صفحات المستقبل

حائط دويلة الدولة: ردّوا لنا رسومنا/ روجيه عوطة

 

 

 

ما أن رفعت الدولة حائطها في وسط بيروت، حتى تداعى المتظاهرون اليه، محولينه من عائق أمامهم الى منفذ لهم. ذلك، من خلال رش الشعارات عليه وخط الرسوم، التي اشارت الى السلطات الحزبية الواحدة تلو الأخرى، ومن بينها، حزب الله.

فهذا الحزب، الذي لطالما استبعد وجه زعيمه من بين وجوه زعماء النظام في التحركات الشارعية، لم يظهر مباشرةً، وبوصفه قوة قامعة، سوى لما شيدت الحكومة حائطها. كأنه عبر اليها على إثر إخراج نفسها كحاجز في مواجهة الناس، مسانداً اياها في لجمهم.

فعلياً، حائط وسط المدينة جزء من تعري الدولة وبيانها على شكلها المرئي. مثلما انه السور، الذي تحمي به فراغها من اي سياسة. وعندما رسم احد الفنانين لوحاته الجدارية عليه بدون ان ينسى حزب الله، وأضاف المتظاهرون شعاراتهم إليها، صار الحائط الى جانبهم، كأنهم هم من رفعوه حول السراي الحكومي.

والحق، ان الدولة، على ما يبدو، لم يكن في حسبانها ان المتظاهرين سيأخذون حائطها، ويأكدون عبور دويلة حزب الله اليها. قالها الحائط: “حزب الله هو دويلة الدولة، والدولة هي دويلته”. خافت الحكومة من عباراته، وقررت ان تقتلعه. وربما، لم يخطئ المتظاهرون حين اعتقدوا انها اقدمت على هذه الخطوة لانها رأت ان الامر، الذي تواصل اخفاء فسادها به، قد انكشف، فإسم حزب الله من أسمائها، والعكس ايضاً.

قد لا يحبذ البعض منا الكلام المتكرر عن سياسة الغرافيتي. الا ان، هذه المرة، وعلى حائط الدولة والدويلة، مورست السياسة الجدارية بطريقة سريعة. كأن كل رسومها، التي واظب الفنانون عليها، تحت الجسور وفي الشوارع والأزقة البيروتية، وجدت لحظتها الآن وهنا. ذاك، انها حولت الإسمنت الى مادة لها، والصلابة الى قاعدة للرش والطلي. وبالتالي، غيرت الحدود التي عينتها السلطة للتظاهر الى حدود تعين نطاق السلطة نفسها.

حين قررت الدولة اقتلاع حائطها، كانت تفكر في اقتلاع ما انقلب عليها، وصار الى جانب الذين تضمر نفسها كي لا تراهم. لكنهم، رأوها عبر حائطها، الذي اضحى بوابتهم المفتوحة على المدينة، التي أُغلق وسطها، وجرى محوه من جغرافيتهم.

ونتيجة ذلك، عقدت النية على سحب شكلها من جديد، على استدخاله، والحفاظ على لامرئيتها. خلال ٢٤ ساعة فقط، رفعت الدولة حائطها، اجتمعت خلفه، ولما أتى على ذكر دويلتها عليه، اقتلعته. وبفعلها هذا، اثبتت مطلبنا الجديد: ردوا لنا رسومنا، او جدارها بأكمله، لأنه كان اول بوابة الى المدينة المقبلة!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى