لا للحرب الأهلية
الياس خوري
صارت مأساة بابا عمرو في حمص تلخيصا مكثفا لسياسات النظام السوري. قصف وقنص وقتل، ودوس على كل القيم الانسانية بلا رحمة. منذ ثلاثة اسابيع والحي تحت النار، والنار لا تتوقف.
من الواضح ان مذبحة بابا عمرو صارت منعطفا جديدا في الوضع السوري. قصف بابا عمرو ليس محاولة لاخافة المدن الأخرى، او للوصول الى الحسم العسكري. فالنظام يعرف ان الخوف سقط، وان الثورة تنتقل من مدينة الى مدينة، وان منطق الترهيب لم يعد يجدي. اما الحسم العسكري فانه لم يعد في متناول اليد، لقد فات اوان الحسم، عدا عن انه كان منذ البداية وهما، فلا احد يستطيع ان يحسم بالنار ثورة امتدت الى كل انحاء سورية.
لماذا بابا عمرو اذاً؟
هل لا تزال بعض الرؤوس الحامية في النظام تعتقد ان بامكانها سحق الثورة على طريقة حماه؟ ام ان هذه الرؤوس تقود البلاد من حيث تدري او لا تدري، واغلب الظن انها تدري، الى الحرب الأهلية؟
لقد شهدنا كيف يتحول الاستبداد، على الطريقة البعثية، الى عنوان للانتحار. لكنه انتحار مصحوب بنحر الوطن وتحطيمه. اي ان استراتيجية الاستبداد الوحيدة هي البرهنة على ان الديكتاتور قادر على تحطيم الوطن وتفتيته لحظة سقوطه.
بهذا المعنى فإن بابا عمرو ليس مدخلا الى الحسم، بل هو الباب الذي فتحته السلطة على الجحيم. اي ان استمرار القصف الوحشي ليس سوى المؤشر على ان خطة النظام الوحيدة هي ادخال سورية في أتون الحرب الأهلية.
يريد النظام ان يقول اليوم ان سقوطه لن يكون مشابها لسقوط بقية الديكتاتوريات العربية، بل سيكون سقوطا للدولة، واعلانا بدخول سورية مرحلة التفكك.
هذا الخطر لن يستطيع الشعب السوري مواجهته عبر الاتكاء على دعم ‘اصدقاء سورية’. فعلى الرغم مما شكله مؤتمر تونس من دعم معنوي للثورة، فان خلاص السوريين من منعطف الدم الذي يقودهم اليه الاستبداد لن يتم الا على ايديهم وحدهم.
من الواضح ان استراتيجيات الدول العظمى لا علاقة لها بمطالب. لا روسيا تدعم استقلال سورية ولا اميركا تدعم الديموقراطية. هذا جزء من رياء اللغة السياسية في العلاقات الدولية. ومن المؤكد ان لا مصلحة لاسرائيل في ديموقراطية سورية مزدهرة، لأن اول عمل سياسي ستقوم به الحكومة السورية المنتخبة هو العمل على تحرير الجولان.
لقد نجح النظام السوري في توريط حزب الله اللبناني في دعمه، كما استطاع ان يتكيء على المساعدات الايرانية، وهذا ما وضع الثورة السورية في مفترق الصراع بين دول الخليج وايران، وفي هذا يكمن خطر تحويل سورية الى ساحة.
هل الحرب الاهلية في سورية قدر لا مفر منه؟
الانزلاق الى الحرب الأهلية يعني ان الثورة دخلت في نفق لا مخرج هنا، او هو على الأقل نفق باهظ التكلفة، قد يقود سورية الى الدمار. والخطير ان النظام لم يعد يهدد بالحرب الأهلية من اجل اخافة الشعب، الخطير ان فشل سياسة التخويف جعل النظام يشرع في التأسيس الفعلي والملموس لمنطق الحرب الأهلية.
الثورة السورية هي اليوم امام منعطف التصدي لاحتمالات الحرب الأهلية ووأدها. وهو منعطف بالغ الخطورة، لأن الفشل هنا غير مسموح والخطأ قد يكون مميتاً.
من هنا يحق لنا ان نسأل الأصدقاء في المجلس الوطني السوري ماذا فعلوا وماذا سيفعلون؟
هل من المعقول ان لا يصلنا سوى صدى الخلافات السياسية والمناورات من حول المناصب بينما تذبح الناس في الشوارع؟ المجلس الوطني الذي حظي بدعم شعبي غير مسبوق عند تأسيسه يبدو اليوم وكأنه يبدد هذا التأييد عبر جموده السياسي وتحوله الى ما يشبه المنبر الاعلامي. الاعلام جزء صغير من مهمة من يتصدى لتمثيل الشعب السوري، اما مهمته الأساسية فتتمثل في ثلاث مسائل:
اولا: بناء خطاب سياسي للثورة السورية، ويجب ان يكون خطابا واضحا في تحديده معنى الأفق الديموقراطي، وفي قدرته على مخاطبة شرائح الشعب كافة، وخاصة الشرائح المترددة، وفي خطابه الواضح حول مسألة الأقليات الدينية والقومية.
ما معنى الدولة الديموقراطية المدنية؟ وكيف تستطيع فكرة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات تبديد المخاوف. ليس من المنطقي ولا من المقبول ان تبقى هذه المسائل مرهونة بتصريحات للصحافة والتلفزيون تبدو في كثير من الأحيان متضاربة. ان نزع فتيل الحرب الأهلية يفترض وعيا عميقا بضرورة نبذ الطائفية ورفض جميع اشكالها وممارساتها، والتأكيد على شعار وحدة الشعب السوري الذي اطلقه الشعب في المظاهرات.
ثانيا، بناء مؤسسات دعم صمود الناس، عبر التصدي لمهمة انشاء مؤسسات شعبية ذات صدقية وشفافية. لم يعد الموقف الحالي مقبولا. فالمأساة تكبر يوميا، وهذا يقتضي تنسيقا بين الداخل والخارج من اجل استنباط اساليب خلاقة للعمل.
ثالثا: حتى الآن كانت مهمة الجيش الحر حماية المتظاهرين، وتشكيل اطر للمقاومة الشعبية، غير ان عدم تنظيم العلاقة بين التنسيقيات وهذا الجيش قد يهدد بانفلات الأمور.
رابعا واخيرا، التأكيد على ان الأفق الديموقراطي في سورية هو الأرض التي ستبنى عليها مؤسسات الدولة، وان الديموقراطية هي المدخل الى الالتزام بقضية تحرير الجولان، والارتباط العميق بقضية فلسطين وبالحق الفلسطيني.
هذه المهمات الاربع هي المدخل من اجل افشال مخطط النظام لاغراق سورية في فوضى الحرب الأهلية، وآن للمعارضة السورية ان تعي خطورة الوضع وتتصرف بما يمليه عليها نداء الدم في حمص ودرعا وادلب وحماه والزبداني وحلب ودمشق ودير الزور…
لا خيار سوى الثورة والصمود، ولا افق سوى الوعي بأن طريق التغيير يصنعه الوعي والحكمة والصبر.
القدس العربي