ما قبل “خطاب الملك” السوري المرتقب!
منذ أسابيع أخبرت بعض الاخوة انه ومنذ ثورة مصر فقد كسرت قلمي مع هذه “القومات” المجيدة التي تشعرك بالعجز والضعف وأنت ترى الشباب يبذلون دمائهم وأموالهم في سبيل حريتهم وحرية أوطانهم وكرامتهم بعد طول سبات فيما تبذل انت حبرك لا غير!
لننغمس جميعا في متابعة الأخبار ونشرها والتعليق السريع والقصير عليها عبر تويتر، وتبرز أهمية ذلك مع ضيق الوقت ومع التكتيم والتعتيم الهائل الموجود في سورية حول مصادر الأخبار وحقائق الوقائع مما يعطي مجالا خصبا للقلق والاشاعات والاخبار المكذوبة عمدا أو عن غير عمد.
اذن لم يكن هذا وقت التأمل والتحليل والكتابة مع هذه الثورات بل إما متابعتها والاندماج بها معنويا ووجدانيا ودعمها بكل الوسائل أو النزول الى الارض والاشتراك بها حيث كان التاريخ يسطر ملحمة من أروع ملاحم الكرامة العربية.
اشتعلت ثورة من أشرف الثورات في مصر وانتصرت ومن قبل في تونس ومن بعد في ليبيا ومن ثم اليمن واندلعت بشكل محدود هنا وهناك تبحث عن طريق الحرية والخروج من ربقة الطغاة والاستعمار الداخلي، كل ذلك والجميع يستبعد سورية والتي يبدو ان التاريخ توقف على أطلال حزب البعث فيها وبدت خارج الزمان والمكان، حتى أن الرئيس بشار الأسد خرج مزهوا في لقاء مع صحيفة الوول سترييت جورنال الأمريكية ليؤكد بشكل لا لبس فيه أن لا ثورة في سورية! ولن يخرج الشعب لانه والنظام متلاحمين وأن سورية دولة مقاومة وممانعة! ولتتكرر ذات الاسطوانة بأن سورية ليست مصر ولا تونس! وقد قالها الذين سقطوا فما أغنت عنهم من ملكهم شيئا!
تحققت السُنة وانتقلت العدوى وخرج الشعب السوري ثائرا ومطالبا بالحرية والكرامة والتغيير بعد استعباد طال لأكثر من اربعين عاما، بل قارب الخمسين مع مجيء حزب البعث في انقلابه المشؤوم عام 1963 والذي أنهى فترة من أزهى فترات الديموقراطية والحرية والتعدد والتي كانت مابين الانفصال المصري-السوري وهذا الانقلاب المشؤوم.
خرج أهالي درعا سلميين وأبرياء بصدورهم العارية وأيديهم الخشنة وأرواحهم النقية، لكن “يا حيف” . أِطلق عليهم الرصاص الحي في كل مكان، فارتقى شهداء منهم يقدر عددهم بمائة وخمسين حتى الآن في المسجد العمري وفي ساحة الكرامة وفي “طفس” و “الصنمين” و “حراك” وغيرها من القرى والأماكن التي هبت لنجدة درعا فلم تفرق هذه الرصاصات الغادرة ما بين طفل وشيخ وشاب وامرأة، وكرر النظام السوري ذاته وأعاد تاريخه عندما ذبح سكان “حماة” كالنعاج في عام 1982 والمجرم لا يتغير أبدا.
خرج أهالي درعا الأباة والكرام، بل خرج أطفالهم يكتبون شعارات ببراءة وباندفاع ذاتي فأعملت بهم السلطات ضربا واعتقالا وتعذيبا مما أثار الأهالي الذين خرجوا انتقاما لهم ولكرامتهم فحدث ما حدث، ولسنا بوارد سرد الأحداث هنا والتي تعرفونها جيدا والتي تتحدث عنها الفيديوهات المرفقة بشكل واضح ولا تؤثر فيها أكاذيب مستشارة السوء بثينة شعبان التي تفوقت بأكاذيبها حتى على القذافي نفسه وبذات البروباجندا التي يسير بها التلفزيون الحكومي وبقية المسؤولين والتي لم تغن شيئا ولم تنفع النظام المصري والليبي في هذا العصر الاعلامي الحديث.
لكننا هنا بصدد التكهن أو التمني قبل ساعات من خطاب مفترض “للرئيس” السوري بشار الأسد سيوجهه الى شعبه الذي ما زال حتى هذه الساعة يقتل ويذبح على يد أجهزته الأمنية والعصابات التي يقودها الاخوة وأولاد الخال والعمومة!
بحسب فاروق الشرع، فإن هذا الخطاب سيحمل قرارات مهمة ستسعد السوريين! ورغم أن التفاؤل منقطع من هذا النظام ولا أمل باصلاحه رغم الحلم القديم حيث المقدمات المنطقية وأسس الاصلاح ورغباته مفتقدة، بعد وعود امتدت منذ احد عشر عاما حيث “خطاب القسم” المحنوث به! وحيث “ربيع دمشق” الموؤد!
وبعد سفك الدماء الرهيب الذي حدث في درعا واللاذقية ومن قبل سجن صيدنايا حيث يفقد أي نظام شرعيته بعد قتل وذبح أبناء شعبه! ومن خلال حكم العائلة والميليشيات “والشبيحة” ومراكز القوى المتعددة حيث للأخ قوة وعساكر، وللعم جمعيات، ولابن الخال كل الاقتصاد في جيبه! ولابن العمة مراكز وقوى أخرى وكأن البلاد مزرعة يقتسمونها ويلقون بفتات شعيرها وقمحها للشعب المسكين!
كل السابق يجعل من إمكانية أي اصلاح حقيقي شبه معدومة أو معدومة تماما، حتى لو كان بشار الأسد نفسة صادقا في ذلك الاصلاح ويريده حقا فانه سيصطدم بكل تلك القوى والاشخاص وامتيازاتهم والتي بنيت على قوت الشعب ومقدراته والتي تتغذى على حالة الفساد بشكل متجذر بحيث يصعب ان تعيش بدونه.
مالذي سيحمله خطاب بشار الأسد -مع كل هذا- بعد ساعات أو في الليل أو غدا؟ في الغالب لا جديد وانما اجترار لوعود نكث بها او تبيان لحالة عجز تخرجه كرئيس صوري لا يملك امر حكمه-ان صحت تلك النظرية! – لكن ومع كل ذلك وكما قلت في تويتر، هنالك فرصة أخيرة وأمل شحيح من الممكن أن يهذأ الناس ويغير الحال باسفنجة كبيرة جدا من القرارت الفعلية القابلة للتطبيق فورا والقادرة على امتصاص غضبة الشعب المكلوم، فدرعا قدمت كل هذا الكم من الشهداء لا لأكاذيب بثينة شعبان ووعودها الزائفة! أقول ان لدى بشار الأسد فرصة أخيرة يثبت فيها أنه بالفعل “ليس سر أبيه” كما فعل ملك المغرب محمد السادس، وأنه مثقف ودكتور ومتفتح وشاب يريد مصلحة شعبه ويريد حقا الالتحام به، من خلال الانقلاب على نفسه وتغيير جذري في نظامه الحاكم يمنع المزيد من الدماء والشهداء، فنحن في مرحلة خرجنا بها عن انصاف الحلول وانصاف الرجال وانصاف القرارات وانصاف الاصلاحات، بل وكل الاصلاحات الموعودة، وانما تغيير جذري تام يتمثل في مطالب عديدة رددها الشعب هنا وهناك على اختلاف فئاته وأماكنه ولخصها بعضهم “بالحرية” التامة دون قيد أو شرط والتي ان كان بشار صادقا في تحقيقها فبلا شك سيواجه مصاعب وربما سيصطدم مع تلك القوى التي تقف عائقا في نيلها حيث لا بد من ازالتها خصوصا قوى الأمن المجرمة والعصابات و”الشبيحة” و “الدويلات” الأمنية والعسكرية المتواجدة داخل الدولة الكبيرة، كما فعل من قبل السلطان العثماني محمود الثاني الذي وجه مدافعه للانكشارية وقضى عليها بعد ان باتت عائقا في طريق الاصلاح والتغيير.
تلك “الحرية” التي ينادي بها الشعب تتضمن مطالب كثيرة وجذرية ربما تتلخص في الآتي، وأتمنى في حلم أخير أن أسمعها من هذا الخطاب:
1- الالغاء الحقيقي والجاد والفوري والفعلي لحالة الطوارئ الظالمة في البلاد وعدم استبدالها بقانون مشابه يتم الكذب به على الشعب.
2- تبييض جميع السجون السياسية واطلاق جميع سجناء الرأي بلا أي قيد أو شرط والغاء جميع الاحكام العسكرية الاستثنائية الظالمة.
3- كشف مصير المفقودين منذ أحداث الثمانينات وانهاء مأساتهم وتعويضهم.
4- السماح بعودة جميع المنفيين والممنوعين من السفر والسماح بسفر جميع من في الداخل.
5- الغاء القانون تسعة واربعين الظالم والذي يحكم بالاعدام على جميع من ينتمي للاخوان المسلمين
6- ارجاع جميع المنازل المصادرة من اصحابها لانتماء سياسي أو فكري والمقدرة بعشرين الف منزل.
7- الغاء المادة الثامنة في الدستور التي تجعل من حزب البعث قائدا للدولة والمجتمع وانهاء هيمنته على الحياة السياسية في البلاد.
8- صياغة قانون عادل وحر للأحزاب السياسية تنظيما وتأسيسا ومشاركة وكذا للنقابات والجمعيات وحرية تكوينها
9- محاسبة المجرمين والقتلة في الاحداث الاخيرة وتقديمهم لمحاكمات عادلة.
10- حل الأجهزة الأمنية التي تربو عن خمسة عشر جهازا وتوحيدها في جهاز واحد مخصص لأمن الوطن والمواطن لا ارهابه وقتله وتعذيبه.
11- حل مجلس الشعب والترتيب لانتخابات تشريعية حرة ونزيهة تضمن فرص متكافئة لجميع القوى والتيارات في البلاد وكذلك الترتيب لانتخابات رئاسية قادمة تنهي مهازل “الاستفتاء” لشخص واحد وتضمن التداول السلمي والعادل للسلطة.
12- محاربة الفساد المالي والاقتصادي والاداري والمحسوبيات والقضاء عليه من جذوره وهذا يتطلب كما نعلم مواجهة رؤوس مافيات الفساد الكبرى من رجال النظام.
هذا معنى “الحرية” التي ينادي بها الشعب، وهذا معنى أن “ينقلب” بشار” على نفسه وربما سيصدم بالقوى الامنية والمجرمة في سبيل ازاحتها، لكنه سيغدو حينها بطلا وسيف كل الشعب الثائر ورائه.
وكما قلنا سابقا “ليس لدى بشار عصار سحرية للاصلاح كما يدعي، لكن لدى الشعوب العربية الثائرة والشعب السوري، عصا التغيير ، نهش بها على حكامنا ونخرجهم، ونثور بها عليهم ولنا بها مآرب أخرى”.
دماء أهالي درعا وشبابها الطاهر ليست رخيصة حتى تسكتها ببعض الاصلاحات الزائفة هنا وهناك، ولعلك وانت “المبشر” بالتقنية في البلاد قد شاهدت على اليوتيوب الذي فككت الحجب عنه مؤخرا، رأيت هذا الفيديو، والأمهات تردد “يسقط بشار الأسد” و “عم ابكي على الوطن” ولعلك شاهدتهم وهم يهدمون تمثال والدك ويمزقون صورك وصوره في الميادين العامة! لعلك كنت ذكيا لتفهم الرسالة! وان التغيير قادم وان لم يكن على يدك فسيكون على يد الشعب وعليك وعلى نظامك.
فرصتك الأخيرة يا سيادة الرئيس. ويا حيف ان لم تستغلها… يا حيف
http://okbah.cc/ok/