في ظل حالة متفاقمة من الاغتراب والاستلاب: الاقتصاد السوري خسر 203 مليارات دولار في 4 أعوام
تستمر الأزمة السورية دون أمل بتوقفها قريبًا، ويستمر النزف الاقتصادي السوري حتى وصلت خسائره إلى أرقام مهولة.
إيلاف – متابعة: أطفأت الأزمة السورية شمعتها الرابعة، من دون أي أفق أو إشارات إلى أنها لن تطفئ شمعة خامسة وسادسة… وحدها الاشارات المدعمة بالأرقام تشير إلى أن الاقتصاد السوري يسجل خسائر يصعب تصورها أو تعويضها، ما يزيد من الاعباء المترتبة في مرحلة ما بعد الأزمة، ولو كان الحديث عن “ما بعد الأزمة” إفراط في التفاؤل إن لم نقل جنونً
أربعة أضعاف الناتج المحلي
مع الاجماع الاقليمي والدولي على أن لا حل في سوريا إلا الحل السياسي، يصير الكلام عن تدبّر امر الاقتصاد شبه منطقيًا، رغم أن أرقام القتلى والجرحى من شمال سوريا إلى جنوبها مستمرة في التصاعد، على عداد لا يريد التوقف. يقول “المركز السوري لبحوث السياسات” إن سوريا خسرت أكثر من 202,6 مليار دولار منذ 11 آذار (مارس) 2011 حتى نهاية العام 2014، أي ما يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي المحقق في العام 2010 بالأسعار الثابتة، وبزيادة قدرها 58,8 مليار دولار عن الخسائر المقدرة بنهاية العام 2013.
هذا التقرير، الصادر بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA، يروم تحليل الآثار التنموية الكارثية للنزاع المستمر في سوريا، فيقول إن معدل البطالة وصل في نهاية العام الماضي إلى 57,7 بالمئة، إذ فقد نحو 2,96 مليون شخص عملهم خلال الأزمة، ما أدى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 12,22 مليون سوري، وهذا ساهم في انخراط نسبة عالية من الشباب السوري في فعاليات ذات صلة مباشرة بالنزاع المسلح وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، مدفوعين باتساع نطاق المعارك وتدهور الأوضاع الاقتصادية.
كارثة صامتة
ولهذين السببين، اضطر نحو نصف عدد سكان سوريا إلى مغادرة منازلهم، ما سبب تداعيات سلبية موازية لتفاقم مستويات التفاوت وعدم العدالة ومعدلات الفقر خلال 2014، “والتقديرات الحديثة تؤكد أن من بين كل خمسة أشخاص هناك أربعة فقراء، كما أن ثلثي السكّان تقريبًا يعيشون حالة الفقر الشديد، إذ لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية”.
وبحسب التقرير، 30 بالمئة من السوريين يعيشون في حالة من الفقر المدقع، لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، “فيبدو طبيعيًا حينها أن تقود مثل هذه الظروف إلى ارتفاع نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي لتصل إلى مستويات خطيرة”. ويحذر التقرير من “كارثة صامتة لا تقل فظاعة” تتمثل في تعرض ما يُعادل 6 بالمئة من السكّان المقيمين للقتل أو الإصابة أو التشوّه، ما يسبب تراجع العمر المتوقع عند الولادة من 75,9 سنة في العام 2010 إلى ما يُقدّر بـ 55,7 سنة بحلول نهاية العام 2014.
عجز الموازنة 40%
كشفت البيانات التي قدمها التقرير انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9,9 بالمئة في العام الماضي، وتراجع الاستثمار العام بمعدّل 17 بالمئة مقابل تحسن طفيف في الاستثمار الخاص، وتدهور الصادرات للمستوردات من 82,7 بالمئة في 2010 إلى 29,7 بالمئة في 2014، مع عجز تجاري هائل وصل إلى 42,7 بالمئة، “ما يعكس انكشاف الاقتصاد على الاقتصادات الخارجية، واعتماده إلى حدّ كبير على المستوردات المموّلة بصورة رئيسية من خلال القروض الخارجية والتسهيلات المالية”.
وبلغ عجز الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي 40,5 بالمئة في 2014. وألقى هذا العجز عبئًا إضافيًا على الدين العام، الذي استمر في الارتفاع إلى مستويات قياسية، إذ ازدادت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الجاري من 104 بالمئة في 2013 إلى 147 بالمئة بنهاية 2014.
اقتصاد العنف
وبحسب التقرير، تفاقم اقتصاد العنف خلال 2014 مع اشتداد وتيرة المعارك، ما أنتج إعادة تخصيص الموارد ورأس المال في خدمة آلة الحرب، “وقد ترافق ذلك مع توسّع في الأسواق السوداء، وتراجع في السيادة وحكم القانون، وتزايد في الاعتماد على الدعم الخارجي، وتعمّق الانكشاف الاقتصادي، وخسارة الأمن الاقتصادي، وانخراط الشبكات العابرة للحدود والعصابات المجرمة المرتبطة بالنزاع في الإتجار بالبشر والإساءة إليهم، وفي أعمال السلب والنهب، والخطف والابتزاز، وتجنيد المقاتلين، والإتجار بالآثار التاريخية”.
ورأى التقرير أن السوري عاجز عن المشاركة الحقيقية في تمثيل أولوياته وتطلعاته في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القائم. كما استنتج خبراء “المركز السوري لبحوث السياسات” أن الشعب السوري بات مُجبرًا على العيش ضمن حالة متفاقمة من الاغتراب والاستلاب، “مع تعاظم الشرخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بينه والمؤسسات العنفية، وما زالت غالبية الناس تعيش حالة من الاغتراب عن قوى التسلّط، التي تمكّنت من تطويع البعض في آلة الحرب والاضطهاد والترهيب، التي أدّت أصلًا إلى هدر القيم الإنسانية للسوريين، وأرواحهم البشرية، وحياتهم”.
ايلاف