صفحات العالم

لماذا لا يتدخّل الغرب في سوريا؟


لا تتوقف فرنسا والولايات المتحدة عن ادانة الرفض الروسيالصيني للتصويت على القرار صادر عن مجلس الامن بادانة النظام السوري. مع انه ليس من المؤكد ان البلدين جاهزان لمواجهة اخطار التدخل في سوريا.

لقد أعلن المجلس الوطني السوري قبل ايام أن عليه الاختيار بين شرين: “التدخل العسكري الخارجي او الحرب الاهلية”. اذا كانت مقاومة نظام بشار قد اتسمت لفترة طويلة بالسلمية، فان تصاعد العنف ضدها يدفع المجلس الوطني السوري الى الاقرار بان التدخل العسكري الغربي هو “الخيار الوحيد” الذي بوسعه ان يضع حدا للمجزرة. ولكن لا يكفي ان يطالب المجلس بالمساعدة حتى يحصل عليها. واذا تدخل الغرب للاطاحة بالقذافي، فان الوضع في سوريا اكثر تعقيدا، والتدخل الخارجي فيها ينطوي على مخاطر اكبر.

الروس والصينيون متمسكون بموقفهم:

خلافا للحالة الليبية، فان الغرب لن ينال مباركة روسيا والصين، وهما ستواصلان وضع الفيتو على كل قرار يصدر عن مجلس الامن يتضمن الموافقة على التدخل العسكري. تقول فابريس بالانش المحاضرة في جامعة ليون: “ان الروس الذي يواجهون تمردا اسلاميا في الشيشان وداغستان يخشون ان ما سيأتي بعد بشار هو حكومة اسلامية”.

كل ما تستطيع روسيا تقديمه هو السماح بهدنة يومية تسمح للصليب الاحمر بايصال مساعدات انسانية. وهي ترفض بالمطلق اقامة ممرات انسانية تطالب بها فرنسا، لأنها سوف تجلب، بنظرها، قوات الغرب أو القبعات الزرق. حليفا النظام السوري حذرون جدا: فهم وافقوا على القرار القاضي بالقيام بعمليات في ليبيا، والتي صورت يومها انها مجرد تدخل لحماية المدنيين في بنغازي:”عندما تحولت الحماية الى عملية عسكرية تهدف الى اسقاط النظام، شعر الروس والصينيون بأنهم خدعوا، فصار من الصعب عليهم ابرام اي اتفاق مع الغرب حول سوريا”، يقول باسكال بونيفاس في مدونته. يضيف فابريس بلانش: “اذا لم يكن هناك ما يمنع التدخل الغربي من دون موافقة الامم المتحدة، فان تدخلت دول الغرب، فهي سوف تكون معرضة لعمليات ثأر جيوبوليتيكية من قبل الروس”.

انها عملية معقدة مهددة بالفشل:

فيما كانت العمليات في ليبيا تعتمد اساسا على القصف الجوي، فان هذه الاستراتيجية غير المكلفة غير قابلة للتطبيق في سوريا، حيث الكثافة السكانية العالية. يقول فابريس بلانش: “ان احتمال قتل مدنيين سوف يكون مرتفعا، لأن النظام الذي سيستعمل الصورايخ الروسية المضادة للطائرات سوف يرغم الطائرات الغربية على الارتفاع عاليا قبل ان تقصف، فلا تصيب بذلك اهدافا دقيقة”. بمعنى آخر فان الشعبية الكاسحة التي تتمتع بها الآن فكرة التدخل العسكري الغربي سوف تتضاءل بسرعة، وسط الرأي العام السوري والغربي على حدّ سواء.

يتوجب اذن ارسال مجموعات عسكرية تقاتل على الارض. وفي هذه الحالة، ما من شيء يضمن النجاح. ذلك لأن الاسد الذي يواجه تزايد الاحتجاجات، ما زال ينعم بتأييد الاقليات العلوية والمسيحية التي تخشى البديل الاسلامي، وكذلك قسم مهم من الطائفة السنية سيما وسط رجال الاعمال الذين استفادوا خلال ثلاثة عقود من بيئة اقتصادية مشجعة. يختصر فابريس بالانش الموضوع بالقول:” ان نظام الاسد لم ينضج بعد لكي يسقط”.

وخلافا لجيش القذافي الذي اضعفته حملات التطهير، فان الجيش السوري ما زال محافظا على تماسكه. هذا الجيش الذي يضم نصف مليون رجل هو “أكبر ثاني جيش عربي بعد الجيش المصري” بحسب دانيال واغنر المتخصص بالامور العسكرية. ولذلك فان المعارضة ليس بوسعها الاعتماد على المنشقين وحدهم، اذ ان 90% من الضباط هم من الطائفة العلوية”.

اخيرا فان اي تدخل عسكري غربي سوف يدوّل الصراع: من جهة قادة الغرب والسعودية وقطر الراغبين باسقاط تلك الحلقة الضعيفة للحلف الموالي لايران، ومن جهة اخرى روسيا وايران.

غموض مرحلة ما بعد الاسد:

واذا نجح التدخل العسكري باسقاط الاسد، فان التجربية الاميركية في العراق تدل بأن هذا لن يكون نهاية المشاكل. فالمعارضة السورية منقسمة بحسب المناطق والطوائف والاتجاه السياسي. فيما الفوضى الحالية السائدة في ليبيا لا تبعث على الاطمئنان. وما زالت الميليشيات التي قاتلت القذافي تعمل بصورة مستقلة تماما.

وسواء ادى سقوط الاسد الى حرب اهلية ترغم القوات الغربية على البقاء في سوريا لسنوات، أو ادى الى استلام السلطة من قبل الاسلاميين السنة، فان البدائل المطروحة ليست جذابة.

مصالح اقل مما في ليبيا:

ان مخاطر التدخل ترتفع مع انخفاض “المردود الاستثماري” الذي يمكن ان يجنيه الغرب، كما حصل في ليبيا. يقول فابريس بالانش:” ليس في سوريا نفط، بخلاف ما هو الحال في العراق وليبيا”.

ثم ان الحكومتين الاميركية والفرنسية تعلمان بأنه ليس من المستحسن ان تشنا حربا خلال العام الذي تجري فيه الانتخابات الرئاسية. فكل نجاح في الخارج لا يجلب الفوز، وكل مشكلة تقلل من احتمالاته. في الواقع ان الفيتو الروسي يناسب الدول الغربية التي لا تتشوق للتدخل في سوريا.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى