي دعا إليها المفكر السوداني محمود محمد طه، مفرّقاً بين أصول القرآن وفروعه. قام الإسلام في أصوله “على الحرية الكاملة، التي ليس فيها رقّ ولا سبي، وحينما تغير الوضع وتنزل القرآن من الأصول الى الفروع في القرآن المدني الذي قامت عليه الشريعة لتخاطب الناس على قدر عقولهم، ونسخت آيات الأصول حكماً، وتحول أسلوب الدعوة من شريعة السماح والحرية الى الجهاد بالسيف. وتعلقت بشريعة الجهاد بالسيف ممارسات الرق والسبي التي كانت تمارس في مجتمع القرن السابع قبل الاسلام وأقرّتها شريعته، ولكنها وجهتها وجهة جديدة بها من الحكمة ما يخدم الأفراد المسترقين في المقام الأول، ثم مجتمع المسلمين في المقام الثاني، وذلك بعدم مصادمتها لمعتقداتهم وما درجوا عليه. وبذلك أضاف أسلوب الجهاد رقاً جديداً للرقّ الموروث من عهد الجاهلية. فنزلت الآيات المستفيضة في جهاد المشركين وجهاد أهل الكتاب”. “وخلاصة القول في هذا الأمر، إن الشريعة الإسلامية، كما جاء بها القرآن، تقع في مستويين: مستوى مرحلي يقوم على الوصاية، وتجسده الآيات المدنية، ومستوى أصلي يقوم على الحرية، وتجسده الآيات المكية، ويبيح المستوى المرحلي الرقّ والسبي والجزية، ولا يوجد في المستوى الثاني إلاّ الحرية السماحة وحرية العقيدة”.
يستعرض الكاتب هنا أقوال بعض من “شيوخ السلفية الذين يقرّون الآن ممارسات الرقّ المعيب للاسلام والشريعة، وينتظرون الوقت الذي يطبّقون فيه الشريعة كاملة في العتق والتسري والبيع وإرغام أهل الكتاب على دفع الجزية”. اعتبر عضو مجلس الشورى السعودي عيسى الغيث أن “الرقّ محرّم في الاسلام”. فردّ عليه الشيخ صالح الفوزان: “من يقول بتحريم السبي جاهل وملحد”. وأضاف معلّقاً على سبي النساء الإيزيديات: “ذلك حكم الله، لا محاباة ولا مجاملة لأحد، ولو كان الرقّ باطلاً لكان الإسلام قد صرح بذلك كما فعل في الربا والزنا، فالإسلام شجاع ولا يجامل الناس”. في المقابل، قال الشيخ الأردني السلفي ياسر العجلوني: “ان شاء الله سأصور فيديو ابيّن فيه جواز ملك اليمين لمن افاء الله عليه وسبى في معارك الشام، فله أن يمتلكهن ويطأهن من غير صداق ولا زواج، وعليه أن يثبت بنوة المولود له منها في الدوائر الشرعية”. وأضاف: “أدعو المجاهدين الى تملّك السبايا اللواتي تقع في أيديهم من نساء”، مستشهدا بالآية القرآنية: “إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين” (المؤمنون 6).
يرى الكاتب أن “هذه اقوال واضحة وعلى درجة كبيرة من الصدق والجهل، وتتسق تماماً مع فهم أولئك الشيوخ للإسلام، وهي أقوال يعرفها تماماً كل الذين تخصصوا في دراسة الفقه الاسلامي على المذاهب الأربعة وغيرها. ويجب، والحال هكذا، أن تكون مقبولة لكل من يعتقد في صلاحية الشريعة الاسلامية، كما طبِّقت في القرن السابع الميلادي، لكل زمان ومكان، وخاصة أولئك الذين يعترضون على ما جاءت به الفكرة الجمهورية من تطوير للشريعة الاسلامية”. ويختم مقالته: “ولذلك فإن على الذين لا يقبلون فكرة تطوير التشريع الإسلامي في الفكرة الجمهورية ألاّ يعترضوا على داعش، لأن ما يفعله تقرّه الشريعة الاسلامية المرحلية، وفيها لا يقبل من المشرك الا الاسلام، فاذا أبى يُقتل وتُسبى نساؤه ويُسترقّ صبيانه، ولا يقبل من المسيحي الاّ الاسلام أو الجزية، فاذا أبى يُقاتل، فاذا أمكن الله منه، تُسبى نساؤه ويُسترقّ صبيانه. ولا مخرج من هذا الوضع الا بتزييف الشريعة، كما يفعل كثير من المتقعرين بالتبرير والإنكار، أو تطويرها، كما دعا الاستاذ محمود محمد طه، بالانتقال من النصوص الفرعية (القرآن المدني) الذي قامت عليه شريعة الجهاد بالسيف كوسيلة للدعوة، ومن ثم شريعة الرقّ وشريعة الجزية وشريعة السبي، الى النصوص الأصولية (القرآن المكي) التي تقوم عليها شريعة الحرية، لكل فرد من ذكر وأنثى، وشريعة المساواة بين الناس دون تمييز بينهم على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو اللون. وقد أوردنا لكليهما أمثلة واضحة في هذه المقالة. وصفوة القول ليس في أصول الإسلام رقّ أو سبي أو جزية، ومن لم يرتض هذا القول فعليه ألا يعترض على داعش، لأن ما يقوم به تسنده نصوص الشريعة، وإن كان تطبيقه لها، حتى في مستواها المرحلي، قد غاب عنه جوهرها في رحمتها ورفقها، لأن في تدينهم ضعفاً، وفي نفوسهم سخائم وأحقاداً. ولكل ذلك، ليس لديكم للخروج من جهل ومأزق داعش وقضايا الرق والسبي غير الفكرة الجمهورية”.
يتفادى علماء الأزهر “الوسطيون” الدخول في سجالات من هذا الطراز، ويكتفون بإدانة أفعال “داعش” فحسب. يبقى الإسلام “المعتدل” سجين الماضي، ويظل مشلولاً، عاجزاً عن مواجهة التطرف والتشدّد. يتجلى العجز والتخبط في المعركة التي اشعلتها تصريحات الشيخ محمد عبد الله نصر، وانتقاده اللاذع والصريح لمناهج الأزهر. يُعرف هذا الشيخ بـ”خطيب التحرير”، وهو مؤسس حركة “أزهريون مع الدولة المدنية”، ومواقفه معروفة. طالب هذا الشيخ بتنقيح التراث الديني والمناهج العلمية التي يتم تدريسها لطلاب الأزهر، واعتبر أنها السبب في انتشار التطرف الديني. وأشار إلى أن كتب الأزهر تتضمن بعض المعلومات والآراء الفقهية الخاطئة، وضرب مثالاً لذلك بقوله: “خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة ووضع رأسه في حلة وأكلها هو والصحابة، ثم زنى بامرأة هذا الرجل، وبعدين تقول التطرف جاي منين، التراث الديني محتاج تنقيح”. وأضاف: “كتاب “متن الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع” الذي يدرسه طلاب الصف الثالث الثانوي في الأزهر يقول في صفحته الثانية والسبعين، في باب الطهارة: “يجوز الاستنجاء بالتوراة والإنجيل لأنها كتب محرفة وغير مقدسة”، وتتحدث كتب أخرى عن جواز “نكاح الميتة”. في السياق نفسه، انتقد خطيب التحرير كتاب “صحيح البخاري” الموثق للأحاديث في برنامج “تسعون دقيقة” التلفزيوني، وقال: “صحيح البخاري مسخرة وليس مفخرة للإسلام والمسلمين”، ورأى أن “حديث عذاب القبر ليس من الثوابت”.
إثر هذا الحديث الناري، أصدرت وزارة الأوقاف بيانا رسميا أنكرت فيه كل صلة بين محمد عبد الله نصر والأزهر الشريف، ورأت “أن كل حديث هذا الرجل لا يمت للإسلام بأي صلة وغير صحيح”. أشار هذا البيان إلى إنكار الشيخ لحديث “عذاب القبر”، وقال إن كل ما قاله محمد عبد الله نصر عن عدم وجود عذاب في القبر هو أمر غير صحيح، وأن عذاب القبر موجود بالأدلة والبراهين. ناشدت الوزارة وسائل الإعلام أن “تراعي الظروف الصعبة التي تمر بها بلدنا وأمتنا العربية كلها، والتي لا تحتمل استضافة أمثال هؤلاء الجهلة الذين لا صفة لهم سوى محاولة المتجارة بالدين أو بالزي الأزهري، شأنهم في ذلك شأن المتطرفين سواء بسواء”.
وقالت إن أمثال محمد عبد الله نصر هم “من المتطرفين والمتطاولين على ثوابت الإسلام، وهم عبء ثقيل على الإسلام وعلى الوطن، ومعول هدم كبير لأمنه واستقراره، وهو ما يحتاج إلى الحسم والحزم، لأننا لا نستطيع أن نواجه التشدد والتطرف بقوة وصلابة وإقناع، وأن ندافع بحق عن حضارة الإسلام وروحه السمحة، في ظل إفساح المجال أمام الجهلة والمأجورين والمنتفعين للتطاول على ثوابت العقيدة، وما استقر في وجدان الأمة، وصار معلومًا من الدين بالضرورة”. وشددت وزارة الأوقاف على أن “مجال الاجتهاد وتجديد الخطاب الديني ودراسة القضايا المعاصرة والمستجدات، هو مهمة الأزهر والأوقاف على أيدي العلماء المتخصصين”.
من جهة أخرى، طالب وكيل الأزهر الشريف الدكتور عباس شومان باتخاذ الإجراءات القانونية لمنع نصر من الخطابة في أيّ تجمع للناس، أو الظهور على شاشات الفضائيات. كذلك، أدان عضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ عبد العزيز النجار “ما قام به المدعو محمد عبد الله نصر بالتشكيك في صحيح البخاري ومسلم”، وأضاف: “نحن بصدد عمل بلاغ في النيابة للتعامل مع هذا الشخص الذي تحدث عن صحيح البخاري ومسلم بهذا الشكل غير اللائق”. كما طالب النجار الدولة بإصدار تشريع فوري يجرم تحدث غير المتخصصين في القضايا الخلافية والعلمية والتحدث عن ثوابت العقيدة. من ناحيته، ردّ الداعية السعودي المتخصص بالسنّة النبوية والعلوم الإسلامية الشيخ خالد الشايع على تصريحات محمد عبد الله نصر، وقال: “إن نصر قام بالتفوه على الجامع الصحيح للإمام البخاري بعبارة ممجوجة مسيئة للمتكلم بها، جارحة لمشاعر المسلمين. إن كلام نصر لا يضر كتاب الحديث ولا الإمام البخاري، ولا يؤثر في إجماع الأمة في تلقيه بالقبول، وإنما يضيف من تفوّه به لقائمة الطاعنين في سُنّة من لا ينطق عن الهوى، محمد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لأن صحيح البخاري هو أصح كتب الحديث النبوي الشريف”. تقدّم الداعية السعودي بالشكر لعلماء مصر، وبخاصة مشيخة الأزهر ومجمع البحوث ووزارة الأوقاف وغيرهم، لقيامهم بإنكار ما صدر عن الشيخ نصر، ومطالبتهم بكفّه عن الخطابة واللقاءات الجماهيرية، ودعاه إلى مراجعة موقفه، وأن يراجع مشايخه، فذلك خير له.
تختصر هذه الواقعة حال الأمة في زمننا الراهن. يتقدم تنظيم “داعش” في العراق وسوريا محكماً سيطرته على أراض واسعة في دولتين من أعرق الدول العربية، ويقف الأزهر حائراً متفرجاً، منشغلاً بالدفاع عن البخاري وصحيحه.
في خضم هذا الواقع المرير، يستمر مسلسل الفتاوى المثيرة للسخرية، وآخرها فتوى للداعية السلفي أسامة القوصي تبيح النظر لأجساد الفتيات قبل الزواج ورؤية ما حرم الله. هاجم وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة هذه الفتوى التي تقول بجواز نظر الرجل لخطيبته، أثناء استحمامها عارية أو شبه عارية، وقال في بيان له: “كل يوم يطالعنا أحد المحسوبين ظلمًا وبهتانًا على الدعوة والدعاة بفتاوى مثيرة للجدل، إما حبًّا في الظهور الإعلامي، أو لشغلنا عن القضايا الوطنية المهمة”.
ووجه وزير الأوقاف كلامه للقوصي: “أي نخوة وأي رجولة في هذا؟ هل تقبله أنت على ابنتك؟ وإذا كانت طبيعتك أنت تقبله، فطبيعة الشعب المصري المؤمن المتحضر بمسلميه ومسيحييه لا تقبله ولا تُقرّه، فضلاً عن شريعة الإسلام التي أكدت أن الحياء فطرة أجمعت عليها الأديان كلها”.
النهار