صفحات العالم

مقالات حول تفجيرات دمشق الأخيرة

الأحد

تفجير وازدهار للإشاعات في سورية

حسن شامي

يُخَيَّل لكثيرين أن الأزمة السورية تشهد هذه الأيام انعطافة حاسمة، ولا يخلو هذا التصور من وجاهة. وقد جاءت عملية التفجير الضخمة في مبنى الأمن القومي لتعزز هذا الانطباع. فهي طاولت مركزاً افترضه كثيرون منيعاً وأودت بحياة ثلاثة من القادة الأمنيين المحسوبين في عداد الدائرة الضيقة لأصحاب السلطة. صحيح أن عمليات مشابهة حصلت في الأشهر الأخيرة وطاولت مراكز أمنية واستخباراتية في غير مدينة، لكنها المرة الأولى التي يسقط فيها مسؤولون بارزون كوزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت صهر الرئيس، والغني عن التعريف، إضافة إلى مسؤول أمني بارز هو حسن تركماني. وتزامنت عملية التفجير مع اشتباكات مسلحة في بعض أحياء دمشق، ما رجح الاعتقاد بأن معركة الحسم بدأت وأن الوصول إلى مقرات الكبار، بما في ذلك قصر الرئيس، لم يعد مستحيلاً. وهذا ما حمل غالبية المتابعين للأزمة السورية على اعتبار عملية التفجير ضربة نوعية جداً إذ استهدفت قلب النظام. ويكفي ذكر اسم آصف شوكت للتدليل على أهمية العملية.

مع ذلك يبدو أن صفة النوعية لم تعش كثيراً. وقد لعبت الإشاعات التي ازدهر سوقها دوراً في التقليل من نوعية العملية. أضف إلى ذلك مسارعة وسائل إعلام دولية إلى التشديد، بالاستناد إلى آراء بعض المعارضين، على الموقع الثانوي للقادة المستهدفين واعتبارهم واجهة فيما يقع مركز القرار والتنفيذ الفعلي في دائرة أخرى أكثر التصاقاً برأس السلطة. ولا يشذ عن هذا التوصيف الرجل الذي ذاع صيته كمسؤول عن الاستخبارات العسكرية وأحد أركان الحلقة الحاكمة، أي شوكت، إذ تعرض لشيء من الإبعاد وتقليص الدور والمكانة في السنوات الأخيرة، كما ذكرت تقارير إعلامية غربية.

هناك إشاعات تنسب المقتلة إلى صراع بين أجنحة النظام، فيما تنسب أخرى درجة الاحتراف والاختراق إلى أجهزة استخبارية إقليمية ودولية تتمتع بقدرات وخبرات لا تمتلكها قوى المعارضة المسلحة. وكان لافتاً أن يتبنى «الجيش السوري الحر» العملية النوعية هذه وإدراجها في إطار ما سماه «بركان دمشق وزلزال سورية»، فيما اعتبرت التفجيرات الانتحارية السابقة من تدبير النظام. ورأى «المجلس الوطني» أن العملية إعلان عن بداية نهاية النظام. ثمة تنظيم مجهول اسمه «لواء الإسلام» أعلن هو أيضاً مسؤوليته عن العملية، وكنا شهدنا فوضى إعلامية مشابهة لدى خطف الحجاج اللبنانيين الشيعة في منطقة على الحدود السورية- التركية.

قد تكون هذه الفوضى الإعلامية ترجمة لحال الانقسام والتشرذم والتنافس في صفوف المعارضة. ولكن يسعها أن تكون أيضاً جزءاً من الحرب النفسية التي تقودها جهات إقليمية ودولية. نستطيع، في المقابل، أن نجزم بأن الإشاعات تزدهر عندما لا يجد الناس سبيلاً إلى معرفة ما يحصل لهم ويحل بهم، إذ تكون السياسة بمداخلها ومخارجها ومجرياتها حكراً على نخبة مغلقة لا تترك للناس سوى توهّم القدرة على تفسير مصائرهم وأقدارهم. وهذه بالطبع من مواصفات النظم المحجّبة الأمنية والتسلطية، كما حال النظام القائم في سورية منذ عقود. الإشاعات هي مسرح توظيفات استيهامية وطريقة للتخلص من الشعور بأن الحياة متاهة قدرية. هكذا يكافئ الناس حرمانهم من الحق في المساءلة والمحاسبة بأن يزعموا الإحاطة دفعة واحدة وبالجملة بمتون الأحداث والوقائع النازلة عليهم. الإشاعات هي أيضاً طريقة في انتزاع مقدار من الحضور ومن التحقق الذاتي بواسطة الهمس.

يحصل أيضاً أن يقوم الحاكم المستبد بإطلاق إشاعة لاختبار ردود الفعل ولمعرفة ما يدور في خلد الطامحين إلى السلطة وما «يطبخ» في الدوائر القريبة منه، وهي عموماً مسكونة بحسابات التنافس والتنازع على الحظوة وتوسيع الموقع والنفوذ.

لقد انتج النظام السلطوي في سورية ما يكفي من الشروط لتشكل السياسة في صورة أمور تحاك في السر والخفاء. وحدهم أولياء الأمر يملكون البلاغة الكاشفة. من الصعب ان تنشأ في مثل هذه الشروط تقاليد ممارسة سياسية، لدى الموالين ولدى المعارضين، تقوم على المكاشفة واختبار الكفاءة والصدقية.

من الشرعي في هذه الحال أن نتخوف من احتمالات أن تعيد المعارضة إنتاج الوضع السابق في قوالب تناسبها. لا يعني هذا أننا محكومون بالبقاء في حلقة مفرغة، فالإنجاز الكبير للانتفاضة السورية يكمن بالضبط في كسر حاجز الخوف وفي تحرير الكلام الذي كان ممنوعاً من الصرف ومن النحو أيضاً. لكن الانتفاضة أخرجت من أحشاء المجتمع الكثير من المكبوتات ومن الشرعيات الفئوية ما يستدعي الاحتفاظ بسلاح النقد للتعاطي معها.

لا نعلم بعد كيف سيرد النظام على عملية دمشق. الأشاعة التي تحدثت عن انتقال بشار الأسد إلى اللاذقية تغمز من قناة سيناريو تقسيمي طائفي غير مفرح. نرجح أن يواصل أهل النظام تعويلهم على لعبة النزاع الدولي على سورية وعلى موقف روسيا والصين. فباستخدامهما حق النقض في مجلس الأمن وتصويتهما ضد قرار غربي ودولي بفرض عقوبات جديدة على نظام بشار الأسد، لم تفعل دولتا روسيا والصين سوى استئناف التمسك بشروطهما في ما يخص الأزمة السورية المندفعة نحو قيعان مجهولة. ويعني هذا أن السراب الديبلوماسي الدولي سيظل يمثل، ليس فحسب كأفق متوهم بل كذلك كلـــباس لوضع ميداني بات حربياً ومفتوحاً على كل الاحتمالات. ولهذا السراب عنوان هو مهمة كوفي أنان وبعثة المراقبين الدوليـــين. وليـــس الجـــدل والتشكيك في جدوى هذه المهمة منذ بداية إقرارها، وحدهما مصدر هذا السراب. إنه حصيلة تسخين ميداني من أطراف فاعلة في النزاع تزعم الحسم في هذا الاتجاه أو ذاك. كثيرة هي المؤشرات إلى أن مهمة أنان لم تكن سوى فكرة إجرائية تصلح لمواكبة نزاع مرشــح للتعاظم إن لم يكن محكوماً بالعسكرة، نظراً إلى اعتماد النظام منذ البداية على المعالجة الأمنية وتبليطها أو تغليفها بالنيات الحسنة. ولا نعلم هل في مقدور المعارضة بعد أن توســـع هامــش استقلاليتها عن القوى الداعمة. لا نشك في وجود فئات وأفراد يتمتعون في بيئة المعارضة بالاســـتقلالية وبالمســافة النقدية. فهل يقدرون على إصلاح ما أفسده الدهر؟

الحياة

الأحد

هذا الشخص فجّر “خلية الأزمة” في سوريا

حسين الرواشدة

مهما كانت الطريقة التي تم فيها اغتيال القادة الاربعة في خلية الازمة التي تدير الحرب في سوريا، فإن العملية نجحت في توجيه ضربة قاصمة ضد النظام وكشفت عن “اختراق” امني قاتل في الحلقة الاقرب اليه.

لغز (الاختراق) لم يحل بعد، لكن ثمة روايات عديدة ترددت على ألسنة بعض قادة المعارضة الاّ ان اغلبها يبدو حتى الان غير مقنع، فالكلام مثلا عن قيام احد المرافقين بتفجير نفسه بحزام ناري لا يستند الى اية معلومات دقيقة كما انه غير ممكن في ضوء ما تخضع له مثل هه الاماكن من تفتيش ومراقبة، كما ان الروايات الاخرى التي تتبنى فكرة “تصفية” القادة من قبل النظام بعد انكشاف مخطط للانقلاب عليه لا تجد لها اساساٌ من المنطق. زد على ذلك ان امكانية وجود خلية من عدّة اشخاص داخل المبنى الامني هى التي قامت بالتفجير مسألة لا تبدو ممكنة ايضاً.

من قام بعملية التفجير إذن؟ سألت عدة خبراء امنين فقدم كل واحد منهم “السيناريو” الذي يتوقعه استناداً الى خبرته في هذا المجال،الجميع اتفقوا على ان “العملية” جرى ترتيبها من قبل “خلية” استخبارات دولية، واستغرقت وقتا طويلا، وان مكان التفجير كان محدداً في الغرفة التي تم فيها اجتماع القادة، وان المواد التي استخدمت للتفجير ادخلت على دفعات، وقد روعي في ذلك احتياطات مهمة لعدم كشفها ويرجح ان يكون استخدم في ذلك مادة “عجينية” تم تغليف “صواعق الانفجار بها.

احدى الروايات التي لا استبعد ان صاحبها لديه معلومات شبه مؤكدة ذكرت ان من قام بالعملية هو شخص واحد، ووظيفته بالتحديد الاشراف على غرفة الاجتماع، وفي التفاصيل ان هذا الشخص الموثوق به جداٌ، برتبة ضابط وانه هو الوحيد الذي لدية مفتاح الغرفة، ومهمته التدقيق في محتوياتها واعدادها –امنياٌ- قبل اي اجتماع فيها،هذا الشخص تم اختراقه امنياً من قبل اجهزة استخباراتية، واسندت اليه مهمة التفجير بعد اختيار الوقت المحدد وبعد ان جرى تدريبه على ذلك، وقد نجح في تركيب المتفجرات التي ادخلها على دفعات ووضعها تحت طاولة “الاجتماع” ولم يقم بتفجيرها بالريموت كما ذكرت بعض الروايات لان الغرفة محصنة جداً وتخلو من اي كاميرات او اجهزة تنصت وانما قام بتوقيتها لتنفجر في ساعة محددة اختارها، وبالتالي لم يكن موجودا في الغرفة…ولا في المبنى ايضا.

وفق هذه الرواية فإن المسؤول الامني عن غرفة الاجتماع هو الذي نفذ العملية، ولا تربطة –ربما- اي علاقة بالجيش الحرّ الذي يستبعد ان يكون هو الجهة التي خططت للعملية، وانما جرى “اختراقه” من قبل اجهزة خارجية، تولت ترتيب ماجرى وتسهيل خروجه وظلّت –حتى الان- متكتمة على الحادث.

أخطر مافي الرواية هو ان النظام الامني في سوريا قد جرى اختراقه، ومن اقرب الحلقات اليه، ولا يستبعد هنا ان تكون حلقة الرئيس قد اخترقت ايضاً وان السيناريو الذي حصل في غرفة اجتماع خلية الازمة وسقط بسببه كبار القادة العسكريين، يمكن ان يتكرر مع مسؤولين آخرين، وفي مقدمتهم الرئيس السوري الذي ربما يكون اقرب السيناريوهات الى اسقاطه هو “القتل” كما حصل لاقرب الناس اليه.

عن “الدستور” الأردنية

الجمعة

هل تغير موسكو سياستها بعد تفجير دمشق؟

راغدة درغام

تسارع التطورات النوعية والحاسمة على الساحة السورية أعاد اللاعبين الدوليين إلى طاولة رسم الاستراتيجيات، بعضهم حائراً وبعضهم غاضباً والبعض الآخر متلهفاً للحصاد أو للتأقلم مع الأوضاع الجديدة. روسيا تقف في واجهة الهزيمة والإهانة الممزوجتين بالحيرة. صعوبة الخيار بين المجابهة والمواجهة من ناحية وبين صفقة أضعف مما ساومت عليه قبل أحداث اليومين الماضيين قد يجعل الدب الروسي أكثر عنفاً في مواقفه وهو ينتفض غاضباً في ما يعتبره إهانة وهزيمة قومية. إنما الواقعية السياسية لدولة كبرى مثل روسيا قد تقودها إلى الكف عن الرهان الخاسر وإلى التوقف عن مساومات لربما انتهى مفعول بعض أوراقها. كل شيء وارد الآن بما في ذلك بطلان كل ما يتطرق إليه هذا المقال بسبب التحول الميداني الذي قد يأخذ الأمور إلى «معارك حاسمة»، كما قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أو إلى انشقاقات في الجيش تحسم بصورة غير متوقعة، أو إلى مفاجآت أكثر دموية وباستخدام أسلحة غير اعتيادية، أو إلى توصل القيادة الروسية إلى الاستنتاج بأنه حان وقت «شد البراغي» على الصفقة الكبرى بحلول سياسية. كل شيء تغيَّر بعدما فجّر مسلح نفسه يوم الأربعاء الماضي في مبنى الأمن القومي قتل فيه صهر الرئيس آصف شوكت نائب وزير الدفاع السوري وهو من أهم أركان النظام، إلى جانب مقتل قياديين أمنيين كبار بينهم وزير الدفاع داود عبدالله راجحة ورئيس خلية الأزمة، وإصابة وزير الداخلية وقياديين أمنيين آخرين. الجميع يراقب رد فعل الرئيس السوري وأركان النظام الآخرين ويراقب أيضاً الموقف الإيراني من هذه التطورات. الأنظار توجهت إلى الدول المجاورة لسورية، لا سيما لبنان المنقسم في موقفه من النظام السوري ومن إيران. مجلس الأمن انحسر قليلاً في أعقاب الحدث الضخم فأجّل ما كان يفترض أن يكون جلسة تصويت على مشاريع قرارات هدفها إحراج روسيا لتكف عن توفير الوقت والذرائع للنظام في دمشق. إنها الآن مرحلة التقاط الأنفاس في انتظار القرارات والإجراءات الحاسمة. وموسكو في الصدارة وتحت المجهر.

