متآمرون وجراثيم
زياد ماجد
يمكن استعراض الكثير من علامات التشابه بين الحكّام العرب، المخلوعين أو المُقبلين على خلع. فجميعهم اعتمدوا شعار “الى الأبد”، وجميعهم استقووا بقواعد عسكرية أو مخابراتية أو مذهبية أو قبلية أو مالية لبناء سلطانهم، وجميعهم شيّدوا (أو ورثوا) منظومات “قمع رمزي” قادرة على التحوّل في أي لحظة الى “القمع الفعلي” لإدامة سطوتهم. وجميعهم جهدوا لتحطيم العلاقات السياسية في أوطانهم ولتدعيم شبكات الفساد الموالية لهم توسيعاً لقواعدهم الاجتماعية. وجميعهم، كذلك، تصرّفوا بوصفهم زعماء معشوقين يردعون عبثاً الرغبات الجماهيرية الجامحة في وهبهم الأرواح والدماء.
على أن جديد التشابه بين هؤلاء، يكمن في مقولاتهم وألفاظهم وما يسدّدونه من تُهم وهم يواجهون الثورات والانتفاضات الشعبية المندلعة في وجوههم.
فمعظمهم (بن علي ومبارك وصالح والقذافي والأسد) حذّروا على نحو مباشر أو غير مباشر من أن بدائلهم تعني الفوضى والحروب الأهلية والسيطرة السلفية والأخوانية (أو “القاعدية”) على البلاد.
ومعظمهم (صالح والقذافي وآل خليفة والأسد) تحدّثوا عن مؤامرات خارجية وعن تمويل محاولات انقلاب ضدّهم.
ومعظمهم أيضاً (بن علي ومبارك وصالح والقذافي والأسد) اعتبروا الإعلام محرّضاً عليهم حاقداً ينسج الأكاذيب والمكائد.
ومعظمهم أيضاً وأيضاً (بن علي ومبارك وصالح والقذافي والأسد) اكتشفوا بعد عقود أو سنوات مديدة من تربّعهم هانئين على العروش، مُشيدين بإنجازاتهم وإصلاحاتهم، أن الأمور ليست على ما يرام وأن عليهم التعهّد بالإصلاح وتعديل القوانين ورفع حالات الطوارئ وإطلاق المعتقلين وتنظيم الحوارات الوطنية.
ومعظمهم كذلك (صالح والقذافي وآل خليفة والأسد) سمّوا المتظاهرين مخرّبين وعنفيّين لا يريدون غير الفوضى، مع تميّز كبير للقذافي والأسد في الإكثار من توزيع التُهم، وفي إقحام “الحبوب” و”الجرذان” و”الجراثيم” في الأدب السياسي والتحذير من مضارها المستقبلية: على القلوب في حالات “حبوب الهلوسة الليبية” (بحسب القذافي)، وعلى التربية في حالات “الأطفال السوريين الناشئين على الفوضى وكره الدولة” (على ما قال الأسد).
ومعظمهم ختاماً تعهّدوا بتنظيم انتخابات تنهي ولاياتهم بعد أن كانت المنايا وحدها ما قد يفصلهم عن قصور الرئاسة (بن علي ومبارك وصالح)، في وقت شذّ القذافي عن هذه القاعدة، إذ لا منصب له يجوز التنافس عليه ولا مأوى غير الخيمة والسماء. وشذّ الأسد أيضاً، إذ يعتبر سوريا ملكَه العائلي وهو الذي ورثها عن أبيه (وشذّ بطبيعة الحال آل خليفة، إذ إن نظامهم أساساً ملكي).
يبقى أن اثنين من الحكام فقط – وهما بالمناسبة “الأكثر تقدّمية وممانعة” – توسّلا إسرائيل حمايتهما. فتحدّث باسم القذافي ابنه سيف الإسلام محذّراً تل أبيب من مخاطر سقوطه على أمنها و”أمن المتوسّط بأكمله”، فيما تحدّث باسم الأسد ابن خاله رامي مخلوف مؤكّداً أن “استقرار إسرائيل من استقرار سوريا” (أي من استمرار نظامه).
هكذا، يتشابه الحكام في معظم الحالات إذن، ويتميّز عنهم إثنان (أو ثلاثة على الأكثر) في حالات محدّدة. وفي المحصّلة، أن اثنين منهم سقطا وواحداً سجينُ مشفى في المنفى، وآخرَ مختبئ تحت القصف، في وقت يستمر آل خليفة في مطاردة المشاركين بالمظاهرات ضد حكمهم، ويحاول الأسد التصدّي لـ64 ألفاً من المطلوبين “الفارين من العدالة”، على ما قال، للحدّ من “اندساسهم” ونشرهم الأوبئة في سوريا…
وهكذا أيضاً، يتشابه الناس المنتفضون والثائرون في وجه الحكّام المذكورين، فيدفعون الأثمان الغالية لتشابههم ولتوقهم للحرية، القادمة لا محالة…