صفحات سورية

رسالة مفتوحة إلى بشار الأسد

إلي متى ستخدمون الأهداف الإسرائيلية ؟


                      المرسل صبيح اتاسي

                      لا شك أنك قد سمعت بي , إذ يدل خطاب القسم الأول انك سمعت الشريط الذي سجله علي أحد عناصر مخابراتكم و ما اقترحته على والدك للسير في طريق دمقرطة الوضع في سورية . لقد كان والدك حريص على معرفة آرائي وقد اصدر تعميما لأجهزة الأمن بمنع التحقيق معي , وحينما رفضت العروض للتعاون مع النظام كان يرسل من يناقشني لمعرفة آرائي .

أنا رجل كبير السن ولا اكتم أن ما اسمعه من أخبار يثيرني لخوفي من المصير الذي تدفعون البلاد إليه ,  وهنا لابد أن أقول لك أني أتابع الأخبار من جميع الاتجاهات , ولذلك قررت كتابة هذه الرسالة

لم استطع التوصل على أي شيء تعتمدون لهذا العند و التشبث بالحكم سوى قصر النظر و الجهل

 اسمح لي أن اسرد حال مؤسساتك المعتمد عليها

                      1 – الحزب القائد : أولا هنالك شكا في وجود حزب حتى يكون قائدا , إن أي مثقف مفكر يصل إلي هذه النتيجة بعد اضطراركم لإغلاق منتديات ربيع دمشق أمنيا , فلو وجد الحزب لكان بالإمكان نقاش المطروحات في الندوات عن طريق الحوار إذ كانت هذه المنتديات علنية و مفتوحة للكل , وعدد الحزبيين عندكم اكثر من اللازم , كان بإمكانهم الحضور و استغلال فرصة وجود مواطنين مهتمين بالسياسة لشرح سياسة السلطة و إظهار محاسن النظام إن وجدت . فإن إغلاق المنتديات أمنيا يمكن اعتباره اعتراف بأنه لا يوجد حزب ولكن مجموعة أكثرها من المنتفعين يحصلون على المنافع مقابل التصفيق . على كل لقد خف ذكرهم في المدة الأخيرة , لربما يستعدون للتصفيق للقادم الجديد .

                      2 – أجهزة الإعلام التابعة :

                                            ا – المعروضات : لا شك أن المشاهد الغشيم – واعتقد أنك منهم – حين يرى المسيرات المؤيدة للنظام ينبهر من كبرها , ولكن المواطن العادي يعلم أنها تتألف من المستفيدين من النظام وهم قلة و المخوفين من القادم و لكن الأكثرية العظمى تتألف من المكروشين (المسوقين) من قبل رؤسائهم بناء على تعليمات من الأعلى وتهديدهم بإمكانية حصر الهاربين من الصور و المكروشين كذلك من قبل أجهزة الأمن ,  نعم للأسف فإن قسم من شعبنا لازال يخضع للكرش (السوق) الذي اعتاد عليه خلال أكثر من أربعين عاما من عهودكم ولم يجرؤا بعد على التمرد عليه , قد يتمنى أكثرهم  الخلاص منكم ومن نظامكم . ومن ما يبعث الضحك في إعلامك اللقطات التي تنشرها  قناتكم في أيام الجمعة من أماكن منتقاة لا يوجد بها شيء  مدعين أن الأمور هادئة و على ما يرام , وهذا يطرح سؤال ألا تفكرون بالشعب الذي يعيش في تلك البلدان , كيف يمكن أن يثق فيكم بعد ذلك أو  يهتم بما تنشره قناتكم , هذا الأمر يشكك بأن القائمون البرامج يفكرون بالنتائج قبل اتخاذ القرار . و أما ما يظهرونه على أنه رأي الشارع  من لقطات للمارة في الشارع فلا أظن أنها تنطوي على أحد . من بين مائة حديث تنتقون ما يعجبكم لأناس منتقين أو أناس قد يخافون أن أجهزة الأمن سترى ما يذاع و مع ذاك تنشر بعض قصاصات فقط . لن تستطيعوا أن تقنعوا أحدا أن عدد من العملاء أو العصابات تستدعي نزول الدبابات إلى الشوارع , ثم كيف تفسرون عدم تعاون الشعب معكم كي ينجو من القتل إذا كان ما تدعونه صحيحا .

                                            2 – الثقافة : أما بالنسبة لثقافة و التحليل السياسي المعروض . تتحفنا قناتكم بتقديم أشخاص على أنهم أساتذة جامعيون و أول ما يتحفنا به كل منهم في بداية حديثه بترديد ببغائي أنه يوجد مؤامرة ضد النظام لموقف سورية الممانع ولا يحيد عن ذلك أي منهم , ثم يتغن بالجعجعات التي تصدر عن السلطة . إنهم  يتركون شعور بالأسف لدى المشاهد للمستوى التي وصلت إليه جامعاتنا, لم افهم كيف يتغنى أستاذ جامعي  بالجعجعات , إن التاريخ يقيم الأعمال وليس الجعجعات وهل هناك أعمال قامت بها سورية في هذا المجال سوى الأحكام العرفية و الطلب من الشعب التضحية و لكن التضحية لا تطلب من الحكام و أعوانهم بل بالعكس فهم ينعمون بما يتيح لهم ذلك بعد كتم أفواه الشعب , كنت قد نشرت مقالا بعنوان”أين الممانعة” ذكرت فيه الخدمات التي قدمها نظامكم لإسرائيل عمليا منها :

                       الفساد الذي أصبح عادة منتشرة في سوريا وليس حالة شاذة كما في باقي بلدان العالم , مما دعا كثير من الناس لطلب الصلح مع إسرائيل أملين بإنهاء حالة الطوارئ . عادة يعني إلغاء حالة الطوارئ وقف العمل بها , أما أنتم فقمتم بوضع قانون جديد يحل محل قانون الطوارئ لا يختلف عنه كثيرا أي قمتم  بالتبديل اسم الطوارئ باسم آخر .

                      .

                      3 – الجريدة و المطبوعات : من المعروف أن السلطات وفرت على المواطن الحيرة في انتقاء الجريدة إذ لا يهم أي جريدة يقرأ فالأخبار و المواضيع و المواقف و التحليلات نفسها في أي جريدة , يؤمن نفاذ الجرائد عن طريق التوزيع الإجباري على موظفي المؤسسات الحكومية , لست ادري إن كانوا يقرؤونها أم لا , على كل لا أستطيع الادعاء بأنها عديمة الفائدة إطلاقا إذ أن حجمها يساعد في استعمالها في لف الطرود و نعومتها تساعد على استعمالها في المرحاض

                      مما لا شك فيه أن نظامكم لم يهتم بتأثير حجب المعلومات على ثقافة الجماهير فالجهل يسهل الطاعة فلم تهتموا كثيرا بالإعلام . ولكن ظهر  في الآونة الأخيرة صراع  دعايات مما أيقظ الشعور بحاجة إلى إعلام على المستوى . قرأت أنه حصل بعض التغيرات في بعض إدارات أجهزة الإعلام , هذه التغيرات لن تأثر بشيء لأنها تغييرات في القشور فقط , على كل لا تلامون على ذلك لأن هذه إمكانياتكم فلن تستطيعون التوصل إلي لب المشكلة . واقع الأمر أن الإعلام بحاجة إلى مثقفين مبدعين يعون الواقع ويكشفون العيب  ويتحسسون حاجات المجتمع , بذلك يستطيعون أن يلعبوا دورا في وعي المجتمع ويكون المجتمع متشوق لسماع الأخبار منهم , ولكن تصنيفكم لمثل هؤلاء بأنهم خطرين إذ قد يقدمون على خطوات غير مرغوبة ,  فالانطلاق من الواقع والإبداع سيترككم في موقف حرج إذ سيكشف حقيقتكم كما أن بعض المدعيين قد يتخطون شيء ما النظام في بعض الأحيان , أما انتم فتفهمون أن النظام هو الطاعة العمياء فقط وليس احترام قواعد المهنة التي تحدد المسؤولية و حدود الطاعة .

                      الخلاصة أنه لا يمكن لنظام متخلف أن يملك إعلام حديث على المستوى

                      لذلك أقترح أن يصبح العمل في الإعلام مقصورا  فقط على المدعومين و المكافئين على الخدمات الخاصة , بذلك يكون الإعلام مفيد لتخفيف وجود أمثال هؤلاء من الأماكن المتعلقة بالإنتاج .

                      3 – التركيبة السكانية :

يقطن سورية  تركيبة فسيفسائية من السكان يعيشون معا في وآم  يستغلون الاختلافات لإغناء الفكر ,  ناضلت جميع الفئات ضد المستعمر الفرنسي لتحرير سورية , لقد كان قائد الجيش المقاوم الاحتلال الفرنسي يوسف العظمة من أصل كردي وضحى بحياته في سبيل الوطن و كان أول رئيس وزراء سوري بعد الاستقلال فارس الخوري مسيحي المذهب و سلطان باشا الأطرش من أشهر قائدة  الثورات السورية ضد الفرنسيين درزي …الخ .

 في الخمسينيات كان يصنف الشخص حسب انتمائه  للحزب الذي يختاره بنفسه وليس للأصل الذي لا خيار له فيه , و الدليل على أن الأصل لم يكن له قيمة هو وصولكم لمراكز مكنتكم من الاستيلاء على السلطة .

                      لو كان هدفكم قومي كما تدعون لاعتمد عهدكم على المواطنين ذوي الاتجاه القومي وتكون الثقة على أساس الهدف المشترك , لكن نظامكم اعتمد على الثقة برباط الدم , فالأساس هو الأسرة ثم العشيرة ثم القبيلة – وهذا الأساس معروف بعدائه للفكرة القومية التي تريد مزج الشعب على أساس قومي – . نظرا لأن تربيتكم تعتمد على بقايا الأفكار القبلية المتبقية في بعض القرى فإن كونكم من الأقلية أثار عندكم الفوبيا (مرض الخوف) من الأكثرية بعد وصولكم إلى السلطة . فقد حرصتم على التأني بتسليم المراكز الحساسة للأشخاص المنحدرين من الأكثرية وتعويضهم من فئات أخرى , ساعد ذلك بشراء ضعاف النفوس من الأقليات , و بعد تمتعهم بمراكز ساعدتهم على التبوء الزعامة في محيط منشئهم فاستطاعوا نشر جراثيم هذا المرض عند الجهلة من المحيطين بهم . وللتعويض على عدم إعطاء المراكز الحساسة لمستحقيها  إذ أن ذلك لا يرضي الكثير , رشوتم بدعمكم طبقة من السماسرة  لتشارك كبار الضباط في نهب الشعب و الاغتناء على حسابه بهدف التأثير على طبقة التجار .

                      واقع الأمر أن المستفيدين من نظامكم يشكلون أقلية حتى في محيطهم , مثلا نجد حتى عند العلويين ذو النصيب الأكبر في المناصب أن الأكثرية تعيش في فقر وبشكل خاص الذين يعيشون في القرى , لذلك تعتمدون على الفوبيا (مرض الخوف) بأن الانتقام ينتظر الكثيرين على يد الإسلاميين إذا زال النظام , لكن لكل مرض علاج فعلاج مرضكم هو التوعية . إذ أن الأكثرية السنية العربية التي ينبثق منها من تدعونهم بالإسلاميين تشكل حوالي 60% من السكان ,  أكثر من ثلثهم علمانيون يرفضون الأفكار الدينية بالإضافة إلى أن قسم من الدينين لا يوافقون على الإسلام السياسي كذلك فإن من تدعوهم بالإسلاميين لن يحصلون على أي صوت من الأقليات الأخرى . إذا في حال الانتقال السلمي إلى سلطة مدنية لن يستطيعوا من تسمونهم بالإسلاميين الحصول على أكثر من ثلث مقاعد البرلمان على ابعد تقدير وهذا لن يمكنهم من استلام السلطة , ولكن الخطر الحقيقي يأتي منكم إذ أن استمراركم  في سفك الدماء يولد العداء و اسمرار العداء يولد الحقد وهذا يؤمن التربة لنمو التطرف في جميع الجهات .

                      إذن ما تعتمدون عليه في هذه الناحية هراء و الحلول التي وضعتموها زادت الداء , الواقع أن ما يجعل بعض الناس يتقبلون  طروحاتكم هو الاستسلام للقوة الموجودة حاليا على الأرض , فبالنسبة لهم لا يمكن تغيير النظام طالما يضمن ولاء الجيش ,  فمجرد حصول ما يشير إلى ولو تغيير طفيف في ميزان  القوى ستعيد الأقليات دراسة الواقع ليتوصلوا  أنه لا خطر من استلام إسلاميين للسلطة في سورية , أما من ناحية البرجوازيون الجدد فسيبحثون عن مواقع لهم في العهد الجديد .

                      4 – جيشكم :

شاهدت ما بثته قناتكم عن مناورة لجيشكم , وبصراحة لم أرى سوى كثافة نيران من أسلحة مختلفة , فهل هذا ما كان ينقصنا في حرب أل 73 التي خسرها جيشكم واقعيا ويعود الفضل لرد الاعتبار لكم لأخريين غيركم  واستطعتم بفضلهم الإدعاء بالنصر ؟ سأذكر تفاصيلها بذكرياتي الملحقة في هذا المقال

أ – دوركم في تسبب بثغرة الدفرسوار التي حولت انتصار الجيش المصري إلي هزيمة في حرب أل 73 . سأذكره  بشيء من التفصيل في الملحق الذي كتبه سعد الدين الشاذلي قائد القوات المصرية في الحرب , يمكن الاطلاع عليها على صفحت سعد الدين الشاذلي قائد القوات المصرية أثناء الحرب في ويكيبيديا على العنوان

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%B9%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B0%D9%84%D9%8A

ب – بعد الدور الذي لعبه جيشكم بالقضاء على أماكن تحصين الفلسطينيين بلبنان كما في مجزرة تل الزعتر حيث تم قصفه بالمدفعية الثقيلة وقتل حوالي 2000 فلسطيني , قام جيشكم بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان بإتمام المهمة التي لم تستطع تنفيذها إسرائيل عند عدوانها على لبنان بقتالكم للمقاومة الفلسطينية حتى أخرجتموها من لبنان بذلك حرمتموها  من الوجود على الحدود الإسرائيلية لتتمكن من تحقيق الهدف الذي وجدت من أجله لا افهم كيف لا يخجلوا مثقفوكم بعد ذلك من الادعاء بحمايتكم للمقاومة .

                      ج – بطولة جيشكم في القضاء على ما يقرب 30000 من سكان حماه , وهي معروفة

هذا ولا زال جيشكم يقتل اليوم المواطنين العزل

                      5 – الاجهزه الامنية :  سأذكر في ملحق ذكرياتي تجربتي مع أجهزتكم الأمنية و سيطرة المخابرات الأجنبية عليها , وهنا أذكرك ب :

كنت قد ذكرت في مقابلتك التلفزيونية أنك لا تشعر بالمسؤولة عن إطلاق النار على المتظاهرين لأنك لم تعطي الأوامر بالطلاق النار على المتظاهرين . وتدعون أن عصابات مسلحة تطلق النار على المتظاهرين ,  كان هناك تعليقات كثيرة على ذلك , ولكن أنا أفهمك بعد تجربتي مع أجهزة المخابرات .

                      واقع الأمر أنه بعد دعم هذا النظام أجهزة المخابرات و زاد عددها و صلاحيتها لدرجة كبيرة أصبح القائمين عليها يرون أن النظام قائم بفضلهم و حمايتهم , وبذلك فهم ليسوا مجرد اجهزة خاضعين للسلطة ولكن شركاء فيها , لذلك يحق لكل منهم مع كثرة عددهم وتعدادهم أن يتخذ القرار الذي يراه مناسبا باستقلالية , فليس من الضروري أن ينتظر أوامر لإطلاق النار على المتظاهرين . وهنا يكمن سؤال بعد أن تستقل هذه الأجهزة عن الدولة في إتخاذ القرار ألا تصبح عصابات مسلحة . من المعروف أن أجهزة الأمن في سورية تتدخل بكل كبيرة و صغيرة في أمور المواطن و الوطن  تتدخل   بالإدارات و الاقتصاد حتى لم يعد عندنا قضاء حقيقي إذ تستطيع هذه الأجهزة أن تملي على القاضي بماذا عليه أن يحكم . إذا  سورية تحكم من قبل عصابات تحت تسمية أجهزة الأمن . أرجو المعذرة , فإذا كنت لا تشعر بالمسؤولية عن قتل المواطنين فهل تشعر بالمسؤولية كرئيس دولة عن حكم دولتك من قبل عصابات مسلحة ؟ .

نظرة دراسية للأوضاع : مما سلف يظهر جليا أن نظامكم خير نظام لمصلحة إسرائيل و كنت قد ذكرت في مقالتي ” أين الممانعة ” عن الخدمات الكبيرة التي قدمها نظامكم عمليا لإسرائيل , ومن المعروف خوف إسرائيل من تغيير الأوضاع في ظل الديمقراطية المصرية الناشئة .  كذلك هناك شبه إجماع عند العرب أن سياسة أميركا في الشرق الأوسط تأخذ قبل كل شئ مصلحة إسرائيل , فكيف تقف أمريكا ضدكم أليس في ذلك تعارض ؟ . ظهور بعض التعارض يدعوا السطحي إلى رفض المعروض و إغلاق البحث أما المثقف الذي يبحث عن الحقيقة فيعتبره طرف الخيط الذي سيكشف الأمور .

                      قبل الربيع العربي كان جليا أن شعوب المنطقة تعيش تحت ضغط شديد حتى الأميركيين كانوا يعترفون بذاك , كان ما حدث في تونس القشة التي قسمت ظهر البعير و بدأ الربيع العربي . حاول الأميركيين في البداية الوقوف ضد الانتفاضتين في كل من تونس ومصر لكنهم تراجعوا , فهم يستطيعون التغلب على أي جيش , ولكن خبرتهم تقول أن أصعب عدو هو الانتفاضة الشعبة العشوائية , فإذا تطورت الأمور * يشكل كل بضعة شباب خلية * لا يوجد قيادة يؤثر القضاء عليها تأثيرا كبيرا في مجريات الأمور * يمكن التعويض عن الخسائر بسهولة فالبديل الذي ينتظر دوره كثر *  ليس من المطلوب تدريبات طويلة لفرد الخلية * لا يوجد قيادة يدرسون ثقافتها ويحضرون لخطواتهم القادمة إذ يعمل أفراد كل خلية ما يخطر ببالهم * بعد بدء المعارك لا يمكن لا يمكن معرفة متى تنتهي لعدم وجود قيادة تستطيع إيقافها  * ….الخ * لذلك فضل الأميركيين التضحية بخادمهم المخلص لمدة ما يقرب من عشرين سنة حسني مبارك و ركبوا الموجة أملين بتوجيهها لمصلحتهم . و هذا معروف عن الأميركيين ويدعونه بالبركماتية  .

                      الواقع عندنا : لن أعيد ما كتبته عن الوضع الداخلي بمقال ” أين المعارضة ” ولكن أحب أن أذكر أنه حتى أجهزت إعلامكم مع كل العيوب التي ذكرتها لم تجرؤ على القول أن هناك مؤيدين للنظام بل تقول (مؤيدين للإصلاح) ويضيفون بقيادة بشار الأسد , عن أي إصلاح تتحدث لو فرضنا جدلا أنك جاد بالإصلاح ( وهو أمر مشكوك به بعد مرور اكثر من عشر سنين من حكمك )  هل باستطاعتك ذلك ؟ على أي من تنظيماتك ستعتمد و قد عددتها في بداية الرسالة ؟ هل باستطاعتك توقيف الفساد (وهو أدنى المطلوب) إذ أكثر المستفيدين منه الداعمين  المعتمد عليهم في سلطتك ؟ هل يمكنك أن تحقق الديمقراطية و تحدد صلاحيات أجهزة مخابراتك التي أصبحت عصابات تحكم البلد ؟ هل يصدق عاقل بأنك ستحقق تداول السلطة بعد القتلى الذين ماتوا في سبيل بقائك على الكرسي ؟ ما فائدة اللجان و الانتخابات و المنتخبين إذا كانت عصابتك المسلحة تتحكم حتى بالقضاء , أليس هذا الوضع تربة صالحة لقيام انتفاضة شعبية عشوائية !! كيف يمكنك الإدعاء بأنها نتيجة مؤامرة

                      واقع النظام : لاشك أن عند الأميركيين من يقدم لهم المعلومات ومن يدرس ويصنف هذه المعلومات . أما هنا فسأقتصر على تجربتي الذاتية التي عند الأميركيين ولا شك مثلها و أكثر منها بكثير .

                      من الوقت الذي وصل فيه حافظ الأسد إلى رأس السلطة ظهر متخلفون يعتقدون أن سورية كانت لغيرهم و أصبحت لهم , فمنذ أكثر من ثلاثين عاما و البعض يسألني نفس السؤال عن رأيي بتغيير النشد السوري وتغيير النظام السوري من جمهوري إلى ملكي , كان واضحا أن هناك إصرار على بقاء الحكم في العائلة , فلذلك وجدت حلا بطريقة الانتخاب الجديدة , لقد كنت أنا من اقترح أسلوب الإنتخاب الجديد * أن يرشح الحزب * أن ينتخب المجلس النيابي * ثم يستفتى الجمهور * لقد كان ذلك اقتراحي لإنقاذ سورية من الملكية , إذ إلغاء ذلك القانون أهون بكثير من تحويل سورية من ملكية إلى جمهورية مرة أخرى . إذا تشبثكم بالحكم و بأي ثمن و مهما كلف ظاهر جلي .

                      لقد ظننتم في بداية أنه يسهل القضاء الانتفاضة  إذ ليس عندكم خبرة كالأمريكيين بالانتفاضات العشوائية فأنتم تظنون أن عدم التنظيم ضعف وستقضون عليها بسهولة و ترون القوة بالطاعة العمياء و تسمونها وحدة الصف , نسيتم أنهم ليسوا في حالة هجومية كي يحتاجوا إلى خطة لكل منهم دورا فيها لتحقيق النصر ,  العشوائية قوة عنيفة بالنسبة للمقاومة و لبقائها لا يكمن القضاء عليها . إنكم ترون كيف إذا سيطرتم على منطقة تنفجر أخرى . تعدون الوفود بأنكم ستقضون على الانتفاضة بوقت قريب ,  جرى الوقت و كبرت الانتفاضة وبقيتم على ترداد وعدكم بالقضاء عليها قريبا ¸ بدأت الانتفاضة الحصول على دعم الخارج ولم تعيدوا النظر و دراسة واقع الأمور , ليس عندكم من يحلل الأمور وإن وجدوا لا يجرؤن البحث في الجوهر بل يبقى اهتمامهم بالقشرة إذ أنكم لا تحبون النقد و تجدون من المهانة كشف أخطائكم وهو منافي لقدسية سلطتكم كيف يمكن تصليح أخطاء بدون كشفها ؟ , تتسلحون بالعند نعم قد يعطي العند شئ من القوة للمقاتل  لكنه يؤدى إلى التهلكة عند القيادة . للدعاية اخترعتم قصة أنها مؤامرة مدبرة من الخارج لموقفكم الوطني , قد يستخدم البعض الكذب ولكن المصيبة حينما يصدق المتخلفون كذبة اخترعوها بأنفسهم ويبنون خططهم على أساسها .  نصنف أننا من الشعوب المتخلفة فهل يرجع ذلك لقلة المثقفين الحقيقيين الشرفاء عندنا أم لعدم السماح لهم بأخذ مواقعهم في المجتمع بل وعليهم الاكتفاء بمعيشة المساكين تلافيا لأذاكم .

                      نعود الآن لمعرفة موقف الأمريكيين . تدلهم خبرتهم أنه لا يمكن القضاء على الانتفاضة وأنكم اجهل من أن تصلوا إلى حل , إذا يعتمدون على غبائكم بتصعيد الأمور . على كل لقد بدؤوا بحصد بعض سمار غبائكم إذ بدأ قسم من الشعب طلب الحماية منهم ومع الوقت يمحى العداء تدريجيا وتحل محله الصداقة ( أظن أن الأميركيين مدانون لك بالشكر ) .

 لقد قلت يا بشار أنك تستطيع أن تشعل المنطقة خلال ست ساعات من ضرب سورية بأول صاروخ , فهل ذلك تهديد لإسرائيل أم تحقيق حلم لها , إذا كنت تعني بالمنطقة بما فيها إسرائيل يكفي عنتريات إنك قد سكت على تحليق الطائرات الإسرائيلية فوق قصرك و وصل بكم الخوف بأنكم سحبتم وعدكم ” بالرد في الوقت المناسب ” بعد ضرب شمال سورية من قبل الطيران الإسرائيلي , سحبته خوفا مع العلم أن الجميع يعرفون أنه وعد أجوف ترددونه دائما بعد كل اعتداء على الوطن ولكن لا شيء يحصل ,

يبقى إمكانية تحقيق مقولة & علي و على أعدائي يا رب & تدل معالجتكم للأمور أنكم تعتمدون على أساس هذه المقولة حتى بما يخص الداخل فهي أملك الوحيد للبقاء في السلطة ,  لقد بدأ بعض السياسيين يتحدثون عن ( تخوفهم ) من تطور الحالة في سورية إلى حرب أهلية و صرح آخرون عن خوفهم من تأثير ذلك على الوضاع في البلاد المجاورة . هل أصبح واضحا أنه ليس الهدف نظامكم و ليس من مصلحتهم سقوط نظامكم ولكن لغبائكم وضعتم نفسكم كفتيل لتفجير الوضع بين أعداء إسرائيل و هذا ما ستستغله إسرائيل بأي ثمن.

                      الاعتماد على أصدقائكم بالخارج : سنبحث هنا عن (الأصدقاء) ذوي التأثير إذ لا قيمة للباقي

                                            1 – الصين : وهي حديثة العهد في السياسة العالمية كدولة عظمى لم يتم الانتهاء من تشكيل المؤسسات المتناسبة مع مركزها الجديد في العالم , على كل تدل الأخبار عن بعض التردد بموقفها و يؤمل بتغير موقفها وذلك المرجو

                                            2 –  روسيا : لم أفهم في البداية الموقف الروسي ولا يمكن الاستفادة من فهمهم عن طريق تتبع تصريحاتهم , يتغنون بالحل الداخلي عن طريق الحوار وهو حل مستحيل لمن يعرف حقيقة الوضع في سورية و قد أظهرت ذلك . أحببت أن أسمع منهم ولو مرة ولو تلميح عن أي شيء يكمن الحوار وهل من ممكن أن يتفق الطرفان ولو على نقطة واحدة ؟ , لم أستطع التوصل إلى جواب . لم أستطع تفهم الموقف الروسي حتى تذكرت كيف توسط اليهود لدى الأميركيين لمقابلة السكير  يلسن  في الوقت الذي كان الأميركيين يركزون على التعامل مع كرباتشوف , بعد المقابلة أعلن السكير  يلسن  في اجتماع ترأسه انسحاب روسيا من الاتحاد السوفيتي بذلك حقق زوال الاتحاد السوفيتي . فلماذا لا يكون موقف روسيا مستندا إلى تقارير اليهود المندسين داخل المؤسسات التي تقدم الدراسات عن الأوضاع بسورية و لهم اليد في موقف الروس .

                                            3 – إيران : لاشك أن تدخل إيران يحقق لإسرائيل حلمين . الأول تحقيق خلاف كبير بين المسلمين ( سنة و شيعة ) و يرحبون كثيرا إذا تحول الخلاف إلى صدام . هذا الخلاف يفسح المجال أمام إسرائيل لتحقيق الحلم الثاني وهو ضرب إيران . من المعروف أنه جرت دراسات لضرب إيران , وهناك إصرار أن يمنعوا إيران من تملك السلاح الذري وهناك تخطيط لضربها قبل أن تستطيع  تملك السلاح الذري , وجرت محاولات و مشاورات من أجل ذلك , كان لاعتراض العرب قوة منع , إذ ستكون الضربة كصراع  بين إسرائيل و إيران , معروف موقف العرب من إسرائيل حتى يوجد بعض العرب على المستوى الشعبي من هم مع تملك إيران للسلاح النووي كي لا تكون إسرائيل الدولة الوحيدة التي تملكه بالمنطقة . وواضح أن خوف الأمريكان من المبادرات الشعبة العشوائية و بشكل خاص في بلاد نفطية هو الذي ردع الأميركيين عن ضرب إيران . فبالإضافة لكون النفط مادة ستراتيجية مهمة فهو قابل للاشتعال بسهولة فلا يتطلب من المقاومين الكثير من الجهد وهذا ما أخذه الأمريكان بالحسبان . أما إذا كانت المعركة بين السنة و الشيعة فإن أكثرية العرب سنية وستكون مع ضرب إيران . من ناحية الشيعة الموجودين بالخليج أنا واثق أنهم أصبحوا الآن مصنفين بقوائم في ذاكرة الكمبيوتر من قبل المخابرات الخليجية تحت إشراف الخبراء الأميركيين , من ناحية قوة إيران أعتقد أن الوضع في إيران أفضل من الوضع عندنا بكثير فهم يبنون وطنهم ويطورون إمكانياتهم التكنولوجية ولكن بالنسبة للدعاية التي يقدموا بها عن إمكانياتهم فإنه من المرفوض مقارنة إمكانياتهم  بالإمكانيات الأميركية . بوضع النظام السوري نفسه فتيل تفجير بين السنة و الشيعة فإن النظامكم لا يخدم المصالح الإسرائيلية فقط بل يعمل على تحقيق أحلامها

سبب نظامكم في سورية بانفجار انتفاضة عشوائية لا يمكن إيقافها , ولكن تحاول المعارضة السورية بكل طاقتها أن توقف تطور الأمور في اتجاه حرب شعبية و يأملون بأنه أثناء وصول الأمور إلى درجة معينة أن يستفيق عاقلين ممن يعتمد عليهم النظام يقومون بانقلاب عليكم لتغيير ميزان القوى و العمل على تغيير الوضع بأقل خسائر , أما إذا ترك الأمر ل آل الأسد فإنهم حريصون على أن يسمي التاريخ عهدهم

عهد اللعنة

                                                                                                                                                                              20/12/2011

المهندس صبيح اتاسيsabih@atassi.cz

من ذكرياتي

                      4 – جيشكم :

شاهدت ما بثته قناتكم عن مناورة لجيشكم , وبصراحة لم أرى سوى كثافة نيران من أسلحة مختلفة , فهل هذا ما كان ينقصنا في حرب أل 73 التي خسرها جيشكم واقعيا ويعود الفضل لرد الاعتبار لكم لأخريين غيركم  واستطعتم بفضلهم الإدعاء بالنصر ؟

                      لقد حولتم الجيش في سورية من جيش وطني لحماية البلاد إلى جيش ( عقائدي ) لحماية النظام  , بعد تبديل قادة الجيش المؤهلين بقادة لا مؤهل لديهم سوى ثقة النظام بانحيازهم له ضد أي حركة شعبية ( هذا ما نراه اليوم ) أصبح ما ينقص جيشنا قبل كل شيء القادة المؤهلين لقيادة المعارك الحربية . سأسرد ما حدث في حرب أل 73 التي حضرتها لإظهار تأثير ذلك التغيير .

                      حينما سحبت للخدمة الخدمة الإلزامية قررت أني سأقوم بواجبي على خير وجه ولكن أسمح بالتمادي علي من أي رتبة كانت خوفا من تمادي ضعاف النفوذ بالتملق للعهد الجديد على حسابي نظرا لأنه لم يمضي وقت طويل على سجن الدكتور نورالدين الاتاسي .

                      فرزت إلى لواء صواريخ م/ط أي مضاد للطيران في ولم يمضي وقت طويلا على استلام أول دفعة من الصواريخ المضادة للطيران , لن أذكر هنا كيف يقررون الاختصاص الملائم مع أنها ستكون فرصة ترفيهية على القارئ وأتمنا نشرها ولكن مع الأسف المقال طويل بدونها . بعد فرزي إلى كتيبة لدراسة الجهاز الذي سأكون مسؤول عن صيانته , جلست مع مدربي و بدأت بدراسة المخططات بعد أن أعطاني المعادلات التي يجب أن يحققها حاسب إلكتروني ترسمي و كان هذا من صميم اختصاصي الدراسي , كانت المخططات مرسومة بشكل واضح فبدأت أتابعها بكل تفصيل و أشرح ما أراه فيها أملا أن مدربي سيصلح إذا غلطت و كنت أبدي ملاحظاتي إذ كنت أرى أن المسألة فنية بحتة , كان مدربي – وهو مهندس من خريجي حلب – يجلس صامتا يتابع كيف أدرس بالتفصيل تلك المخططات و أتابع كل صغيرة و كبيرة كنا ندرس حتى ساعة متأخرة من الليل .  باختصار شديد أثناء فحصي من قبل الخبراء الروس استخلصت أن مدربي كان مدهش من أسلوبي في دراسة المخططات وكان ينقل ملاحظاتي للخبير الروسي الموجود في الكتيبة ويلومه كذلك لعدم تدريسهم المخططات بالتفصيل كالذي اتبعته إلا أن الأخير أخذ ملاحظاتي على محمل سياسي . وكان ظاهرا من تعليق لجنة الفحص على شرحي أنهم ضعاف في الإلكترونيات . و أما بالنسبة للضباط السوريين فهي طلاسم لا يمكن فهمها . بعد الفحص انتظرت أن يطلب الخبراء السوفيت مني المساعدة في الشرح للجانب السوري ولكن الواقع كان عكس ذلك إذ أخذ الخبير السوفيتي يحرض بقية الضباط ضدي بقوله ” إحذروه  فإنكم لن تجسروا النظر إلى عينيه بعد ثلاثة أشهر ” . معروف أن الشيوعيون كانوا يسيسون كل شيء فلم تخل  مهمة الخبراء السوفيت من ذلك .

معروف أن الشيوعيين أصحاب دكتاتورية البروليتاريا (العمال)  لم يكنوا  مسرورين  بالاعتماد على المثقفين , لذلك طلبوا من المصممين أن تكون الصيانة سهلة و يستطيع أي كان القيام بها , فكانت المخططات واضحة و نقاط القياس محددة وظاهره فيها وعلى الأجهزة كذلك و حددوا الخطوات الواجب اتخاذها لكل ظاهرة عطل خطوة خطوه . نظرا لتفوق الأميركيين على الاتحاد السوفيتي بالتكنيك بشكل عام و الإلكترون بشكل خاص قام السوفيت بتدريب العناصر لتصليح الأعطال بتطبيق تلك الخطوات كرد فعل بدون تفكير أو دراسة العطل أملين بأن ذلك سيؤمن تصليح العطل قبل وصول الطائرات المعادية إلى الهداف . هذا ما أتقنه الخبراء السوفيت المرسلين لنا ولم يحصلوا على دراسة إلكترونيات بالمستوى المطلوب . كانت دائما الخطوة الأولى لإصلاح أي عطل تغيير الصمام و تتبع الخطوات اللاحقة إذا لم تزل ظاهرة العطل .

                      أذكر هذه الأشياء لعلاقتها بما سيحدث و سأذكر هذه الحادثة باختصار , حدث أن أحد القائمين على الصيانة من الجانب السوري قرر أن يوفر الصمام و قام بالخطوة التالية , كانت النتيجة أنه حصل على القيم المطلوبة في قياسه ولكن ذلك سبب في عطل في كمان آخر , فلم يتمكن الخبراء السوفيت في تحديد مكان العطل ولم يستطيعوا تصليحه إذ لم يكن لديهم خبرة بمثل هذه الأمور مع أنهم حاولوا ذلك يوم كاملا , شعر الذي سبب العطل بأنه المسبب و لخوفه من كشف ذلك صلح خطؤه ليلا .

حينما دعيت لإصلاح هكذا عطل اكتشفت مكانه بسهولة نظرا لمتابعتي الخطوات طبقا للمخطط , فلم أكن حتى أعرف الخطوات السوفيتية بل كنت أعتمد على دراستي المخطط و معلوماتي النظرية من دراستي الجامعية  .

استغل رئيسي ذلك و قرر الانتقام من معاملة الخبراء السوفيت لهم كشعوب عالم ثالث وحصل على  موافقة قائد اللواء , قام بإحداث العطل في كتيبة أخرى , ولما عجز الخبراء عن إصلاحه قام هو بإصلاحه مستعملا نفس الخطوات التي استعملتها .  غضب الخبراء السوفيت للعبة و استغرق دراستهم لمعرفة العلاقة بين مكان الظاهرة و مكان العطل مدة طويلة , و كالعادة اعتبروها مسألة سياسية فذهبوا إلى قائد اللواء وقالوا له ” لن يستطيع التخطيط لهذه اللعبة سوى صبيح اتاسي فهو جاسوس مدرب في المانيا يهدف الإقاع بين بلدينا . لقد اجتمع أدمغة الاتحاد السوفيتي و وضعوا القياسات لكل احتمالات الأعطال , نسوا واحدا فكشفه صبيح اتاسي ” , مع علم قائد اللواء المسبق بالأمر احضر رئيسي وزميلي الذين قاما باللعبة مع الخبراء السوفيت للتحقيق معهم و معرفة التفاصيل , عرف منهم أن لا علاقة لي باللعبة و أن كل ما قمت به هو القياسات التي أخذت عدة دقائق ولم أخذ للآمر أهمية إذ اعتبرته أمرا عاديا مجرد تصليح عطل ,  و الجميل في لأمر أني كنت الضابط الوحيد في اللواء الذي لم يعلم عن اللعبة  شيء إذ أثر فيهم تحذير الخبراء مني كما أنه ظنوا أن ثقتي بنفس وعدم خوفي من الرتب ومعاملتهم معاملة الند – كما  ذكرت بالبداية – هو تفاخر بأني مهندس جيد ( قد يكون ذلك من حسن حظي إذ لو عرفوا أن الدافع سياسي لربما دمروني )  لذلك قرروا عدم إخباري كي لا أتفاخر عليهم حسب اعتقادهم , وكنت أتعجب لمهاجمة الخبراء السوفيت  و قولهم لي أني جاسوس و لا يجوز لي الاقتراب من غرفتهم  . كان رد فعل قائد اللواء عن تقييم إمكانيتي من قبل الخبراء السوفيت و بالمقارنة مع خوف بقية الضباط السوريين من الأجهزة عكس ما ابتغوه الخبراء إذ نقلني من الكتيبة إلى مجموعة كبير المهندسين في قيادة اللواء كي يصبح من واجبي إصلاح الأعطال في أي من كتائب اللواء و أصبح يعاملني معاملة خاصة . هنا يجدر الإشارة إلى تجربة ضباط معي بما يجيدون , فمع أن مجريات الأمور تشير إلى براءتي تماما , كانوا في أحاديثهم يحاولون معرفة ما إذا زرت ألمانيا الغربية و حتى بعد تأكيدي أني لم أرى ألمانيا إلا على الخارطه . على كل أصبحت معروفا باللواء .

بعد تغيير قائد اللواء حصل عطل ثان في لواء آخر نتيجة تخلف الضابط المسؤول عن الصيانة لم يستطع الخبير السوفيتي تصليحه للعقدة التي تركتها اللعبة التي فعلوها معهم , فأرسلوني لتصليحها بعد تصليح عطلا ثان لم يستطع الخبراء السوفيت تصليحه أصبحت قيادة اللواء تعتبرني مثقفا و حريصة على معرفة آرائي بأمور شتى ولكن ليس بصفة رسمية إذ كانوا يرسلون أحد معارفي من الضباط ليسألني مع وجود آخرين بجانبه لسماع الحديث وهذا ما حدث في حرب أل 73 .

حينما وصلت بالكتابة إلى هنا أصابتني الحيرة أين أبدأ هل بالضابط الذي غاط بلباسه أول ما بدأت الحرب و أرسل قائد الكتيبة طلبا إلى قيادة اللواء لإرسال من يأخذه لأنه لم يعد يستطيع ضبط الجنود من التجمع للضحك عليه , أم بالآخر الذي استلقى على ظهره يرجف طوال مدة الحرب مع أنهما من الضباط العاملين بالجيش أم سماع نفس الجملة من ضباط مختلفين ” أنا أخاف ” حين يريدون إرساله بمهمة إلى مكان ما ( صدق أو لا تصدق ولكن هذا ما حدث أمامي فعلا ) , بشكل عام يمكن إيجاد خاصة مشتركة بينهم أن أكثرهم ليسوا أشخاص محاربين انتقوا الجيش إما للتعيش أو للوصول إلى مآرب أخرى — كم أتمنى أن أستطيع نشر التفاصيل ولكني لست كاتبا لا أجيد  الكتابة و ليست بالأمر السهل علي — , باختصار كانت الروح المعنوية أدنا من الصفر , كانت المعلومات عن الوضع في الكتائب تأخذ من الخبراء السوفيت مني بسبب ما عرف عني بأني لا أخف و طلب النصح كذلك, و حسب ما سمعته من المخابرات التشيكية أنه موجود في مصنفي أنهم أجروا على أكثر من مائة تجربة ونجحت بها كلها , ما أذكره أنه أجروا على تجربتين فقط لدراسة رد فعلي و الباقي طلب نصائح , و ما سمعته أيضا أنه موجود في مصنفي أني كنت أجيب كالخبراء السوفيت ولكن أزيد بالشرح والأدلة , لم أكن أعطي في ذلك الوقت للحديث أهمية إذ كنت أظن أنه مجرد حديث بين شخصين ,  بقي بذاكرتي حادثتين سأذكر واحدة منها باختصار لإظهار الإمكانيات القيادية .

 حضر رئيسي ومعه ضابط آخر وقف جانبا كالعادة

قال لي : تستعمل الطائرات الإسرائيلية صواريخ موجهة حراريا لضرب كتائبنا المضادة للصواريخ ما رأيك

 فقلت له : يجب إحضار أنابيب عازلة للحرارة ومدها من مخرج المحرك الانفجاري لمولد الكهرباء إلى مكان بعيد شيء ما عن الكتيبة

  – طبعا لم يكن الحصول على أنابيب عازلة للحرارة بالأمر السهل – ,

سألني : ألا يمكن استعمال النار

أجبته : يجب أن تكون النار قوية جدا

قال : و ما المشكلة في ذلك

أجبته : إن النار تكشف . فهز رأسه موافقا و أعاد نعم إن النار تكشف

هل تصدق أن القيادة لم تتوصل أن تستنج من تلقاء نفسها ما يعرفه كشاف صغير في فرقة كشفية ؟

علمت بعد ذلك أن الخبراء السوفييت أشاروا بالأنابيب العازلة أجابوهم على سؤالهم على استعمال النار بلا و لكن رفضوا إعطائهم أي شرح (فهم يعرفون فقط أن الأنابيب ما استعمل في فيتنام )

                      هل شل خوفهم و عقدتهم من حرب أل 67 تفكيرهم

                      بعد هجومي على بعض قائدي الكتائب حينما يظهرون الخوف والتردد و إرسال شكواهم ضدي لقيادة اللواء , قرروا في قيادة اللواء عدم إرسالي للكتائب بناء على نصيحة من قائد اللواء السابق . كنت أنام مع ضباط مجندين حديثي التخرج .

مرة حين حضورهم – وكان هذه المرة يرافقهم قائدهم – قال أحدهم بانفعال : تختبئ الدبابات الإسرائيلية في النهار خلف الدشم و لا تخرج إلا في الليل فيضربون دبابتنا و دباباتنا لا ترى الدبابات الإسرائيلية كي تقصفها . قفزت من مجلسي و قلت ذلك يعني أن دباباتنا تستعمل الأشعة تحت الحمراء و الدليل على ذلك أن الدبابات المعطل بها هذا الجهاز لم تصب ( الأشعة تحت الحمراء ضوء لا يرى بالعين المجردة و لكن يرى من خلال أجهزة ) , ولانفعالي كيف لم يستنتجوا ذلك و غضبي لخسارة الدبابات أردت أن أشتم ولكني تمالكت ونفسي وقلت ” الحق على الخبراء السوفييت ألم يقولوا لهم ” – كنت أعني بملاحظتي هذه استهتاري بالقيادة السورية و بأني لم أعد أنتظر منهم شيء ( سقط حصوتهم ) – وقلت يجب أن تعملوا لهم كمين تضربونهم ضربة تعقدهم .

 في ليوم التالي حضر قائد زملائي إلى المهجع بمفرده وكنت أجلس وحيدا وجرى بيننا هذا الحديث

                      الضابط : كيف نقيم الكمين

                      أجبت : أن تضعوا أجهزة الإشعة في جهة و في الجهة المقابة الدبابات التي تستعمل فقط شاشة الرؤيا

                      الضابط : ومن أين نأتي بأجهزة الإشعة

                      أجبت : من الدبابات المعطلة

                      الضابط : هل تذهب لإشراف على ذلك

                      أجبت : أنا لا أعرف شيء عن الدبابات يقومون بذلك المسؤولين عن صيانة الدبابات

                      الضابط : كيف نحضر الدبابات الإسرائيلية إلى ذلك المكان

تعجبت لسؤاله إذ أن الخدعة التي استعملها رومل مع الحلفاء في شمال أفريقيا مشهورة  فهل يمكن لضابط عامل بالجيش أن لا يعرفها. ثم تذكرت أنه قد يدرسون في الجيش العقائدي أشياء أخرى .

                      أجبت : ترسلون رتلا من الدبابات حيث لا تشتبك مع الدبابات الإسرائيلية إنما تهرب فورا إلى ذلك المكان .

                      الضابط : هل من الضروري أن يكون رتلا ( في الواقع أن كلمة رتل هو الوحدة الوحيدة الذي أعرفه عن تشكيلة الدبابات ولا أعرف كم عدد الدبابات بالرتل )

                      أجبت : كلا ليس ضروريا يكفي عدد من الدبابات يغريهم على تتبعهم

                      الضابط : على أي شيء نضع أجهزة الأشعة

 ضقت ذرعا بأسئلة السخيفة فأجبته على أي شيء على الأرض

بعد حضوري إلى تشيكوسلوفاكيا ووجود القنوات الفضائية علمت من القناة العراقية أن الجيش العراقي من قام بالمناورة و أنه استغرق  يوم كاملا كي يفهموهم كيفية الكمين و قد تأكد من صدقه حين قال كان عندهم مشكلة بوضع أجهزة الأشعة على الأرض وحينما سألناهم لماذا لا تضعون تحتها خشبا أجابوا هكذا هي الأوامر .

                      ما حدث بالفعل أن الإسرائيليين كانوا قد أقاموا على الحدود دشما من الباطون  المسلح بسمك محسوب لي لا تتأثر من قذائف الدبابات السورية وكانت الدبابات السورية تهجم عليهم فلا يتأثرون ويعطبون الدبابات السورية فيسحبون السورين دباباتهم المصابة ويعدون الهجوم بأخرى هذا في النهار . وفي المساء تخرج الدبابات الإسرائيلية وتستدل على موقع الدبابات السورية من ضوء الأشعة تحت الحمراء فتقصفها في الوقت الذي لا ترى الدبابات السورية الدبابات الإسرائيلية و لا يعرف مواقعها لأن الدبابات الإسرائيلية لا تفتح سوى المستقبل . و قيل يومها لو خسر الاتحاد في أول يوم من حرب عالمية نفس العدد الذي خسرته سورية في اليوم الأول لخسر الحرب . قبل الكشف عن اللعبة الإسرائيلية و حضور الجيش العراقي لتنفيذها لم يستطيعوا القادة السوريون فهم ما يحصل . حتى الآن لازلت أتعجب كيف لم يتوصلوا أنه يجب أن يكون هناك خطأ بما يستعملونه بالليل , أظن أنهم في داخلهم لا يريدون أن يكون هناك احتمال انه يغلطون كي لا ينقص ذلك من هيبتهم إذ أنها عمادهم الأساسي في السلطة اللازمة للقيادة أو أن جهلهم جعلهم يفكرون أنه عند الإسرائيليين سلاح سري ما . كان الحل الوحيد بالنسبة لهم الطلب من الجيش المصري تكثيف هجومه عسى أن يخفف ذلك الضغط على الجبهة السورية  فقدموا بطلبهم خدمة كبيرة لإسرائيل , إذ كانت نتيجة استجابة  القيادة المصرية للطلب السوري هو ثغرة الدفرسوار التي حولت انتصار الجيش المصري إلى هزيمة للإطلاع على التفاصيل يمكن معرفة ذلك من صفحة قائد القوات المصرية في ذلك الوقت سعد الدين الشاذلي على صفحته في ويكيبيديا على العنوان

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B3%D8%B9%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B0%D9%84%D9%8A

يوجد في نهاية الملحق نسخة

                      نعود إلى موضوعنا عن الإمكانيات القيادية للجيش العقائدي و عما حصل معي أثناء الحرب .

حضر بعد ذلك أحد الضباط و قال لي : لسنا بمستواك ولا نستطيع عليك ما رأيك أن نستعين بالخبراء السوفيت , لم يكن أمامي إمكانية عدم القبول إذ سيثير ذلك شكوكهم , ولكي لا يضغطون علي معا هم والسوفيت – الذين يكرهونني – أجبته أقبل ذلك على أن تكونوا انتم رسل بيني و بين الخبراء و تسجلون كل شيء , وضمانا من عدم خضوعهم للسوفيت أضفت , انتقوا أن يكون الذي يتصل بي يكرهني و الذي يتصل بالسوفيت يكرههم , و الظريف بالأمر أنه قال إذا أنا الذي سيتصل بك . كان يحضر بسؤال و يأخذ الجواب ويذهب لم أعد أذكر الأسئلة ولكن بقي في ذهني سؤالان الأول & ألا تخدم الجيش ؟  شعرت أنه مقدمة للومي لعدم اهتمامي بالرتب , &أجبت : كلا إني أخدم وطني عن طريق الجيش & وكما توقعت اضطر الخبراء السوفيت الاعتراف بصحة جوابي لكون شعار أخدم ” الاتحاد السوفيتي ” كنت قد شاهدته في معظم أفلامهم الحربية . &أما السؤال الثاني فكان ما هو الشيء الغالي ؟ كنت أعلم أن الفلسفة الشيوعية تقول هو الشيء اللازم وفي الغرب يقولون الشيء النادر فانتقيت الجواب الفرنسي لأنه يجمع بين الاثنين ولقناعتي به &  فأجبت الشيء الغالي هو الشيء الذي يصعب تعويضه &  لم يعجب جوابي الخبراء السوفيت  فعرضوا علي ( الشيء اللازم ) ولكني بقيت مصرا على جوابي وبقيت نقطة خلاف بيننا وكنت أنتظر اللحظة الملائمة لإظهار صحة جوابي . في حديث بيني وبين ذلك الضابط عن أعمال الصيانة قلت * إن الشخصين مهمين  و لكن الفضل الأكبر للذي يستطيع القيام بأعمال لا يستطيع أن يقوم بها الآخرين أي الذي يصعب تعويضه * فاندهش وقال هل هذا يطبق هنا كذلك ؟ فأجبته في كل مكان  * قال ولكنه ذا فائدة أجبت نعم فهل تعوض ما ليس منه فائدة أم تتخلص منه * فتعجب وقال إذا جوابك كان يتضمن المفيد كذلك * فأجبته ولكن ليس كل مفيد غالي أليس ملح الطعام مفيد . ذهب و عاد بعد مدة وقال لقد جاء دورك بالأسئلة , لم يكن الجو ملائما للحوار و أردت التخلص فأجبت لا أسئلة لدي . أتى باليوم الثاني وسألني بلهجة المنتصر ما رأيك بالنازيين (كنت أعرف أن الشيوعيين لا يفرقون بين القوميين و النازيين ولكني فضلت أن يخرج ذلك منهم) * فأجبته عن من تتكلم لا يوجد عندنا نازيين و فجأة تغيرت ملامحه و قال هذا صحيح لا يوجد لدينا نازيين , وعاد بعد يوم ليقول لي بلهجة اتهامية أنت قومي فقلت له هذا صحيح تربيتي قومية إذ كنت في صغري بعثيا  .

                      علمت بعد ذلك من التشيك أنهم حينما كانوا يقولون السوريين للخبراء ولاكن لا يوجد عندنا نازيين كان الخبراء يجيبونهم لا نعرف هذه النتيجة التي توصلنا إليها وتكرر ذلك مرات عدة إلى أن صرخ أحدهم قائلا  ” ألم تفهموا إن ذلك يعني أنه قومي ”  وصرخ عليه زملاؤه لماذا تقول لهم . كانت النتيجة أن غضبوا المشرفون السوريين على الحوار إذ يقول الروس عنهم إنهم نازيون , ثم قارنوا بأن جوابي كان مباشر بينما الخبراء كان يتصلون بالهاتف بسفارتهم ويرسلون أحدهم إلى السنترال للتأكد من أن لا أحد يسمعهم – إذ كان بيننا من درس في روسيا –  فكان أن وقع الخبراء بدل أن يوقعوني .

عزيزي القارئ أرجو هنا أن تأخذ قسطا من الراحة وتسرح لخيالك العنان إن كنت تستطيع أن تتخيل ما خططوه القادة بعد ذلك للإفادة مني لتعرف إمكانياتهم التخطيطية  .

                      جاءني ذلك الضابط وقال لي : هل يمكننا المراهنة عليك ضد مثقلين أكثر من هؤلاء الخبراء

 فسألته : عن أي شيء قال إذا أخبرتك فستعرف أمورا سرية

تعجبت كيف يمكن أن أدافع عن شيء لا أعرفه , حين رأى علامات التعجب على وجهي قال بلهجة ذا مغذ & لقد وصل اسمك إلى الرئيس حافظ الأسد و إذا استطعت الانتصار وهز رأسه ( بمعنى يا لطيف ) .

 سألته : عن أي شيء أدافع هل أدافع عن شيء أنا قلته ؟ قال نعم

 تعجبت إذ لم يكن في حواري مع الخبراء ما يستحق كل هذا وظننت أنها مسألة معنوية لا قيمة حقيقية , لها قد تكون تتمة للحوار

فقلت له : حسنا أقبل

 فسألني ما هي شروطك

 تعجبت كيف يمكنني أن أضع شروطا لشيء لا أعرفه  فقلت له أن نكون جالسين و أومأت بيدي بشكل دائري و أن لا تقاطعوني بالكلام و أن يضعوا الشروط هم و أشرت على القيادة . لقد فهم سيادته أن يضع الشروط الجانب الآخر إذ علمت أن حافظ الأسد قال لهم ضعوا الشروط أنتم .

ما تركه عندي انطباع هذا الحوار أنه اختبار من اختباراتهم معي , إذ لو كان شيء جديا كما حاول التلميح حين قال لقد وصل اسمك إلى الرئيس حافظ الأسد لأرسل خلفي قائد اللواء و حدثني بنفسه .

انتهت الحرب و أعطوني إجازة فذهبت إلى حمص لتمضية بضعة أيام مع عائلتي وأهلي , بعد انتهاء الإجازة ذهبت إلى الكراج للذهاب إلى دمشق سألت عن السيارة التي لها الدور وركبت بها كي أحجز لنفسي مكاني المفضل في الأمام بجانب الشباك , بعد لحظات جاء أربعة ركاب انتقوا سيارة ثانية , فجاء السمسار و طلب إلي أن أنتقل إلى السيارة الثانية كي تسير فرفضت للمحافظة على مكاني وقلت له فليجدوا راكبا غير , فترجلوا الأربعة وركبوا سيارتي ودفعني ملازم طويل ذي جثة ضخمة  يشبه جسمه جسم آل الأسد كي يركب هو بجانب الشباك , قال له آخر يلبس لباسا مدنيا دعه هو بجانب الشباك كي يستطيع النظر إلى الخلف ولكن سبق السيف العزل ومشت السيارة فور ركوبهم .

فسألني الملازم هل تعتقد أنه على الجانب السوري أن يقبل بدورة تدريبه من الروس إذا كانوا يعرفون الدبابات جيدا .

أجابه من واحد من الجالسين بالخلف “إذا كانوا يعرفون” , تبين من لكنته أنه روسي يجيد العربية , تذكرت أني سئلت نفس السؤال في بداية خدمتي , وحتى الآن لا أعرف السبب ,

فأجبت إذا كانوا يعرفون وعندهم خبرة لا

وفورا وافق الروسي و قال أنا أوافق على ذلك 100%  , خاف السائق و احمر وجهه وعرق قليلا عرفت حين ذلك أنهم من الجيش و انهم أرادوا نقلي إلى سيارة يقودها عنصر مخابرات ,

قال لي الملازم : لقد كانت الدبابات الإسرائيلية ترانا في الليل ولم نكن نراها فقلت له : لأنكم كنتم تستعملون الأشعة التحت الحمراء

قال : إذا لماذا موجودة بالدبابة إذا لم نستعملها أثناء الحرب أين نستعملها إذن

قلت : لا أعرف ولكن يجب أن تكون مكتوبة بمكان ما

قال : وهل يجب أن يعرف الإنسان كل شيء

أصبح واضحا أنهم يريد أن أدخل في جدل أدين فيه السوفييت لما حصل بالدبابات و يعتمدون في ذلك على قولي ” الحق على الخبراء السوفييت ألم يقولوا لهم “

أنقذ الموقف الروسي حين صرخ ” أتريدهم أن يقرؤون إنهم لا يقرؤون ما يوقعون عليه حسنا سنريكم أين هي مكتوبة “

                      فقال للروسي  رجل ثان من الجالسين بالخلف هل معنا حق بأنه لا يعرف فأجاب الروسي نعم , حينما سمعت ذلك من الروسي وجدت أنه من الأفضل أن أسكت , حاول الجالس بالخلف أن يحرضني عن الكلام فأسكته الروسي بأن ذلك يخالف الاتفاق , لم أكن أعرف ما مضمون بنود الاتفاق – حتى هم لم يقرؤه كما أوضح الروسي – لا أعرف كيف يمكن في الحديث المناورة  لم أعرف في ذلك الوقت أنهم حققوا الكمين و نجحوا كنت مثل الزوج الذي تخونه زوجته فهو آخر من يعلم , وجدت أنه لم يعد باليد حيلة إذ لا يوجد عندي أي معلومات اعمتد عليها في أي حوار فقررت المحافظة على السكوت و التظاهر بأني لم أفهم المقصود .

بعد وصولي إلى القيادة وجدت الكل عابسين في وجهي ويعاملونني معاملة المغضوب عليهم . بعد ذلك صاروا يرسلون لي الضباط الذين رأيت بعني جبنهم المخزي للتحرش بي , كان واضحا أنه يبحثون عن سبب لمعاقبتي فكنت أشتبك بالكلام معهم و أدافع عن نفسي بمهاجمتهم كأشخاص وكنت شديد الحرص على أن لا أقول أي شيء ضد الجيش كي لا أحقق لهم مأربهم . وكنت أسأل دائما ماذا فعلت ؟ , أملا أن يبدؤوا هم الحديث لأرى كيف سيبررون إخفاؤهم كل شيء عني , الواقع هم المسؤولون إذ الخطة خطتهم لم أستشر بها ولم أعلمها , في مثل هذا الواقع كان عليهم قبل كل شيء تعريفي بما حدث ثم استشارتي و أخذ رأيي ببنود الاتفاق الذي لم يزعجوا أنفسهم حتى بقراءته , أليس من الواضح أني لن أدخل بجدل و أناقش في أمور لا أعرف عنها أي شئ , كيف يمكن أن يخطر ببالهم أنه يمكنني أن أسكت الروس و أدينهم  ؟ , أنا لم أفهم حتى الآن لماذا أخفوا الموضوع عني هل يخافون المثقفين و يرون أن إخفاء المعلومات عن المثقفين يضعفهم ويمكنهم التفوق عليهم بحيازتهم لمعلومات لا يعرفها المثقف فيشعر بالحاجة إليهم وبذلك يمكنهم التحكم به , عادة هذا سلاح المخابرات ضد المواطنين ولكن في هذه الحالة كيف لي أن اربح جولة الحوار ؟ . أليس من خطط لهذا يعتمد في تخطيطه على المعجزات ؟.

كان قائد المهندسين الجدد يطلب منهم تهدئتي ويطلب منهم أن يقولوا لي “من مصلحتك أن تسكت فهل يمكن أن يعاقبوك إذا لم تقترف ذنبا ” , فأجبتهم أن العقوبة عادة كي لا يعيد فاعلها فعلته إذا يجب أن يعرف ماذا فعل قال إثنين منهم معه حق وثار الثالث علي – كان أرمنيا – وقال لي بلهجة هجومية ” ألا تعرف أن تحقد ” فقال له قائدهم  ماذا تقول أجابه أريد أن أنصحه دائما كركركر . فقال القائد حسنا سنناقش الموضوع غدا على الطريق . بعد ذلك حضر قائدهم بمفرده .

سألني : هل يعاقب شخص لكونه قام بعمل عن غير قصد ,

فقلت له : كلا ولكنني مستعد أن أتحمل العقوبة كثمن لمعرفة ماذا فعلت

قال : حسنا وما هي العقوبة برأيك وحسب أي شيء ؟

قلت : أنا غير مستعد لتحديد أي مادة إذ أن تحديد المادة يعيق الدفاع فعادة ينتقي المحامي المواد التي تلائم موكله فلا يجوز وضع مواد تحدد اسألوا أي محام تريدون

سألني : إذن مثل هذا التحديد خروج عن الاتفاق ( شعرت أنه جاني الفرج ) فقلت أكيد

قال : وكيف نحدد عقوبتك بشكل عادل ,,,,أجبت حسب الضرر الذي سببته

سأل بلهجة مستغربة وعلى وجهه علامات استغراب ؟؟؟ أنت ضريت ؟ ؟؟؟

أجبته : إذا لم أضر لماذا تريدون معاقبتي ؟

سألني : وإذا حددت المادة أين نجدها

أجبت : أنا لا أعرف اسألوا محام مختص .

سأل : و إذا كان الاتفاق مع أجانب

أجبته : العقد شريعة المتعاقدين

فذهب فورا . بعد ذلك لم يعودوا يرسلون إلي أحد لإثارتي ولكنهم عزلوني عزل كاملا حتى المهندسين الذين ينامون معي كان قائدهم يأمرهم بالسكوت إذا حاول أحدهم الكلام وينتظر حتى يستلقون في أسرتهم قبل أن يذهب .

                      بعد ذلك بمدة أخذوني إلى كتيبة كنت قد صلحت بها عطلا وتركوني مع قائد الكتيبة لوحدنا ووقفوا خلف الباب للاستماع كالعادة .

                      فقال لي قائد الكتبة : لقد أفدت ضابطا كبير جدا فماذا تريد مكافأة ( أرجو الانتباه أن مكافأتي لاستفادة القائد وليس لاستفادة الوطن , فليس المهم نتيجة الحرب إنما المهم هو تمكين القائد إدعاء الانتصار ) ,

أجبت : يكفي أن يشكرني

 حاول أن يوحي إلي أن أطلب شيء ثمين فسعل أحد الواقفين خلف الباب , فغير و سأني :هل من الضروري أن يشكرك شخصيا ؟

أجبت : يكفي أن يشكرني على فنجان قهوة باسمه الذي يسرحني.

عرفت بعد ذلك ( كالعادة في تشيكوسلوفاكيا ) أن الاتفاق كان يحوي على أنه إذا ثبت عدم علمي بالموضوع فإن الاتحاد السوفيتي سيخصم للسورين 40% من ثمن الأسلحة المعوضة عن الأسلحة التي خسر بالحرب و إذا عرفت فإن على الطرف السوري أن يدفع ثمن السلاح كاملا ( قد يكون وضع هذه الفقرة لأن الروس لم يصدقوا أني لا علم لي بالأمر – طبعا أمر لا يصدق –  و توقوا أني سأقول شيء يكشف علمي , فسيدفعون السوريون الثمن كاملا و أكون أنا سبب دفعهم كامل الثمن فيحققون الروس انتقام مني ) , و أنه إذا استطعت إدانة الروس إدانة قانونية وحسب المادة ( ….. ) سيعوض الروس جميع الأسلحة مجانا .

                      وكما عرفت بالنسبة لما حصل على الطريق إلى دمشق , أنهم بعد نزولهم من السيارة  ذهبوا إلى حافظ الأسد وقالوا له مختصرين الأمر أني قد أدنتهم بدل من أن أدين الروس ولم يخبروه عما دار بالسيارة من حديث . فقال لهم حافظ الأسد عاقبوه , أرادوا استدعائي للتحقيق معي و معاقبتي فذكروهم الروس بأنه إذا عرفت سيدفعون ثمن الأسلحة كاملا ولم يستجيبوا لقول السوريين بأن المشكلة قد انتهت إذ لم يحدد في الاتفاق الزمن الذي لا يجب أن أعرف فيه و لذلك كانت مسألة التحرش لمعاقبتي .

 عرفت كذلك أن الضابط الذي كلمني عن العقوبة و القانون ذهب إلى القيادة للبحث عن نص المادة المذكور رقمها في الاتفاق , فوجدوها بعقد شراء الدبابات و تنص على أن الجانب السوري يتحمل كامل المسؤولية  لرفضه إجراء دورة من قبل الخبراء الروس ( ومما سمعته أن الجانب السوري قد ظن أن الخبراء الروس كانوا قد  كشفوا الحيلة و أنهم لم يخبروا الجانب السوري نظرا لرفضهم الدورة , فغضبوا كثيرا لأن يصل ذلك إلى هذا الحد , وسبب ذلك بفتور العلاقات مع الاتحاد السوفيتي وقد حاولت دول الخليج تشجيع ذلك بتدفق المساعدات المالية لسورية , ولكن العلاقات عادت إلى أشد ما يمكن بعد موجة الاغتيالات ) . هنا استنتجوا أنه لم يكن بالإمكان ربح الشرط و أن صمتي وفر الوقت , ( نسوا أنه وفر لهم كذلك 40% من ثمن الأسلحة ) . فذهبوا إلى حافظ الأسد وقالوا له أنه لم يكن من الممكن ربح الرهان لوجود المادة في عقد الشراء و خافوا أن يقولوا له أنها كانت كذلك باتفاق الرهان . فقال لهم حافظ الأسد أعطوه ما يريد ولكن لا تدعوه يعرف فإذا عرف عاقبوه , ولذلك كان عزلي حتى نهاية خدمة العلم . وهنا أحب أن أذكر ما سمعته بعد سنوات من ضابط كبير في المخابرات متأثرا بالتقارير المرفوعة عني المرفوعة عني من السفارة السورية في براغ  و المخبرين السورين في تشيكوسلوفاكيا ” – كنت قد كشفت سيطرة المخابرات التشيكية عليهم – أنه يندم لشفقة علي و إخبار حافظ الأسد ( عما هو موجود في العقد ), تخيلوا شفقة علي , فهو لا يرى أن ذلك واجب عليه – أليس ذلك دليل على شعوره الاستقلالية – ومن ناحية الضمير و الوطنية لم يشعر بأنهم مدانون لي لدوري بتغيير مجرى الحرب و ما وفرته من ثمن الأسلحة . على كل حصلت على مكافأتي وهي شكر من فم مساعد حين أعطاني هويتي المدنية ورفضت فنجان القهوة . ( لقد كان تعميم حافظ الأسد بمنع التحقيق معي بعد ذلك بحوالي أربع سنوات ) .

هذه إمكانيات قادة جيش النظام و هذا هو إخلاصهم

                      5 – الاجهزه الامنية :

هنا لا بد أن أذكر بعض إمكانيات هذه الأجهزة التي تعتمدون عليها لاستمراركم بالحكم وذلك من خلال تجربتي الشخصية .

                      الذكاء و إمكانية تفهم الوقائع لمخابراتنا كنت قد ذكرت في بداية الرسالة عن حماية والدك لي من أجهزة الأمن بتعميم يمنع التحقيق معي . ولكن يمكن معرفة آرائي و أفكاري عن طريق الحوار و النقاش . وقد حدث مرة في جلسة مع مهندس زميل يعمل بالمصفاة أن اشتكى لي بأن المساجد أصبحت ممتلئة بالمصلين , فقلت له إن الأماكن الوحيدة التي يستطيعون التجمع فيها الناس هي المساجد ولا شك أن هذا ينمي الاتجاه الديني فإذا أردتم تغيير ذلك عليكم السماح للاتحاد الاشتراكي وشيعيو رياض الترك بالعمل . بعد ذلك بعدة أشهر أخبرني بأن الجيش أصبح مستعد لتمشيط حلب التي كان ينشط فها طلاب جامعة حلب و كان أكثرهم ذو اتجاه إسلامي , وسألني ما رأيك    رأيت أن الفرصة سانحة للدلالة على صحة رأيي , فقلت له اجمعوا ما يقولونه شيوعيو رياض الترك , ثم دعوا أن يصيغه في بيان أحد شيوعيو خالد بكداش المتعاملين معكم , ثم وزعوه في حلب بعد منتصف الليل كي لا يعرف من وزعه وسترون أنه في اليوم التالي ستهدأ الأمور , جربوا ذلك وحصل ما كنت أتوقعه بالنسبة لرد الفعل الشعبي . ولكن المفاجأة التي لم أكن أتوقعها كانت الاستنتاجات (العبقرية) لأجهزه الأمن, اخذ قسم من ضباط الأمن في حمص بعضهم وسافروا إلى دمشق طالبين رفقة و مساعدة بعض كبار ضباط من أجهزة الأمن في دمشق لمقابلة والدك , وقالوا له أنهم اكتشفوا شخصية رئيس الإخوان المسلمين في سورية وقصوا عليه ما حدث وطلبوا منه السماح بالتحقيق معي – نظرا للتعميم الذي يحظر التحقيق معي – فسألهم والدك وكيف ستحققون معه

–                     أجابوا سنمسكه و نعذبه ضربا ونسأله سؤال واحد , أن يعطينا أسماء قادة الإخوان المسلمين ونستمر في ذلك فإما أن يعترف أو يموت تحت التعذيب ,

 قال لهم والدك : هل من الممكن أن يتفق أحد على إشارة كهذه ؟ جمع ما يقوله جماعة الترك إحضار شيوعي من جماعة أخرى لصياغة البيان وجود جماعة لتوزيعه سرا , وقال إن بحت صدفة , فارتدوا خائبين ولكن غير مقتنعين .

                      بعد عودتي من خدمة العلم أصبحت مراقبا لرفضي العودة للحزب ( إذ كنت قبل الوحدة بعثيا ) و اشتباكي مع رؤسائي ومديري بسبب الرشاوى .

منذ وصول التعميم بحظر التحقيق معي ورفضي العروض مقابل العودة إلى الحزب , عوضت أجهزة الأمن عن التحقيق معي بالسؤال عني لكل من احتك به , وبذلك حرمتني من إقامة أي علاقة طبيعية مع أي إنسان , و إضافة لذلك عملت ما في وسعها للإساءة لسمعتي وبشكل خاص بعد تحريض رؤسائي ومديري لاشتباكي معهم بسبب الرشاوى . ولكن بعد الحادثة التي ذكرتها أنفا شددت المراقبة علي و أصبحت دراسة ردود أفعالي لما يحدثونه معي في الشارع من (صدف) همهم الأول وبشكل خاص بعد قراري الهجرة من سورية . ؟؟؟ ألا يحق للعالم أن يحسدنا على ثقافة و إمكانيات أجهزة أمننا التي تتحكم بنا ؟؟؟

                      إخلاص أجهزة الأمن لا أدري مدى سيطرة المخابرات الأجنبية على المخابرات السورية فمن المعروف أن المخابرات تتبادل بعض المعلومات  فيما بينها  و إذا أضفنا وجود الخبراء الأجانب لتدريب و لنصح عناصر مخابراتنا وكذلك عقد النقص عند بعد عناصركم لنشأتهم في قرية ومحاولتهم تقمص الحضارة من الأوربيين فإن كل ذلك يساعد كثيرا على استسلامهم لسيطرة المخابرات الأجنبية , وسأذكر هنا ما حدث معي في تشيكوسلوفاكيا .

بعد انتقالي إلى تشيكوسلوفاكيا طلب والدك من السفارة و المخبرين السوريين العاملين قي تشكوسلوفاكيا إرسال تقارير عنى , ذلك لعرفته بما حصل معي في ليبيا و موقفي هناك حين ذلك ( من الممكن أنه لم ينسى اسمي و دعاه كذلك لتصفح مصنفي العسكري ) , إذ يعود لسياسة (العبقري الثاني) معمر القذافي  الفضل بإصدار التعميم بعدم التحقيق معي  .

 فرفعوا المخبرين المشكلين لجهاز المخابرات السورية في تشيكوسلوفاكيا – وهم كثرة و بشكل عام من الأقرباء و المدعومين – رفعوا الطلب إلى قيادتهم العملياتية المخابرات التشيكية , فهم يقبضون من سورية وينفذون رغبات التشيك المسيطرين عليهم كليا .

كانت المخابرات التشيكية في ذلك الوقت تراقب كل إنسان و تفتح له مصنفا , وكانت تريد المعرفة عني كقادم جديد وزاد من اهتمامها طلب المخابرات السورية , فكان المحاورون (صدفة) من المستفسرين عن الأوضاع في الشرق الأوسط كثر . لم أرى شخصيا ما يمنع من الدفاع عن وجهت نظر العرب فأنا في بلد (صديق) ويوجد كثير من السفارات العربية إذا ما تماد اليهود المحتلون لمراكز حساسة معي , وكنت أظن أن ما يحتاجه التشيك هو معرفة الحقيقة . كانت نتيجة الحوارات أن صنفوا شخصيتي بشخصية فيلسوف و أشكل خطرا إذا ما وجد أصدقاء لي , و بدأ البحث عن نقاط الضعف في شخصي و كثرت الإشاعات عني و اغلق أبواب النجاح أمامي مع اعترافهم الصريح بأني ” مهندس ذا إمكانيات ” إذ أن النجاح يقرب الناس من الناجح و أما الفاشل لا يعير الناس اهتمام لما يقول ويبقى عرضة للسخرية , وكان رؤسائي في العمل (صدفة) من اليهود , كان عملاء المخابرات التشيكية من الجالية السورية وأجهزة نظامكم و مخابراته في تشيكوسلوفاكيا من النشطين في نشر الإشاعات عني وكانوا يشتمونني لتفوقي في الحوار , مع أن دفاعي عن العرب مفيد إليهم بالدرجة الأولى إذ أن الصيت السيئ المبالغ فيه كثيرا عن العرب تؤثر على معاملة الشعب التشيكي لهم , أما العاملون في السفارة فشاركوا بذلك إذ كان يلائمهم ذلك نظرا لخوفهم مني لثقة والدك بما أقول , و لم يكونوا يهتمون بالأمور السياسية فلا يهمهم ما يحدث لمواطن نتيجة دفاعه عن الحق العربي , و يعتبرون أن الفضل في انتدابهم يعود لمن يدعمهم و أن واجبهم الأول هو التوفير من المعاش لقلة المعاشات في سورية بالنسبة لمتطلبات المعيشة , وكذلك يقتدي التمتع بإقامتهم عدم وجود المشاكل , فكانوا مستسلمين للتشيك كليا و اعتبروني مسببا للمشاكل هذا بالإضافة لسيطرة المخابرات التشيكية كليا على الموظفين المحليين في السفارة من الجالية السورية . كان عمل السفارة السياسي يقتصر على مراقبة خضوع الطلاب والمقيمين السوريين في تشيكوسلوفاكيا ورفع التقارير عنهم و ذلك يسهل التحكم بهم . نعم لقد وقعت بين مطرقة اليهود وسندان النظام و اعتقد أن هذا ما يحدث لكثيرين من المثقفين العرب .

                      لدي كثير من الحوادث التفصيلة التي أستطيع سردها ولكن تحتاج إلى كتاب وليس مقال , ما أريد أن أذكره هنا أن طول الشريط الذي ذكرته في بداية المقال كان ساعة ونصف , ومما ذكرت فيه بعض توقعاتي لتطور الأمور و طلبت من والدك القيام ببعض الأعمال منها المظاهرة الكبيرة التي هاجمت السفارة الأميركية مساعدة للعراق في عهد صدام حسين , طبعا حمل ذلك العنصر الشريط إلى والدك . و لكنه أبقى لديه نسخة لأنه كان يرى بتحقيق بعض ما توقعته معجزة إذ كان يعرف ما حصل معي أثناء خدمة العلم مع أن ذلك كان يعد من الأمور السرية بناء على أوامر حافظ الأسد معنى ذلك أنه موثوق ,  لم يجد ذلك العنصر حرجا بالسماع تلك النسخة مقابل  النقود سعيا لزيادة  دخله عسى أن يرضي متطلبات زوجته , في نهاية الأمر باع نسخة من الشريط للمخابرات التشيكية التي لم تأخذ بادئ الأمر أهمية لموجودات الشريط  و بعد سماعه  حفظته في المحفوظات . ولكن بعد المظاهرة على السفارة الأميركية تذكروا الشريط و أعادوا دراسته و أرسلوا نسخة منه إلى المخابرات الأميركية , فكان رد المخابرات الأميركية ملامة قاسية لماذا لم يرسلوا الشريط من قبل إذ كان يكفي أمر حارس السفارة الأميركية في دمشق بعدم مغادرة السفارة كي تفشل المظاهرة  . هذا إخلاص عنصر من عناصر مخابراتكم و المصنف من الموثقين .

                      إخلاص قيادة المخابرات : أرسلت المخابرات السورية طلبا سريا للمخابرات التشيكية تطلب المساعدة في حل مشكلة تدعي فيها أن والدك يعتقد أني ولي من أولياء الله , و ارسوا لهم مصنفي بدون تردد و حسب ما سمعته من المخابرات التشيكية أن طلب إرسال مصنف والدك بعد أخذ ورد ( وقالوا لهم لن نستطيع كشف الموضوع إذا لم ترسلوه ) فأرسلوه ألا يعني ذلك أنهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على السلطة ؟ . كانت نتيجة ذلك أني أصبحت أعرف ما كنت أتشوق إلى معرفته و هو محتوى مصنفي الأمني . إذ لجأت المخابرات التشيكية إلى امرأة تعمل في دار نشر كنت التقي بها من وقت لآخر نتبادل الحديث في السياسة , ولكي يسيطروا على مجرى الحديث زودوا المرأة بسماعة خلف الأذن وبميكرفون لا سلكيين للسيطرة على الحديث , وحدث إشكال بعدم الاستجابة السريعة من تلك المرأة لتوجيهاتهم فقرروا تعلية الصوت كي تسمع بوضوح مما أتاح لي سمع الحديث الذي يدور بين عنصري المخابرات التشيكية  ,  كانوا يتحاورون في ما بينهم ببعض ما في مصنفي المرسل لهم من سورية . لذلك فالحوادث التي اذكرها وذكرتها إما حدثت معي شخصيا أو عرفتها عن طريق المخبرات التشيكية .

ملاحظة إلى بشار الأسد : كنت قد ذكرت في مقابلتك التلفزيونية أنك لا تشعر بالمسؤولة عن إطلاق النار على المتظاهرين لأنك لم تعطي الأوامر بالطلاق النار على المتظاهرين . وتدعون أن عصابات مسلحة تطلق النار على المتظاهرين ,  كان هناك تعليقات كثيرة على ذلك , ولكن أنا أفهمك بعد تجربتي مع أجهزة المخابرات .

                      واقع الأمر أنه بعد دعم هذا النظام أجهزة المخابرات و زاد عددها و صلاحيتها لدرجة كبيرة أصبح القائمين عليها يرون أن النظام قائم بفضلهم و حمايتهم , وبذلك فهم ليسوا مجرد اجهزة خاضعين للسلطة ولكن شركاء فيها , لذلك يحق لكل منهم مع كثرة عددهم وتعدادهم أن يتخذ القرار الذي يراه مناسبا باستقلالية , فليس من الضروري أن ينتظر أوامر لإطلاق النار على المتظاهرين . وهنا يكمن سؤال بعد أن تستقل هذه الأجهزة عن الدولة في إتخاذ القرار ألا تصبح عصابات مسلحة . من المعروف أن أجهزة الأمن في سورية تتدخل بكل كبيرة و صغيرة في أمور المواطن و الوطن  تتدخل   بالإدارات و الاقتصاد حتى لم يعد عندنا قضاء حقيقي إذ تستطيع هذه الأجهزة أن تملي على القاضي بماذا عليه أن يحكم . إذا  سورية تحكم من قبل عصابات تحت تسمية أجهزة الأمن . أرجو المعذرة , فإذا كنت لا تشعر بالمسؤولية عن قتل المواطنين فهل تشعر بالمسؤولية كرئيس دولة عن حكم دولتك من قبل عصابات مسلحة ؟ .

نعم هذه أجهزت أمنك التي تعتمد عليها في المعرفة و في اتخاذ القرارات

هذا هو النص المنسوخ من صفحة الشاذلي في ويكيبديا لمن يحجب عنه العنوان

يقول الشاذلي عن الخطة التي وضعها للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس التي سماها “المآذن العالية” :

إن ضعف قواتنا الجوية وضعف إمكاناتنا في الدفاع الجوي ذاتي الحركة يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ولكن في استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة، بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة. كانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين:

المقتل الأول : هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها.

المقتل الثاني : هو إطالة مدة الحرب، فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية جدًّا.

ثم إن الحالة الاقتصادية تتوقف تمامًا في إسرائيل والتعليم يتوقف والزراعة تتوقف والصناعة كذلك ؛ لأن معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباط وعساكر في القوات المسلحة؛ ولذلك كانت خطة الشاذلي تقوم على استغلال هاتين النقطتين.

الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية يقول عنهما الشاذلي: “عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول الجبهة (حوالي 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ فالميزة الأولى تكمن في حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحًا”.

وعن الميزة الثانية قال الشاذلي: “يتمتع العدو بميزة مهمة في المعارك التصادمية، وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوي، وهو ما سيفقده لأني سأكون في حماية الدفاع الجوي المصري، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي من المعركة.

[عدل] حرب أكتوبر

 مقالات تفصيلية :حرب أكتوبر 1973 و قائمة قادة حرب أكتوبر المصريون

في يوم 6 أكتوبر 1973 في الساعة 14:05(الثانية وخمس دقائق ظهراً) شن الجيشان المصري والسوري هجومًا كاسحًا على إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري خطة “المآذن العالية” التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح غير متوقع، لدرجة أن الشاذلي يقول في كتابه “حرب أكتوبر”: “في أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهى الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي طابور تدريب تكتيكي”.

[عدل] موقفه من تطوير الهجوم

أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل علي تطلب زيادة الضغط على القوات الإسرائيلية على جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط على جبهة الجولان، فطلب الرئيس السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط على سوريا، فأصدر إسماعيل أوامره بذلك على أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر. عارض الفريق الشاذلي بشدة أي تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظله معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي.

بناء على أوامر تطوير الهجوم شرقًا هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني (في اتجاه السويس) بعدد 2 لواء، هما اللواء الحادي عشر (مشاة ميكانيكي) في اتجاه ممر الجدي، واللواء الثالث المدرع في اتجاه ممر متلا.

في قطاع الجيش الثاني الميداني (اتجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة في اتجاه منطقة “الطاسة”، وعلى المحور الشمالي لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع في اتجاه “رمانة”. كان الهجوم غير موفق بالمرة كما توقع الشاذلي، وانتهى بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسي، هو أن القوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوي الإسرائيلي.

بنهاية التطوير الفاشل أصبحت المبادأة في جانب القوات الإسرائيلية التي استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم “الغزالة” للعبور غرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقها خاصة وأن القوات المدرعه التي قامت بتطوير الهجوم شرقا هي القوات التي كانت مكلفة بحماية الضفة الغربية ومؤخرة القوات المسلحة وبعبورها القنال شرقا وتدمير معظمها في معركة التطوير الفاشل ورفض السادات سحب ما تبقى من تلك القوات مرة أخرى إلى الغرب، أصبح ظهر الجيش المصري مكشوفا غرب القناة. فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار.

[عدل] ثغرة الدفرسوار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى