مزحة ياسين الحاج صالح
حـازم صـاغيـّة
ياسين الحاج صالح كاتب سوريّ سبق له أن قضى 16 عاماً في سجون النظام الأسديّ. وكمحلّل، كتب بعض أفضل ما كُتب عن سوريّا مجتمعاً ونظاماً وثورة. لكنّ ما كتبه كان، فوق نجاعته التحليليّة، ينطوي دائماً على بُعد أخلاقيّ رفيع. ومن موقعه هذا عاش ياسين، ويعيش، مع محنة شعبه، شاهداً على المجازر التي تحصل وعلى الأطفال حين يُقتلون (للاطلاع على النص اضغط هنا)
لكنّ الحاج صالح، على ما يبدو، قرّر أن يمزح مؤخّراً. ففي مقابلة صحافيّة أجريت معه ورد هذا السؤال وذاك الجواب:
“س-كلام كثير يثار حول دور ياسين الحاج صالح في الثورة السورية والكلام الذي يشير إلى إقامتك منذ بداية الأزمة في السفارة الأميركية، هل لك ان تشرح لنا ما دورك بالتحديد؟
ج-أنا أساساً كاتب، ولم أكد أفعل شيئاً غير الكتابة. مجالي هو الثقافة، ولا أسعى وراء تأثير مباشر.
والإقامة في السفارة الأميركية في دمشق تسهِّل علي كثيرا من الأمور. أولها ما توفره من أمن وأمان، وهاتان نعمتان عظيمتان كما تعلم؛ وثانيها الكهرباء التي لا تنقطع، وخدمة الانترنت ذات المستوى الأميركي المعروف عالميا؛ وثالثها لوازم الحياة اليومية المميزة من طعام وشراب وأسرّة وثيرة وأداوت تسلية وترفيه كثيرة ورائعة لا يتسع المجال لذكرها؛ وإلى هذا كله صحبة طيبة من معارضين راسخين وعريقين، نتشاطر معا الاستفادة من الأفياء الآمنة لسفارة الدولة العظمى ومرافقها الفاخرة وتسهيلاتها الكثيرة.
المنغّص الوحيد أننا لا نكاد نستطيع الخروج من السفارة بعد أن انكشف مقامنا فيها، لما يحمله ذلك من مخاطر أمنية علينا. للأسف ليس هناك شيء كامل في هذه الدنيا”.
وليس صعباً التقاط أنّ الرجل يمزح، ليس فقط بسبب حديثه عن “الأسرّة الوثيرة وأدوات التسلية والترفيه”،
ولا لأنّه تحسّر على أنّ ما من “شيء كامل في هذه الدنيا”، ولا لأنّ السفير الأميركيّ نفسه يقيم خارج سفارة بلده، بل أيضاً لأنّ ياسين شديد التحفّظ على السياسة الأميركيّة. هذا إن لم يكن معادياً لها عداء يجمعه بكثيرين من نقّاده أعداء الثورة السوريّة.
بيد أنّ المزحة سريعاً ما تمّ التعامل معها ليس فقط بوصفها جدّاً، بل أيضاً بصفتها برهاناً لا يُدحض على أميركيّة ياسين، ومن ثمّ أميركيّة الثورة التي يدافع عنها.
والأمر لم يكن عجزاً عن فهم المزحة أو عن التقاطها، بل رغبة في أن تكون المزحة جَدّاً بحيث تتأكّد معها “صحّة ما قلناه”. ذاك أنّه من أجل أن يستقيم النقد بأدلّته الصلبة، ينبغي أن يلجأ الحاج صالح إلى السفارة الأميركيّة (وينام في سرير السفير الغائب!). هكذا يمسي من السهل أن يقال: لقد وجدناها، ألم نقل لكم!
إنّه نقد ناهض على مزحة لم تُفهم، مزحةٍ كان يُفترض بصاحبها ألاّ يمزحها كي لا يتزحلق هذا النقد كلّه على قشرة موز. بئس النقّاد.
موقع لبنان الآن