مع “صفحات سورية”, و ضد هستريا الكراهية و الإلغاء
ياسين السويحة
تعرّض موقع “صفحات سوريّة” للتخريب المتعمد للمرّة الخامسة خلال الأشهر القليلة الأخيرة, و يبدو أن التخريب هذه المرّة قد طال قاعدة البيانات بشكل واسع, مما سيتسبب, للأسف الشديد, في فقدان قسم من أرشيفه الغني.
موقع صفحات سوريّة, و الذي يديره الصديق حسين الشيخ, هو موقع أسبوعي التحديث, سياسي ثقافي يجمع مختلف النصوص و المواد التي تعنى بالشأن العام السوري في مختلف المجالات السياسية و الاجتماعية و الثقافية. و يُحسب للموقع و لمديره اهتمامه المبكّر بالتدوين السوري و ما يُنشر و يُناقش فيه, و متابعته للأقلام الشابة السوريّة.
يؤلم التفكير في أنّ هناك من سخّر وقتاً و مهارة في تخريب موقعٍ, كلّ الجرم الذي ارتكبه أنه نقل و نشر وجهة نظر مختلفة عن تلك التي يتبناها هذا الشخص (و يمارس الإلغاء بإسمها). قد ﻻ يحق لنا استغراب وجود و طغيان الفكر الأحادي الرافض للتعايش مع غيره و النابذ ﻷي احتمال مساواةٍ مع عداه, لكن ﻻ يمكن إﻻ أن نتألم, و واجبنا إنسانياً أن نتألم. في هذا المناخ الجنوني من العنف, الجسدي منه و الرمزي, ضد اﻻختلاف و التباين, ضد حقّ الوجود و الحرّية و الكرامة, علينا أن نقف بوجه تحدٍّ لعلّه أهم و أقسى من أي تحدّ آخر, و هو الطريق الإجباري الأوحد نحو مجتمع العدالة و المساواة و نحو دولة المواطنة الديمقراطية.. علينا أن نقف بوجه الإلغاء, أي شكلٍ اتخذ و أي صيغة لبس. ﻻ أتحدّث عن شؤون بين السلطة و مواطنيها فهذه شؤون (و شجون, و آلام) مختلفة, بل بيننا كبشر, كمواطنين, كشباب خصوصاً..
علينا أن نرفع صوتنا, بالموازاة مع مواقفنا السياسية من عدمها فيما يخص الوضع الحالي في سوريا, بوجه كلّ أشكال التمييز و الإلغاء.. ﻻ يكفي, لم يعد يكفي أﻻ نكون إلغائيين أنفسنا و حسب, بل يجب أن نكون أصحاب رسالة تحررية من الفكر الأحادي و مقاومة لجميع أشكال التخوين و التكفير و التحقير, علينا أن نرفض كلّ عنفٍ جسدي أو معنوي أياً يكن سببه و نرفض أيّ تبرير أو “تفهّم” لحصوله.. الوطن لنا جميعاً و يتسع لكلّ أبنائه, هذه رسالة فوق كلّ رسالة و قيمة تحمي كل القيم تحت سقفها.
إن الوطن بحاجة لصوت العقل و الفكر و المنطق, و كلّما علت قرقعة الكراهية و الحقد و العنف و الإلغاء فوق صوت العقل و الفكر و المنطق خسر الوطن و خسر جميع أبنائه, و هناك من ﻻ يمتلك صوت الفكر و العقل فيعمد إلى هذه القرقعة المزعجة المؤلمة ظناً منه أنه يسحب الخلاف إلى حيث يستطيع كسبه. مخطئ! و ليس مخطئاً فقط, إنه مجرم…
أحبائي, أخوتي في الإنسانية و الوطن, أناديكم و أرجوكم, قبل أيّ كلامٍ عن السياسة أو المجتمع أو حتّى الثقافة, تحدّثوا عن حقّ الإنسان في الوجود و الحرّية و المساواة.. ﻻ تبرروا عنفاً, ﻻ تغضوا النظر عن تضييقٍ أو قمع أو اعتقال, ﻻ تسمحوا بتحقيرٍ أو تكفيرٍ أو تخوين, دافعوا عن الحق و الحرّية و المساواة, بعدها اختلفوا و تخالفوا كما شئتم و أينما و متى ما أردتم..
مع صفحات سوريّة, و مع كلّ صاحب فكر و عقل و رسالة, بغض النظر عن طبيعتها طالما أنها إنسانية الطابع و تدافع عن الآخر و حقوقه و مساواته في الحرّية و الإنسانية, و ضد كلّ أشكال العنف الجسدي و المعنوي و كل أنواع الكراهية و الإلغاء..