ضخامة ما حدث في تفجير مبنى الأمن القومي يكمن في كون العملية «عملية داخلية» بمعنى أن الخلل الأمني مكّن المعارضة المسلحة من اختراق شكّل نقطة تحول. مثل هذا التطور يشير إلى تفكك داخل النظام وفقدان السيطرة داخل صفوفه. الانشقاقات في صفوف الجيش تصبح في حالة كهذه إفرازاً طبيعياً ينذر إما بانقسام داخل مؤسسة الجيش، أو بإعداد لانقلاب من داخل الجيش.

السؤال البديهي الأول يصب في اتجاه الرئيس بشار الأسد ونوعية القرارات التي سيتخذها إزاء هذه التطورات النوعية. فهذه ضربة مدمرة للنظام أصابته في الصميم لا بد من أن تكون أدت إلى سقوط المعنويات.

بالطبع هناك كلام زعم أن النظام القوي هو الذي قام بهذه العملية ضد زمرة كانت تخطط لانقلاب. ولقد كان تسرب كلام عن رغبة أميركية ببقاء آصف شوكت كجزء من بقاء أركان النظام في الحكم بعد تنحي ومغادرة بشار الأسد السلطة والبلاد. وهذه التسريبات لربما لها أثر على اقتناع البعض بأن قصة القضاء على زمرة انقلابيين قد تكون صحيحة. إنما هذه مجرد إشاعة – حتى كتابة هذه السطور – الأرجح أن لا علاقة لها بما حدث حقاً.

لربما يتوصل الرئيس الشاب إلى استنتاج بأن لا حاجة به إلى أن يقف وحده شامخاً في وجه مصير رديء إما على أيدي ثائرين غاضبين ينزلون به ما أنزلوا بالزعيم الليبي معمر القذافي ببدائية ودموية بالغة، أو أمام محاكم دولية تتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. لعله يتوصل إلى قرار بأن أركان النظام تتهاوى وأن الفرصة ما زالت مؤاتية له ليغادر مع عائلته سراً بأمان متنحياً عن السلطة كما فعل قبله الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح.

هكذا، يمكن أن يكون بشار الأسد جزءاً من معادلة سياسية يتفق عليها قادة الدول الكبرى تسفر عن تغيير سياسي عبر عملية انتقالية تجنب البلاد حرباً أهلية أو طائفية. هامش المغادرة الآمنة بدأ يضيق وكذلك هامش الإعفاء من المحاسبة. فإذا اتخذ بشار الأسد هذا القرار، ليس أمامه وقت طويل أو مساحة للمساومة. مثل هذا الخيار بات آنياً، إذا كان له اتخاذه.

إنما قد يقرر الرئيس السوري أن هذا ليس وقت الحلول السياسية وإنما هو وقت الحسم العسكري بأية وسائل متاحة لديه، قصفاً بالطائرات كان أو عبر أسلحة كيماوية. قد يرى أن ما حدث مجرد محطة عابرة وأن الموازين العسكرية لمصلحته ويقرر على ضوء ذلك أن المستقبل له وليس عليه. قد يحسب المواقف الروسية بأنها مظلة حماية له ولنظامه وقد يقنع نفسه بما يتردد بأن روسيا قررت أن سورية هي «إسرائيلها» على نسق العلاقة التحالفية العضوية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا يعني أن بقاءه في السلطة بات حيوياً لسياسة دولة كبرى مثل روسيا لأن تنحيه يعني إحباط مشروع كهذا – إذا كان واقعياً حقاً.

واجب روسيا كدولة كبرى هو ألا تخدع بشار الأسد وألا تخدع الشعب السوري وتستخدمه كأداة انتقامية تعويضاً عن إهانة وطنية أو هزيمة قومية. فالقواعد الشعبية التي أشار إليها سيرغي لافروف ليست جلية في دعمها استمرار نظام بات في حرب مع نصف شعبه. على الأقل التظاهرات الممتدة في جميع أنحاء سورية المنادية بإسقاط النظام هي أيضاً قاعدة شعبية. وإذا كان لافروف يعتقد أن ما يحدث من سورية هو ثورة لا شأن لمجلس الأمن بها، ليتذكر هو أيضاً أنها ليست من شأنه وشأن رئيسه وشأن روسيا، في هذه الحال.

سيرغي لافروف ديبلوماسي قدير لربما سقط في نشوة السلطة فأصبح يتحدث بلغة متضاربة ليست من مقامه ولا من مقام روسيا. بل إن اللافت هو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته يتصرفان بقومية روسية وليس بالضرورة بتفكير عميق في المصلحة الروسية البعيدة المدى عندما يفرطان في فن المساومة والانتقام. بالطبع، لروسيا مطالب منطقية، ومصالح حيوية، ومواقف احتجاجية لها مبرراتها. لكن التعطيل في مجلس الأمن ليس سياسة، ولا التكابر على انتفاضة شعبية سياسة. الرهان على نظام يتهاوى ليس استراتيجية تليق بدولة كبرى، لا سيما إذا رافق ذلك 18 ألف قتيل.

أمام القيادة الروسية إما الإصرار على المواجهة والمجابهة بما يترتب على ذلك من تكاتف مع طرف في حرب أهلية ومن خسارة وزن الدولة الكبرى في صوغ نظام إقليمي جديد، أو أمامها الإسراع إلى الاتفاق مع دول المنطقة والدول الغربية الفاعلة كي لا تبقى خارج النظام الإقليمي الجديد وتخسر كل ما كانت ستجنيه في تلك الصفقة الكبرى.

خروج الأمور في سورية عن نطاق السيطرة أمر يقلق جميع دول المنطقة والدول الأعضاء في مجلس الأمن. التشرذم داخل النظام حدث والمعارضة ازدادت ثقة بنفسها ويصلها السلاح. أمام مجلس الأمن مسؤولية ضبط الأمور كي تتم العملية السياسية الانتقالية المنظمة وكي لا يخطر في بال المعارضة المسلحة أن سورية باتت هدية جاهزة لمصادرة الإخوان المسلمين لها وللمعارضة المدنية التي بدأت التغيير.

اللقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان كان لافتاً حين تحدث أردوغان عن المجازر غير المقبولة وبجانبه بوتين في مؤتمر صحافي في موسكو. كلاهما أكد أهمية ما تم الاتفاق عليه في جنيف حول عملية سياسية انتقالية منظمة وحول عدم عسكرة النزاع أو عسكرة الحل. فمن بالغ الأهمية أن يكون هناك إجماع على تفسير خريطة الطريق التي أقرها اجتماع جنيف بلا المراوغة أو المماطلة أو المكابرة التي ساهمت في اللجوء إلى عملية عسكرية أمنية ضخمة غيرت الموازين إذ أتت تلك العملية رداً أيضاً على القيادة الروسية وليس فقط رسالة للقيادة السورية.

هذا الحدث لا بد أخذ أيضاً بالقيادة الإيرانية إلى التفكير في خياراتها التي باتت محدودة بعدما بدأ تفكك النظام الذي شكّل لها نقطة وصل مهمة. فانهيار النظام في دمشق ستكون له إفرازات على طهران، داخلياً وإقليمياً وفي مفاوضاتها مع الدول الكبرى في الشأن النووي.

تطورات سورية ستجبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية على النزول من أعلى سلم المطالب والشروط التي أملتها على الدول الـ5 + 1 بدءاً من شرط البند الأول بإزالة العقوبات وانتهاء بشرط الإقرار بدور محوري ومركزي لطهران خارج حدودها وبالذات في سورية. ثم إن الدول الأوروبية مضت قدماً في تطبيق الحظر النفطي على إيران فيما صعّدت الولايات المتحدة وحلفاء لها توظيف التكنولوجيا التخريبية لإفشال المشروع النووي الإيراني.

حدث سورية الأخير يضعف الأوراق الروسية التفاوضية في الشأنين الإيراني والسوري. ما أصرت عليه موسكو بالأمس ليس بالضرورة وارداً اليوم. حتى رهان موسكو على ورقة عدم استعداد الرأي العام الأميركي للتدخل العسكري في سورية باتت ميتة بعدما أخذ جزء من الرأي العام السوري مصيره بيديه وقلب الطاولة على السياسة الروسية.

لربما تسجل الأحداث انتكاسة محرجة تسبب الخجل للقيادة الروسية وتدفعها إلى التطرف غضباً من الهزيمة والإهانة. ولربما أيضاً تدفع هذه الأحداث القيادة الروسية إلى أخذ زمام الأمور كي تبقى راعياً من رعاة الحل السياسي ولاعباً في صوغ النظام الإقليمي الجديد. فهناك الكثير من القواسم المشتركة بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (ناتو) من جهة أخرى. صعود الإسلاميين إلى السلطة قد لا يكون مصدر قلق مشترك، إنما تفشي قوى الإسلام المتطرفة – أو ما تسميه روسيا الإرهاب الإسلامي – في جوار روسيا والصين ليس مطلباً غربياً على رغم ما يجول في أذهان الروس من استعادة ما فعلت واشنطن في أفغانستان عندما صنعت الأصولية الإسلامية هناك من أجل إسقاط الشيوعية وبالذات الاتحاد السوفياتي.

إنها مرحلة شد الحبال وحبس الأنفاس ليس فقط في سورية والمنطقة وإنما أيضاً في العلاقات وموازين المصالح الدولية.

الحياة

الجمعة

الخلية البديلة لإدارة الأزمة

وليد شقير

من يقرأ ما قاله أمين المراسم الليبي في عهد معمر القذافي، نوري المسماري في حواره مع «الحياة» على 6 حلقات، عن فظاعات الديكتاتور وجنونه، يستطع أن يفهم المصير الذي آل إليه، والطريقة التي قتل فيها. يستطيع المرء أن يفهم مدى الحقد الذي تولده النفس المريضة. هو رد فعل شعب عومل باحتقار ووحشية لا مثيل لهما، وبقهر يصعب تصوره، هذا فضلاً عن تلك الإهانات والارتكابات ضد دول وشعوب أخرى وقادتها، وهي ارتكابات تشرح أسباب انفكاك مقربين من قلب النظام عن رأسه، بمن فيهم من كانوا يُعتبرون أصدقاء خلّصاً، ويُنظر إليهم على أنهم ظل القذافي، ومن كاتمي أسراره.

تلك النفس المريضة هي نفسها التي جعلت القذافي يقول، مستغرباً، للثوار حين أمسكوا به: «شينو فيه؟» في إنكار كامل لما قام به على مدى 4 عقود ولما يحصل معه، حتى اللحظة الأخيرة قبل مماته.

من يقرأ ويسمع ويشاهد على شاشات التلفزة الفظاعات التي ترتكبها قوات النظام في سورية، والمجازر المتنقلة، التي حصدت الآلاف، في المناطق كافة، لا يستغرب انشقاق صديق الرئيس بشار الأسد العميد مناف طلاس (وقبله شقيقه ووالده)، الذي كان نديمه ورفيقه وواحداً من كاتمي أسراره، وكذلك السفير نواف الفارس، وبعض من كبار الضباط الذين غادروا الى تركيا، فيما ينتظر كثيرون التوقيت المناسب ليحذوا حذوهم، مثلما فعل عبدالرحمن شلقم وعبدالسلام جلود وعبد السلام التريكي وعبدالفتاح يونس وغيرهم في ليبيا.

ما ترتكبه قوات النظام في سورية من فظاعات تشمل الذبح والتمثيل بجثث الناس والإبادة والحالات الهائلة لاغتصابات النسوة، التي سيشكل انكشاف أعدادها عند نهاية الأزمة السورية سابقة توازي هول المجازر وأكثر، لا سيما في حمص، كافٍ لتفسير ظهور مرافق لإحدى شخصيات الحلقة الضيقة من أركان النظام ينفذ التفجير الذي وقع في مبنى مجلس الأمن القومي في دمشق ليودي بحياة عدد من أعضاء خلية إدارة الأزمة التي تدير عملية الدفاع الدموي عن النظام ورأسه.

من نافل القول إن سورية تختلف عن ليبيا، في الجغرافيا السياسية وفي الأهمية الاستراتيجية وفي نوع فسيفساء المجتمع السوري والتاريخ الحديث والقديم وفي تركيبة كل من النظامين… وفي موقع كل منهما من المواجهة مع إسرائيل… الخ، لكن هذا الاختلاف لا يلغي أوجه الشبه في استبداد المجموعة الحاكمة وعذابات الشعب، وفي النتيجة النهائية التي ستؤول إليها المواجهة الدائرة بين النظام وبين تشكيلات المعارضة المختلفة، وهي أن هذا النظام لن يتمكن من الاستمرار مهما كانت الظروف.

وإذا كان من السذاجة عدم الاعتراف باختلاف سورية عن ليبيا، وتونس ومصر واليمن، فإن من السخافة عدم الإقرار بأن من أوجه الشبه، أنه كلما أحرز الثوار في بلاد الشام تقدماً، ازداد إصرار النظام فيها على البطش وارتكاب المجازر واستخدام المزيد من الأسلحة الفتاكة، تماماً كما حصل في ليبيا.

بل إن في أوجه الاختلاف، ما يؤكد النتيجة المشابهة التي ستنتهي إليها المواجهة بين النظام والمعارضة. في ليبيا أدت وحدة الحد الأدنى في موقف المجتمع الدولي الى المساعدة في تعجيل نهاية القذافي، بينما أدى عجز المجتمع الدولي الى تأجيل نهاية النظام وتنحي رأسه في سورية. وفي وجه الاختلاف هذا ما يميز الشعب السوري عن غيره. فعلى تواضع، وأحياناً انعدام المساعدة الدولية في بعض المجالات للثوار أظهر الشعب السوري تصميماً منقطع النظير، وعناداً لا مثيل له في تاريخ الثورات في العالم، إذ لم تسجل الذاكرة ولا كتب التاريخ إصراراً من شرائح الشعب غير المسلحة على النزول الى الشارع يومياً على مدى أكثر من 16 شهراً من دون انقطاع، للتظاهر ضد النظام على رغم القتل اليومي من الشبيحة وقوات الأمن.

وإذا كان من أوجه الشبه بين الأنظمة المستبدة، أنها تنهار فجأة وفي شكل دراماتيكي، كما حصل في ليبيا إذا استحال الانتقال السلمي، فإن من أوجه الاختلاف بين سورية وليبيا، أن الأخيرة شهدت تراجعاً لدول عن تعاطفها مع نظام القذافي (الجزائر) أمام الإصرار الدولي على رحيله، فيما تشهد سورية تصميماً روسياً وإيرانياً ومن «حزب الله»، كما أظهر خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله أول من أمس، على التمسك بدعم النظام حتى اللحظة الأخيرة، مقابل التردد والعجز الدوليين في مناصرة المعارضة بالإجراءات العملية بدل الاكتفاء بالموقف السياسي. فالصراع على سورية قد يذهب بالأزمة، بعد الضربة التي وجهها المعارضون للحلقة الضيقة في النظام في خلية إدارة الأزمة، نحو «الخطة ب»، التي تقضي بدعم روسي وإيراني لانكفاء رأس النظام وقواته نحو المناطق العلوية، بين الساحل والجبل للتحصن فيها. فالوجود والتأثير المباشران لموسكو وطهران في سورية يمكنهما من الحلول مكان خلية إدارة الأزمة التي ضربتها العبوة الناسفة، لإطالة عمر النظام، ريثما يقبل الغرب بالتفاوض معهما على مطالبهما منه، في سورية وغيرها. وقد يتعين عليهما العمل على تأخير سقوط دمشق قبل المباشرة بـ «الخطة ب».

في الانتظار قد يقتضي الأمر تصرف حلفاء النظام مثله على قاعدة: «شينو فيه».

الحياة

الخميس

نهاية قريبة

حسان حيدر

التفجير الذي أودى أمس بعدد من قيادات النظام السوري، يعني ان نهاية حكم بشار الاسد باتت اقرب بكثير مما يتصور البعض، وخصوصاً في موسكو، التي توحي تصريحات مسؤوليها بأنها ستظل تدعمه حتى بعد ان يسقط ويفر من دمشق.

لم يحسن وارث الرئاسة السورية استخدام ما ورثه، فرَّط بما امضى والده عقوداً في فرضه بالقوة والدهاء، وحوَّل كل الفرص التي اتيحت له منذ تسلم السلطة عام ألفين الى خيبات أمل من أدائه وعداوات مجانية.

كان حافظ الاسد يعتبر الوقت حليفه، ويهزأ من القادة الغربيين المشغولين بانتخاباتهم، ويقول ان الذين يعارضون سياساته منهم لن يبقوا طويلاً في المشهد السياسي ليروا كيف ينفذ مشاريعه وطموحاته. كان ينطلق في ذلك من اقتناعه بأن النظام الأمني الذي أرساه سيعمر الى ما لا نهاية، بعدما حول مؤسسات الدولة كلها الى ادوات لخدمة بقائه في السلطة وإبعاد معارضيه بكل الوسائل، ليس اقلها السجن والإخفاء، وكان في الوقت نفسه يتقن استخدام شعار «محاربة اسرائيل» ذريعة للانقضاض على كل من يفكر في تداول السلطة او من ينتقد حصرها بجماعته، مثلما اختبأ وراء الشعار نفسه ليحتل لبنان ويوقع بين مكوناته، وليبتز الدول العربية الاخرى ويجعلها تهادن سياساته وتغض الطرف عنها اضطراراً.

لكن ما لم يدركه وريثه بشار، هو ان مفهوم الوقت تغير بعدما تغيرت المعطيات. تمكن نظام الأب في السابق من جعل المواجهة تدور بينه وبين العالم الخارجي المحتج على ممارساته، بعدما نجح في اخضاع الداخل بالبطش. اليوم صارت المواجهة بين الحكم والشعب السوري نفسه، الذي نجح في التغلب على خوفه. الثورة جعلت محاولة النظام لشراء الوقت انتحاراً وليس طوق نجاة، وكلما حاول المماطلة في الإذعان لمطالب شعبه كلما تمددت الانتفاضة وقوي زخمها، وما كان يمكن المعارضة قبوله قبل 16 شهراً، من مرحلة انتقالية يتسلم السلطة خلالها نائب الرئيس، لم يعد مقبولاً اليوم، وصار الهدف الوحيد إسقاط النظام بكل أركانه. وهذا ما تعنيه معركة دمشق الحالية، وهذا ما يعنيه تفجير الأمس.

حتى الذين في المعارضة ترددوا كثيرا في قبول «عسكرة» الانتفاضة، وجدوا أنفسهم لاحقاً امام أمر واقع أملته شراسة الرد الذي واجه به النظام كل المعارضين بلا تمييز.

في وقت مجزرة حماة الاولى، كان كل شيء بطيئاً ويمكن تمويهه، وكان الوصول الى الحقيقة دونه مخاطر وصعوبات ويحتاج وقتاً يكفي لإخفاء معالم الجريمة، فيما مجازر اليوم المتنقلة التي يرتكبها جيش النظام صارت تنقل في لحظتها الى كل العالم ليرى بشاعتها، وبوسائل يمتلكها اي شخص. تحول الزمن الى ثوان ليلتقط الهاتف النقال صور الجريمة ويعممها في كل مكان. لم يعد بإمكان القاتل اخفاء ارتكاباته، ولم يعد بإمكان العالم ادعاء الجهل بها والسكوت عنها.

اما لافتة «محاربة اسرائيل»، فلم تعد تخدع احداً، ولهذا غادرت حركة «حماس» دمشق، وسحب الأسد قواته من هضبة الجولان المحتلة ليرسلها الى المدن والقرى المنتفضة، علما ان هذه القوات لم تطلق رصاصة واحدة على «العدو» منذ انتهاء حرب 1973. حتى حليفه «حزب الله» لم يُخْفِ امتعاضه عندما سرق منه «انتصار» حرب تموز. ثم جاءت ايران لتصادر منه «قوميته» وتقدم نفسها على انها التهديد الأول لاسرائيل. هدم بشار الأسد الهيكل على نفسه.

الحياة

الجمعة

.. وبدأت المساحات تضيق على الأسد!!

يوسف الكويليت

أقاويل وتخرّصات وافتراضات حول تفجير مبنى الأمن القومي السوري، والذي يعد أهم القلاع الحصينة للنظام، وبصرف النظر عن من قام بالحادثة، أو خطط لها، فهي الهزة الكبرى بعد نشوب قتال بين جيش النظام والحر، داخل العاصمة دمشق..

من يقول إن التصفية تمت من قبل أركان النظام لأن المقتولين كانوا يهمون بانقلاب ضد السلطة، فإن هذا القول لا يتفق مع المنطق، لأنه ، لو جاء أي وريث من تركة النظام فهو محسوب عليه ومرفوض من الشعب السوري شكلاً وموضوعاً، ومن يرجح أن للجيش الحر دوراً باختراق أجهزة الأمن وتدبير المذبحة بمساعدة رصد قوى خارجية أعطته المعلومات، فذلك جزء من ظن مقبول، ومن يرى أن من قام بالفعلة مواطن هزه ضميره وتصرف بفردية، فهو أيضاً احتمال قابل للتصديق..

وفي كل الأحوال، فالهزة كبيرة وقاتلة، استدعت ،كما يعتقد، هروب الأسد من دمشق، وإدارته المعارك من خارجها، إذا كان بالفعل لازال يملك السيطرة على المواقع الحساسة في المدن والقرى السورية، وحتى مع هذه الفرضية، ستنهار معنوياته وقادته، لأن الحادث لم يخطر ببال أفضل المتفائلين، لأن نتائجه غيرت خارطة العمليات برمتها، وسقف التوقعات ارتفع بنهاية النظام، من مؤيديه والمتحالفين معه..

والأمر الأهم أن مجيء وزراء وقادة من الصف الثاني لن يجعل الأمور مستقرة، لأن الإحلال من أشخاص عاشوا في الظل، سيطرح الشكوك بقدراتهم من أقرب العاملين معهم، سواء بكفاءتهم، أو ربط عجلة العمل بالنظام، بل إن الثقة ستنعدم بفعل الضغط النفسي، والخوف من ضربات متتالية ومماثلة بأساليب وخطط أخرى، ثم إن الحادثة، أياً كان دور الفاعل، فهي ضاعفت من الثقة بالنفس عند الجيش الحر، والمعارضة، ما يدفع بالموالين للنظام التفكير، بجدية، حول المصير القادم، وطرح خيارات البقاء، في صف النظام، مجهول المستقبل، أو الهروب لصف الشعب لضمان السلامة الذاتية والعائلية..

قد تدفع عوامل اليأس أن يتصرف الأسد بحماقات تجره إلى مواجهة دولية، كأن يستخدم الأسلحة الكيميائية أو غيرها، وحتى روسيا لو تبنت معه مشروع إقامة دولة الساحل العلوية، فهي ستدخل المعركة مع السوريين جميعاً، لأنها ستصبح نموذجاً لدولة عدوانية تريد تمزيق كيان بلد خارجي، وقد يجد الغرب فرصته في استنزاف الروس عسكرياً ومادياً، وكسبهم عداءً عربياً وعالمياً..

الخاسرون من الأحداث يواجهون مأزق المستقبل، فحتى لو طال عمر النظام، فالصورة انقلبت من التفاؤل للتشاؤم، ولم يعد للحلول السياسية موقع أساسي، لأن ورقة المساومة بيد الجيش الحر والمعارضة كبرت، وعنان سيفاوض رئيساً خاسراً، ولن يجد من يصغي إليه، إلا الروس والصينيين، وهما في موقف الانتظار للنتائج الصعبة، ويبقى الشعب السوري سيد الموقف، لأنه ناضل ضد أشرس حكم، وقدم التضحيات الهائلة، وعزز قدرته بحشر النظام في المساحات الضيقة عسكرياً وأمنياً..

* نقلاً عن “الرياض” السعودية

الخميس

حرب الظلال في شارع الروضة

أحمد الشامي

اﻷحداث السورية اﻷخيرة تدل على أن هناك حرباً استخباراتية شعواء تدور رحاها اليوم في سوريا وعليها. من جهة هناك نظام اﻷسد وحلفاؤه الٳيرانيون والروس، وبين أجهزة استخبارات لا تعد ولا تحصى، تريد ٳبقاء الصراع في سوريا ضمن حدود مدروسة وتوجيه دفة المعارك بما يضمن مصالح هذه الدول وحلفائها. في حرب الظلال هذه، الثوار السوريون ليسوا وحدهم.

مع الفيتو الروسي الصيني المعطل ومع التهديد باﻷسلحة غير التقليدية التي تمتلكها عصابة اﻷسد، ومع استمرار هذه اﻷخيرة بتهديد اﻷمن القومي لكل جيرانه دون استثناء، وجد العالم الحر وأصدقاء سوريا أنفسهم في ورطة غير مسبوقة. فٳما الرضوخ لابتزاز نظام العصابة اﻷسدية وتسجيل سابقة خطيرة على كل الصعد مع تعريض التوازنات الدولية الدقيقة لاهتزازات لا يدري احد مداها، أو اجتراح وسائل مبتكرة للرد على ٳجرام اﻷسد.

ما جعل اﻷمور عصية على الحل العسكري في سوريا هو أيضاً التهديد اﻹيراني بالدخول على خط اﻷزمة السورية وتمييع ملف السلاح النووي اﻹيراني، وهو ما يشكل نصراً استراتيجياً للجناح المتشدد في طهران. يضاف ٳلى ذلك تلاقي مصالح القيصر الروسي الجديد وزمرة المافيا المحيطة به، مع مصالح العصابة اﻷسدية في البقاء وفي دوام “عرس الدم والنهب” على التراب السوري. دول البريكس التي ظنت في مقدورها اللعب على وتر اﻷزمة السورية من أجل خلق توازن جديد في مجلس اﻷمن، تراجعت عن هذه اللعبة القذرة حين رأت أن طوفان الدم السوري أكبر من حسابات سياسية قصيرة النظر. أما الصين فقد وجدت الفرصة سانحة للاختباء وراء الدب الروسي الجلف والتذكير بأنها، هي أيضاً، مالكة لحق الفيتو.

دعنا نرى اﻷمور من منظار شامل: الروس يسقطون طائرة تركية واردوغان يبلع اﻹهانة، بعد أيام نرى تحسناً ملحوظاً في تسليح الجيش الحر وتدمير عشرات الدبابات اﻷسدية، مما يدل على تغير ملموس في مواقف “جيران سوريا” بما فيهم وزير خارجية العراق الذي يصف اﻷسد “بالطاغية”. روسيا تتمسك بالفيتو وعنان يذهب ٳلى طهران وموسكو لكسب دعمهما لخطته الفاشلة قبل أن تبدأ. كل هذا بعد انتهاء مؤتمر “جنيف” الذي عقد في غياب اللاعبين السوريين.

في هذه اﻷثناء يتمكن العميد” مناف طلاس” من الخروج من سوريا بأمان ويذهب ٳلى باريس، وليس موسكو، التي تعلن وصوله لفرنسا على لسان وزير خارجيتها أثناء انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا. خروج العميد “طلاس” تم بتعاون بين المخابرات الفرنسية وأطراف في النظام السوري. أما السفير السوري في العراق فقد استفاد من مساعدة كردية وقطرية ثمينة.

فور أن حرك اﻷسد أسلحته الكيماوية من مواقعها، التقطت أقمار اﻷمريكيين واﻹسرائيليين اﻹشارة وهددت اﻷسد ورجاله بأنهم سيكونون مسؤولين” شخصياً” عن أي استعمال لهذه اﻷسلحة. الروس يرسلون سفنهم لدعم اﻷسدولٳجلاء رعاياهم المدنيين، ويعيدون ٳرسال السفينة التي تحمل طائرات عمودية للأسد، تحت علمهم الوطني هذه المرة، لتجاوز العقوبات اﻷوربية ويشهرون سيف الفيتو الماضي في وجه أي ٳدانة للقتلة في الشام.

لكن، قبل وصول السفن الروسية المحملة بالعتاد والرجال، يبادر الجيش السوري الحر ٳلى فتح معركة فاصلة في دمشق، في حين كان العديد من ضباط الجيش الحر يريدون تأجيل هذه المعركة لحين اﻹعداد لها بشكل جيد لضمان أن تكون ٳيذاناً بنهاية اﻷسد دون ٳسقاط الكثير من الضحايا المدنيين. في نفس الوقت يقوم “بان كي مون” بزيارة خاطفة للصين بهدف ثنيها عن استعمال الفيتو.

في ذات اليوم، يصر اﻷوربيون واﻷمريكيون على طرح مشروع قرار تحت الفصل السابع، يرفضه الروس بٳصرار. تفجير الروضة فاجأ الروس لدرجة دفعتهم ٳلى طلب تأجيل التصويت و”طلب التحقيق لمعاقبة من كان وراء الاغتيال ؟”، ولسان حالهم يقول “هذه فعلة من صنع الاستخبارات الغربية”. اﻷهم من ذلك أن تسارع اﻷحداث في سوريا كفيل  بأن يجعل الفيتو الروسي “مثل قلته”. الروس مقتنعون أن الغرب قد أرسل لهم رسالة مؤداها أن الفيتو الروسي لن يغير الوقائع على اﻷرض، وأن الغرب قادر على قلب المعادلة السورية رغم أنف “بوتين”.

في اﻷيام اﻷخيرة، تسارع  ”سحب” الغطاء السني عن نظام اﻷسد، سواء بالشائعات فيما يخص “رستم غزالي” و”فاروق الشرع” أو بانشقاق “نواف الفارس” و”مناف طلاس” وغيرهما. جاءت عملية الاغتيال الناجحة في حي الروضة لتعيد خلط كل اﻷوراق مع تغييب وجوه من داخل وخارج “الطائفة الكريمة”، قتلاً أو عبر جراح بليغة، من العماد المسيحي “داوود راجحة” و السني “حسن تركماني” ٳلى الوزير الشعار الذي لم تتأكد وفاته. هؤلاء لا وزن فعلياً لهم وسيتم استبدالهم بسرعة فهم خدم النظام وليسوا سدنته. اﻷمر مختلف تماماً فيما يخص “آصف شوكت”، وخاصة ٳن تأكدت وفاة “حافظ مخلوف” فهؤلاء من “عظام الرقبة” ويمثلون صلب النظام العائلي الطائفي الذي أقامه آل اﻷسد.

اغتيال “آصف”، و”حافظ” ٳن تأكدت وفاته، تجعل التكهنات حول قيام النظام بتصفية قيادات راغبة في الانقلاب عليه غير ذات معنى. فكيف يجتمع انقلابيون في مكتب اﻷمن القومي في وضح النهار وبحضور ممثلي العائلة ؟! ولماذا يقتلهم النظام بالجملة وهو قد تخصص في فني الانتحار والاختفاء ؟ ثم هل جن النظام لكي يُظهر ٳلى العلن عجزه عن حماية من هم في قلب السلطة اﻷسدية ويفضح الاختراقات الهائلة التي تعرض لها ؟

هذه العملية، التي تحتاج لعناصر من قلب الدائرة اﻷمنية الموثوقة لكي تنجح، تطرح احتمال وجود أطراف في النظام، من خارج الدائرة المغلقة للعصابة اﻷسدية، ترغب في قلب المعادلة التي بني عليها النظام وهي “تحالف اﻷقليات” تحت قيادة عصابة اﻷسد. قد يريد هؤلاء حكماً “علوياً” صافياً لا تعكر صفوه نخبة سنية مرتزقة مشكوك في ولائها، ولا يريدون ٳعطاء دور مبالغ فيه للأقلية المسيحية. من مصلحة هكذا طرف تأجيج الصراع الطائفي في سوريا، عبر اقتراف المجازر المجانية، بهدف الوصول ٳلى ٳقامة محمية علوية في المناطق الساحلية تكون ملجأ لرجالات النظام ولعائلاتهم بعد رحيل اﻷسد الذي صار محتماً. لهذا يغض هؤلاء الطرف عن انشقاق وفرار الضباط السنة بل يشجعونه للاحتفاظ بوحدات عسكرية وأمنية “خالصة” يمكن الاعتماد عليها. يرى هؤلاء أن نظام اﻷسد كان منفتحاً للغاية ومتساهلاً تجاه السنة واﻷقليات التي سارعت للنزول من سفينة النظام الغارقة فور” أن وصل البل ٳلى ذقنها”.

ربما يعتقد هذا الجناح الطائفي المتطرف في النظام أن الطريقة الوحيدة للنجاة ولاسترداد المبادرة هي التوجه ٳلى بناء محمية علوية صرفة، فائقة التسليح، بما فيه أسلحة كيماوية وطائرات سلاح الجو السوري الحديثة واﻷسلحة المتقدمة. دويلة على النمط اﻹسرائيلي، لا تلتزم سوى بحماية الطائفة العلوية ومصالحها، وتتخلى عن عائلة اﻷسد وقت اللزوم. حين يقتنع مناصرو النظام والمنتفعون منه من السنة واﻷقليات أن حرسهم “العلوي” سوف يغادر ويتركهم لمصيرهم، فسيحمل هؤلاء السلاح جنباً ٳلى جنب مع الشبيحة ويشاركونهم في ضريبة الدم التي يدفعها أبناء الطائفة لحماية الصرح اﻷسدي الذي استفاد منه الجميع، وليس “الطائفة الكريمة” وحدها.

هذا الاحتمال يعني أن القوى الضاربة في النظام، والتي لم تمس قياداتها الميدانية بسوء ٳلا فيما ندر، ربما تكون قررت اللعب لحسابها الشخصي ولحساب الطائفة دون اﻷخذ بعين الاعتبار مصالح النظام ككل وأن هذه القوى الغامضة قد تجاوزت “اﻷسد” وسوريا التي نعرفها ٳلى غير رجعة.

في هذه الحالة، تحتاج هذه القوى ٳلى رعاة دوليين يضمنون لها سلامتها ومستقبلها، وسوف تجد ضالتها في أجهزة الاستخبارات الكثيرة التي تنشط حالياً في سوريا، فللطرفين مصلحة في ٳزاحة اﻷسد الذي فشل في قمع الثورة والتخلص من أفراد العصابة اﻷسدية الذين أصبحوا عبئاً على الطائفة. قد يكون التفاهم بين الطرفين تكتيكيا ومؤقتاً يحفظ الدولة السورية الحالية في النهاية، وقد يكون استراتيجياً لرسم مستقبل مختلف لسوريا يحفظ مصالح الطائفة والعديد من أزلام اﻷسد الخائفين من المستقبل. المحمية العلوية، كحل أخير، لن تكون تقسيماً معلناً لسورية، بما يطمئن اﻷتراك ويحافظ على الحدود الدولية للبلاد، ولكنها ستضمن حياة الجزارين من زبانية اﻷسد بعد انتصار الثورة وسيكون ذلك بضمانات دولية.

الاحتمال الثالث هو أن تكون العملية قد وقعت نتيجة لتنسيق محكم بين أجهزة مخابراتية فائقة الكفاءة تمكنت من توظيف هجوم الثوار السوريين على دمشق وقامت بتوحيد الجهود بين الثوار وأطراف من داخل النظام، هي على اﻷغلب من الجهات التي سبق وصفها، وزودتهم بما يلزم ﻹرسال رسالة حازمة ٳلى اﻷسد وٳلى زبانيته بأن هناك من يقدر على استهدافهم أينما كانوا.

اﻷيام واﻷسابيع المقبلة سوف تنبئنا بما كان خافياً وسنرى ٳن كان التفاهم بين أجهزة الاستخبارات المذكورة وأطراف من النظام يهدف لتحقيق مصالح تكتيكية أو أنه يدخل في ٳطار استراتيجية بعيدة المدى تم ٳقرارها في مؤتمر “جنيف”.

هذا لا ينتقص من شجاعة وتصميم الثوار، من الممكن أن تكون العملية تمت بمبادرة محضة من الجيش الحر، لكن هذا يبدو صعباً في غياب أجهزة متخصصة تابعة للثوار، قادرة على القيام بعملية معقدة كهذه دون الاستعانة بجهد استخباراتي خارجي. على أي حال، لن يأتي أي جهاز استخباراتي ليقول أنه هو من فعلها.

بالمناسبة، أين العماد “علي حبيب” ؟  ألم تنته فترة استشفائه بعد ؟ هل يحتفظ به أطراف من النظام كمفاجأة في ربع الساعة اﻷخير ؟

    http://www.elaphblog.com/shamblog   ahmadshami29@yahoo.com

بيروت اوبسرفر الخميس 19 تموز 2012

http://beirutobserver.com/index.php?option=com_content&view=article&id=79824:chami&catid=39:features

حلقة النظام السوري الضيقة تتفكك.. وتؤذن بالانهيار

ربى كبّارة

بما يؤذن بالانهيار، بدأ تفكك الحلقة الضيقة للنظام السوري التي خسرت أمس ثلاثة على الأقل من أبرز قيادييها الأمنيين، العماد حسن تركماني ووزير الدفاع داود راجحة ونائبه صهر الرئيس آصف شوكت، في عملية نوعية استهدفت خلية الأزمة، التي شكّلها قبل أشهر الرئيس الأسد من مجموعة من الخلّص، خلال اجتماعها في وسط دمشق العاصمة التي اندرجت قبل أربعة أيام في الثورة إثر تدفق مقاتلي “الجيش السوري الحر” ومناصريه على أحياء طالما فاخر النظام باعتبارها معقلاً له.

فمدلول تفجير مقرّ الامن القومي القريب من حي المهاجرين حيث القصر الرئاسي يبقى واحداً: تشرذم الحلقة الضيقة وفقدان الثقة بين مكوناتها، سواء كان مقاتلو الجيش السوري الحر وراء العملية بما يدل على مدى اختراقهم لأجهزة الأمن الرسمية، أو أنها كانت وفق تحليلات أخرى عملية مدبّرة لتصفية قيادات مشكوك بولائها.

فبين تأكيد مصادر مقربة من النظام السوري أن المفجرّ كان مرافقاً لإحدى الشخصيات المشاركة في الاجتماع وتوضيح “الجيش السوري الحر” أن العبوات الناسفة وضعت مسبقاً في القاعة وتم تفجيرها، لا يستبعد مصدر واكب خلال عقود أساليب النظام أن يكون هو مدبر الحادث الذي أصيب فيه كذلك بجروح وزير الداخلية محمد الشعار ورئيس جهاز الأمن القومي هشام بختيار وآخرون. وترى المصادر أنه بعد اشتعال أحياء دمشق وانشقاق مقربين للأسد، مثل مناف طلاس، يبدو أن ثقة النظام بولاء هولاء قد اهتزت مذكراً بمسرحية انتحار وزير الداخلية الأسبق اللواء عازي كنعان واغتيال محمد سلمان.

وفي أيار الماضي تبنى “الجيش السوري الحر” عملية فاشلة لتسميم أعضاء الخلية نفسها التي تعرضت أمس للتفجير. فيما لم يحضر الاجتماع قادة الأجهزة الأمنية الرئيسية الثلاثة علي مملوك لأمن الدولة وعبد الفتاح قدسية للأمن العسكري وجميل الحسن للمخابرات الجوية.

ويلفت المصدر نفسه الى مخاطر انعكاسات ما شهدته دمشق أمس على موقف روسيا، التي باتت المصدر الوحيد لضخ الدماء في عروق النظام، في مجلس الأمن الدولي وعما إذا كانت ستستخدم، رغم ذلك، حق النقض للمرة الثالثة لتحول دون صدور قرار بتمديد مهمة المراقبين الدوليين تحت الفصل السابع. ويرى أنها تبدو رغم تشددها اللفظي أقرب الى البحث عن مخرج سياسي مع الإحراج الذي تواجهه بسبب التمادي الرسمي في سفك الدماء خصوصاً بعد المجازر وآخرها في التريمسة، طالما الأسد يفشل في الحسم وفي جلب المعارضة الى الحوار.

فبعد أن فرض “الجيش السوري الحر” سيطرته على مناطق واسعة وصل منذ مساء الأحد الى دمشق التي لم يسيطر عليها لكنه ما زال يواجه الجيش النظامي في أحيائها وسط معلومات من مصادر إسرائيلية، لم تنفها دمشق، عن استقدام النظام قواته من الجولان.

فللمرة الأولى بات مشهد المدرعات والمصفحات مألوفاً في شوارع دمشق من الميدان الى العسالي والقابون وبرزة وجوبر وكفرسوسة والقدم والحجر الأسود ونهر عايشة التي حلقت فوق بعضها مروحيات عسكرية لم تتردد في استخدام نيرانها. ويبدو أن المعارضة في قرارها نقل المعارك الى العاصمة لم تعد تراهن على أي تدخل عسكري خارجي بل انكبت على إسقاط الأسد من الداخل بما ينقذ حتى ماء وجه موسكو. فنقل المعركة الى دمشق يساعد المترددين على الانشقاق رغم استمرار النظام في مكابرته إذ سارع الى تعيين وزير دفاع ونسبت قيادة جيشه التفجير الى “أدوات مأجورة مرتهنة لمخططات خارجية” فيما اعتبر وزير الإعلام عمران الزعبي ما يجري “النزاع الأخير” سالكاً درب رئيسه الذي لم يصدق أن ما تشهده بلاده ثورة بل تمسك باعتبارها مؤامرة خارجية لم يتصور أنها ستصل الى دمشق.

ففعالية شبكة الأمان الروسية تقتصر على إفشال قرارات إدانة وعقوبات تصدر عن مجلس الأمن الدولي لكنها تبقى معدومة التأثير على أطياف المعارضة السلمية والمسلحة. كذلك التلويح بمخاطر وقوع مخزون الأسلحة غير التقليدية بيد الأصوليين.

لقد بلغت الثورة في سوريا مرحلة مفصلية لأن وتيرة الشروخ الداخلية تتسارع بعد ظهور أول بوادرها.

فلا شبكة الأمان الروسية ولا مخاطر الأسلحة غير التقليدية تؤديان الى انقاذ الأسد بعد تفكك الحلقة الضيقة للنظام وتواصل الاشتباكات في دمشق وإن لم يسيطر “الجيش السوري الحر” على أحيائها، لأن ذلك سيؤدي حكماً الى تسارع الانشقاقات خصوصاً العسكرية والتي ستؤدي إما الى استسلام أو انقلاب وسط معلومات صحافية عن رفض وحدات من الجيش النظامي القتال في العاصمة أو عن انسحاب عناصر من وحدات أخرى مخلّفة وراءها آلياتها في الشوارع أو عن خلافات داخل فرق عسكرية أساسية ومنها الفرقة الرابعة التي تأتمر بأوامر شقيق الرئيس الأسد ماهر.

منعطف في تفجير دمشق وحرب شوارعها

أيام حاسمة بعد استهداف النواة الحاكمة

    روزانا بومنصف

تسارعت التطورات الامنية في سوريا على نحو خطير بحيث لا يمكن ان يبقى مسار الامور بعد تفجير مبنى الامن القومي وانتقال المعارك الى شوارع دمشق كما كان قبلها بل لعلها تشكل منعطفا اساسيا في تحول مسار الامور. اذ فجأة بدا الجدل الدولي بين الدول الغربية من جهة وروسيا من جهة اخرى حول اعتماد الفصل السابع وفرض عقوبات دولية على النظام السوري او الاكتفاء بالتمديد لمهمة الموفد الدولي كوفي انان وخطته بمثابة جدل في جنس الملائكة ولا قيمة له في السياق الجاري فيما ينتظر المجتمع الدولي كيف ستتطور الامور ميدانيا.

وتقول مصادر ديبلوماسية ان ما حصل في الساعات الاخيرة يكتسب دلالات كبيرة علما ان هناك تساؤلات جدية حول مدى اهمية المسؤولين الذين قتلوا في التفجير وموقعهم من النظام على رغم مسؤولياتهم او مراكزهم المعلنة اي معرفة مدى قربهم من القرار او عدمه اذ ليس واضحا اذا كان جزءا من النواة الحاكمة قد هوى بهذا التفجير ام لا، علماً انه ليس واضحا بالنسبة الى البعض اذا كان آصف شوكت قتل بالامس في التفجير ام انه قبل ذلك حين شاع خبر تسميمه او اذا كان حافظ مخلوف من ضمن من قتل. لكن ما حصل يوجه رسالة قوية في اتجاهات عدة ولو انه ليس كافيا لان يسقط النظام وان تسبب له باهتزاز عميق ايا تكن اهمية المستهدفين. فهو اولا رسالة قوية الى داعمي النظام من الدول الكبرى وفي مقدمها روسيا والصين ان هذا النظام بات يفقد سيطرته على العاصمة وأهم المراكز التي تحظى بحماية كبيرة. وان يكون النظام عاجزا عن حماية اركانه يفيد بانه بدأ يصاب باعطاب اساسية لا عودة عنها. وبحسب هذه المصادر فان التفجيرالذي استهدف مقرا امنيا واودى باركان امنيين ربما يكون حاسما جنبا الى جنب مع حرب الشوارع في العاصمة السورية في دفع روسيا الى تغيير موقفها علما انه لم يمض يومان فقط على اعلان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبيل لقائه الموفد الدولي كوفي انان ان الرئيس السوري لن يرحل وهو لا يزال يتمتع بدعم جزء كبير من الشعب السوري. فروسيا في ضوء التطورات الاخيرة التي تشكل منعطفا خطيرا في الأحداث قد لا تكون ترغب في ان تكون الخاسرة الاساسية كليا من خلال دعمها للنظام حتى اللحظات الاخيرة وربما تتقدم من اجل المساعدة عند هذا الحد بتقديم مخرج له في حال باتت مقتنعة بان الحرب باتت في قلب دمشق ولم تعد على ابوابها وان الاسد لم يفقد سيطرته على معظم البلاد فحسب بل انه بات يدافع عن المعقل الاخير والاهم لسلطته اي العاصمة او ان تتقدم ايضا بصيغة من اجل تطبيق ما اتفق عليه في لقاء جنيف حول حكومة انتقالية بات واضحا انها لا يمكن ان تحصل على البارد بل في ظل وضع ميداني يحتم تنازل النظام عما رفض التنازل عنه. فلا الفصل السابع لا يزال هو المشكلة ولا ايضا خطة انان التي فقدت غالبية بنودها صلاحياتها ولم تعد صالحة في ضوء التطورات الميدانية.

وتعتبر هذه المصادر ان التفجير الذي استهدف الامنيين يفقد النظام ركائز اساسية يتكىء عليها في مواجهته الثورة الحاصلة على الارض من دون ان يعني انه سيسقط او ينهار في الساعات او الايام المقبلة. لكن انهياره بات محتوما او مكتوبا باحرف كبيرة واضحة في ظل انشقاقات رمزية ولكن مهمة حصلت اخيرا من القائد العسكري مناف طلاس الى السفير نواف فارس كان مغزاها ان القيادات السنية في الحكم بدأت تسحب الغطاء السني عن النظام ، هذا الغطاء الذي استند اليه حكمه وحكم والده طوال اربعين عاما مما اشر الى جملة انشقاقات حصلت ولا تزال على مستوى عال. كما ان انتقال المعارك الى شوارع دمشق سيصعب على النظام اعتماد المواجهات العسكرية من عمليات قصف وسواها كما حصل في بعض المدن والقرى الاخرى ما لم يدمر العاصمة وانه وفي حال عجزه عن اخراج الثوار من شوارع العاصمة في خلال ايام فهذا يعني انه اصبح بحكم المنتهي ويفضل ان يكون بدأ التفاوض على مخرج له قبل ان تتفاقم الامور جنبا الى جنب مع التفاوض على مرحلة انتقالية. ولذلك تبدو الايام المقبلة حاسمة في دلالاتها على اكثر من مستوى.

النهار

جريمة دمشق: فصل جديد مليء بالدم والدموع

إابراهيم الأمين

على الغلاف | الضربة قاسية. ليس ما حصل عملاً مفاجئاً في سياق الأزمة السورية، لكنه حدث كبير يصيب أعمدة في بناء النظام في سوريا. وجود شخص الرئيس بشار الأسد، والهرميّة التقليدية في بنية الدولة والجيش، والاستنفار الشعبي الداعم، كل ذلك يساعد في احتواء الموقف. لكن البحث يبقى في مكان آخر، والسؤال المفترض الآن هو: كيف سيكون الفصل التالي من الأزمة السورية؟

النقاش سيأخذ شكلاً يشبه حكايات وسيناريوات الأزمة السورية، من المؤامرة إلى الاختراقات إلى الأيدي الطويلة التي وصلت إلى أعلى هيئة قيادية. لكن طبيعة ما حصل تظل، في جانبها الحدثي، عملية أمنية محكمة، تقدر مجموعات صغيرة على تنفيذها بالنظر إلى تجارب سابقة، وأخذاً في الاعتبار أن الإجراءات الأمنية حول المقار القيادية السورية ليست بالشكل الذي يمكن تصوره في حالة سوريا اليوم. وإذا كان المنفذون يملكون حرفية جدية، فإن النشاط الاستخباري الواسع في سوريا الذي تشارك فيه عواصم العالم كله، من شأنه تسهيل مهمة كهذه، بعدما بات الهدف واضحاً: إسقاط النظام بقتل رموزه!

هذا الهدف كان واضحاً منذ شهور عدة. تمثّل بداية في فشل تحقيق اختراقات على شكل انشقاقات في البنية القيادية الفاعلة، وكذلك بعد فشل استقطاب حشد الدبلوماسيين والموظفين السوريين في الخارج. وظل مشهد الانشقاق من الجيش مشهداً فردياً على مستوى الضباط، وليس ذا شأن نوعي على مستوى الأفراد، إذ إن المعارضة المسلحة لا تحتاج إلى جنود من الجيش نفسه، ولديها الألوف من الشبان السوريين المدربين أصلاً، بل هي تحتاج إلى انشقاق كتائب وفرق عسكرية بكامل عتادها وعديدها، وهذا ما لم يحصل.

قبل أشهر عدة، تلقّت القيادة السورية العليا تحذيرات من أعمال أمنية مباشرة. الرسائل شملت الرئيس الأسد نفسه، كما سائر القيادات الأمنية. ونجاح عملية التفجير أمس، يدل على مثابرة الجهة المنفّذة، ويعطي دليلاً إضافياً على وجود قرار حاسم لدى أصحاب القرار، من عواصم وأجهزة استخبارية دولية، ومن بعض مجموعات المعارضة السورية، بالسير في الأزمة حتى نهاية دموية.

ما حصل أمس عمل واضح، علني، لا يحتاج إلى عنوان. إلا أن الطرف المعارض للنظام في سوريا، ومعه القوى الداعمة عربياً ودولياً، كل هؤلاء لا يريدون تسوية سياسية. هم يقولون لأهل سوريا إنهم يريدون إطاحة النظام إطاحة تامة، وهم في ذلك يعلنون أن الحرب القائمة الآن باتت بالنسبة إليهم حرباً وجودية، وأنهم لا يهتمون بكل أشكال المبادرات أو محاولات إقامة الحوار. وهذا أصلاً ما دلّت عليه الأنشطة المسلحة للمعارضة طوال الفترة السابقة، بما في ذلك عندما جاءت بعثة مراقبين عربية ومن ثم بعثة المراقبين الدولية.

في هذه الحالة، وإزاء التصعيد النوعي في المواجهة المسلحة، والحشد الإضافي للمقاتلين «الأجانب»، وهذا ما لمسناه في لبنان الذي شهد انتقال المئات من العناصر المدربة خلال الأسبوعين الماضيين إلى سوريا، من مواطنين سوريين وعرب، وإزاء الترحيب والتهليل بجريمة أمس، كما ظهر على شاشات الدول الراعية للمعارضة السورية، كما في تصريحات ومواقف معلنة وأخرى مسرّبة… كل ذلك يدعو إلى توقّع جواب واحد من القيادة السورية، وهو الجواب الذي سيكلّف سوريا المزيد من الدماء والدموع.

■ ■ ■

بين الذين سقطوا في جريمة دمشق، أمس، شخص كان محور متابعة أمنية وسياسية وإعلامية خلال العقد الأخير. إنه آصف شوكت، الشخصية الأكثر إثارة للجدل بسبب مواقعه النافذة المختلفة.

محاولات شيطنة الرجل لم تهدأ يوماً، ومصدرها واحد محصور في الولايات المتحدة وإسرائيل وعملائهما في المنطقة. لكن للرجل صورة ليست مظهّرة لأسباب تتصل أساساً بموقعه، وثانياً بطبيعة المهمات التي كان يقوم بها بعيداً عن عيون الأعداء والأصدقاء.

لآصف شوكت دوره الكبير في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، داخل فلسطين وعلى تخومها. ظلّ الرجل حتى اللحظة الأخيرة معنياً، في صورة عملية، بتوفير مستلزمات ومتطلبات قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. في ظل رعايته، تعيش قوى المقاومة وكوادرها في سوريا. يلتفت إلى كل شأن يخصّهم، من أماكن العيش ووسائل التنقّل وأحوالهم المباشرة، إلى معسكرات التدريب وأعمال التجهيز، إلى توفير متطلبات وصول كوادر من داخل فلسطين وخضوعها لتدريبات بالغة الدقة والسرية.

مع المقاومة في لبنان كان آصف شوكت شريكاً حقيقياً. لم يكن يوماً يحتاج إلى تكليف أو توصية أو طلب من قيادته للقيام بما يجب القيام به دعماً للمقاومة. وفي حرب تموز التي نعيش في مناخات ذكراها، كان آصف شوكت لاعباً مركزياً، وكان طوال أيام الحرب في قلب غرفة العمليات المركزية التي كانت تنفّذ قراراً مركزياً صادراً عن الرئيس الأسد، بفتح مخازن الجيش السوري ومدّ المقاومة بكل ما تحتاج إليه من أسلحة، بما في ذلك الأسلحة النوعية، لا سيما الصاروخية منها. وأمضى آصف شوكت، ومعه ضباط وجنود من الجيش السوري، وبينهم الشهيد العميد محمد سليمان الذي اغتاله الموساد في الساحل السوري عام 2008، أياماً وأسابيع في متابعة عملية الإمداد النوعية التي سهّلت للمقاومة تحقيق إنجازات كبيرة أدّت إلى هزيمة إسرائيل.

آصف شوكت، رغم كل الاتهامات التي وجّهت إليه في قضايا أمنية وسياسية وغير ذلك، لم يكن إلا واحداً من رفاق الشهيد عماد مغنية. متواضع ينحني عند مصافحة السيد حسن نصر الله، ويسرّه في آخر الليل سماع أخبار فلسطين.

الأخبار

النظام السوري يتآكل

عبد الباري عطوان

في شهر كانون الثاني (يناير) عام 1986 اقتحم مسلح اجتماعا للمكتب السياسي للحزب الاشتراكي الحاكم في عدن، واغتال جميع الاعضاء بمن فيهم الامين العام عبد الفتاح اسماعيل ووزير الدفاع علي عنتر، وتبين لاحقا ان الرئيس اليمني الجنوبي في حينها السيد علي ناصر محمد هو الذي كان خلف هذه العملية للتفرد بالسلطة وتصفية خصومه جميعا.

المؤامرة نجحت عمليا ولكنها فشلت سياسيا، فقد نجحت قوات الجيش في تصفية انصار الرئيس ناصر محمد الذي اضطر للهرب الى الشمال للنجاة بحياته، وانتهى به الأمر رئيسا لمكتب دراسات استراتيجية اسسه في دمشق بحماية ودعم الرئيس الراحل حافظ الاسد، وبتمويل خليجي.

نسترجع هذه الحادثة ونحن نتابع التفجير ‘الغامض’ الذي استهدف اجتماعا لخلية الأزمة في سورية انعقد في مقر مجلس الأمن القومي، وادى الى مقتل وزير الدفاع داوود راجحة، ونائبه آصف شوكت صهر الرئيس والرجل القوي، ورئيس خلية الأزمة، ووزير الداخلية ومجموعة من الجنرالات الامنيين والعسكريين.

نظريات عديدة طفت على السطح تفسر ما حدث، وجهات عديدة اعلنت مسؤوليتها عن العملية من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، ولكن ما زالت الحقيقة بعيدة عن المعرفة، لأن الغموض المتعمّد من النظام هو سيد الموقف.

اصحاب النظرية التآمرية يقولون ان الجهة المدبرة هي النظام نفسه، او احدى دوائره، في ظل احاديث لم تتوقف عن صراع الأجنحة داخل النظام، آصف شوكت زوج شقيقة الرئيس من ناحية، وماهر الاسد شقيقه وقائد الفرقة الرابعة من ناحية اخرى.

وليس صدفة، في رأي هؤلاء، ان هذه العملية التي تعتبر الأخطر من نوعها منذ بداية الثورة، جرى تنفيذها بعد اقل من اسبوعين من هروب العميد مناف مصطفى طلاس، رئيس اهم الفرق في الحرس الجمهوري الى فرنسا، وسط انباء مكثفة عن تصاعد الخلافات بينه وبين ماهر الاسد الشقيق الاصغر للرئيس.

الأحاديث عن تفضيل الغرب والشرق معا لانقلاب عسكري داخلي يطيح برأس النظام تزايدت في الفترة الاخيرة، كما ان الأقاويل حول علاقة آصف شوكت بالسلطات الفرنسية لم تتوقف منذ سنوات، وهناك من يردد بأن الاخير لعب دورا في تهريب العميد مناف الى فرنسا.

في المقابل واخذاً بعين الاعتبار وصول التفجيرات الى قلب العاصمة دمشق وقصف مقرات للحرس الجمهوري في احد اطرافها، وتصاعد العمليات النوعية للجيش السوري الحر، وتوالي المجازر التي تستهدف المدنيين، من غير المستبعد، بل ومن المؤكد في نظر الكثيرين حدوث اختراق امني للدائرة الضيقة للنظام، وتنفيذ هذه العملية الانتحارية.

الأجهزة الأمنية السورية كانت وما زالت قوية في حالة واحدة فقط، وهي قمع واذلال المواطن السوري والتنكيل به، وشهرة فسادها وشراء جنرالاتها فاقت كل التوقعات. اما على صعيد واجباتها الامنية الكبرى المناطة بها فقد اثبتت فشلا ذريعا، وجرى اختراقها اكثر من مرة، آخرها اغتيال الشهيد عماد مغنية على يد وحدة كوماندوز اسرائيلية في قلب العاصمة.

المتحدث باسم البيت الابيض الامريكي رأى في هذه العملية الانتحارية، التي راح ضحيتها اهم القادة العسكريين والامنيين للنظام، نقطة تحول رئيسية، وبدء العد التنازلي لفقدان النظام السيطرة على الاوضاع، وقد ينطوي هذا الكلام على بعض الصحة، لأن نهاية النظام الليبي، ومن قبله العراقي، اقتربت بمجرد دخول قوات المجلس الوطني الانتقالي الى طرابلس في الحالة الاولى، والقوات الامريكية الى بغداد في الحالة الثانية.

من الصعب اطلاق احكام متسرعة في هذا الاطار، مع تسليمنا بأن اقتحام مقر الامن القومي بمثابة زلزال للنظام، وضربة نفسية هائلة قد تكون لها تبعات كارثية عليه، ايا كانت الجهة المنفذة، وهي على الاغلب لشاب لم يستطع تحمل مجازر ربما استهدفت اهله او قريته او مدينته، وقرر الانتقام بمثل هذه الطريقة التي لا ينفذها الا الجهاديون الراغبون في لقاء ربهم والانتقال من دار الفناء الى دار البقاء.

الجيش السوري الحر حقق انتصارا معنويا كبيرا بالانتقام من رموز الحلول الامنية الدموية، التي طبقها النظام بقسوة منذ بداية الثورة، ولكن ربما يدفع هذا الانتصار النظام للتغوّل اكثر في هذه الحلول، واستخدامه كذريعة لارتكاب المزيد من اعمال القتل والتدمير.

وزير الاعلام السوري السيد عمران الزعبي قال في مقابلة مع التلفزيون السوري الرسمي ان النظام لم يستخدم حتى الآن الا ثمانية في المئة من قدراته العسكرية في مواجهة من سماهم بالارهابيين، وهذا تلويح مقصود يمهّد لتصعيد اكبر في الهجمات على المدن المتمردة.

فإذا كان استخدام النظام ثمانية في المئة فقط من قدراته العسكرية ادى حتى الآن الى مقتل ما يقرب من العشرين الف شخص، فكم سيكون عدد القتلى والجرحى وحجم الدمار اذا ما استخدم مئة في المئة من قدراته، ونحن نعرف انه يملك ترسانة من الصواريخ والاسلحة المحرمة والمحللة، والطائرات الحربية من كل الانواع؟!

النظام السوري سيدافع عن العاصمة حتى اللحظة الاخيرة، لأن كل الخيارات الاخرى امامه معدومة، فقد قرر القتال حتى النهاية، ونهاية العقيد معمر القذافي الدموية التي يتوعده البعض بها قد تدفعه الى هذا الخيار، وما قاله سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بأن الرئيس الاسد لا يرغب في التنحي يؤكد هذا التوجه.

الذين يطرحون نظريات تقول بان النظام قد يتحصن في طرطوس والمناطق العلوية، ويقيم دولته هناك على درجة كبيرة من الجهل بالعلاقات الدولية وقوانينها وتجاربها، فمن سيعترف بهذه الدولة في حال قيامها؟ امريكا ام دول الخليج؟ فها هي تركيا العضو في حلف الناتو اقامت دولة اسلامية في شمال قبرص، فكم دولة اعترفت بها، وها هي امريكا نفسها اقامت دولة في كوسوفو فمن من الدول العربية الاسلامية اعترف بهذه الدولة المسلمة؟، واذا كانت هناك دول اعترفت فإنها تعد على اصابع اليد الواحدة وبضغط امريكي شرس، والأمثلة كثيرة.

النظام السوري قد يتصرف في الايام المقبلة مثل النمر الجريح، يخبط في جميع الاتجاهات، وقد لا يذهب بسهولة مثلما يتوقع البعض، ومن شاهد وزير اعلام النظام السيد الزعبي وهو يهدد بالانتقام من كل دولة تقدم دولارا واحدا او قطعة سلاح للمعارضة، بل وتصل به الجرأة الى القول بأنه سيصل الى هؤلاء الحكام والمسؤولين في قصورهم، في اشارة الى دول خليجية، يدرك ان هذا النظام متشبث بالحياة ومطمئن الى دعم اصدقاء له مثل الروس والصينيين، ولا ننسى ايران وحزب الله، لان سقوطه قد يسهل سقوط هؤلاء ايضا.

تعويض القادة المقتولين قد يكون سهلا بالنسبة الى النظام، وربما تكون البدائل اكثر كفاءة وخطورة في الوقت نفسه، لأنهم ليسوا جزءا من اجنحة الصراع على السلطة، وغير معروفين للخارج حتى يمكن شراء ولائهم، ولكن ما يصعب، بل يستحيل تعويضه، هو اعادة الثقة الى المؤسستين العسكرية والامنية بعد عملية الاغتيال النوعية هذه.

نعم سورية تشهد معركة حاسمة هذه الايام مثلما قال لافروف امس، ولكن لا نعرف اي حسم يقصد، ومن سيكون الفائز في النهاية، النظام ام الثورة؟ ثم متى سيتم هذا الحسم، وكيف سيكون الثمن، ثم كيف ستكون سورية والمنطقة بأسرها بعد ذلك؟

النظام يترنّح، لا شك في ذلك، والضربات تتوالى عليه من كل جانب، والضربات الشعبية الداخلية اكثرها ايلاما ومشروعية، فقد عانى هذا الشعب طويلا من القمع والاضطهاد، ولكن الخطورة انه قد يلجأ الى خيار شمشون، اي هدم المعبد فوق رأسه والآخرين، وسقوط الآلاف وربما عشرات الآلاف من الضحايا الابرياء. طبعا المسؤولية الكبرى ستقع على عاتق النظام الدكتاتوري، ولكن تظل اولوياتنا وهمومنا ارواح هؤلاء الضحايا الذين هم اهلنا واشقاؤنا وابناؤنا وبناتنا.

الجمعة

البداية أم النهاية في المشهد السوري

عدنان سعد الزعبي

المبادرة العربية كانت قد طرحت انتقالا سلميا للسلطة من بشار لنائبه الشرع والبدء بتشكيل حكومة انتقالية وطنية تقوم على اجراء انتخابات ، وتعديل الدستور السوري والتقاء الناس بعيدا عن إراقة نقطة دم . والمشكلة عند النظام السوري تعويله على الدعم الروسي والإيراني ، والتمسك بمبدأ الإخماد عن طريق القوة واللعب بالوقت ، حتى يتم تصفية أية جماعات عسكرية ، سواء كانوا محليين أم قادمين من الخارج .

لم يع النظام السوري أن هناك فرصة سانحة لتجاوز كل ما وصلت اليه الأمور حاليا ، ونسي ان إرادة الشعب سوف تتضاعف وتشتد ضراوة كلما أُريقت نقطة دم ، حيث دفعت أمريكا وأوروبا ورجالاتها في المنطقة الى الوصول لحالة اللاعودة التي تضع كل من النظام والمعارضة في باب كسر العظم .

نجحت عواصم صنع القرار التقسيمي بالإطاحة بسورية ، والوصول الى مقر الأمن القومي السوري ، وقتل رجالات الأمن السوري الأوائل. فالرئيس الأسد او من يحيطون به لم يتعلموا من درس ليبيا ولا مصر ولا تونس ويلتصقوا بشعبهم ويسارعوا في تحطيم كل ما يعزز الفرقة بين الشعب والنظام ، وتفويت كل الذرائع التي يحاول الغرب فرضها على سورية باعتبار ذلك هو جسر الأمن الحقيقي للنظام والشعب على حد سواء .

نعم ، نحن مع إرادة الشعب السوري وحريته وامنه وسلامته ، مع سورية الموحدة ، والأرض التي لا يطاها الا الشرفاء. وهي مطالب كان من المفروض على النظام السوري ان يدركها ، لأنه في نقيض ذلك الدمار والهلاك كما هو الحال حاليا .

وقت التراجع وإصلاح ما فات يبدو متأخرا جدا ، حيث وصلت الأمور إلى مرحلة النهاية ، وقد فات الأوان وجاء وقت دفع الثمن . ولا نعرف أي ثمن قاسٍ سوف تدفعه سورية اذا استمرت حالة اللاوعي واللا إدراك ، وساهم الشعب نفسه بتحقيق مطامع الغرب والصهيونية في تمزيق سورية وتفتيتها بالصراعات الأهلية .

النظام السوري الآن لا خيار أمامه الا إنهاء حالة العنف ووقف سيل المذابح التي يمكن ان تتطور لتصل إلى حد استخدام الأسلحة الفتاكة انتقاما وتصفية ، وهذا ما لا يستحقه الشعب السوري الذي أعطى وأعطى لسورية والأمة والنظام السوري بطبيعة الحال .

بإمكان النظام السوري الآن التنازل عن الحكم لصالح أية شخصية وطنية ، وكفّ سورية صراعات لن تنتهي ، بل ستودي بالأخضر واليابس .

القتل والدمار في سورية لن يزيد شيئا ، ولن يمنع النتيجة التي أصبحت قاب قوسين من النهاية ، وهي الأخطر في كامل المشهد السوري . مقتل قادة خلية إدارة الأزمة بهذه الدقة من الاستطلاعية والمتابعة والتنفيذ وفي منطقة الروضة المحصنة عسكريا ، يؤكد قدرة الجيش الحر ومَن يقف معهم والتي على ما يبدو بمشاركة استخبارية دولية من الوصول حتى لقعر دار نظام الاسد وسيطرة هذا الجيش على مساحات واسعة من سورية .

ان مثل هذه العملية سوف تعزز وتوسع عملية الانشقاقات ، كونها تمثل حالة دقيقة تكشف عن مدى انهيار الواقع الأمني للنظام و الوصول إلى سور الأمن وهرم القوة فيه .

مَن فجّر مقر الأمن القومي ؟ ومَن خطّط لذلك ؟ وما مدى قرب المنفذين من الاسد ؟ وهل اختُرق النظام الأمني السوري ؟ أم في الخفاء أجوبة غير التي ذكرنا ؟ الأيام والتداعيات ستكشف المستور، وإنّ غداً لناظره قريب .

العرب اليوم

السبت

كيف تتعامل مع الأسد الجريح؟

طارق الحميد

مع إعلان النظام الأسدي أمس عن وفاة رئيس المخابرات، والذي يعتبر الشخصية الرابعة التي سقطت نتيجة تفجير مبنى مقر الأمن القومي بدمشق، يتضح أن الضربة التي تلقاها نظام الطاغية كانت كبيرة جدا، ولذا فإن النظام بات يتعامل معها بالقطارة، كما يقال، أي أن النظام يقدم الأخبار للسوريين بشكل مفرق، للتخفيف من هول الضربة التي يبدو أن النظام لم يفق منها بعد.

وهذا ما يتضح خصوصا مع التقدم الميداني الذي بات يحققه الجيش السوري الحر، وخصوصا الاستيلاء على النقاط الحدودية مع العراق وتركيا، ناهيك عن السيطرة على بعض الأحياء بدمشق، وحلب، وغيرها، فالواضح اليوم أن الأسد نفسه، ونظامه، في ربكة شديدة، بل وحتى حلفاؤه. فرغم استخدام روسيا والصين لحق الفيتو للمرة الثالثة في مجلس الأمن، فإن السفير الروسي في باريس قد صرح بأن الأسد يقبل التنحي ولكن «بطريقة حضارية»، ثم ما لبث أن عاد وصحح تصريحه ذلك، رغم أن السفير الروسي قد أقر بأنه مع التطورات على الأرض في سوريا فمن الصعب تخيل بقاء الأسد، وبالطبع فإن ذلك بات واضحا مع ازدياد وتيرة الانشقاقات، وبأعداد كبيرة.

كل ذلك يقول إن الأسد اليوم بات معزولا في الداخل وجريحا، خصوصا أنه تعرض لضربات مهينة وصعبة، ليس أمام الخارج، أو السوريين، بل وأمام دائرته الضيقة، وأمام أعين قواته. بل ها هو الأسد، مثله مثل القذافي، يرى الجيش الحر وهو يسقط صوره، ويدوسها بالأقدام، فكيف سيتصرف الأسد الجريح الآن؟ هل يهرب؟ هل يواصل الصمت؟ أم يلجأ للجنون أكثر، ويقترف جرائم أكبر بحق السوريين؟ بالطبع كل ذلك وارد، لكن الخطأ الكارثي هو الانتظار لنرى كيف يتصرف الأسد، خصوصا أن أعداد القتلى في سوريا في تصاعد خطير، وعلى يد قوات الأسد. ولذا، وبعد الفشل الذريع لمجلس الأمن بسبب وقوف كل من موسكو وبكين مع النظام المجرم، فإن المفروض اليوم – كما قال السيد وليد جنبلاط – أن يتم دعم الجيش السوري الحر أكثر من أي وقت مضى، بالسلاح والمعدات والمعلومات الاستخباراتية، وذلك لطي الصفحة الأخيرة من صفحات طاغية دمشق.

فالواضح اليوم أن الأسد يترنح، وسقوطه بات حتميا، وقد يأتي فجأة، لكن المؤكد أن ذلك سيكون مكلفا جدا على السوريين، وهذا ما كنا نقوله منذ أن نحت الأوضاع في سوريا المنحى المسلح، وذلك بسبب النظام الأسدي، وليس بسبب الثورة كما يردد البعض. فالأسد هو الذي أمعن في استخدام الحل الأمني، وهو من تسبب بمقتل قرابة 17 ألف سوري إلى الآن. ولذا فإن تأخير تسديد الضربة القاضية للأسد اليوم سيكون مكلفا على الجميع، السوريين ودول الجوار، والمنطقة كلها. فلا بد الآن من زيادة الدعم للجيش الحر، من خلال تسليحهم، وتزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية، فالقضية ليست قضية تصعيد، بل هي قضية طي صفحة نظام إجرامي سيئ حان وقت اقتلاعه، لأنه ساقط فعليا، وتأخير القضاء عليه يعني مزيدا من المعاناة والمخاطر التي تهدد الجميع، ومن دون استثناء.

الشرق الأوسط

الجمعة

ارتدادات استهداف “خلية الأزمة

عمر كايد

ما زالت ملابسات مبنى الأمن القومي وقتل عدد من أركان النظام السوري غامضة، وما زالت تفاصيل حدوث العملية وهوية منفذها غير واضحة. فالنظام تعمد التعتيم على الحادث، والتلفزيون السوري لم يبث أي صورة، أما الجيش السوري الحر فسارعت عدد من فصائله إلى تبني العملية. فيما تضاربت الروايات بشأن كيفية التنفيذ، وإذا ما كانت عملية انتحارية أو عبوة ناسفة أو بالسم أو بالرشاشات.

هذه الشكوك والتكتم الشديد على تفاصيل العملية النوعية يرفع من أسهم الروايات التي تتحدث عن نشوب صراع بين أجنحة النظام، وعن إمكانية حدوث بعض الانشقاقات في الدوائر الضيقة، وبالتالي أن تكون عملية قتل أعمدة النظام هي تصفية داخلية بدعم إقليمي وتخطيط دولي.

لكن وبغض النظر عن هذه الملاحظة فإن العالم كله يتساءل عن التداعيات والارتدادات، وهنا نسجل بعض النقاط التي قد تساعد في استشراف الوضع المستقبلي لسوريا.

1- لا شك أن العاصمة السورية تشهد فوضى كبيرة في ريفها وعدد من أحيائها. الاشتباكات والصواريخ والانفجارات اقتربت من المطار ومقرات الفرقة الرابعة. الشوارع الدمشقية يسود فيها حالة من الحذر والترقب، وليس واضحا بعض حجم المعارك ومدى نجاعتها، وهل هي ما زالت محصورة في أحياء وشوارع معينة، أم إنها بدأت تمتد فعلا وبشكل منظم إلى مختلف أنحاء العاصمة. كما إنه ليس معروفا بعد إذا ما كان النظام استوعب الصدمة، وما زالت وحدات جيشه وقواه الأمنية متماسكة وقادرة على استعادة زمام المبادرة. أم أن الأمور بدأت تخرج عن السيطرة، وفي هذا السياق تطرح تساؤلات مهمة حول مدى استغلال الجيش الحر لحالة الذهول التي أصابت النظام، وهل كان جاهزا ومستعدا لما بعد العملية أم إنه تفاجأ كما تفاجأ النظام. هذه التساؤلات تجيب عنها التطورات التي تحملها الأيام المقبلة. فإما أن تكون الضربة قاضية فتستدعي المزيد من العمليات النوعية والانشقاقات، فضلا عن اتساع رقعة المعارك، وبالتالي السقوط الدراماتيكي للنظام، وإما أن يستوعب النظام الصدمة ويعيد السيطرة على بعض الأحياء الدمشقية، وتعود الأمور إلى مربع الكر والفر، ويستمر الكباش العالمي بين روسيا والغرب. في هذا السياق نضع تصريح وزير الخارجية الروسي بأن معارك حاسمة تدور في دمشق.

2- من المرجح أن تشهد الأيام المقبلة ارتفاعا واضحا في حجم العنف والقتل والدمار. وستسجل القرى والمدن والأحياء السورية الفصل الدموي الأعنف في عمر الثورة السورية. النظام سيضرب هذه المرة بقوة مفرطة جدا لاستعادة هيبته والحفاظ على نفسه. فالنظام لم يستخدم سوى ثمانية بالمئة من قدراته العسكرية (كما قال وزير الإعلام السوري عمران الزعبي) فكيف سيكون حجم الدمار في حال استخدم معظم قدراته.

3- استهداف مبنى الأمن القومي في منطقة الروضة بالقرب من أحد منازل الرئيس بشار الأسد بعث بإشارات تحذيرية بأن يد المعارضة باتت قادرة على الوصول إلى أي هدف، كما أن قتل قيادات الصف الأول تشير إلى أن أي ضابط مهما علت رتبته بات في دائرة الخطر. الأمر الذي قد يسرع من وتيرة الانشقاقات.

4- هذه العملية قد تشجع عدد من السياسيين والسلك الدبلوماسي إلى الانشقاق عن النظام، في ظل التحليلات التي تقول أن النظام يطوي أيامه الأخيرة.

5- عززت العملية من ثقة المعارضة ورفعت من معنويات الجيش السوري الحر، وهي بلا شك ستزيد من إصرارهم على الاستمرار في تحركاتهم وتنفيذ المزيد من العمليات.

6- قد يلجأ النظام إلى استخدام بعض الأسلحة الخطيرة، أو يلجأ لفتح الجبهة مع إسرائيل وإدخال المنطقة مع حزب الله في حرب شاملة. ولعل إطلاق بعض الصواريخ على جبهة الجولان هي بمثابة رسائل تحذيرية من هذا السيناريو.

7- احتمال قيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية لبعض مستودعات الأسلحة الكيماوية، أو إدخال بعض قواتها بمساندة قوات أميركية (التي دخلت الأردن مؤخرا) للسيطرة على هذه الأسلحة. هذه القضية باتت مصدر قلق لأميركا وإسرائيل كما تقول الصحف الغربية والعبرية.

في الختام، لا شك أن هذه العملية هي ضربة موجعة للنظام، وهي مؤشر قوي على اقتراب الأزمة السورية من فصلها الأخير. فالعملية شكلت منعطفا خطيرا ومفصليا، ليس في سوريا فحسب، بل بما ستخلفه من خلخلة للتوازنات الدولية. فإما أن تؤدي هذه العملية إلى تداعي النظام ومعه تداعي الحلف الروسي الإيراني؛ وإما أن يستعيد النظام روح المبادرة ويوجه ضربات قوية للمعارضين ويؤدي ذلك بالتالي إلى الدخول رسميا في الحرب الأهلية؛ وإما أن تفتح الأبواب لاختبار خيار الحرب الشاملة.

الاحتمالات الثلاثة ستغير وجه العالم، وتبدل المعادلات وموازين القوى… أسس النظام العالمي الجديد بدأ يتشكل الآن من سوريا… صدق لافروف.

*كاتب ومحلل سياسي

ايلاف

اقتلاع الرأس الأمني لنظام الأسد

سمير الحجاوي

العملية النوعية التي قتل فيها وزير دفاع نظام الأسد داود راجحة ونائبة آصف شوكت ووزير داخليته محمد الشعار ورئيس خلية الأزمة وحسن تركماني بضربة واحدة تعتبر بمثابة إطلاق الرصاص على رأس النظام، فهؤلاء الأربعة يمثلون “العقل الأمني” للنظام الإرهابي البعثي في دمشق، فهذه الخلية السرطانية الدموية أغرقت سوريا في الدم وقتلت حتى الآن ما يزيد على 20 ألف شخص وجرحت ما يزيد على 80 ألفا فيما تجاوز عدد المفقودين 15 ألف شخص، إلى جانب 300 ألف مشرد.

هذه الخلية الإجرامية أشرفت على ارتكاب أكثر من 340 مجزرة منها 10 مجازر كبيرة قتل فيها المئات ولذلك فإن استهدافها يعتبر بمثابة بتر للرأس الميداني العملياتي لنظام الأسد الإجرامي، وهي تضم 10 من الجنرالات الأكثر دموية في الأجهزة الأمنية والعسكرية للنظام الإجرامي. ومن هنا فإن تفجير مقر “الرأس المدبر” إعلان لبداية المرحلة الأخيرة من الحرب الحاسمة مع النظام الباطني الطائفي الإجرامي، فالقوى العسكرية والأمنية فقدت قيادتها وبوصلتها ومرجعيتها، وعلى الرغم من سرعة تعيين قيادات جديدة فإن نظام الأسد لن يستطيع الاستمرار بنفس الزخم الكبير المتواصل منذ أكثر من عام ونصف العام، فهذا التفجير الكبير يغير قواعد اللعبة وموازين القوى ويضيق الخناق على الرأس السياسي للنظام الإجرامي ويضغط بقوة على مفاصله بكل قوة ويضربه في الصميم مما يضعه في حالة إرباك كبير وهو الأمر الذي ترجمه الشبيحة بمهاجمة الأحياء الدمشقية وذبح السكان بالسكاكين وقتل الأبرياء بدم بارد، وقيام نظام الأسد بسحب القوات من الجولان ودرعا ومناطق أخرى إلى دمشق، مما يدل على أن النظام يتهاوى بسرعة، وقيام بشار الأسد بتعيين ضباط علويين في كل المفاصل القيادية للأجهزة الأمنية والعسكرية خلال الأيام الماضية.

الثورة السورية دخلت في مرحلتها الأخيرة، فالجيش السوري الحر يشتبك مع قوات الأسد في 21 موقعا في دمشق مما يعني أن العاصمة السورية أفلتت من قبضة نظام الأسد الإجرامي، مما يشير إلى قرب حسم المعركة عسكريا إذا توفرت الظروف الملائمة وتوفرت الأسلحة والأعداد الكافية من الثوار، وربما هذا ما دفع الثوار في دمشق إلى توجيه نداءات إلى القوى الثورية المسلحة وجنود الجيش السوري الحر للتوجه إلى دمشق لخوض المعركة الحاسمة، وإسقاط قلاع النظام القوية في الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والقصر الجمهوري إلى جانب مقر مجلس الأمن القومي الذي تم استهدافه، وما تردد عن تفجير استهدف مقر الفرقة الرابعة وقصف الحرس الجمهوري، الأمر الذي سيدفع المزيد من الضباط والجنود إلى الانشقاق عن النظام والالتحاق بالثوار.

لا يوجد خيار أمام نظام الأسد الإرهابي سوى السقوط، ولا يوجد خيار أمام الثورة السورية إلا الانتصار رغم أنف روسيا والصين وإيران وحزب الله والمليشيات الشيعية العراقية، ورغم أنف الغرب الكاذب وأمريكا المنافقة التي حرصت مع إسرائيل على عدم سقوط نظام الأسد الذي يحمي إسرائيل منذ عام أكثر من أربعين عاما.

يخطئ من يظن أن الشعوب تستسلم أو تهزم، فالشعوب لا تعرف سوى الانتصار، والشعب السوري الذي خاض أعنف ثورة عربية في العصر الحديث سينتصر، وهذه حتمية تاريخية وإنسانية وسنة لا تتغير من سنن الشعوب، أما روسيا الذي أثبتت أنها تتحالف دائما مع الخاسرين فستخسر مرة أخرى في سوريا كما خسرت في ليبيا واليمن الجنوبي، وستتعلم الصين أنها قوة إقليمية بعقل صغير حتى لو كانت تملك جسد تنين، أما إيران التي حاولت أن تبني إمبراطورية شيعية فارسية تمتد من العراق إلى لبنان فقد باءت محاولتها بالفشل، وسقوط نظام الأسد الإرهابي يعني نهاية الأطماع الإيرانية الإقليمية وبداية انحسارها إلى مواقعها القومية الفارسية المخلوطة بنزعة دينية شيعية.

سوريا دخلت المرحلة الأخيرة من الثورة ضد نظام الأسد، وهي مرحلة قد تشهد عمليات قتل إجرامية بربرية همجية من الشبيحة والعناصر التي أوغلت في دماء السوريين. وهي مرحلة ستشهد سقوط نظام الأسد الإجرامي على الطريقة الليبية أو على الطريقة الرومانية عندما قبض الشعب الروماني على الدكتاتور تشاوتشيسكو وأعدم ميدانيا

الشرق القطرية

ضربة موجعة للنظام السوري

 عماد الدين أديب

الانفجار المفاجئ في مبنى الأمن القومي بدمشق هو أكبر زلزال لعملية نوعية ضد الجسم الصلب في نظام الدكتور بشار الأسد.

هذه العملية التي أودت بحياة وزير الدفاع، العماد داود راجحة، وآخرين من كبار المسؤولين الأمنيين، ومنهم آصف شوكت، هي انتقال حركة الثورة الشعبية من الشوارع إلى قصور الحكم، وتحول نشاط الجيش السوري الحر المعارض إلى الحلقة الضيقة القريبة من أركان النظام. والمتابع الدقيق للملف السوري من الممكن أن يستقرئ من هذه العملية النتائج التالية:

أولا: اختيار المكان: وهذا في حد ذاته ضربة موجعة لأمن وهيبة النظام، فتفجير هذا المبنى الموجود في منطقة الروضة بدمشق والقريب من أحد منازل الرئيس السوري، والمحاط دائما بإجراءات أمنية فوق العادة، يعني أن أي هدف مهما استعصى الوصول إليه هو قابل للتفجير.

ثانيا: الأهداف البشرية: الأهم من اغتيال وزير الدفاع هو اغتيال العماد آصف شوكت، زوج «بشرى» شقيقة الرئيس بشار وأحد أركان النظام المقربين داخل عائلة الأسد، وداخل مركز صناعة القرار، وكان يشغل منصب نائب وزير الدفاع. وباغتيال آصف أحد كبار المخططين والمنفذين لأعمال المجازر ضد المعارضين تصبح الصفعة شديدة على وجه النظام، وتصبح الرسالة شديدة الوضوح «أنت ونظامك في خطر». ويعتبر آصف ممن يطلق عليهم «القادة الأمراء» في الجيش العربي السوري، الذين يحصلون على رتب العميد واللواء والعماد والعماد أول، وهؤلاء يتم اختيارهم بالاسم ويتم تعيينهم من القائد الأعلى «الرئيس». أما العماد داود راجحة، الذي شغل منصب وزير الدفاع، فهو حصل على هذه الرتبة تقديرا لولائه للنظام، ويذكر أن رتبة عماد أول لم يحصل عليها قبل ذلك سوى العماد أول طلاس والعماد أول حكمت الشهابي.

ثالثا: هذه العملية سوف تتبع بعمليات أخرى أكثر جرأة للجيش السوري الحر الذي يبلغ نحو 70 ألف ضابط وصف ومجند ومتطوعين مسلحين. وحتى الآن لا أحد يعرف بالضبط هل التفجير الذي تم كان انتحاريا أم بوضع قنبلة، والسؤال الأهم هل هو من عمل الجيش السوري الحر؟ أم من أحد فصائل التيارات الجهادية من حمص كما أشيع وتردد؟ أم أنه أحد ضباط الحراسة المقربين من الدائرة المقربة للنظام؟ ولعل القوى الأساسية التي يستند إليها النظام هي فرقة الحرس الجمهوري التي تتكون من فوج مدفعية ولواء محمول و3 ألوية مدرعة، ويرأسها العميد ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار وموضع ثقته الأول في مسألة أمن النظام. هذه الضربة الموجعة دفعت لافروف لأن يصرح من موسكو بـ«أن» هناك معركة حقيقية وكبرى الآن تدور في دمشق.

وقد تدفع بشار، لأول مرة، منذ بدء الأحداث إلى طرح السؤال العظيم الذي ظل يتجنبه طوال الفترة الماضية: هل يمكن لهذا النظام أن يفرض نفسه بالقوة المسلحة وبتكلفة لا نهائية أم أن الأفضل هو ترتيب الرحيل؟

الشرق الأوسط

الأسد وحيدا!

طارق الحميد

بعيدا عن جدلية ما إذا كان التفجير الذي وقع في مبنى الأمن القومي السوري أمس وقتل فيه عدد من القيادات الأمنية الأسدية الكبيرة التي تعتبر الخلية الأمنية لطاغية دمشق، انقلابا، أم تصفية، من قبل الأسد لرجاله، أم أنها عملية قام بها الجيش الحر، فإن المؤكد اليوم هو أن الأسد قد تلقى ضربة قاصمة، حيث بات الطاغية كالمارد الذي يقف مقطوع الأيدي!

فمقتل وزير الدفاع الأسدي، وصهر الطاغية، وقيادات أمنية كبرى أخرى، يعني أن بشار الأسد بات اليوم وحيدا، ولم يبق له من الرموز الأمنية سوى شقيقه ماهر، وسواء كانت عملية الاغتيال تلك إحباطا لانقلاب كان يعد له، أو خلافه، فهي ضربة عنيفة للأسد، وتجعله يسير على خطى القذافي الذي عاش آخر أيامه وحيدا حيث قتل من قتل من معاونيه، وانشق من انشق.

فما حدث أمس في مقر الأمن القومي في دمشق يمثل ضربة معنوية مذهلة للقوات الأسدية، وكل حلفاء الطاغية، فالعملية استهدفت الدائرة المقربة جدا من الأسد، حيث قضى أقرب الرجال لديه، وفي توقيت عصيب من عمر الثورة.

فإذا كان ما حدث بالأمس هو تصفية الأسد لرجاله فهذا يعني أن أيام الأسد معدودة، حيث بات انعدام الثقة في أقرب دوائر الحكم، خصوصا أن من ضمن القتلى صهره زوج شقيقته، وهذا يعني صراعا في أسرة الأسد، وليس دوائر الحكم وحسب، أما إذا كانت العملية من صنع الجيش الحر الذي تبنى العملية فعلا، وهو الأقرب للواقع، وقال إنها عملية نوعية استهدفت رموز النظام الأسدي، فهذا يعني أن أيام الأسد قد باتت معدودة أيضا، حيث باتت دوائره المقربة هدفا سهلا للجيش السوري الحر، ومن هنا نستطيع أن نفهم ازدياد حجم الانشقاقات في قوات الطاغية، وفور الإعلان عن مقتل القيادات الأمنية الأسدية.

عليه، فإن كل المؤشرات تقول اليوم إن الأسد بات وحيدا في معركته الخاسرة، فالمواجهات اليوم ليست في حمص أو حلب أو درعا، بل هي في قلب دمشق، وهي معركة شبيهة بمعركة طرابلس أواخر أيام القذافي حين فتحت أبواب العاصمة الليبية بشكل مفاجئ وسريع للثوار الليبيين. وهو ما حدث، ويحدث، اليوم في العاصمة السورية دمشق، حيث انتشر الجيش الحر بشكل سريع، ومذهل، أربك أركان النظام الأسدي، بل وعصف بها. وكما قلنا بالأمس، فإن النار قد وصلت لأطراف ثوب الأسد، وها هم رجاله يكرون كحبات السبحة، بل إن الأمر قد وصل إلى حد أن بعض عمليات الجيش الحر ضد مراكز القوات الأسدية كانت تبث تلفزيونيا يوم أمس على الهواء من العاصمة دمشق، التي باتت وكأنها من غير سلطة مركزية!

لذا، فليس مهما الآن من قام بماذا.. المهم هو أنه بات من الواضح أننا أمام الفصول الأخيرة لنظام الطاغية الذي بات يتلقى الضربات ليس في أطراف سوريا، بل في عقر داره، وفي أقرب الدوائر المقربة منه، وهي ضربات مهولة معنويا، وسياسيا بالطبع. وعليه فإن السؤال اليوم ليس: هل يسقط الأسد أم لا؟ بل إن السؤال الملح هو: متى؟

الشرق الأوسط

من يحكم دمشق الآن؟

عبد الرحمن الراشد

بعد دراما أمس المثيرة، قد لا يعيش النظام حتى يحتفل بالعيد بعد شهر من الآن، وقد لا يطول به فيكمل شهر رمضان، ومن يدري ربما لا يعيش الليلة! كنا البارحة نطالع الشاشة ولا نسأل عمن مات، لكننا نتساءل عمن لا يزال حيا، ماذا حدث للرئيس نفسه، بشار الأسد، الذي – حتى كتابة هذه السطور – لم نر له أثرا، في الوقت الذي قتل فيه كبار وزرائه وقياداته، ولم يظهر للرئيس أثر بعد، ولا بقية الأحياء من رجاله، اختفاء الأسد يعني أنه إما قتل مع من قتل، وهذا محتمل، لكنه احتمال بعيد، أو أنه حي وقابع في قبو في مكان سري، وحتى لو ظهر وألقى كلمة فإن جميع أتباعه يشعرون بأنه المسؤول تماما عن كل الفشل المتتالي، الرجل الذي لا يتعظ أبدا من كل هزائمه المتعددة لسنوات، لقد جرهم إلى أزمات، وقاد إلى المحرقة في الثورة، ورغم كثرة الحبال التي مدت إليه فإنه لعب دور نيرون ليحرق سوريا.

بعد المقتل الجماعي لقيادات النظام في دمشق، نتساءل: هل بات عمر نظام الأسد ساعات أم أسابيع؟ لم يعد أحد يسأل إن كان سيبقى أم سيسقط، فالإبادة، التي تعرض لها قادة النظام العسكري الأمني السوري، أكبر من أن يشفى منها معنويا وعضويا.

نتيجة لما حدث أمس، سيهجم على العاصمة معظم المقاتلين، مدركين أن القبض على لحظة الانتصار ممكن اليوم في ظل تخبط النظام وضعف قواته المكسورة معنويا وعضويا، وعلينا أن نتذكر معارك بداية هذا الأسبوع في العاصمة، كان هناك اختراق سريع ومفاجئ برهن على أن عناصر الجيش الحر أكبر من كل ظنون المحللين، هجومهم السريع من داخل أحياء القدم والميدان اضطر قوات النظام إلى استخدام المروحيات والأسلحة الثقيلة، وأثبتت تلك المواجهات أن النظام هش، وجيشه مرهق، بعد أن عارك بعيدا وطويلا عن العاصمة لأكثر من عام، وأعتقد أن اقتحام المقاتلين دمشق أربك النظام وأخاف أتباعه، وربما هو الذي قاد إلى مذبحة القادة في اليوم الثالث من الاقتتال.

وسواء ما حدث كان انفجارا أو انقلابا مضادا، أي تصفيات داخلية، فإن النظام أصيب إصابة لا يمكن أن يشفى منها، ويبدو أن دمشق الأسد قد تنتهي مثل بغداد صدام، التي سقطت فورا، كيف قاتلت قواته في حمص وتقاتل منذ أكثر من عام، والآن تنهار سريعا في دمشق؟ إنها عزيمة الثوار السوريين، وإصرارهم الذي لم نر له مثيلا في تاريخنا المعاصر دلل منذ البداية على أنهم قادرون على الزحف باتجاه العاصمة وإن ببطء، ورغم إمكانياتهم البسيطة، ووفقا لذلك، فإن الجميع، من حكومات وقوى إقليمية ودولية، ستعيد حساباتها.

ما الذي نفع الروس عندما تمسكوا برئيس فاشل في قدرته على إدارة معاركه السياسية والعسكرية؟ فعليا ورطوا أنفسهم مع نظام دموي، ومكروه عربيا، ومهزوم هزيمة منكرة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى