متى يسقط النظام السياسي؟
خالد الروسان *
بعيداً من الخوض في الأسباب الدينية والفكرية والتاريخية والشرعية، التي هي من أهم العوامل التي تؤدي إلى زوال أنظمة سياسية حاكمة وانهيارها هنا وهناك، نحاول أن نشير هنا إلى أبرز السياسات والإجراءات والأفعال العملية التي يتخذها النظام السياسي على أرض الواقع في حال قيام ثورات أو انتفاضات أو احتجاجات ضده، بخاصة في زمن الربيع العربي وموجة الثورات الراهنة وانتفاضة الشعوب الحالية، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى انهياره وسقوطه، ومنها:
ـ عندما يتواجه النظام مع الشارع مباشرة:
اتضح من بعض التجارب السابقة، ومن بعض مشاهد ثورات الربيع العربي أنه في حال تواجه النظام السياسي مع الشعب، فإنّ النظام يتعرّى تماماً، وتسقط أوراقه وسياساته وتدابيره السابقة، والتي اتخذها طيلة حكمه كي لا تأتي هذه اللحظة، إذ من المعروف أن الكثير من الأنظمة في كثير من الدول، بخاصة تلك التي لا تتمتع بشرعية شعبية أو غيرها تحاول ألا تتواجه مع شعبها، وذلك من طريق صناعة وإيجاد كثير من البنى السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بحيث تكون هذه التشكيلات هي من تتواجه مع الشارع، بعيداً من رأس النظام.
– عندما يتوجه النظام بالإصلاحات الى الخارج وليس الى الداخل:
إذا ما بدأ النظام يشعر بالضغط الداخلي عليه، والذي ينتج ضغطاً خارجياً يحسب له ألف حساب، فإنه يشرع في الإصلاحات بقصد إرضاء الخارج وليس الجماهير… في هذه اللحظة يغامر تماماً بالانفصال عن واقعه ويبدأ بترتيب أوراقه بحيث يتفادى الانتقاد الخارجي، فالكثير من الأنظمة السياسية لم يخبر في حكمه شارعاً أو شعباً يعترض أو يقاوم هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن تلك الأنظمة بنت قواعدها في الحكم على شرعية الخارج، وليس على شرعية الداخل. فالشعوب عندها، كما قيل، كيانات مجازية لا وجود لها، وساعتها يكون النظام قد ضل الوجهة، وبدأ يدفع بنفسه الى خسارة الداخل وحكمه تماماً.
– عندما يتحاور مع الجميع في الداخل عدا الشارع:
في لحظة تأزم الأوضاع كما يحصل اليوم في الثورات العربية، يلجأ النظام إلى الخروج من ورطته السياسيه والتاريخية والشرعية إلى التحاور والتفاوض مع قوى وجماعات مخــتلفة، ظناً منه أنها ربما تكون قادرة على إنقاذه أو أنها يمكن أن تسيطر على الشارع الثائر وتوجهه، لكنه تكتيك خطير يألّب الشارع عليه أكثر فأكثر، ويعزله ويجعل مصيره في يد الشارع تماماً، فكلما ابتعد أو حاد عن سماع الجماهير بدأ بالتراجع والانهيار، بعدما ثبت أن كل القوى والجهات على أرض الواقع لا تستطيع إنقاذه من شارعه.
– لحظة لجوئه إلى معالجة الأوضاع القائمة بثقافة النظام السابق وعقلية الحرس القديم: كثير من الأنظمة أثبت الأشهر السابقة معالجته للأمور وتعامله مع الأحداث بعقلية وفلسفة النظام السابق، والتي هي امتداد له، أو بتفكير العقود السالفة من دون أن يدرك أن كل شيء يتغير ويتبدل، وأن الوحيد غير القادر على التطور والتحول هو الأنظمة نفسها. الأسوأ من ذلك أنها تقوم بالاعتماد على الحرس القديم حولها في معالجة ما يجري بأشخاصهم وأفكارهم وهم الحريصون دوماً على محاربة التغيير، حتى لا يفقدوا مواقعهم ومصالحهم وامتيازاتهم، فتنفصل لحظتها الأنظمة تماماً عن شارعها، ولا يظهر هناك حل أبداً إلاّ برحيلها.
– في حالة اعتمادها الحل الأمني وإدمانه:
ثبت تاريخياً وعالمياً أن اعتماد الحل الأمني أياً كانت صوره في مواجهة ثورات وانتفاضات الشعوب خاسر تماماً، بل على العكس يسرّع في فقدان النظام شرعيته ويبقيه داخل ثكنته الســـياسية المعـــزولة عن شـــعبه، فــهو كمن يعالج الأزمة بالأزمة والمشكلة بالمشكلة، وكلما صعّد، صعّد الشارع ضده.
– عندما تلامس جنازير الدبابات أرض الشارع: في اللحظة التي يلجأ فيها النظام إلى ورقته النهائية وهي استخدام الجيش، يكون قد دشن الفصل الأخير من سقوطه وانهياره، لأن الشارع عندما يرى أن فوهات مدافع الدبابات قد وجهت إليه وهي التي يجب أن توجه الى أعدائه وتحميه، يقتنع وقتها تماماً بأن النظام أصبح عدوه الحقيقي وأن جيشه صار قوة احتلال، فينزع الشرعية منه تماماً ولا يرضى بأقل من محاسبته ومحاكمته بعد سقوطه ورحيله، ومن المفارقات العجيبة أن شيئاً من هذا يحصل في العالم العربي، إذ إن الجنود على حدود بعض الدول العربية المحاذية للكيان الصهيوني تكون بنادقهم موجهه الى الداخل، وظهورهم لإسرائيل، وهذا عكس كل ما هو متعارف عليه في كل دول العالم، فالجندي الذي يحرس الحدود الثغور تكون بندقيته موجهة الى عدوه وظهره لشعبه.
* كاتب أردني