كيف تكون بمفردك.. ترياق مؤرقات هذا الزمن وأعظم مفارقاته
ترجمة فرح عصام
“إننا نعيش في مجتمع يعتبر التقدير العالي للذات دليلا دامغا على السعادة؛ لكنه لا يريد في نفس الوقت أن يكون مقربا من هذا الإنسان المثير للإعجاب”.
إن كانت احتمالات إيجاد شريك الروح كئيبة إلى حد فظيع، وكان سر الحب الأبدي يكمن في تقديم التنازل، أثمة أي عجب عندئذ من تفضيل أعداد متزايدة من الناس البقاء بمفردهم؟ إن خيار العزلة -خيار البقاء بمفردنا- لا يتعلق بالعلاقات الغرامية فقط بل بكافة الروابط الإنسانية كذلك، حتى رالف إيمرسون وهو من أفصح من كتبوا في مديح الصداقة في الأدب الإنجليزي، قد عاش حصة لا بأس بها من حياته في الاختلاء.
وهي بالتحديد الحالة التي مكنته من تأليف كتاباته الخالدة، وبرغم ذلك نجد أنه خيار تقابله ثقافتنا بالتخوف والازدراء، وبالتحديد في عصر الاتصال الأهوج الذي نعيش، ولعل السبب في كثرة الاستشهاد بقول همنجواي حول محورية العزلة للعمل الإبداعي يرجع إلى اتخاذه نبرة مفرطة الراديكالية والتحفيز.
ذكرت لي صديقة مفارقة طريفة مؤخرا “في إحدى الأمسيات وأثناء إجازة قصيرة قضتها في المكسيك بمفردها، دلفت مطعما محليا وسألت عن طاولة، وإثر إدراك النادل أنها تتناول وجبتها بمفردها، رافقها إلى الطاولات الخلفية بخليط من أحاسيس الشفقة والارتباك، لئلا تقوم بالتشويش على إطلالة المطعم المتوهمة المصممة بحرص حول نعيم الارتباط”.
علينا ألا نغفل عن أن هذه الواقعة المزعجة والتي تنبع من وصم عدم الارتباط بقدر ما تنبع من الفشل الذريع في تبجيل فنّ البقاء بمفردنا، هي حالة يحدث أن تواجهها النساء أكثر من الرجال وقلة منهنّ تستطيع العيش معها.
ذلك النوع من العزلة الذي نختاره بأنفسنا عادة ما يقابل بإطلاق الأحكام والوصم لكنه في نفس الوقت قدرة أساسية تماما لعيش حياة كاملة (بكسلز)
هذه المفارقة هي ما تكتشفه المؤلفة البريطانية سارة مايتلاند في كتابها بعنوان “كيف تكون بمفردك” وهو آخر إصدارات حملة “مدرسة الحياة” (The School of Life) التي ترمي إلى استعادة نوعية كتب مساعدة الذات في سلسلة ألمعية، تقدم إرشادات لفهم جوانب مماثلة للعيش الحديث كإيجاد وظيفة مرضية والدخول في علاقة صحية والتخفيف من القلق بشأن المال وعدم فقدان الصواب.
بينما تعيش مايتلاند في منطقة أسكتلندية هي ذات أقل الكثافات السكانية في أوروبا؛ حيث يقع أقرب محل تجاري على بعد اثنين وثلاثين كيلو مترا وحيث تنعدم خدمة الهواتف -تخيلوا هذا الأمر وهلة-، إلا أنها لم تكن من عشاق الوحدة؛ فقد كبرت في عائلة سعيدة كواحدة من بين ستة أبناء.
لم يحدث الأمر إلا بعدما أسرتها فكرة الصمت وهو موضوع كتابها السابق بحيث انجرفت إلى العزلة؛ لتقول “لقد أسرني الصمت بما يحدث في الروح الإنسانية في الهوية والشخصية عندما يتوقف الكلام، عندما تزيل القابس عندما تغامر بالخروج إلى ذلك الخلاء الشاسع”.
وتضيف “لقد كنت مهتمة بالصمت بوصفه ظاهرة ثقافية مفقودة كعنصر جمالي، كمساحة مرّ بها واستخدمها مرارا وتكرارا العديد من الأفراد لدوافع مختلفة؛ كي يخرجوا منه باستخلاصات هي جدُّ مختلفة أيضا، لقد بدأت باستخدام ذاتي الشخصية كنوع من حقل الاختبار لفحص عدد من الأفكار والقبض على ما يتركه الصمت في ذاتي، وقد أدهشني لربما أن أجد بأنني أحببت الإطراق في الصمت وشعرت بأنه ناسبني لذا أردت المزيد منه، وفي سعيي للمزيد من الصمت وجدت هذا الوادي وشيدت بيتا هنا على بقايا كوخ قديم لأحد رعاة الأغنام”.
