كيف صنعت روسيا والأسد “داعش”؟/ حسين عبد الحسين
نشرت وكالة “رويترز” تحقيقاً مثيراً للاهتمام بعنوان “كيف سمحت روسيا لمتطرفيها بالذهاب للقتال في سوريا؟”، سلطت فيه الضوء على خمسة مقاتلين من مقاطعة داغستان الروسية الجنوبية تلاحقهم قوات الأمن الروسية منذ أعوام بتهم الارهاب.
ومع اندلاع الثورة السورية في العام ٢٠١١، فاجأت موسكو متطرفيها بأن عرضت عليهم فرصة مغادرة البلاد نهائياً، وقدمت لهم جوازات سفر روسية بأسماء وتواريخ ميلاد مستعارة، وقدمت لهم بطاقات سفر وجهة واحدة الى اسطنبول، فوصل معظمهم شمال العراق وسوريا، حيث انضموا الى تنظيم “الدولة الاسلامية”. واعتبرت الوكالة أن الروسية هي اللغة الثالثة في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم بعد العربية والانكليزية، بسبب العدد الكبير لاعضاء التنظيم من الناطقين بالروسية.
ويتبادل الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاؤه روسيا وايران، من جهة، والولايات المتحدة وحلفاؤها تركيا والسعودية وقطر، من جهة ثانية، الاتهامات بصناعة “داعش”، ورعايته، وتمويله. إلا أن الروايات التي يقدمها تحالف الأسد غالباً ما تنهار أمام أي محاولة تدقيق، فيما الاتهامات في حق الأسد وحلفائه تبدو أكثر واقعية.
مثلاً، نشرت السفارة الروسية في لندن، في تغريدة على حسابها الرسمي في “تويتر”، صورة ثلاث شاحنات قالت إنها تحمل مواد كيماوية، أرسلتها أميركا وحلفاؤها الى المعارضة السورية في حلب، ليتبين بعد دقائق ان الخبر الروسي ملفق الى درجة أن الصورة مأخوذة من إحدى ألعاب الكومبيوتر.
قبل التزييف الروسي الأخير، تمسك الأسد وحزب الله اللبناني برواية مفادها أن تيار رئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري يموّل المتطرفين السنّة. ونجحت ماكينة دعاية الأسد بقيادة بثينة شعبان ومساعدها اللبناني ميشال سماحة في زرع تقرير في مجلة “نيويوركر”، ورد فيه أن تيار الحريري موّل وسلّح مجموعة “فتح الاسلام”، التي خاضت معارك ضد الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد لللاجئين الفلسطينيين شمال لبنان في العام ٢٠٠٧. أما دليل “نيويوركر”، فقدمه ضابط مخابرات بريطاني سابق يسكن في بيروت اسمه اليستر كروك.
لم تمض اسابيع حتى هرب قائد “فتح الاسلام” ليختبىء عند الأسد، وتبين أن كروك يدير مركز أبحاث يموله حزب الله. وبعد سنوات، أثبت القضاء اللبناني تورط سماحة في محاولات تفجير إرهابية بأمر من علي مملوك مستشار الأسد.
ويوم مقتل الوزير اللبناني السابق محمد شطح، بثت وسائل الاعلام المؤيدة لحزب الله تقارير عن تواطؤ بين النائب بهية الحريري ومجموعات اسلامية متطرفة. على ان المشكلة تكمن في ان اتهام الأسد وحزب الله للحريري بتمويل الارهاب تتناقض مع الرواية التي فبركها تحالف الأسد والتي تدعي قيام الارهاب نفسه بقتل رفيق الحريري وشطح، إذ من غير المعقول ان يمول آل الحريري المتطرفين السنّة، وأن يقوم المتطرفون السنّة أنفسهم بقتل الحريري ومساعديه.
والى جانب التناقضات في اتهامات الأسد وحزب الله لخصومهم بتمويل ورعاية التنظيمات الاسلامية المتطرفة، سبق ان أصرّ مسؤولون من تحالف الأسد – روسيا – ايران على مسؤولية الأسد في رعاية اسلاميين متطرفين وارسالهم الى العراق. فعلى اثر تفجيرات بغداد في آب/اغسطس ٢٠٠٩، ثارت ثائرة رئيس حكومة العراق السابق نوري المالكي، واتهم الأسد برعاية المتطرفين السنّة وارسالهم الى العراق. وسحبت بغداد سفيرها من دمشق، واجبر العراق الأمم المتحدة على تشكيل لجنة تقصي حقائق حول التفجيرات، كخطوة اولى لاقامة محكمة دولية شبيهة بالمحكمة الخاصة بلبنان.
ربما لو قامت محكمة خاصة في العراق، لوجدت، كما نظيرتها الخاصة بلبنان، أن رواية قيام متطرفين سنّة باغتيال الحريري وشطح في بيروت، وبتفجيرات في بغداد، هم في الواقع انتحاريون يعملون برعاية من طهران وموسكو والأسد. لو أجرى المجتمع الدولي تحقيقاً جدياً لأمكنه معرفة مصير مصطفى نصر، المعروف بأبي مصعب السوري، أحد كبار قياديي القاعدة والمسؤول عن تفجيرات مدريد ولندن في العام ٢٠٠٤، والذي سلمته الولايات المتحدة الى الأسد لسجنه في العام ٢٠٠٥. وفي وقت لاحق، تداولت مواقع المتطرفين ان نصر اصبح خارج السجن، وربما ساهم في تأسيس داعش وقيادته. طبعاً، نفى قائد القاعدة أيمن الظواهري خروج نصر من السجن لأن أي رواية عكس ذلك تظهر تعاوناً بين القاعدة والأسد وتحرج الاثنين.
من أسس “داعش” و من يرعاه؟ قد يكون اتهام اي من الجهات الاقليمية او الدولية بالقيام بذلك مبالغاً فيه. لكن من يغض الطرف عن عمل “داعش” بالسماح برفده بمقاتلين، مثل روسيا، ومن يتشارك وإياه في انتاج النفط السوري وبيعه، مثل نظام الأسد، مسؤول أكثر عن استمرار “داعش” من الدول التي تعاني من تفجيرات هذا التنظيم، في تركيا والسعودية وغيرها من الدول التي تحاربه.
المدن