صفحات الثقافة

للأشياء العميقة العابرة/ مريم شريف

 

 

1

لم يكن الضوء هو كلّ ما أريد

ولكن،

أنْ يظلّ في قلبي مكانٌ صغيرٌ

لا يُعْتمُ

إذا انطفأ الليل

كالغرباء، كما أنا

أعاودُ الدورانَ

في ليلٍ تصدّهُ الأمكنةُ

في أمكنةٍ يجرِفها الليل

في ما يجرفُ الليلَ

ويطردُ الأمكنةَ

أتناثرُ في جوف النهار

تُقاطِعني الدروبُ

لا أرى ترابَها يشبه ترابي

كلانا يهوي من يد الآخر

كالرمالِ حين يذروها الوقتُ

الذاهبُ بأكثرَ مما يقولُ الشتاءُ

بأكثرَ مما يتّسِعُ له بابٌ مغْلَق

بما يكفي كي أخرجَ من قلبي

أقفُ على حافّتهِ

لأعرفَ، كما عرفتُ دائماً

أنّ السماء التي غادرت قلبي

صارت عتمتَه

 

2

كنتُ أراقبُ صورةَ الدفء

على المقاعدِ

وبين الوجوه

لم أكنْ أبهجَ الحاضرينَ

لكنّي أعليْتُ ضحكي فوق أصواتهم

حتّى رأيتهُ يخرجُ من النافذة

سيختبئ في أعشاب الليل، ربما

وربما على ذلك السياق من الضوء،

وسوف أحملهُ معي

بتلك الصورةِ الجانبيّةِ للدفء

حين أجوبُ ليليَ المجاورَ

دون صخبٍ

ولا حنين

3

حين أكونُ بين الآخَرين

أدركُ أنّ للوجودِ هيئةً كاملةً؛

التحاماً، صخَباً، كثافة

أرى الخيوطَ الواضحةَ

أرى قِصَرَ المسافةِ بين المهارة

وبين الحواسّ

حين يبدأ الصمت في محو ضَجيجِهم

أدركُ أنّ نصفَ روحي

مكانٌ مهجورٌ

يمرُّ من حولهِ الوجودُ

ويمضي في طريقه.

 

4

هنالكَ بابٌ

أسمعهُ طيلةَ الوقت

يُفتحُ ويُغْلق

أنا لا أخرجُ، ولا أدخل

فقط أعرفُ أنّ صَريرَهُ

هو هذه الأيّامُ

أو سكينتها

الغائبة..

 

5

سيهبطُ نهاري

من تلك الأبوابِ البعيدة

أعرفُ أنّ مفاتيحَهُ

لن تقَعَ في يدي وحدي

أنا اشاهدُ العيونَ الكثيرةَ للسقف

أشاهدُ الطريقَ المرسومةَ سَلَفاً

أشاهدُ وطني، كأنّ الله وعد به الغرباء

أشاهدُ آباء وذاكرة

وأعْجَبُ، كيف يمشي جِوارَ جسدي

ظلٌّ واحدٌ

دائماً ظلٌ واحدٌ،

ويتلكّأ.

6

لو انّني أقفزُ

هكذا، كالأطفالِ

بلا ادّعاءٍ

أنقادُ لوميضِ الدهشةِ

حتّى يُعيدَني آخرُ غروبٍ

في الأفق

لا يخطرُ ببالي

أنّني أيقظتُ وهماً

من سُباتهِ

لو أنّني حين يملؤني

شُرودُ الطرقاتِ

لا أقفُ خلْفَ البابِ

حتّى تجفَّ الطرقات

لو أنّني أتركُ عينيَّ

في عاصفةِ الخيال هذه،

لا أعودُ

ولكن،

يا لهذه اليقظةِ المخْتَلَقةِ

ساعةً، ساعتين

ماذا ستفعَلُ في قوقعة الزهد

هذا

قلبي..

 

7

حين يكونُ الوقتُ مُتّسِعاً

كيدين فارغتين

وفضفاضاً

تتساقطُ منه آثارُ الأشياء

في مكانٍ سيتّسعُ أكثرَ مما أُطيقُ

ليكونَ مقهىً

في مدينةٍ لا أحبّها

حين لا يكونُ لديَّ

سوى مِشيَةٍ ذاهلةٍ

للعودةِ

ولا يكونُ المدى

أبعدَ من خطواتِ النادلِ

سأجلس أمام عينين

نسيتُ وأنا أنتظرهما

أنْ أُوقِفَ القطارات الذاهبةَ

والآتية

نسيتُ أنْ أحملَ

ما تساقَطَ على الجدرانِ من الشموع

وما تساقط على الشموع من الجدران

شاهدتُ السماءَ تغادرُ الطرقاتِ

لأنَّ الوحْشَة ستعَلِّقُ سماءَها وتُمطرُ.

ولم أحَرِّك ساكناً.

وسأقولُ لكثافةٍ خلفهما

تُضَيِّقُ طريق العودةِ:

حياتي هي ما استَطعْتهُ

وما لم أستطعهُ

هو أنا..

 

* شاعرة فلسطينية أردنية

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى