مرح البقاعي لبيروت أوبزرفر: النظام السوري كيان مصاب بالوهن الأخلاقي والهزال السياسي
والثّوار سينتخبون قياداتهم لمرحلة ما بعد الأسد
حاورها باسل مرعب
في حديث خاص لبيروت أوبزرفر من مقر إقامتها في واشنطن، اعتبرت الناشطة السياسية السورية والباحثة الأكاديمية والمؤسس والرئيس التنفيذي لمعهد الوارف للدراسات الإنسانية، مرح البقاعي، أن النظام السوري كيان مصاب بالوهن الأخلاقي والهزال السياسي والثّوار سينتخبون قياداتهم لمرحلة ما بعد الأسد، مشرة إلى أن النظام السوري أحال سوريا إلى مزرعة لأسرة حاكمة بعينها، واستنفذ طاقاتها ومقدّراتها، وأحال شعبها إلى مجرد عبيد لا يقبل منهم أقل من فروض الطاعة والولاء والتقديس لشخص واحد هو شخص الرئيس
وفيما يلي نص الحوار
لماذا برأيك انتظر الشعب السوري 41 عاماً حتى ينتفض على نظام آل الأسد؟ أهو ركوب لموجة التغيير العربية التي بدأت في تونس مروراً بمصر وليبيا واليمن، أم انتهاء لصلاحية بشار الأسد عند الدول العظمى
من الحق القول أن الثورات العربية في تونس ومصر واليمن، وغيرها من البلاد العربية، قد لعبت دوراً هامّاً في تحفيز الشارع السوري للإنتفاض على نظام مستبدّ ومستديم، نظام اختطف سوريا أرضاً وشعباً لمدة أربعة عقود، نظام كان أول من شرّع توريث الحكم في تاريخ الجمهوريات الدستورية من خلال اختراق دستوري تمّ خلاله تعديل الدستور السوري وإعادة تفصيله بحجم بشار الأسد ليتسنّى له وراثة البلاد والعباد عن أبيه حافظ الأسد. ومن الحق أيضاً قراءة التاريخ بشكل دقيق وعادل، والإعتراف أن فجر الربيع العربي قد انبلج مبكّراً من وراء قاسيون دمشق من خلال ما سمّي ربيع دمشق في العام 2001، والذي شهد انطلاقة منظمات للمجتمع المدني بدأت تتشكّل إثر وصول بشار الأسد إلى سدّة الحكم وإلقائه خطابه الأول الذي وعد فيه بعهد جديد من الإصلاحات واعتماد نهج المشاركة والشفافية والمحاسبة، وإطلاق الحريات وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي والتجمّع وتشكيل الأحزاب السياسية، وكذا الاعتراف بالتعددية السياسية والاجتماعية والإثنية. لكن ما حدث أن بشار الأسد لم يفِ بأي من وعوده التي قطعها في خطاب القسم، وانقلب على الناشطين والمفكرين والسياسيين الذين انطلقوا في ربيعهم الدمشقي، وزجّ معظمهم في السجون، إلى جانب إيقاف العديدين عن النشاط المدني وحلّ منظماتهم وتعليق برامجها. هكذا وئد الربيع في ريعانه، وانتهى الحلم بالمشاركة السياسية والعمل المدني حال ولادته
أما عن إنطلاق شرارة الثورة السورية الماجدة في الخامس عشر من شهر آذار 2011، وهو يوم تاريخي يُسجّل لكل من خرج إلى الشارع في دمشق منادياً بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم معتقلين أطفالاً من مدينة درعا، فقد جاءت هذه الإنطلاقة بتصميم داخلي خالص على حتمية الخروج من نفق الإستبداد والظلامية الذي طال على سوريا والسوريين، ولم تكن نتيجة لضغط خارجي أو غربي، اللهم إلا تأثير المشاهد الثورية في الدول الشقيقة والتي أطاحت بأنظمة مستبدّة وجائرة وكانت نموذجاً لحركات التحرر العربية يُحتذى به
أما لماذا تأخرت الثورة 41 عاماً فالإجابة على هكذا تساؤل تأتي مباشرة من أقبية الظلام لأجهزة الأمن السورية التي قبضت على خنّاق البلاد بيد من فولاذ وتعاملت بأسلوب التصفيات والعقوبات الجماعية في مواجهة أي محاولة للإصلاح أو التغيير، ومجازر حماه وسجن تدمر وصيدنايا شواهد مرعبة على إرهاب الدولة المنظّم، وعلى القمع الهمجي لأصوات الحرية في غفلة من العالم. أما اليوم، وفي حضور وسائل التواصل والإتصال وكذا الإعلام الفضائي، لم يعد بإمكان النظام السوري أن يتابع زجره للشعب بعيداً عن أنظار المجتمع الدولي والمحاسبة القانونية لما ارتكبته يداه من جرائم إبادة بحق شعب أعزل ومجرد من حقوقه الإنسانية الأساس
يتهم النظام السوري، المعارضين السوريين المقيمين في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية بأنهم عملاء وخونة باعوا وطنهم من أجل مكتسبات شخصية، فما ردك على هذا الاتهام وهل تعتبرين نفسك أحد هؤلاء المعارضين
أنا لا أصف نفسي بالمعارِضة، بل أنا ناشطة في مجال حقوق الإنسان ودخلت العمل السياسي من باب الفكر والشعر معاً. وإذا كان الشعر نموذجاً لصياغة عالم من الخير والجمال فإن السياسي الذي أوكله الشعب لإدارة شؤونه نيابة عنه، إنما يجب عليه أن يتبع نهج الخير والجمال أيضا في التعامل مع قضايا إنسانية تتعلّق بحياة أفراد الشعب، وإدارة شؤونه بما يرضي الضمير المهني والإنساني الذي لا يرضى بأقل من العدل والكرامة والحرية لكل إنسان على وجه الأرض، مهما كان انتماؤه الاجتماعي أو السياسي أو العرقي. أنا أعتقد أن النظام السياسي الصحّي ينتج معارضةً صحيّة، والعكس بالعكس صحيح. ما أريد قوله هنا أن نظاماً مستبدّاً، كالنظام السوري، اقتلع جذور العملية والممارسة السياسية من أصولها، وحجب حق التجمع الحزبي والمشاركة السياسية وواقع التعددية لمدة أربعين عاماً، وجاء في دستوره ـ الذي كتبه ليناسب أهواءه السياسية ـ أن حزب البعث هو الحزب الأوحد القائد للمجتمع والدولة، هكذا نظام هو كيان مصاب بالوهن الأخلاقي والهزال السياسي لا يمكنه أن ينجب معارضة رشيدة. وأنا هنا أفرّق بين أفراد وقوى سياسية من الوطنيين في الخارج والداخل، وبين صيّادي الفرص من أصحاب المصالح الشخصية الضيقة الذين يركبون قاطرة المعارضة الأخيرة اليوم قبل أن يفوتهم القطار المتّجه إلى دمشق
أما عن نغمة التخوين والتشكيك التي اعتاد عليها النظام السوري في توجيهه الإتهام التعسّفي إلى كل من يختلف معه في الرأي والنهج والموقف، فهذه تقليعة قديمة، أكل عليها الدهر وشرب، وأكبر دليل على براءة الوطنيين السوريين في الخارج من هكذا افتراءات، هو ما جاء على لسان ابن النظام وربيبه رامي مخلوف في تصريحه الشهير أن بقاء النظام السوري واستقراره ضرورة لإستقرار اسرائيل
ما هو السبب الرئيس لتقاعس المجتمع الدولي حتى الآن وغض بصره عن جرائم النظام بحق الشعب السوري المطالب بالحرية والديمقراطية؟ وهل تعتقدين أن المجتمع الدولي لا يريد تغيير النظام بل يمنحه فرصة لإجراء الإصلاحات التي يطالب بها الشعب؟
لا نعوّل على المجتمع الدولي في تغيير النظام، كما لا ننكر في الوقت عينه أن له دوراً مساعداً وضاغطاً في ذاك الاتجاه لا يمكن تجاهله. لكننا نرى أن من اخترق حاجز الصمت في سوريا هو الذي سيسقط النظام، وأقصد هنا الثوّار على الأرض السورية الذين لم يتراجعوا، ومنذ اليوم الأول لاندلاع ثورتهم الماجدة، عن النزول إلى الشارع ومواجهة آلة الأمن السوري الهمجية بالصدور العارية والنفوس العالية أيضاً. أما عن نية الإصلاحات، فهذا النظام لا يمكن أن يمارس إصلاحات عميقة وجدّية لسبب بسيط هو أن هذه الإصلاحات ستطال بنيته الأساسية وستكون عاملاً أساساً في تقويضه وبسرعة غير متوقّعة، فمشكلة النظام لا تكمن في هيكليّته بل في أسسه وبنيانه الأمني الذي فرّغ الحياة السياسية من مؤسساتها الداعمة والرافدة لأي فراغ سياسي يمكن أن يحدث في حال التغيير
ما رأيك في المؤتمرات التي تعقدها المعارضة سواء داخل وخارج سوريا، هل حققت الأهداف المرجوة؟ وما هو ردك على إتهام البعض بأن هذه المعارضة لا تمثل الشارع السوري الحقيقي الثائر
الشارع الثائر لا يمثّله إلا الثوار أنفسهم الذين انتظموا في تنسيقات وأصبح لهم لجان تمثلهم وناطقون رسميون يتحدثون باسمهم، وهم من سينتخب القيادات التي ستدير العملية الانتقالية في سوريا ما بعد زوال نظام الأسد، وذلك إلى جانب الوطنيين من معارضة الداخل والخارج. أما عن المؤتمرات التي تعقدها المعارضة، والتي بعضها يندرج في إطار المعارضة السياحية، فأنا أردّد مع المناضلة سهير أتاسي ما قالته: بخصوص المؤتمرات بشكل عام يكفي مؤتمرات.. ليكن موقف الأحرار على مستوى الثوار الأحرار، فإما أن يعقدوا مؤتمراتهم في الساحات المنتفضة الثائرة أو أن يعقدوها إفتراضياً
أطلقت منذ فترة مشروع ” أسطول الحرية لسوريا” لتحريك الرأي العام العالمي وإلقاء الضوء أكثر على الثورة السورية الماجدة. حدثينا أكثر عن هذا المشروع
المشروع هو عبارة عن فكرة طرحتها على صفحة الفيس بوك ومفادها أن يستقلّ ممثلون عن المغتربين السوريين، من الممنوعين من العودة لمعارضتهم للنظام السوري، ثلاث طائرات، الأولى تنطلق من عاصمة أوروبية والثانية من العاصمة الأميركية والثالثة من عاصمة عربية، وتحطّ الطائرات الثلاث في نفس الوقت في مطار دمشق، لا لنتحاور أو نقيم مؤتمراً، بل لنتوجّه فوراَ للإنضمام إلى المتظاهرين. هذا المشروع، الذي أطلقت عليه اسم “أسطول الحريّة لسوريا”، هو الوسيلة الباقية لرجّ ركود الرأي العام العالمي وللمشاركة الحقيقية لنا كمغتربين في الثورة السورية الماجدة. و أنا أتحدث مع شخصيات إعلامية وفكرية عالمية لنرى إمكانية مشاركتهم في الرحلة، إذا ما تمكنا، لوجستياً وبشرياً من الوصول إلى النصاب الذي هو 600 سورية وسوري على الأقل. هذا المشروع ليس تخييلاً درامياً بل هو رغبة حقيقية لاقت الترحيب من ما يزيد على 280 سورياً حتى الآن حسب التواقيع على صفحة الفيس بوك
ستلقين كلمة أمام البيت الأبيض في 23 يوليو الحالي؟ ما هو مضمون هذه الكلمة
ستكون كلمتي هي كلمة الحريّة، ومن وحي فكر مارتن لوثر كينغ عن التحرر وحقوق الإنسان. فهذا النظام أحال سوريا إلى مزرعة لأسرة حاكمة بعينها، واستنفذ طاقاتها ومقدّراتها، وأحال شعبها إلى مجرد عبيد لا يقبل منهم أقل من فروض الطاعة والولاء والتقديس لشخص واحد هو شخص الرئيس
هل تتوقعين سقوط النظام في سوريا؟ وفي حال حصل ذلك من هو البديل للحكم
لا يوجد ثورة في العالم مارست العمل الثوري وحملت معها البدائل السياسية جاهزة في جعبتها. لكن الثوار سينتخبون من يثقون به ليمثلهم في المرحلة القادمة، وأنا أعمل مع بعض الشباب الناشطين على الأرض على فكرة تشكيل تيار سياسي يكون ظهيراً للعمل الميداني ورافداً للحراك السياسي في مرحلة ما بعد نظام الأسد
كلمة أخيرة للنظام السوري وأخرى للشعب السوري
للنظام أقول: توقفوا عن شراء الوقت بدم أبناء الشعب السوري الثمين. وللشعب السوري أقول: سوريا التي غادرناها يوماً لم تغادرنا أبداً! تقدّموا ونحن قريباً سنكون بين صفوفكم للإلتحاق بركب الحريّة