إننا نعيش في مجتمع يعتبر التقدير العالي للذات دليلا دامغا على السعادة؛ لكنه لا يريد في نفس الوقت أن يكون مقربا من هذا الإنسان المثير للإعجاب
بكسلز
ومع ذلك اهتمام مايتلاند بالعزلة هو مختلف بعض الشيء عن اهتمامها بالصمت، فعلى الرغم من أنه ينبع من الحاجة للخصوصية، إلا أنه ناجم عن شأن عمومي حول الحاجة لمعالجة “مشكلة اجتماعية ونفسية تتعلق بالعزلة”، رغبة للتهدئة من مخاوف الناس ومساعدتهم في الاستمتاع بنشاط في الوقت الذي يقضونه في العزلة.
وهي تفعل ذلك في طرحها للسؤال المركزي لهذا المأزق فتقول “أن نكون وحيدين في هذا المجتمع هو أمر يثير أسئلة هامة حول الهوية والسعادة، فكيف وصلنا في ظل عالم متطور إلى حد ما وفترة ثقافية تقدر الاستقلالية والحرية الشخصية والإنجاز وحقوق الإنسان، وفوق كل شيء الفردانية أكثر من أي فترة أخرى في تاريخ البشرية مع خوف أبناء هذه الثقافة المستقلين الأحرار والمنجزين ذاتيا من البقاء وحيدين بصحبة أنفسهم؟”
وتمضى قائلة إننا نعيش في مجتمع يعتبر التقدير العالي للذات دليلا دامغا على السعادة؛ لكنه لا يريد في نفس الوقت أن يكون مقربا من هذا الإنسان المثير للإعجاب، نرى العادات الاجتماعية بوصفها كوابح حرياتنا الشخصية، ومع ذلك نجد أننا نخشى من أي شخص يفلت من القطيع ليطور عادات تشذ عنه، إننا نؤمن بأن لكل واحد منا “صوتا” شخصيا يخصه، صوتا إبداعيا إلا أننا نعامل كل من يلجأ إلى أبرز وسيلة للتطور -ألا وهي العزلة- بشكوكية سوداوية -في أحسن الأحوال-، نعتقد بأننا فريدون ومتميزون وأننا نستحق السعادة ولكننا نخشى أن نكون بمفردنا.
يفترض بأن نسعى وراء إنجازاتنا الشخصية ونتصرف وفقا لما نحس به أن نحقق الأصالة والسعادة الشخصية، إنما ويا للغرابة ألا نقوم بهذا كله بمفردنا اليوم، وأكثر من أي وقت مضى يستند وصم العزلة إلى الأحكام الأخلاقية والمنطق الواهي.
“ينبغي أن يكون كل واحد هادئا قرب جدول مائي صغير وينصت”
(موريس سينداك)
من الغريب والمهم أنّ إتقان فن العزلة لا يجعلنا أشد انطواء لكنه على العكس من ذلك، يتيح قابلية أفضل للتواصل في العزلة، تنبجس من كياناتنا وشائج أعمق بحياتنا الداخلية؛ إنها تلك الإطلالة المخيفة والغريبة التي حثت على اكتشافها -رغم مخاوفنا- الفيلسوفة مارثا نوسباوم ببلاغة؛ إنه يحررنا لكي نصل إلى حميمية أعظم وأشمل مع الآخرين.
وتضيف مايتلاند “إنه لا شيء يدمر العلاقات الحميمية أكثر من الشخص الذي لا يمانع البقاء بصحبة الناس بلا نهاية، إنهم لا يبدون أفرادا بما يكفي ما لم يكن لديهم “الفرادة” إن جاز التعبير، وهذا يقترح بأن أولئك الذين يعلمون بأنهم الأفضل والأتمّ في العلاقات -أيا كان نوعها- يحتاجون ملكة الاختلاء، وعلى الأقل أن يلجأوا لهذه القدرة من حين لآخر.
إن كنت تعلم من أنت وتعلم بأنك تتصل بالآخرين لأنك تريد ذلك عوض أن يكون الأمر لأنك خائف في حاجة ماسة وجشع، لأنك تخشى أن توجد دون وجود أحد ليؤكد لك هذه الحقيقة، فأنت حر، يمكن لبعض العزلة أن تصنع علاقات أفضل بسبب مساحات الحرية فيها.
ومع ذلك فقد هوت قيمة الاختلاء إلى منزلة منحطة من الحكم الاجتماعي على مدار البشرية، في استشهادها بظاهرة “الرجال العوانس” بحسب الإحصاء السكاني في الولايات المتحدة الأميركي -الرجال الذين فاق عمرهم الأربعين دون زواج، والذين قفزت نسبتهم من 6% في 1980 إلى 16% في الزمن الحالي- تتعقب مايتلاند التشويه الثقافي الغريب الذي نال المفهوم ذاته:
في العصور الوسطى كانت تعتبر مفردة “عانس” إطراء فقد كانت العانس في العادة امرأة في وسعها أن تتدبر أمرها جيدا، وتلك التي تجيد ذلك الأمر هي تلك المكتفية ذاتيا من الناحية المادية؛ وكانت هذه إحدى الوسائل القليلة جدا التي استطاعت من خلالها نساء القرون الوسطى تحقيق الاستقلال الاقتصادي، وقد انطبقت المفردة على كل النساء اللواتي وصلن لمرحلة الزواج كطريقة للقول إنهن في العلاقة بحرية بناء على خيار شخصي لا لليأس المادي، أما اليوم فتعتبر العبارة إهانة لأننا نخشى على نساء من هذه الشاكلة -والآن على الرجال أيضا- الذين على الأرجح هم “معتلون اجتماعيا”.
بكسلز
إن هذا الموقف الحديث إلى حد كبير والذي يظهر خيار الوحدة الطوعية كثلاثية سامة أقطابها “محزن وجنوني وسيئ” يعززها منطق تعميمي حاسم لا يتيح لأولئك الذين يختارون العزلة الكرامة الأساسية لخيارهم الشخصي، ففي تفكيرها باستجابة الشفقة السائدة -التي يعززها العنصر المحزن من التعميم- تكشف مايتلاند عن الاستحالة المزعجة لدحض هكذا افتراضات اجتماعية.
إنك إن قلت “حسنا، لا في الحقيقة؛ أنا سعيد جدا” فإنهم يعتبرون بأنك تنكر لكي يثبتوا لأنفسهم أنك تعيس، في الآونة الأخيرة حاول أحدهم أن يواسيني في حزني، عندما أكدت له أنني في الحقيقة سعيدة، ردّ قائلا “قد تعتقدين بأنك كذلك”.
لكن السعادة إحساس فأنا لا أعتقد بأنني سعيدة لإنني أحس كذلك، قد أكون بالطبع أعيش في نعيم خادع وقد يهوي قصر الفرح والرضا هذا على رأسي قريبا، لكن في الوقت الحالي فإما أنني أكذب أو أقول الحقيقة، لا يمكن أن تكون سعادتي وفقا لنواة طبيعة السعادة، شيئا أعتقد بأنني أشعر به ولكني لا أشعر به بالفعل، ليس ثمة إحساس ممكن لا يدخلونه فورا إلى عقلية الأطفال ذات طابع صدق أو كذب.
إن أساس هذه المواقف كما تجادل مايتلاند هو المشغل المركزي للخوف -الخوف من أن أولئك المختلفين جذريا عنك، يتخذون قرارات لا تفهمها بالضرورة، وهذا يقودنا بالتالي إلى إسقاط خوفنا على الآخرين، عادة بصورة غضب كالتّعبير عن ثلاثية “محزن، جنوني، سيئ”، وأتوقف هنا عند ملاحظة أناييس نين بأن “عدائيتَنا مع ما هو غير مألوف مؤشر على إحساس هائل بانعدامِ الأمان الداخلي”.
إن هذه المخاوف الاجتماعية المعززة باستمرار كما تلحظ لها عواقب وخيمة:
إنك إن واصلت القول للآخرين بأنهم غير سعداء غير مكتملين، وأو أنهم مجانين وأنانيونَ، فإنهم قد يستيقظون في أحد الأيام الرمادية الباردة متسائلين إذا ما كانوا في الحقيقة وحيدين عوض أن يكونوا ببساطة “بمفردهم”.
هذا التفريق الحاسم ما بين الوحدة والاختلاء في الواقع، ليس حاسما في تعاملنا مع اضطرابنا النفسي وحسب وإنما أيضا مع أجسادنا؛ بينما قد تكون العزلة جوهرية للإبداع والبرهان على أسطورة العبقرية، الوحدة كما وجد العلماء لها آثار جسدية مميتة على كل شيء بدءا من أمراض القلب وانتهاء بالخَرَف.
للمفارقة تشير مايتلاند بأن العديد من الرموز الثقافية الشهيرة قد استدخلت العزلة على نمط حياتها وروحها، من الكشافة والمغامرين العظماء إلى “العباقرة” المعروفين؛ حيث تضرب مثلا بممثلة الأفلام الصامتة الرائعة جريتا جاربو وهي عاشقة كبيرة للاختلاء:
“لقد أضفت جاربو إلى فن التمثيل الصامت رقة التعبير.. فعند تقاعدها تبنت نمط حياة مترف وبسيط معا، في بعض الأحيان “منجرف” وحسب، لكنها لطالما كان لديها أصدقاء مقربون كانت تتواصل وتسافر معهم. لم تتزوج لكنها عرفت الحب في عدد من العلاقات وكانت تجمع القطع الفنية، ماضية بمفردها رفقة أصدقائها في مسارات المدن وبالأخص في نيويورك، وقد برعت في تجنب المصورين المتطفلين. ومنذ أن اختارت التقاعد وحتى بقية حياتها رفضت باستمرار أي فرصة لعمل المزيد من الأفلام، سيكون معقولا الافتراض بأن خيارها نابع عن قناعة، من الواضح حقيقة أن الكثير من الأشخاص الرائعين لأسباب عديدة، على مدى التاريخ والثقافات كانوا قد سعوا للعزلة إلى الحد الذي مضت إليه جاربو، وبعد اختبار نمط الحياة ذلك لفترة استمروا بالتشبث بخيارهم، حتى عندما كانت لديهم فرص أفضل لعيش حياة أشد اجتماعية”.
إذن كيف ظهرت ردود فعلنا المعاصرة تجاه العزلة؟ تجادل مايتلاند بأن رفضنا البائس لاستيعاب أولئك الذين يختارون البقاء بمفردهم “التسامح الطبيعي مع الاختلاف الذي نفتخر به في مواضع أخرى” ما هو إلا نتيجة “خلط ثقافي عميق”.
“لألفيتين من الزمان على الأقل، كنا نحاول العيش ضمن نموذجين متضادين جذريا لما ينبغي أو لما يمكن أن تكون عليه الحياة الجيدة. ثقافيا، فإن ثمة ميلا زلقا قليلا لإلقاء اللوم في كافة مشاكلنا، وبالتحديد صعوباتنا الاجتماعية إما على الداروينية الاجتماعية أو على حزمة غير محددة المعالم كنموذج “اليهودية المسيحية” أو “التراث”.
وعلى ما يبدو فإن هذا هو السبب وراء الأشياء الأخرى التي نواجه صعوبات فيها مثل علاقاتنا -مع الجنس الآخر أو أنفسنا-، لماذا لا تحصل النساء على المساواة؟؛ لماذا نحن ملتزمون بالهيمنة على العالم والتدمير البيئي؟ ولماذا لا نحظى بالسعادة التي نستحق؟، أنا مثلا لا أصدق ذلك لكنني أصدق أننا نعاني من محاولة الإبقاء على قيم اليهودية المسيحية -بقدر ما نستطيع فهمها- وقيم الحضارة الكلاسيكية سويا، وهما فعلا لا يتفقان.
على الرغم من الاهتمام والانتباه المكثفين المفقودين للأنا الفردية؛ على الرغم من قرن من الزمان تقريبا في محاولة “رفع تقدير الذات”.. إلا أنه على ما يبدو لاحياة لمن تنادي!
بكسلز
وتنتقل مايتلاند في عجالة إلى مأزقنا الحاضر والذي هو منتج الحمولة الثقافية للألفية الجديدة قائلة لا عجب أننا نخشى من أولئك الذين يتطلعون للبقاء بمفردهم، حتى وإن كان هذا الاختلاء أكثر بقليل عما هو مقبول في الأنماط الاجتماعية، لا عجب أننا نريد التأسيس للعزلة على أنها “محزنة، جنونية، سيئة”، بوعي أو بدون وعي، أولئك الذين يريدون القيام بأمر مضاد للثقافة بجلاء يُفضحون، وحتى أنهم يوسعون شقوق الصدع.
لكن الحقيقة أن النمط الحالي معطوب سلفا على الرغم من الاهتمام والانتباه المكثفين المفقودين للأنا الفردية؛ على الرغم من قرن من الزمان تقريبا في محاولة “رفع تقدير الذات” في الاعتقاد المتعين بأنه سيخلق معه تحسينا للفردانية ويخلق مواطنين جيدين؛ على الرغم من المحاولات الجسورة لتوطيد العلاقات والتحريمات المخففة؛ على الرغم من الجهود الحثيثة لإكراه المتفردين والمبدعين لكي تكون لديهم “روح الجماعة”؛ على الرغم من الوعود بالحرية الشخصية التي قطعتها لنا النيوليبرالية وثقافة الفردانية والحقوق؛ على الرغم من كل هذا، إلا أنه يبدو أن لا حياة لمن تنادي!
إننا نعيش في مجتمع يعرف بأطفاله التعساء وشبابه المستلب وكهلته غير المنخرطين سياسيا واستهلاكية سفيهة ولا مساواة متفاقمة وتذبذبات مرعبة في النظام الاقتصادي، والمعدلات المرتفعة في أمراض الصحة النفسية وكوكب معطوب إلى الحد الذي يمكن أن ينتهي المطاف معه لأن ندمر المشروع برمته.
بالطبع فإننا نعيش أيضا في عالم عظيم الجمال يبلغ فيه الحب أقصى درجات التضحية والشغف والعطف، فيه الكثير من الفرص والشجاعة والسعادة، لكن هذا كله يبدو وأنه يحدث بغض النظر عن النموذج والأفكار السامية للفلسفة، لطالما حدث هذا الأمر ولأنه لطالما حدث تحديدا نستمر في الصراع مع هذه القضايا في أمل أن تصيب كل تلك الأشياء الجميلة عددا أكبر من الناس وتحدث عددا أكبر من المرات”.
إننا نصارع غالبا في محاولة التشبث وتلمّس طريقنا في الخروج من العزلة؛ وهي حالة لا نفهمها تماما أو نثبت عليها تماما لنحصد فوائدها، إن تكتيكينا الاثنين للاحتماء من العزلة كما تلحظ مايتلاند، هما التخوف المهين والاختلاق؛ حيث ننتقد أولئك الأفراد القادرين على إيجاد ملاذهم في العزلة ونُدينهم باللجوء إلى نمط “محزن، جنوني، سيئ”، والمنهج الدفاعي؛ حيث نحاول عزل أنفسنا عن مجازفة الاختلاء من خلال مراكمة شبكة واسعة من الصلات كنوع من “سياسة الضمان”، في واحد من بين تعليقاتها الجانبية المصيبة، تهمس مايتلاند:
“إنه لا عدد من الأصدقاء على فيسبوك أو في قائمة الهواتف أو المعارف أو الاحتراز المالي يمكن أن يضمن لنا الحماية”.
إن تناقضنا الثقافي بائن أيضا في تحيزنا المزمن للانفتاح على الرغم من الدليل المتنامي على قوة الانطواء، وفي هذا تكتب مايتلاند في هذا الوقت وبينما نحن نسعى لهذا النموذج المثالي المنفتِح، فإن المجتمع ينشر رسالة مناقضة وإن كانت مضمرة، فمعظم الناس لا يزالون يفضلون أن يتم وصفهم بأنهم حساسون وروحانيون وتأمليون يثرون حياتهم الداخلية ويجيدون الاستماع أكثر من النقائض المنفتحة.
أعتقد بأننا ما زلنا نعجب بحياة المثقف على حياة رجل المبيعات؛ بحياة المؤلف على حياة الممثل -وهو السبب الذي لأجله يجهد نجوم البوب أنفسهم في كتابة أغنياتهم-؛ حياة الحِرَفي على حياة السياسي؛ حياة المغامر المنفرد على حياة جماعة من السياح، لكن نوع الرسائل العشوائية والمختلطة التي يعرضها علينا المجتمع فيما يتصل بأن نكون وحيدين يضيف إلى الخلط؛ والخلط يسبب الخوف”.
ضمن صندوق عدة مايتلاند بعنوان “أفكار لتغيير الآراء السيئة حول العزلة وتطوير الحس الإيجابي بالاختلاء والقدرة الحقيقية على الاستمتاع به” نجد تأملات غاستون باشلار في حلم اليقظة وتمرين مواجهة الخوف، إنها تحصي الفوائد الخمس الأساسية التي سيتم جنيها من نسيان خوفنا الثقافي المشروط من الاختلاء وتعلم كيفية “القيام” بالعزلة على أتم نحو:
أولا: امتلاك وعي أعمق بالذات
ثانيا: انسجام أعمق مع الطبيعة
ثالثا: علاقة أعمق بالمتعالي (الإلهي، الروحي، الخشوعي)
رابعا: إبداعية متزايدة
خامسا: حس متزايد بالحرية
====================================
المقال مترجم عن: هذا الرابط
https://www.brainpickings.org/2014/09/03/how-to-be-alone-school-of-life/