لو كان بشار في زيمبابوي/ الياس حرفوش
يستحق السوريون أن يشرق عليهم يوم جديد من دون حكم الطاغية، مثل ذلك اليوم الذي شهدته زيمبابوي هذا الأسبوع، عندما قدم أهلها من كل مكان إلى العاصمة هراري للاحتفال بتخلصهم أخيراً من روبرت موغابي. حتى زيمبابوي تخلصت من موغابي! ولكن من أين للسوريين يوم كهذا، وأقدارهم ما عادت في أيديهم، ومعظم دول العالم وحكوماته تتآمر عليهم وتجتمع لتقرر مصيرهم عنهم وباسمهم، فيما معظم قادة جيشهم، الذي كان يمكن أن يوفر طريق الخلاص، مثلما فعل جيش زيمبابوي، تحوّلوا الى خدمة نظام الأسد وعائلته، يرتكبون المجازر، مثلما تفعل أي ميليشيا، في غياب من يحاسب، وكل ذلك تحت شعار «الحرب على الإرهاب»، الذي اخترعه بشار الأسد منذ بداية الثورة السورية، عندما قرر تنظيف سورية من «المستنقعات والجراثيم»، كما كان يصف المعارضين السوريين الذين خرجوا في التظاهرات السلمية مطالبين بالحرية.
كان يمكن الجيش السوري أن يفعل ما فعل جيش زيمبابوي، أن يحافظ على النظام وأن يحمي البلد من الخراب الذي حلّ به، وأن يستجيب للمطلب الشعبي العارم بإبعاد بشار الأسد وحاشيته. لكن الجيش اشتغل كما تم تأهيله ليشتغل، لحماية رأس النظام. وعندما عجز عن إتمام «مهمته» هذه، استورد بشار الأسد الدولتين اللتين حمتا نظامه من السقوط، مثلما اعترف الروس والإيرانيون. وبنتيجة «انتصارهم» في هذه الحرب، كما يقولون، اجتمع رئيسا الدولتين، إلى جانب الرئيس التركي، ليقرروا معاً من سينضم الى محادثات السلام السورية التي تنوي موسكو رعايتها. هكذا، في غياب أي طرف سوري، وجد بوتين وروحاني وأردوغان أن لا شيء يحول دون أن يتصرفوا بسورية وبشعبها وبمستقبلها كما يشاؤون وكما تقتضي مصالحهم، بالطريقة نفسها التي تصرف بها الحلفاء في قمة يالطا الشهيرة، التي جمعت في تلك المدينة السوفياتية (آنذاك) كلاً من ستالين وتشرشل وروزفلت، للاتفاق على تقاسم ألمانيا وأوروبا بعد انتصارهم في الحرب العالمية الثانية.
وبالرغم من استدعاء بوتين بشار الأسد إلى سوتشي قبل القمة، ربما لرفع العتب، لم تظهر على لسان أي من المجتمعين، بمن فيهم روحاني، أي إشارة إلى الرئيس السوري أو إلى نظامه، وجاءت مواقف «المنتصرين» الثلاثة متفقة مع مصالح كل منهم: التركي يريد القضاء على الأحلام الكردية في شمال سورية، وقطع الطريق على مشاركة الأكراد في أي محادثات بشأن مستقبلها، والإيراني يريد تثبيت النفوذ في «العاصمة الرابعة» التي يديرها قاسم سليماني، فيما الروسي يعتبر «الانتصار» في سورية ورقة للتفاوض مع الغرب على مواقع النفوذ، وينظر إلى المحادثات السياسية على أنها استكمال للمعركة العسكرية.
وباستثناء إشارات عابرة من الرئيس الروسي إلى القرارات الدولية التي تنظم عملية الانتقال السياسي في سورية، لم يظهر على لسان روحاني أو أردوغان ما يشير إلى أي مرجعية دولية. على العكس، كرر الرئيس الإيراني المعزوفة نفسها عن «اجتثاث خلايا الإرهاب»، التي صارت لازمة في أي حفل خطابي لأهل «الممانعة»، كلما أرادوا تبرير تدخلاتهم في دول المنطقة.
ولكن، في غياب من يمثل الشعب السوري، المعني الأول بقضية بلده، عن قمة سوتشي، كانت المعارضة ممثلة بشكل واسع في المؤتمر الذي عقدته في الرياض، والذي أعاد التركيز على المبادئ الأساسية لأي حل عادل في سورية، وعلى ضرورة أن يكون هذا الحل متفقاً مع قرارات الأسرة الدولية، التي تدعو إلى إجراء مفاوضات بين ممثلين عن النظام والمعارضة على أساس بيان جنيف1 والقرار الدولي رقم 2254، تفضي إلى قيام هيئة حكم انتقالية من دون رأس النظام الحالي، وهو ما أكده نصر الحريري، الرئيس الجديد لهيئة المفاوضات. في الوقت ذاته، كانت موسكو تؤكد، بلغة قابلة لكل التفسيرات، أن مسألة رأس النظام يقررها السوريون خلال المفاوضات، بعدما أكد بوتين في سوتشي أن الوصول إلى حل سلمي «سيتطلب تنازلات من كل الأطراف بمن فيهم الحكومة السورية».
في النهاية، لن يتحقق أي حل دائم للأزمة السورية طالما أن «بشار الأسد وزمرته ومنظومة القمع والاستبداد» (كما جاء في البيان الختامي لمؤتمر الرياض) باقون في السلطة. من هنا مفتاح الحل، مثلما كان منذ اليوم الأول للثورة السورية.