معارضة سورية تقوّي النظام
حكم البابا
لا أظن أن هناك نظاماً في العالم يحسد النظام السوري على أوضاعه اليوم، ولكني أكاد أجزم بأن كل أنظمة العالم تحسد النظام السوري على معارضته السياسية، وتتمنى أن تكون المعارضة في بلدانها نسخة كربونية عن المعارضة السورية، فبوجود مثل هذه المعارضة لا يمكن لأي نظام أن يسقط، هذا إذا لم أقل أنها عامل رئيسي من عوامل استمرار هذا النظام، إن لم تكن العامل الوحيد محلياً الذي ليس فقط يساهم في بقاء النظام السوري حتى اليوم، بل ويزيده قوةً في مواجهة الثورة الشعبية في سورية بعد أكثر من عام على انطلاقتها وامتدادها على كامل الأرض السورية.
خلال أربعين عاماً ويومين من حكم الأسدين الأب والابن (بين الثالث عشر من آذار/ مارس 1971 يوم تولي الأسد الأب السلطة رسمياً في سورية، والخامس عشر من آذار/ مارس 2011 يوم خروج أول مظاهرة ضد الأسد الابن معلنة انطلاقة الثورة السورية) عمل النظام على تدمير المجتمع السوري وتخريب كل مؤسسات الدولة، باستثناء مؤسساته الأمنية التي كانت المؤسسات الوحيدة التي استثمر فيها، وكان اختراق المعارضة السورية وتشتيتها احد أبرز النجاحات التي حققتها أجهزة المخابرات السورية، وهو ما يظهر واضحاً خلال السنة ونصف الأخيرة من عمر الثورة في سورية.
فهذه المعارضة لم تكتف بأنها لم تقدّم ما يدعم ثوار سورية غير التصريحات الكلامية المتناقضة، بل نقلت أمراضها ومشكلاتها وخلافاتها إلى الثوار فحولتهم إلى مجموعات متناحرة على شاكلتها، وسخّرت الأموال التي جمعتها باسمهم وعلى دمائهم إلى وسيلة لشرائهم والحاقهم بها كتابعين ومناصرين، واختصرتهم إلى مجرد جمهور انتخابي هدفه دعم طموحاتها السلطوية، في وقت لا يزال فيه النظام يمتلك القوة الباطشة التي يدمّر المدن والبلدات السورية، ويهدم البيوت على رؤوس أصحابها، ورهنت من جانب آخر مستقبل سورية لمشاريع دول عديدة، كل منها يرى مستقبل سورية على طريقته وبحسب أهدافه.
من المثير للضحك اليوم تقسيم المعارضات السورية إلى معارضات داخل وخارج، فكل أحزاب المعارضة السورية وتياراتها وشخصياتها اليوم مرتهنة بطريقة أو بأخرى لخارج ما، وتتنقل من عاصمة عربية لأخرى عالمية لاستعراض تبعيتها، وتتبادل التباهي بكثرة عدد وزراء الخارجية والسفراء العرب والعالميين من الشرق والغرب الذين تلتقيهم، لتتلقى أوامرهم وارشاداتهم وخارطة طرقهم، حتى وصل الأمر ببعض هذه الدول على تثبيت رئيس لهذه الجهة المعارضة، أو التمديد له بقوة ومال تلك الدولة حتى لو كان في ذلك خرق لقـوانين ذلك التيار أو المجلس المعارض.
وما يفرق اليوم بين هيئة التنسيق الوطنية التي أراها أقرب إلى دار عجزة ورابطة محاربين قدماء، تعمد في مشاريعها وحلولها للأزمة السورية على قاعدة أضعف الايمان، وبين المجلس الوطني الذي يشبه أكثر ما يشبه المعاهد الصناعية التي تسمح للحاصلين على أقل الدرجات في الثانوية العامة بالانتساب إليها، والذي لم يستقر بعد عام من اختراعه على مشروع سياسي واضح ومستقل، بسبب غرقه في صراعات على السلطة بين مكوناته، وهو ما يسميه إعادة الهيكلة تلطيفاً لأزماته الداخلية وتبعثره بين التبعيات الخارجية، وبين المنبر الديمقراطي الذي يظهر أقرب إلى تيار رومانسي في الأدب أكثر مما يظهر كتشكيل سياسي، ما يفرق اليوم بين هذه التيارات الرئيسية الثلاثة وغيرها من التيارات السياسية الأخرى في المعارضة السورية ليس التقسيم بين معارضة وطنية ومعارضة مرتهنة، بل التقاسم والتناحر والتنافس على العواصم العربية والأجنبية التي تعتبرها هذه المعارضات مرجعية لها، من موسكو وبكين وطهران، إلى واشنطن وباريس ولندن وأنقرة والدوحة والرياض.
لست على درجة من السذاجة لأفكر أو أطالب بمعارضة طهرانية تغلق على نفسها الأبواب، ولا تقيم علاقات وتحالفات مع شتى الأطراف في العالم لدعم قضيتها، لكن عندما تقيل وزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون في أحد آخر تصريحاتها المجلس الوطني السوري، وتكسّر رتبته عندها من جهة رئيسية ووحيدة تمثل المعارضة السورية إلى فريق من فرق هذه المعارضة، وتسعى لتشكيل بديل عنه، فهذا يعني أن الأمر يتجاوز العلاقات والتحالفات، ليصل إلى حد الارتهان والتبعية، إن لم استخدم عبارات أكثر قسوة.
في عام 2005 كتبت مقالاً في هذه الجريدة هاجمت في تصريحاً قاله فاروق الشرع الذي كان وقتها وزيراً للخارجية السورية اعتبر فيه ‘ان المعارضة السورية لا تستطيع ادارة مدرسة ابتدائية’، أما اليوم وبعد سنة ونصف من عمر الثورة السورية، وفي الوقت الذي منح فيه السوريون بدمائهم وتضحياتهم هذه المعارضة حرية وأدواراً ومنابر، وكسروا لها جدار الخوف، وحطموا لها هيبة الاستبداد، فأنا أظن أن الشرع أعطى في تصريحه السابق المعارضة السورية أكثر من حقها، فهي لا تستطيع إدارة صف في مدرسة ابتدائية وليست مدرسة بكاملها.
القدس العربي