ماذا عن دور الفصائل فلسطينيا في سوريا؟
علي بدوان
مرت لحظات عصيبة وقاسية على الحالة الفلسطينية في سوريا خلال الأيام الماضية، لا بسببٍ من التوتر العالي والساخن الذي بلغته الأزمة الداخلية في سوريا وفي محيط دمشق على وجه التحديد وبالقرب من مخيم اليرموك، بل بسببٍ من الحيرة والارتباك الذي ساد الموقف الفصائلي الفلسطيني، وسوء إدارة الأمور من قبل تلك القوى، وبتفاوت ملحوظ بين فصائلها، فيما تفوق الموقف الشعبي العام لعموم الناس من المواطنين الفلسطينيين على مواقف تلك القوى.
فقد بادر الناس لوحدهم في القيام بكل المهام التي استوجبتها المستجدات التي طرأت على الأرض خصوصاً في مخيم اليرموك الذي وصلت إليه أعداد كبيرة جداً من المواطنين من الإخوة السوريين في المناطق المحيطة به، بما في ذلك تشكيلهم للجان الإغاثة لتقديم العون والمساعدات وتأمين السكن والماء والغذاء والكساء لآلاف المواطنين الذين دخلوا مخيم اليرموك.
فما هي أبرز الاستخلاصات حول دور الفصائل الفلسطينية، والتي يمكن تسجيلها على ضوء ما حصل في التجمعات الفلسطينية في سوريا خلال الأيام المنصرمة؟
ناظم الموقف الفصائلي
نبدأ القول، بأن الناظم الأساسي الذي حَكم الموقف الفلسطيني العام المتخذ على أعلى مستوياته عند جميع القوى الفلسطينية ودون استثناء (من حركة فتح إلى حركة حماس وما بينهما) بالنسبة للموقف من الوضع السوري الداخلي وتطوراته، تمثل في الحياد الإيجابي، وتَجنب الدخول في متاهات المشكلة الداخلية في سوريا، انطلاقا من رؤية وطنية وقومية خالصة ومخلصة جداً جداً، فلسطينية وسورية في آن واحد، وتجنيباً للفلسطينيين من مغبة الدخول في مغامرة قد لا تحمد عقباها ونتائجها السلبية عليهم وعلى قضيتهم الوطنية نهاية المطاف.
وبالطبع فإن الموقف الوطني الإجماعي الفلسطيني المشار إليه أعلاه، لم يكن يعني البتة بأن الفلسطينيين في سوريا هم في موقف المتفرج على الأزمة السورية الداخلية، بل إن عبارة الحياد الإيجابي تتضمن في جوهرها موقفاً نبيلاً عنوانه أن دور الشعب الفلسطيني في سوريا يتمثل في مد يد المساعدة الممكنة لسوريا والشعب السوري، والمساعدة على بلسمة الجراح ووقف نزيف الدماء حيثما أمكن، وخير دليل على ذلك ما جرى في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في مدينة حمص والمسمى بمخيم العائدين حين تحول هذا المخيم إلى موئل لجميع الإخوة من المواطنين السوريين بكافة أطيافهم، كما تحول مشفى بيسان التابع للهلال الأحمر الفلسطيني إلى مركز إسعافي للجميع دون تمييز.
غياب الفصائل
ولكن، وبكل صراحة وشفافية، يجب أن نعترف ونقّر ومن موقع المتابع على الأرض، فإن غالبية القوى والفصائل الفلسطينية كانت غائبة بدرجة غير مقبولة في الأيام الأخيرة عن ساحة الأحداث وسط مختلف المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا، مع استثناء مخيمي حمص ودرعا حيث برز دور الفصائل بشكل جيد وإيجابي، وتمثل غياب الفصائل بشكل أساسي في مخيم اليرموك، الذي خرج أبناؤه وهم يطرحون الأسئلة القاسية ويتساءلون عن دور الفصائل أمام اللحظات العصيبة التي مرت على مخيم اليرموك.
فالقوى الفلسطينية وعموم الفصائل موجودة في نسيج المجتمع الفلسطيني في سوريا منذ العام 1965، وموجودة عبر المئات بل الآلاف من كوادرها وعبر مؤسساتها وعبر مقارها السياسية والإعلامية والاجتماعية وغيرها، إلا أنها كانت غائبة بشكل عام عن ساحة الأحداث وعن القيام بدورها المنوط بها.
ومن المعلوم بأن هناك خمسة عشر فصيلاً فلسطينياً يعمل داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا: حركة فتح، حركة حماس، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية/القيادة العامة، طلائع حرب التحرير الشعبية (قوات الصاعقة)، حركة الجهاد الإسلامي، جناحا جبهة التحرير الفلسطينية، جناحا جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، حزب الشعب الفلسطيني، الحزب الشيوعي الفلسطيني، حركة فتح/الانتفاضة، حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، الجبهة الديمقراطية. فما الذي جعل من غياب تلك الفصائل أمراً ملحوظاً من قبل عموم الناس؟
أسباب غياب القوى والفصائل
إن نشوء حالة الغياب والفراغ الفصائلي والسياسي لعموم القوى الفلسطينية وبدرجات متفاوتة بين فصيل وآخر في غالبية المخيمات والتجمعات الفلسطينية في سوريا، يعود للأسباب التالية:
• أولها، الخلاف والتباين بين تلك القوى على كيفية إدارة الأمور الفلسطينية في سوريا في مسار الأزمة الداخلية في البلد منذ البداية قبل عام ونيف مضى. فبعض تلك الفصائل فضل منذ البداية الانزواء نهائياً عن أي دور مفضلاً الصمت وحده دون غيره على قاعدة “أن المشكلة سورية بحتة ولا نستطيع لعب أي دور كان حتى في المخيمات الفلسطينية”.
وبعضها الآخر نادى بوجوب تشكيل لجان شعبية في مختلف الأحياء ذات التجمعات الفلسطينية وخصوصاً في مخيم اليرموك، تكون مهمتها الحفاظ على الناس وتقديم يد المساعدة للجميع، وعلى تأكيد الوعي السياسي والموقف الإجماعي الفلسطيني المنادي بالحياد الإيجابي.
• وثانيها، وجود حالة من المناكفات الفصائلية المعتادة بين بعض الأطراف الفلسطينية، وقيام بعضها بالتحريض على البعض الآخر على خلفية تصدر الأدوار بين الناس وفي المجتمع المحلي.
قد نالت الجبهة الشعبية/القيادة العامة قسطاً وافراً من التحريض غير المبرر المبالغ به، والمليء بالأكاذيب والفبركات التي لا تساعد على بناء حالة فلسطينية صحية وسط المعمعة السورية.
• وثالثها، أن المفاعيل الداخلية للأزمة السورية، ودخول أطراف مختلفة على خط الأزمة، ووقوع عمليات استهداف واغتيالات مست عددا من كبار ضباط جيش التحرير الفلسطيني وجنوده (اغتيال سبعة ضباط وعشرين جندياً حتى تاريخه)، كما مست عدداً من المقرات الفلسطينية ومنها مقرات للجبهة الشعبية/القيادة العامة، وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ولجيش التحرير… عقّد الموقف الفلسطيني أكثر فأكثر، وبدا وكأن هناك من يريد إدخال الفلسطينيين وزجهم في بوتقة مشتعلة من نيران الأزمة السورية، لذلك سعت بعض القوى للابتعاد عن المشهد وترك الأمور بيد الجهات السورية المعنية، انطلاقا من قناعتها بوجود أطراف ثالثة تريد إشعال الوضع الفلسطيني، لذلك فضلت خيار الابتعاد النهائي.
• ورابعها، بروز حالات من التشنج الفصائلي غير المبرر والقائم على حسابات ضيقة، عند بعض القوى التي كانت ومازالت ترفض على الدوام المشاركة بأي اجتماع وطني لعموم القوى الفلسطينية في سوريا بوجود بعض الفصائل، وقد برزت تلك النزعة بشكل فج عند الجبهة الديمقراطية التي مازالت ترفض حتى الآن حضور أي اجتماع وطني فلسطيني عام في سوريا بحضور حزب الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا) وهو تنظيم فلسطيني عضو في منظمة التحرير الفلسطينية كان قد انشق عن الجبهة الديمقراطية قبل (22) عاماً.
• وخامسها، أن العمل الائتلافي المجتمعي الوطني العام للقوى الفلسطينية في ظل الأزمة السورية عمل مُكلف ومُتعب، من كافة النواحي، ويتطلب تضحية ودرجة عالية من التسامي والابتعاد عن منطق وسياسة “البروزة” الفصائلية المعتادة من قبل العديد من تلك القوى، التي لا يروق لها العمل الائتلافي الحقيقي، وترى بأن دورها يجب أن يكون محفوظاً على مستويات القرار حتى وإن لم تشارك في العمل على الأرض في اللجان الشعبية وفي دفع مستوجبات العمل وتكاليفه حتى المالية منها.
خلية الأزمة الفلسطينية
ومع ذلك، فإن دروس الأيام الأخيرة، وتحديداً مع ما حصل في مخيم اليرموك، وتقدم الناس وعموم الشارع الفلسطيني على عموم القوى وكوادرها وأعضائها ومثقفيها، دفع مجموع الفصائل الفلسطينية للاستجابة لنداء الشارع الفلسطيني بعد أن رأت نفسها خلف الناس.
وبعد أن أعطاها الشارع درساً في المبادرة الشجاعة والخلاقة, تداعت كل القوى لاجتماعات عمل في مقر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة المعروف بمقر (الخالصة) في مخيم اليرموك، واستتبعته باجتماع عمل موسع عقدته في مقر اللجنة المحلية للمخيم وفيه تم التوصل إلى موقف موحد يدعو لتشكيل لجان شعبية في عموم المناطق والتجمعات الفلسطينية خصوصاً في مخيم اليرموك، واتخاذ الخطوات العملية لتأمين كافة النواحي الاجتماعية والصحية والخدماتية والأمنية في المخيم من خلال تشكيل خلية أزمة ضمت القوى الأساسية الفاعلة ذات التأثير والإمكانيات المادية الملموسة.
وتشكلت هذه الخلية من: (الجبهة الشعبية/القيادة العامة، حركة فتح، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، منظمة الصاعقة، حركة الجهاد الإسلامي، حركة فتح/الانتفاضة، الجبهة الديمقراطية) مع تشكيل قوة أمنية تقودها خلية الأزمة إياها، لمنع أي تدهور جديد في أوضاع المخيمات الفلسطينية، وصيانتها.
ويلحظ بأن هذا المطلب الأخير كان مطلباً أساسياً تقدمت به الجبهة الشعبية/القيادة العامة أكثر من مرة، وقد تم رفضه خلال الفترات الماضية من قبل جميع القوى إلى أن تم الاتفاق عليه بعد الأيام العصيبة الأخيرة التي عاشها مخيم اليرموك.
في الاستخلاصات الأخيرة، نعيد القول بأن أصوات الناس تعالت في مخيم اليرموك، تسأل عن الفصائل وكوادرها، وعن المناضلين الفلسطينيين من الآلاف الذين يغص بهم مخيم اليرموك، من أجل القيام بدورهم المطلوب إلى جانب الجميع من الذين خرجوا للشوارع يومي الخامس والسادس عشر من يوليو/تموز 2012، حين بدأت المعركة حامية الوطيس على أطراف اليرموك المختلفة بين الجيش العربي السوري والمعارضين وتدفق الناس باتجاه المخيم.
لقد فاز الشارع الفلسطيني، واستطاع أن يدفع الفصائل للسير وراءه بعد تخلف زمني لم يكن له من مبرر، حيث باتت كل القوى الفلسطينية في سوريا الآن على المحك من جديد، فإما أن تقوم بدورها المطلوب وإلا فإن الناس ستبتعد عنها هذه المرة بلا رجعة.
الجزيرة نت