في حمص…يلعب النظام ورقته الاخيرة!
خيرالله خيرالله
لماذا حمص؟ لماذا تركيز النظام السوري على دكّ احياء المدينة التي لا تزال صامدة على الرغم من مرور ستة عشر شهرا على اندلاع الثورة وعلى الرغم من تهجير قسم من اهلها الى مناطق اخرى؟ هل يريد النظام القول ان لديه بديلا من الحلّ الامني يتمثّل في اقامة دولة علويّة “قابلة للحياة” تشكّل حمص العقبة الابرز على طريق قيامها ورسم حدودها؟
هناك بالفعل ما يثير الاستغراب بسبب كلّ هذا الامعان في ازالة حمص عن وجه الخريطة السورية، علما بانها ثالث اكبر مدينة سورية بعد دمشق وحلب كما انها لا تبعد عن حماة، المدينة السنّية الاخرى التي ثارت في العام 1982 ،سوى نحو خمسة واربعين كيلومترا.
بعد مضي ستة عشر شهرا على اندلاع الثورة في سوريا، يتبيّن باختصار شديد، ان حمص 2012 ليست حماة 1982 التي تعرّضت لمجزرة مروّعة لم يعرف العالم شيئا عنها الاّ بعد اسابيع عدة من حصولها. حمص في السنة 2012 تعرّضت ولا تزال تتعرّض لمجازر وليس لمجزرة واحدة ولقصف مستمر بالاسلحة الثقيلة. تحوّلت المدينة بكلّ بساطة الى رمز لصمود السوريين وتصميمهم على التخلص من النظام القائم وعلى رفض تقسيم بلدهم وتفتيتته. لم يعد السؤال هل تصمد حمص ام لا. اصبح السؤال هل يسمح العالم المأخوذ، حاليا بانتخابات مصر وباحداث اخرى مهمة مثل انقاذ اليونان اقتصاديا، بمحو مدينة كاملة من الوجود كي يعتبر النظام السوري ان لديه خيارا آخر يمكنّه من البقاء على قيد الحياة ولو على جزء من الاراضي السورية؟
من يتمعّن جيدا في المواقف الروسية والايرانية، يكتشف ان هناك من يدعم التوجه نحو تقسيم سوريا، خصوصا ان النظام السوري الذي عرفناه منذ العام 1970 انتهى عمليا في ظلّ استمرار الثورة وامتدادها وتوسّعها. هذا ما يفسّر الى حد كبير كلّ هذا التركيز على حمص وكأن معركة حمص صارت معركة الدولة العلوية التي يرفضها قسم لا بأس به من العلويين.
في العام 1982، كان هناك تواطؤ عربي ودولي على سوريا وشعبها. صبّ التواطؤ في اتجاه تغطية ما ارتكبه الاسد الآب. كان تدمير حماة على اهلها كافيا كي يدبّ الرعب في البلاد كلّها. صمدت جمهورية الرعب التي تاسست في العام 1970 اربعة عقود اخرى. ساد السكون القاتل في كلّ انحاء سوريا حتى السنة 2011. اكثر من ذلك، نجح النظام في جعل الرعب يخيّم على لبنان ايضا. استهدف طرابلس واستهدف زحلة. قبل ذلك، اي قبل مجزرة حماة، احرق مناطق مسيحية واسلامية عدة في لبنان. من صيدا، الى الدامور، الى الاشرفية… الى قرى مسيحية حدودية في البقاع والشمال. بعض هذه القرى حوصر وبعضها الآخر دمّر بشكل منظّم بهدف نشر الرعب. عمل على تهجير اهل هذه القرى لافتعال انقسام طائفي ومذهبي في لبنان. بعد ذلك، ضرب ضربته الكبرى بفضل الغطاء الذي امّنه له الجنرال ميشال عون، النائب المسيحي حاليا، الذي كان حليفا لصدّام حسين، لدى احتلاله الكويت، كما كان يحتلّ القصر الرئاسي في بعبدا في العام 1990.
وقتذاك، بفضل عبقرية ميشال عون، دخلت القوات السورية قصر بعبدا ووزارة الدفاع اللبنانية في اليرزة للمرّة الاولى منذ استقلال الوطن الصغير وامنت سيطرتها على كلّ لبنان بعد سيطرتها على سوريا نفسها.
كانت حماة 1982 نقطة تحوّل على صعيد توسيع نطاق سيطرة النظام على كلّ من سوريا ولبنان. تمثّل حمص في السنة 2012 نقطة تحوّل في اتجاه رحيل النظام الى غير رجعة. فما لا يمكن تجاهله ان النظام السوري خرج من لبنان في العام 2005 نتيجة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وذلك تحت ضغط اللبنانيين عموما والشارع السنّي في المدن الكبرى والمحافظات، على راسها بيروت وطرابلس وصيدا خصوصا. عاد النظام الى سوريا وصار نفوذه في لبنان مرتبطا الى حدّ كبير بمشيئة “حزب الله” التابع لايران. بدل ان يهتمّ بمشاكل سوريا وشعبها الصابر، اعتقد ان في استطاعته استعادة الاعتبار عن طريق تكرار تجربة حماة 1982 في كل انحاء البلد بدءا بدرعا الباسلة التي كانت اوّل من انتفض في آذار- مارس 2011.
في العام 1982، وفّرت مجزرة حماة حياة جديدة للنظام. في السنة 2012، يبدو ما شهدته حمص اقرب الى النهاية من اي شيء آخر. لم تخمد مجازر حمص الثورة السورية. على العكس من ذلك، وفيما كانت قوّات النظام تتابع حملتها على اهل المدينة، كانت مدن وبلدات عدة في مناطق مختلفة تنتفض مجددا. شمل التحرّك دمشق وحلب.
كلّ ما يسعى السوريون الى اثباته في السنة 2012 هو ان التاريخ لن يعيد نفسه. ما بدأ في حماة قبل ثلاثين عاما انتهى في حمص التي تبدو مصمّمة على قطع الطريق على اي محاولة لتقسيم سوريا وتفتيتها واعادتها الى نظام الوصاية العائلي- البعثي. تحوّلت حمص بتنوعها الطائفي والمذهبي والاثني الى قلب سوريا النابض. من حمص يمكن اعلان نهاية النظام العاجز عن فهم انه ليس في استطاعة اي حاكم، مهما بلغت سطوته وعنجهيته والدعم الايراني والروسي والصيني، الغاء شعبه الى ما لا نهاية. من حمص، يمكن فهم ان النظام يلعب ورقته الاخيرة… ورقة تقسيم سوريا وتفتيتها!
ايلاف