صفحات العالم

بأمثالهم ينتصر الأسد/ موناليزا فريحة

سواء أكانت دعوة المطران لوقا الخوري المسيحيين في سوريا الى حمل السلاح لحماية المقدسات، صحيحة أم لا، فكلام كهذا ليس الا دليلا على اليأس الذي يشعر به سوريون كثر، ليسوا مسيحيين فحسب، حيال انتهاكات وتعديات يتعرضون لها باسم ثورة تكاد تضل طريقها. في يومها الالف الذي صادف هذا الاسبوع، تكاد الثورة السورية تصير أبعد آلاف المرات من هدفها. رسوم أولاد درعا على الجدران “الشعب يريد اسقاط النظام” إمّحت او تكاد تمّحي. أحلام الكبار بسوريا حرة وديموقراطية وتعددية تقوّض. تدخل الثورة في متاهة معقدة. يتملك اليأٍس أبناءها. والنظام يتنفس الصعداء عوض أن يختنق.

في اليوم الالف، يشعر آلاف الناشطين بخيبة. أحلامهم بالتخلص من نظام الاسد الذي أطبق على قلوبهم عقودا، مهددة. مشاريعهم لسوريا الجديدة في خطر. خياراتهم تضيق أكثر فأكثر بين الاسد و”داعش”. يكاد كثيرون يختارون الهجرة بعيدا من سوريا ومصيرها الغامض.

شكّل سقوط الرقة في أيدي الثوار في نيسان الماضي، نقطة تحول في الثورة السورية، أو هكذا خيل الينا في حينه. كانت أول مراكز المحافظات يخرج عن سيطرة النظام السوري. غير أن تلك المحافظة المنسية تكاد مع مرور الاشهر تتحول قندهار سورية. فتياتها، بمن فيهن المحجبات، ممنوعات من ارتداء البنطلون. فيها، صار التدخين والموسيقى والتصوير من المحرمات. أما المخالفون فيحاكمون ككفار وفقا لشريعة “داعش” وأخواتها. ولا تختلف التقارير الواردة عن خطف وتوقيفات واتهامات تعسفية كثيرا عن ممارسات النظام في حق معارضيه.

منظر راهبات دير مار تقلا في معلولا “في حماية” الجهاديين لا يشبه الصورة التي رسمناها في عقولنا للثورة السورية. لم يرفع الاحرار حول العالم صوتهم ضد تقاعس المجتمع الدولي وتردده في نصرة الشعب السوري ومطالبه، ليستقوي مرتزقة على راهبات ومطارنة ودور عبادة وأديرة. لا، معلولا ليست مقاطعة تابعة للفاتيكان، ولكن لها في ضمير البابا وفي ضمير كل مسيحي ما لدمشق من رمزية في ضمير كل مسلم حول العالم. نعم، معلولا وصيدنايا وباب توما أراض سورية، ومواطنوها سوريون أكثر من كثيرين ممن يقاتلون في سوريا اليوم. وإذا كان للثوار الحق في “دخولها مثل أي أرض وتحريرها من جيش النظام وشبيحته وأمنه ” كما يدعون، فتحريرها لا يكون بالتعدي على مقدساتها.

“انتصارات داعش” وغيرها من الجهاديين في الرقة ومعلولا وسواهما، هي في الواقع انتصارات للأسد. في حسابات النظام لا يقل هذا التشويه للثورة أهمية عن المكاسب التي يحققها على الارض حالياً. لعب منذ البداية على وتر الاسلاميين والاقليات وساهم في صنع جماعات اصولية، وها هم هؤلاء الذين يقتبسون أدوار الثوار يقدمون له انتصارات مجانية، واحدا تلو الاخر، فيما الثورة تستنفد مناصريها وتأكل أبناءها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى