ماذا بعدما ضربت «إسرائيل» مصياف السورية؟/ د. عصام نعمان
« نورداغان» إسم لأكبر مناورات قام بها الجيش الإسرائيلي خلال السنين العشرين الماضية. شاركت في المناورات عشرات الفرق والألوية من القوات البرية والبحرية والجوية والاستخبارات. حاكت عمليات إخلاء مدن، وصدّ عمليات تسلل من حزب الله، وشنّ هجوم على لبنان، وإبطال عمل خلايا تجسس. هذا ما سُمح لوسائل الإعلام بكشفه، وربما المخفي أخطر.
ضابط اسرائيلي رفيع قال لصحيفة «هآرتس» إن سيناريو المناورات يهدف الى هزيمة حزب الله. المقصود بمصطلح هزيمة توجيه ضربة قاصمة الى البنى التحتية للعدو، وتقليص اطلاق القذائف من المناطق التي يتمّ احتلالها، «لكن ليس مؤكداً ان هذا سيوقف الحرب».
مَن هو عدو «إسرائيل؟»
العدو متعدد الهوية والمنطلَق والقدرة، في هذا السياق، يأتي لبنان في المرتبة الأولى، لأنه المنطلَق الأساس لحزب الله. لكن لحزب الله منطلقات أخرى، فهو يقاتل في مختلف مناطق سوريا وكذلك في العراق. ولأنه يقاتل في سوريا فهو حليف لها، ومَن يكن حليفاً لحزب الله يصبح عدواً لـِ»اسرائيل». ثم، أليس لسوريا حلفاء آخرون؟ أليست ايران حليفة لسوريا وكذلك لحزب الله؟ أليست روسيا حليفة لسوريا؟ بل أليست روسيا، موضوعياً، حليفة لإيران؟ يتحصّل من هذه الواقعات أن أطراف محور المقاومة جميعاً أعداء لـ»إسرائيل»، وأن روسيا وإن لم تكن عدواً لها، إلاّ أنها حليف أو داعم لكل أطراف محور المقاومة، ما يجعلها خصماً غير مباشر للكيان الصهيوني.
لماذا أجرت «إسرائيل» مناورات «نورداغان» الآن؟
ليس في الأمر سر. «إسرائيل» خائفة ولا تخفي خوفها. خائفة من تداعيات اندحار «داعش» أمام الجيش السوري وحلفائه، ومن ترسيخ وجود إيران في سوريا واحتمال قيامها، مع حزب الله وأفواج مقاومةٍ سورية بازغة، بفتح جبهة ساخنة في جنوب سوريا بمحاذاة الجولان المحتل. أكثر من ذلك، أن تقوم إيران بتسليح سوريا وحزب الله بأفعل وأفضل ما لديها من أسلحة فتاكة وقدرات تكنولوجية، ما يؤدي إلى اختلالٍ موازين القوى لصالح أطراف محور المقاومة المتربصين بها. الوضع سيصبح أكثر خطورة إذا ما آلت تطورات المشهد العراقي إلى انخراط بغداد في محور المقاومة وفي إقامة جسر بري لوجيستي مفتوح بين طهران وبيروت عبر العراق وسوريا. لمواجهة هذه التحديات اعتمد قادة «إسرائيل» ثلاث مقاربات:
* الأولى سياسية وذلك باستغلال مخاوف دول الخليج من صعود إيران بغية توسيع علاقات «إسرائيل» الاقتصادية والأمنية مع بعضها، ولإقامة جبهة ردع فاعلة في وجه ايران وحلفائها. لرفع معنويات جمهوره، صرح نتنياهو بأن «إسرائيل» باتت تتمتع بمستوى تعاون غير مسبوق مع العالم العربي، واصفاً العلاقات بأنها افضل منها في أي وقت مضى، رغم انعدام الاتفاق مع الفلسطينيين. أكدّ ان «التعاون الحالي مع دولٍ في العالم العربي يُعدّ الأقوى مقارنةً بفترة توقيع معاهدتيّ السلام مع مصر والاردن». عزا هذا التحوّل إلى دمج قوة «اسرائيل» الاقتصادية- التكنولوجية وقوتها العسكرية – الاستخبارية، ما ادّى إلى تعزيز قوتها السياسية.
*المقاربة الثانية استراتيجية ميدانية، وذلك بإجراء مناورات «نورداغان» الضخمة، مصحوبةً بتغطيةٍ إعلامية هدفها إعطاء انطباعٍ محدد الى اعدائها: «وجود القدرة والاستعداد والإرادة السياسية لدى «إسرائيل» ليس لضرب حزب الله فقط، بل لإخضاعه ايضاً والانتصار عليه» (مقالة إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب، في «يسرائيل هَيوم» 2017/9/5).
*المقاربة الثالثة عملانية وذلك بتوجيه سلاح الجو الإسرائيلي من الأجواء اللبنانية ضربةً لمنشأة عسكرية سورية في مصياف بمحافظة حماة، التي لا تبعد كثيراً عن قاعدة روسيا البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في مطار حميميم القريب من اللاذقية.
لا يهمّ ما قالته «اسرائيل» لتبرير الضربة. المهم الإحاطة بالواقعات الآتية: إن الضربة كانت في سوريا وليس في لبنان، وإن تنفيذها جرى من الأجواء اللبنانية، وإنها استهدفت منشأة عسكرية بعيدة جداً عن جبهة الجولان في جنوب سوريا التي تشكو تل أبيب من احتمال تحوّلها جبهة ناشطة بقوات لحزب الله مدعومة من ايران، وإن قرب المنشأة العسكرية من قاعدتين روسيتين، بحرية وجوية، في منطقة قريبة، أمر له دلالاته. ذلك كله حدث غداة حديث لنتنياهو في حفلٍ لوزارة خارجيته عن «تغيّر هائل» في العلاقات الاقتصادية والثقافية مع روسيا، في سياق ما سماه «الأهمية الاستراتيجية للتنسيق مع موسكو في شأن سوريا». توقيت المقاربات الثلاث يحمل على الظنّ بأن «إسرائيل» قصدت من وراء ضربة مصياف اختبار ردة فعل كلٍّ من حزب الله وسوريا وروسيا الأمر الذي يطرح اسئلةً ملّحة:
*هل تظنّ «اسرائيل» أن الضربة قد تحمل حزب الله على إعادة النظر بمستوى مشاركته في الحرب ضد «داعش» فيقلص من حجمها ونوعيتها، ما يؤدي إلى انتعاش «داعش» مجدداً وبالتالي إطالة امد الحرب واستنزاف سوريا؟
*هل تحمل الضربة سوريا على اعادة النظر بسياستها ازاء المنطقة المحاذية للجولان المحتل، فتوافق على اعطاء تعهدات بإبعاد ايران وحزب الله عن ايّ تواجدٍ فيها؟
*هل تمّت الضربة بعلم روسيا؟ وما حدود التنسيق بين «اسرائيل» وروسيا الذي اشار إليه نتنياهو؟ اذا لم تكن موسكو على علم بالضربة وغير موافقة عليها كونها استهدفت منشأة عسكرية سورية، وليس قافلة مزعومة تنقل سلاحاً لحزب الله، فهل تراها تحذر «اسرائيل» من الاسترسال في هذه السياسة تحت طائلة تزويد سوريا صواريخ دفاع جوي متقدمة قادرة على اسقاط القاذفات الإسرائيلية، حتى لو كانت تعمل عن بُعد او من الاجواء اللبنانية؟
*هل يمكن اعتبار ضربة مصياف اختبارا لمعرفة ردود فعل أطراف محور المقاومة وروسيا المتحالفة معها، وانها جرت بموافقة الولايات المتحدة او، في الاقل، بعلمها، ما يستوجب تالياً الرد عليها، بشكل او بآخر، من قبل الدول سالفة الذكر، أو اقلّه من أطراف محور المقاومة بدعمٍ قوي من روسيا؟
من الواضح أن أطراف محور المقاومة تعطي مواجهةَ الإرهاب في هذه الآونة اولوية مطلقة، سياسية وعسكرية. لكن، أليس مفيداً إفهام «اسرائيل» التي عادت الى اعتماد مذهبها العسكري القديم القاضي بنقل الحرب الى ارض العدو، أنه في مقدور العرب أيضاً نقل الحرب إلى أرضها وبالمقادير التي يرونها مناسبة؟
آن أوان الفعل.
كاتب لبناني
القدس العربي