كل ما يحتاجه الخطاب الإعلامي لنظام الأسد: اللبواني!/ سليم البيك
لم ترتكب إسرائيل منذ عام النكبة، على مدى ستة وستين عاماً من تاريخها ما ارتكبه نظام الأسد في السنين الثلاث الأخيرة، لن نجد ثلاث سنوات متتالية ارتكبت فيه دولة الكيان ما يفوق ما ارتكبه نظام الأسد حتى هذه الأيام. وليست هذه الحقيقة إلا سبباً أساسياً وكافياً لمعاداة نظام الأسد عند الفلسطينيين، كما عند السوريين، من يعادون بالأساس دولة إسرائيل. قليل من ‘الآدمية’ تكفي لاستخلاص وحشية الأسد من هذه المقارنة، دون أي تلميح تخفيفي لممارسات إسرائيل الإرهابية، فمجرد المقارنة مع نظام الأسد يسيء للجهة المقارَن بها، حتى وإن كانت إسرائيل الدموية العنصرية.
انطلاقاً من ذلك كيف يمكن فهم تصريحات المعارض السوري كمال اللبواني بخصوص طلب المساعدة من إسرائيل للتخلص من الأسد؟ كأن تفرض حظراً جوياً لمنع الطيران السوري من التحليق مقابل منح الجولان واتفاقيات سلام. قالها اللبواني في حوار صحافي ثم أعادها وأتى ‘ليكحّلها فعماها’ في أكثر من مكان كان أهمّها برنامج ‘هنا سوريا’ على ‘أورينت نيوز′، البرنامج الذي لم تستطع أن تخفي فيه مقدّمته استغرابها عبر أسئلتها وطريقة طرحها.
لم يبق لا قناة تلفزيونية ولا موقعاً الكترونياً معجباً حد الاستماتة بممانعة الأسد (المتحفّظة دوماً) إلا ونقل تصريحات اللبواني مفصّلاً ومحلّلاً، ومستنتجاً طبعاً. دون أن يرفقوا تحليلاتهم بأسئلة تخص حالة الأمن التوافقي والتواطئي بين إسرائيل ونظام الأسد، الحالة التي تحمل إسرائيل على قصف هنا وآخر هناك كلّما احتاج الأسد إنعاشاً لانطابع الممانِع عنه، على أن لا يرد طبعاً، مع مفارقة أن ذلك يزيد من ممانعته لدى مواليه.
لكني لم أسمع أو أقرأ آراء رافضة صريحة وعلى نطاق واسع لتصريحات اللبواني التي تخدم أول من تخدم النظام السوري الذي يرتكب كل جرائمه تحت عناوين المقاومة والممانعة، قائلاً أإه يقاتل وكلاء إسرائيل (لا إسرائيل).
ليست المشكلة في أن اللبواني تلفّظ بذلك، وأنه لو سكت لفعل خيراً، بل فعل خيراً أن تلفّظ بها لأن أفكاراً كهذه لا يجب أن تُكتم، بل أن تُطرح ليتم نقضها من قبل معارضين واعين بأن الحرية والعدالة هي واحدة في كل من سوريا وفلسطين، ولن تتحقّقا بوجود الأسد هنا أو إسرائيل هناك، فوجود أي منهما إنما هو سند أساسي لوجود الآخر آمناً ومسالماً.
في ‘هنا سوريا’ تسأله المقدّمة: هل مقبول أن نخرج بفكرة تكون فيها إسرائيل طرفاً مساعداً، ليرد: طبعا مقبول.. أعطيني سيناريو آخر لتنتصر الثورة.
لكن أي ثورة ستنتصر بمساعدة إسرائيل؟ وهل من مؤشر واحد حتى الآن يقول إن من مصلحة إسرائيل أن تنتصر الثورة وبالتالي تنحاز لها؟ إلا إن كانت جمعية خيرية على هيئة دولة حسبما فهمت من صاحبنا المعارض!
يقول في الحلقة ذاتها بأن علينا ‘أن نبحث عن تحالفات جديدة’، مشيراً إلى إسرائيل، ألا يحتاج هذا التصريح بحد ذاته ردوداً من السياسيين والمثقفين المعارضين لنصدّقهم على الأقل بأنهم يحكون باسم ثورة تشبه الشعب في سوريا؟
وهل يجرؤ معارض على القول بأن الشعب يرضى بتحالف مع إسرائيل؟ كلام اللبواني هذا لا يخدم إلا رواية الأسد وإعلامه عن كل الحاصل في سوريا، عن كيف ولماذا اندلعت الثورة، وفي ذلك ظلم عظيم للشعب وثورته الحقيقية.
ما الذي تريده الماكينة الإعلامية لنظام الأسد أفضل من عضو الهيئة السياسية لـ ‘الإئتلاف الوطني’ وأحد ‘أبرز′ الأسماء في المعارضة ليقول للنظام أنتم المقاومة ونحن نسعى لحلف جديد مع إسرائيل، حين يقول في الحلقة ذاتها: اليوم المقاومة تذبحنا، فقانون الحرب يقول لك عدو عدوك صديقك.
إذن، فالنظام هو فعلاً مقاوم وممانع لإسرائيل، حسب اللبواني، وهو فوق ذلك يصرّح بأن نظاماً كهذا هو عدو لإسرائيل، وأن إسرائيل عدوة له، وبالتالي صديقة لنا، نحن المعارضة، نحن الثورة، نحن الشعب! هذا فقط ما يمكن فهمه من اللبواني.
لو بحث إعلام النظام على ما يمكن أن يعطي مصداقية لخطابه الكاذب لن يجد أفضل من التصريحات هذه المسيئة للثورة، وهي المناقضة للواقع لأن ليس لإسرائيل مصلحة في إزالة الأسد، ولأن ليس لها مصلحة في سوريا دولة حرة وديمقراطية وقوية، ولأنها أخيراً ليست جمعية خيرية. وتناقُض تلفّظات اللبواني مع الواقع هو ما يجعل خطاب النظام الإعلامي مناقضاً كذلك للواقع، رغم ‘تسلّحه’ بتصريحات اللبواني وأفكاره كمعارض، معارض يريد من إسرائيل أن ‘تكون جاراً، وجاراً جيداً’، كما قال.
أخيراً، كفلسطيني أودّ أن أكذّب ما قاله بخصوصنا في الحلقة ذاتها، فليس ‘الشعب الفلسطيني’ مَن طبّع مع إسرائيل بل سلطة أبو مازن أحد أبرز الداعمين عربياً للأسد (عملياً أبو مازن تَبِعَ، وليس طَبّعَ)، ولأن السوريين ليسوا نظام الأسد فالفلسطينيون ليسوا سلطة أبو مازن. ثم بأي حق يقول بأنه ‘لا نريد أن نكون ملكيين أكثر من الملك’! ففلسطين تخصّ السوريين كما تخصّنا، وأخيراً فلسطينيو الـ 48 هم فلسطينيون وليسوا ‘عرب إسرائيل’، التسمية التي تدلّ إما عن جهل سياسي مريع لدى اللبواني أو، وهو الأغلب، عن تماهٍ تام وواعٍ مع روايات وتسميات المؤسسات الإسرائيلية، كما هو صاحبنا متماه مع تسميات نظام الأسد ‘المقاوم وعدو إسرائيل’.
ومن كل ما تلفّظ به، وقد صدر بيان عن الفلسطينيين وأهالي الجولان يرفضون تصريحاته، قال أخيراً بأنه يريد للجولان أن يكون ‘حديقة سلام للتعارف بين الشعوب’، مع حفل كوكتيل و’دي جي’ على الأغلب! هذا إذن مشروعه البديل لنظام الأسد، وهل صدر عن ‘الإئتلاف’ المعارض ما يرفض ذلك؟
ليست مفارقة بالمناسبة أن يقدّم اللبواني للنظام السوري الخدمة الأعظم التي يمكن أن يقدّمها أي معارض، وفي الوقت نفسه أن ينشرح قلبه لإسرائيل طالباً منها أن تنصر ‘ثورته’، وفي الوقت نفسه أن يدافع عن التطرف الإسلامي الذي اجتاح سوريا وعن تنظيماته الإجرامية صنيعة النظام، كما فعل منذ أسابيع في ‘الاتجاه المعاكس′.
لن ألومه، فليس هو متخبّط في كل ذلك، إنما منسجم تماماً، لأنه بذلك يكون النقيض المكتمل للثورة المدنية الديمقراطية، التي تنادي بسوريا حرة وحامية للحقوق العربية أولها السورية والفلسطينية، لكني ألوم المعارضين، الذين ينادون بسوريا كهذه، ويسكتون عن تفوّهات اللبواني المحسوب عليهم، والمحسوبين جميعاً على الثورة.
تحريض الجيش المصري على ضرب غزة
واستتباعاً لطلب المساعدة العسكرية الإسرائيلية من قبل اللبواني، نجد في مصر وبتزامن مع القصف الإسرائيلي قبل أيام لقطاع غزة، نجد من يطلب المساعدة العسكرية المصرية لجيش الاحتلال.
لدى قناة الفراعين (لسان حال فلول مبارك) مقدّمة اسمها حياة الدرديري، هي النسخة النسائية الهزلية من توفيق عكاشة، تقول في برنامجها ‘مصر اليوم’ إن ‘الشعب المصري لن يرضى بديلاً ولن يقبل من قواته المسلحة إلا بضرب بؤر الإرهاب في قطاع غزة وتدمير حماس بعمليات عسكرية حاسمة’.
هنالك فئة من الناس لا نعتب عليهم مهما قالوا، لا يهمّني تحريضها كونه صادرا من جهة لا أستغربه عنها بل أتوقّعه، وهي تقدّم برنامجها بـ ‘توفيق عكاشة ستايل’، أسلوب البله مكتمل الشروط. لكني إن كان لا بدّ من عتب فهو (كذلك) استسهال أن يمرّ تحريض كهذا على مثقفين ‘ثوريين’ مصريين كأمر عادي، وإن لم يأخذه أحد على محمل الجد، إلا أنه حاضر وله جمهوره ولا بدّ بالتالي من مواجهته وقد بدأ يتكاثر.
‘الفراعين’ محسوبة على الثورة المضادة في مصر، وهي بذلك منسجمة مع التعاون العسكري المأمول بين مصر وإسرائيل ضد حماس. أما اللبواني، فغير منسجم بتصريحاته إلا مع وزير الدعاية لدى الأسد مروان الزعبي. كتبتُ مراراً عن الخدمات (الإعلامية وغيرها) التي يقدّمها الجولاني والبغدادي بتنظيمَيهما لنظام الأسد، لكن اللبواني بتصريحاته هذه، بطحهما أرضاً.
*كاتب فلسطيني
القدس العربي