في مدرسة البعث.. عسكروا التلميذات/ تهامة الجندي
ما أن ترفّعت إلى الصف العاشر، حتى ارتديت “بدلة الفتوّة” أسوة بكل زميلاتي.
كان الزيّ الجديد، الذي سيلازمنا طوال المرحلة الثانوية، صورة مبسّطة عن الزيّ العسكري بدءاً من البوط الأسود، إلى البنطال، فالقميص وربطة العنق، ومن فوق السترة، وعند الخصر النطاق وعلى الرأس “السيدارة”.
كانت بدلات الفتوّة من لون واحد، وقماشها من صنف واحد سميك وخشن. تُباع في متاجر خاصة قطعة واحدة، وبسعر موحّد. كان علينا نحن الطالبات، أن لا نتجمّل أبداً، وأن نربط خصلات شعرنا، قبل أن نضع السيدارة. نعقد الأزرار وربطة العنق بإحكام، حتى تكتمل جماليات الانضباط الصارم، ويصبح الجميع جنود الأسد..!
جماليات الانضباط الصارم، لم تقف عند البدلة، فقد اغتنت بمشهد الوقوف أرتالاً لأداء “تحية العلم”، قبل الجلوس على مقاعد الدرّس. تزدهر الجماليات وتتجذر بدخول حصة التربية العسكرية إلى صلب المنهاج التعليمي، مع كل ما يتبعها من دورات تثقيف وتدريب على فنون القتال. في كثير من الأحيان كانت علامات هذه المادة، هي التي تقرر من منا ستنجح، ومن ستتميز وتتفوق. كان علينا نحن الطالبات، أن نحّفظ عن ظهر قلب نصوصاً، لا نفقه معناها، وأن نتدرب على الأوامر العسكرية في باحة المدرسة، أن نهرول ونزحف على الحصى والطين، وأن نلتحق بدورات التأهيل، ومسيرات التأييد. كان علينا أن نطيع مدرّسة الفتوّة طاعة عمياء، خوفا من لسانها الجارح، وعصاها الغليظة. لم نكن وحدنا من نخشى هذه المربية العظيمة، كانت المدّرسة كلها ترتعد خوفا منها، فهي صاحبة السلطة الأعلى، وصلاحياتها تتجاوز المديرة، وبإمكانها أن تنزل أقسى العقوبات بمن تريد، فإليها أُوكلت مهمة نشر مبادئ “ثقافة الخوف”، وتعميم “ذائقة الخنوع”، الشكل الوحيد لمعاني الالتزام الوطني. لم أتساءل يوماً، من صمّم لنا تفاصيل هذا الجمال، فقد اعتدت على أن أراه منذ طفولتي كتلة واحدة، كأنه القدر! لكني مع مرور الزمن، رحت أشعر وأنا أرتدي بزّتي العسكرية الإلزامية ، أني أفقد أنوثتي، وأصير قنفذا في طريقه إلى ساحة حرب.
العربي الجديد