صفحات العالم

فقدان النظام السوري ركيزته البورجوازية يسرّع نهايته


ربى كبّارة

حشر النظام السوري نفسه في إطار حل أمني بات فشله مؤكداً مع انفتاح أبواب دمشق وحلب أمام الثوار. فقد خسر ركيزته الأساسية، من خارج المؤسسات الأمنية، أي الطبقة البورجوازية التي طالما عاضدته حفاظاً على مصالحها لكنها فقدت في الفترة الأخيرة ثقتها بقدرته على الإمساك مجدداً بزمام الأمور وتخلت عنه فيما توزّع قسم كبير منها على العواصم الدولية والعربية.

ويروي رجل أعمال كيف باتت مقاهي جنيف تعجّ بعائلات ثرية غادرت دمشق وحلب في الأسبوعين الماضيين. ويقول “كلما اتصلنا بأصحاب لنا نعرف أنهم أصبحوا إما في باريس أو لندن أو اسطنبول فيما لجأ بعضهم الى بيروت ليبقى قريباً من مصالحه علّه ينجح في انقاذ بعض استثماراته”. فالخطوط الجوية التي أوقفت حتى الآن رحلاتها الى باريس وبروكسل وبرلين ومدن أخرى ستوقفها الى كل العواصم الأوروبية بحلول نهاية الأسبوع الجاري تطبيقاً لعقوبات الاتحاد الأوروبي. كما بات الحديث عن حل سياسي بنظرهم من المستحيلات مهما كانت قوة الدعم الروسي والإيراني رغم إقرارهم بصعوبة الإطاحة بالنظام عسكرياً آملين بانقلاب عسكري مثلاً حتى لا تنغمس البلاد في حرب طائفية طويلة الأمد أو تتجزأ الى دويلات سنية وكردية وعلوية.

وكان حياد هذه الطبقة، التي لم توفر للنظام دعماً اقتصادياً فحسب وإنما أيضاً وجهاً مدنياً مسانداً خصوصاً أمام الخارج، وبقاؤها في بلدها قد شكل دعماً أساسياً للأسد لأنه أبقى العاصمة السياسية والعاصمة الاقتصادية خارج الحراك الثوري، أملاً في توصل النظام الى الإمساك مجدداً بمفاصل سلطة أمّنت لها على مدى عقود امتيازات اقتصادية.

لكن تفجير رؤوس أجهزة أمنية رئيسة واقتحام مقاتلي المعارضة شوارع دمشق بعد أريافها غيّر المعادلة. ويقول أحدهم ممن استقر في بيروت “لم نعد نثق بقدرة النظام فمن دخل مرة شوارع دمشق وحلب سيدخلها مجدداً. ويلفت أن النظام أعلن استعادة سيطرته على دمشق لكن وسائل الإعلام الرسمية تتحدث يومياً عن عشرات الاشتباكات في دمشق وإن تحت عنوان “ملاحقة فلول الإرهابيين”. وقد طاولت الاشتباكات أمس للمرة الأولى باب توما وباب شرقي وهما حيان مسيحيان يتميزان بوفرة الفنادق والمطاعم.

أما في حلب وبعد إعلان استعادتها الرسمي خلال ساعات بدأ الحديث عن أسابيع ستؤدي الى تدمير قسم كبير من الصناعة ومن التراث التاريخي العريق للمدينة. فرغم شراسة الهجمات واستخدام القصف الجوي والمدفعي ما زال الثوار يسيطرون على معظم حلب بعد أن حرروا الطريق التي تربطها بالحدود التركية، وهم يأملون بأن تصبح منطقة محررة تتركز فيها هيئات المعارضة العسكرية والسياسية.

بذلك تبدو خسارة النظام واضحة فيما المعارضة تحقق مكاسب على الأرض لم يتّضح فعلياً حجمها بعد بسبب الشرذمة.

فالنظام استخدم حتى الآن كل أوراقه: من التهويل بالأسلحة الكيميائية الى التلويح في وجه تركيا بقضية الأكراد بعد أن سلّم امن المناطق الحدودية معها الى حزب مقرب من “حزب العمال الكردستاني” الانفصالي. وهو يواجه بعد نحو أسبوعين توقف بعثة المراقبين الدوليين رغم عدم فعاليتها، فيما لا يزال تمسكه مع داعميه بمهمة الموفد الدولي كوفي أنان كمن يضع الماء في الغربال. الى جانب ذلك تتوالى الانشقاقات الديبلوماسية من دون أن يتضح حجمها الفعلي لأن أبرز العواصم الأوروبية والعربية طردت السفراء السوريين من أراضيها. كما تتوالى الانشقاقات العسكرية، فيما بات حجم “الجيش السوري الحر” يقارب المئة ألف عسكري وتطورت نوعية أسلحتهم واتصالاتهم بما سمح لهم بالسيطرة على عدد من المعابر الحدودية.

فشرذمة صفوف المعارضة تخدم الأسد وتمدّ في عمر النظام . فـ”المجلس الوطني السوري” الذي نال اعترافاً دولياً لم يتوصل الى احتكار التمثيل بل بات على تعارض مع هيئات أخرى في الخارج آخرها تلك التي تعتزم تشكيل حكومة انتقالية برئاسة هيثم المالح. كما خسرت المعارضة انضمام الأكراد إليها بعد أن شاركت مناطقهم في الحراك الثوري واغتيل أحد أبرز نشطائهم مشعل التمو.

كانت للنظام ثلاث دعائم أساسية من خارج مؤسساته الأمنية: داخليا الطبقة البورجوازية وغالبيتها من السنة وقد فقدها، خارجياً دعم روسيا وإيران فمتى يفقدهما؟.

صحيح أن روسيا ما زالت تدعم بقاء الرئيس بشار الأسد لقيادة مرحلة انتقالية لأن مصالحهما متقاطعة لكنها ستتخلى حكماً عنه عندما يحدث تعارض كصفقة مع الولايات المتحدة مثلاً وذلك وفق مؤشرات آخرها اعتبار سوريا دولة “تواجه حال طوارئ ويسودها نزاع مسلح” بما يسمح بسحب الرعايا المقدر عددهم بنحو مئة ألف من بينهم مئات الخبراء.

إيران وحدها ستبقى الى جانب النظام السوري طالما لم يتضح أفق حل ملفها النووي مع الغرب. حتى الآن مصالح طهران ودمشق متماهية. طهران تحلم بأن تكون القوة الإقليمية الرئيسة وممثلة العالم الإسلامي بما فيه العرب. امتداداتها في العراق لا توفر لها حدوداً مباشرة مع إسرائيل أما سوريا فممرها الإجباري للوصول الى ربيبها في لبنان “حزب الله” الذي من دونه تفقد مصادرتها لقيادة الصراع العربي-الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى