مشاهد حلبية!
موسى العمر
سيسجل التاريخ أن تسعين بالمئة ممن يعالج الجرحى ويسهر معهم هم طلاب كلية الطب من السنة الخامسة والمتخرجين الجدد الذين رفضوا الا أن يبقوا مع الذين يناضلون لأجل اسقاط الأسد ليوقفوا جرحاً نازفا ويعالجوا جريحا متاوهاً أو يخففوا الما عميقا..!
قصف النظام السوري مسجد اسامة بن زيد في حي أقيل في حلب والذي يحوي بين جنباته قبر والد مفتي الجمهورية العلامة الراحل أديب حسون..! ولم يأت حسون الابن على تنديد وهو يرى قبر والده وقد حطمه قصف طائرات النظام الذي يحتمي به في دمشق..!
أم حلبية تخلع ما تملكه من ذهب وتطلب من وحيدها وفلذة كبدها وهو طالب جامعي أن يشتري بندقية له ولزملائه الثلاثة وهي تقول: قد ربيتك لهذا اليوم لهذه الساعة اذهب يا بني ودافع عن اهلك وعرضك وشرفك اليوم هو يومك! ذهب ابنها ولم يعد الى الآن ولا تعرف عنه شيئا هل هو في دار الوعود أم في دار الخلود!
نسبة جيدة من أغنياء حلب وقفوا الى جانب الثورة من بدايتها بكل اخلاص وتضحية بينما نرى من رجالاتهم من تحالف السلطة الثورة عشرات من بيوتهم الفارهة الواسعة الفارغة في احياء حلبية شهيرة فارغة ومقفولة بعد أن تركوها وذهبوا الى فنادق القاهرة وغازي عنتاب .. وتحت بيوتهم عشرات العائلات اللواتي يفترشن الأرض ويلتحفن السماء على المحلق الجنوبي ولا من مغيث!
التكاسي الصفراء متوقفة بشكل شبه كامل لا قود والحركة منعدمة، لا محطات بنزين الا متوقفة او مدمرة او محترقة وتجار السوق السوداء يأتوا بالبنزين من محافظات أخرى ليبيعوا اللتر بين 2 الى 3 دولار يعني ثلاثة الى أربعة اضعاف سعره الحقيقي وكذلك الديزل وصل سعره الى 2 دولار في بعض المناطق … وقد يسأل البعض من أين يأتون بالوقود .. هناك حيتان في السوق السوداء وتجار بعضهم مخلص وآخرون تجار حروب يتكفلون بالأمر!
قائد ميداني في حلب يعرفه الجميع يتقدم الصفوف والجبهات يعمل بصمت وتواضع ان قصده اي أحد يريد سلاحا يعطيه سلاحه الشخصي او يريد مساعدة يخرج ما يملك من جيبه الفقير ويعطيه يسهر على من حمل السلاح معه ويتعامل معهم كأصغرهم قدرا ومكانة … تعرض لنيران مجهولين قبل ايام وهو طريح الفراش الآن .. ولعل هذا يعطيك تصورا عن الفرق بين هذا القائد الميداني في ميادين القتال وبين من يسرقون انتصارات الشهداء بمقطع فيديو ليشحذوا عليه حفنة دولارات تكفيهم لفواتير مطاعمهم في انطاكية والمدن التركية الأخرى والكل يعلمهم!7- في الطريق الى حلب ثلاثة أخوة أشقاء من تلبيسة مع ابن اختهم! تركوا عملهم ورزقهم في الدوحة وذهبوا لإغاثة أهل حلب، خطأ ارتكبه مرشدهم، فسلك طريقاُ اكتشف بعد مسافة أنه أمام حاجز ايكاردا التابع للنظام.. تم إعدامهم ميدانياً جميعاً واستشهدوا هناك.. قدمت التهاني لأخيهم فوجدته عالي الهمة، قوي الشكيمة، صابرا.. ما أصعب فقد الأخ! فكيف اذا كانوا ثلاثة .. كتب الزميل الصحفي غسان ياسين: في حلب اثناء سقوط قذيفة على تجمع امام احد افران الخبز في حي مساكن هنانو .. ذهب الاب ليحضر الخبز لاطفاله قتل الاب وبقية كسرة الخبز مغمسة بالدم ..الطفل الجائع ينتظر والده ليتناول وجبة اعدتها له امه مما تيسر ..مسكين هذا الطفل لايعلم ان اباه ذهب ولن يعود .. نحن المساكين حين يقتلنا عجزنا امام دموع طفل يتيم ..آه ياوجع ..آه يا ألم!!
‘ صحفي ومذيع سوري
القدس العربي