مجدّداً: الثورة السورية يتيمة
علي الأمين
يبقى ان الوقود الفعلي لاستمرار الثورة السورية هو السلوك الدموي الذي اعتمده النظام السوري لقمع الاحتجاجات السلمية ولم يتخلّ عنه. ولأنها ثورة انطلقت من الارياف، وثورة المهمشين و ضواحي المدن الكبرى، لذا تطال في حراكها وتمثيلها فئات اجتماعية يتجاوز تعدادها 18 مليون نسمة من اصل 23 مليون سوري. والاحتجاجات والمواجهات انتقلت الى المدن الكبرى ولم تعد دمشق وحلب خارج الصراع بل ربما تختصران في ميدانيهما المواجهة داخل سورية اليوم.
وفي ظل غياب مشروع دولي للحل في سورية ستطول المواجهات، مع ملاحظة ان ثمة ندّية بدأت تبرز ملامحها أخيرا لدى الجيش السوري الحر امام الجيش النظامي. وتقدم الايام والاسابيع في مسار الثورة، يكشف عن تسارع في وتيرة سقوط الضحايا وعمليات القتل، ويظهر أيضا في المقابل ان ميزان القوة بين المعارضة والنظام يميل وبوتيرة متنامية ولو ببطء لصالح قوى الثورة السورية. فتمدد المواجهات الى مناطق جديدة كل يوم، وتبلور تجربة الجيش السوري الحر، وانكسار هيبة النظام السوري، كلها امور جعلت السوريين يتلمسون ان التغيير بات قدرا محتوما. أما بالنسبة الى الكلفة فتظهر الوقائع ان العودة الى الوراء، اي بقاء النظام صامدا، هي الكلفة التي لا يريد معظم السوريين ان يتحملوها.
في الموقف السياسي يبرز غياب المشروع الدولي لوقف القتل والتدمير ولتغيير النظام. الادارة الاميركية ليست لديها خطة عسكرية وسياسية في سورية، ولا حتى خطط دعم جدي للمعارضة السورية. الاميركيون يرفضون تقديم سلاح اميركي الى الثوار والجيش السوري الحر. كل ما قدم في الميدان هواتف ثريا. وثمة نقص في الاسلحة دفع بعض السوريين في دوما على سبيل المثال لا الحصر، الى بيع اراض لشراء سلاح لتسليح المقاتلين في هذه المدينة الصغيرة التي دمرت بنسبة 70 في المئة. السلاح يشرى من الجيش النظامي، وبحسب المتابعين لعملية تسلح المعارضين فإن 90 في المئة من تسلّح الجيش السوري الحر والمجموعات القتالية المعارضة مصدره الاستيلاء على مخازن اسلحة تابعة للجيش النظامي أو شراء السلاح.
المزاج السوري العام يميل كل يوم نحو الخلاص من نظام الاسد. وتترسخ فكرة الخلاص كلما ظل نهر الدم السوري جاريا، وتنامى الرفض الشعبي في مقابل استخدام النظام كل ما لديه من وسائل مشروعة وغير مشروعة للقتل والتدمير، يقابله احجام اقليمي او دولي عن تقديم اي دعم سياسي او عسكري. فحتى اليوم لم يتحقق الدعم العربي للثوار السوريين كما تدفقت الاسلحة الى الثوار الليبيين من جهات عربية مختلفة. فيما يتسم قرار عدم تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة متوسطة تمكنه من ان يخفف من عمر النظام ويحد من وتيرة تساقط الضحايا الابرياء.
وفي ظل غياب المشروع الدولي للحل من الخارج في سورية فإن الحركة الاقليمية تبقى في مستوى التعبير عن رغبات وآمال وليس عن دور، على ما تفصح مصادر عربية مقاطعة للنظام السوري. فـ”الادار ة الاميركية ليست مستعجلة والمملكة العربية السعودية تعبر عن مواقف سياسية مؤيدة من دون ان تتبنى خطوات فاعلة في دعم الجيش الحر او المعارضة بتشكيلاتها المعروفة”.
وتضيف المصادر ان “دولة قطر بدت وكأنها هي من يخوض المواجهة العربية مع سورية، فيما القيادات التركية تتحدث كثيرا ولا تفعل الا القليل القليل. تركيا لن تتحرك ميدانيا ولن تقدم دعما عسكريا للثوار اذا لم يكن هناك موقف اميركي يحمي هذه الخطوة. السوريون متروكون لمصيرهم وثورتهم كما تهدد اركان النظام السوري فهي تقلق الآخرين وتثير تساؤلاتهم بل مخاوفهم”.
يبقى تذكّر أنّ في عراق صدام حسين لم يسقط النظام البعثي الا بتدخل خارجي، وفي ليبيا الامر مماثل، فهل يمكن في سورية أن يسقط نظام البعث من دون تدخل خارجي؟
كاتب لبناني
البلد