ماذا يريد أكراد سوريا؟/ رانيا مصطفى
هذا ما جناه الأكراد
من حق أكراد سوريا، كما أكراد العراق وإيران وتركيا، أن يحلموا بالدولة القومية الكردية، أو أقلّها، بإقامة حكم ذاتي يخصّهم. لا مشكلة في أن مشاعرهم القومية تميل إلى ذلك؛ المشكلة أنّ الأحزاب الكردية، بسياساتها القومية، العاطفية المتسرعة تارة، والانتهازية المُزايِدة تارة أخرى، أو بكونها أيادٍ لتدخلات خارجية، أميركية وروسية وإيرانية، وكذلك النظام، تُدمِّرُ فرص الأكراد بالعيش المشترك مع بقية السوريين، تنافسهم في ذلك الفصائل المرتبطة بالدول الخارجية.
عانى كل السوريين من سياسات القمع والنهب والتهميش، وكان ذلك سببا للقيام بثورتهم ضد النظام. كان ظلمه للأكراد مضاعفا (منع الحقوق الثقافية، ومشكلة الجنسية لدى جزء من أكراد)، مما جعلهم يشاركون في الثورة إلى جانب العرب. النظام انسحب باكرا من مناطق الشمال الشرقي، وسلّمها للبايادي وميليشياته المسلحة، الذي قام بالنيابة عنه بقمع المشاركين في الثورة، عربا وكردا، وقتل واعتقل البعض، وهجّر الكثيرين، ومنهم العديد من ناشطي المجلس الوطني الكردي.
الأحزاب الكردية قامت بتضخيم المظلومية الكردية وتحويلها من مظالمَ ضدّ النظام، وضدّ ممارسات الحكومات التي سبقته، إلى مظالم ضدّ العرب الذين يشكّلون أغلبية سكانية في مناطق الجزيرة السورية والشمال، ووصفهم بالمحتلين لأراضي كردستان المتوهَّمة، والتي تمّ خلق حجج تفيد بأحقيتهم بها، والقول بأن الأكراد يشكلون أغلبية عددية في تلك المناطق، الأمر الذي تدحضه كل الإحصائيات، وتبيّن أنّ تلك الادعاءات تشمل الأكراد المتواجدين في دمشق وبقية المحافظات السورية، والمندمجين بشكل كامل مع المجتمعات العربية.
المئات من صفحات فيسبوك، التي يديرها جيش إلكتروني كردي، أُنشِئت لتأييد تلك الادعاءات، ونشر الكراهية والعنصرية القومية ضد العرب، وتضخيم المظالم الكردية. وبالتالي كان من السهل على البايادي أن يستولي على أراضي بلدات عربية ويُهجّر أهلها، وأن يتصرف كحاكم متفردٍ بكانتون يخصّه، في ظل صمت كردي عام، بما فيه أحزاب المجلس الوطني الكردي، التي كانت تندد فقط بالانتهاكات التي يتعرض لها أكراد على أيدي البايادي؛ بعض المثقفين الأكراد اكتفوا بالتنديد ببعض المجازر بحق العرب، بسبب نشر صور فاضحة للتنكيل بجثث القتلى.
سيطرة الجهادية الإسلامية، داعش والنصرة وأحرار الشام وغيرها، على مناطق المعارضة عزّزت النقمة الكردية ضد العرب، وأبعدت الأكراد عن الثورة، كما أبعدت التوجهات الوطنية. يضاف إلى ذلك أن تلك الفصائل، الإسلامية وغير الإسلامية، كلها مرهونة لإرادة الداعمين، خاصة الداعم التركي، الذي يرفض تواجد كيان كردي على حدوده.
في ظل ضياع المشروع الوطني للثورة، وارتهان سوريا للصراع الدولي والإقليمي، التجأت قوات البايادي إلى أميركا، التي دعمتها تحت مسمى قوات سوريا الديمقراطية، لمحاربة تنظيم داعش.
منذ تحرير عين العرب (كوباني) من تنظيم داعش، اعتقدت قيادة البايادي أن أميركا ستمضي في دعم المشروع الكردي الخاص في سوريا، بعد القضاء على التنظيم؛ وأغلب الأكراد توهّموا ذلك، وحتى بعد تخلي أميركا عن مسعود البارزاني حين أعلن نيّته الانفصال. قوات قسد هي أدوات أميركا في السيطرة على الرقة ومناطق شرق الفرات، حيث أقامت قواعدها العسكرية. وراحت قوات البايادي تتصرف وكأنها حاكمة لتلك المناطق، وتمارس انتهاكات وتشديدات أمنية ضد العرب الذين يشكّلون أغلبية ساحقة فيها، إضافة إلى النازحين من مناطق أخرى؛ مما ولّد احتقانا عربيا ضد الأكراد أيضا.
سيطرت قوات حماية الشعب الكردية على عفرين، ذات الغالبية الكردية، لكنّها لم تسلّمها لحكم محلي، لا هي ولا مناطق ريف حلب العربية، كمنبج وتل رفعت وغيرهما، وأعلنت نيّتها التقدم حتى البحر المتوسط. أميركا لم تدعمها في مطامحها تلك، بسبب وجود توافقات تركية روسية إيرانية، حيث تم تسليم جرابلس لتركيا وحلب للنظام وروسيا وإيران.
أردوغان، الذي لا يريد تواجد فرع البيكيكي على حدوده، بدأ عمليته العسكرية في عفرين ضد البايادي، وأعلن عن نيته السيطرة على منبج، والتوجه شرقا حتى الحدود العراقية، مستغلا النقمة العربية الجديدة ضد الأكراد بسبب انتهاكات البايادي لهم. وهو يسعى إلى كسب تأييد دولي، خاصة أميركا وفرنسا، عبر إقناعهما بأنه سيوفر مناطق آمنة لعودة المدنيين.
انخراط فصائل الجيش الحر في هذا العمل العسكري عقّد الوضع كثيرا. المعارضة السياسية ممثَّلة بالائتلاف الوطني، أيّدت العملية العسكرية، رغم معارضة المجلس الوطني الكردي المشارك فيه لذلك التأييد، وانسحاب بعض أعضائه. هذا الموقف من الائتلاف، وكذلك مشاركة الفصائل العربية لمصلحة تركيا، هو موقف انفعالي خاطئ؛ بالدرجة الأولى لأنه يزكّي المزيد من الأحقاد القومية بين العرب والكرد، وكذلك لأنه يزيد من حالة التشرذم، بتمكين تركيا من مدّ نفوذها في مناطق استراتيجية بالنسبة إليها، مقابل سيطرة النظام وروسيا على أجزاء من إدلب، تطبيقا لاتفاق سوتشي بين روسيا وإيران وتركيا.
العرب