مقالات تناولت الغارة الاسرائيلية على سورية
الغارة الاسرائيلية على الحدود السورية – اللبنانية
شحنة أسلحة لـ”حزب الله” أم ضربة استباقية؟
رندى حيدر
لا يزال الغموض يكتنف ظروف الغارة الاسرائيلية التي تحدثت عنها تقارير اجنبية وقيل انها استهدفت قافلة للسلاح كانت في طريقها من سوريا الى لبنان، وقت لا تزال اسرائيل تلزم الصمت وتمتنع عن تقديم اي ايضاحات عما حدث.
ولكن من الواضح التوظيف الاسرائيلي لما حدث من اجل دعم قدرة اسرائيل على الردع.
وكانت صحيفة “هآرتس” قد نسبت امس الى مصادر اجنبية احتمال ان تكون الشاحنة التي استهدفتها الغارة محملة اما الاسلحة الكيميائية، واما بمنظومات متطورة للسلاح المضاد للطيران. وتعتبر اسرائيل انتقال هذين النوعين من السلاح من سوريا الى لبنان خرقا للخطوط الحمر التي وضعها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل ايام محذرا من اي انتقال للاسلحة الكيميائية من سوريا الى ايدي “حزب الله” سترد عليه اسرائيل فورا وستهاجم حتى سوريا.
لذا يطرح السؤال، هل خرقت فعلا الخطوط الحمر التي وضعتها اسرائيل لمنع انتقال الاسلحة الكيميائية والمتطورة من سوريا الى لبنان؟ ام ان العملية تهدف الى التشديد على جدية التهديدات الاسرائيلية في هذا المجال، وهي بمثابة ضربة استباقية رادعة لجميع الاطراف تظهر ان اسرائيل لن تتهاون في هذا الموضوع؟
في رأي المعلق العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل ان اسرائيل الرسمية ستحافظ على صمتها الرسمي خلال الايام المقبلة. لكنه ربط ما حدث بتزايد مخاوف اسرائيل من تراجع قدرتها على الردع حيال “حزب الله”. فصحيح ان الحزب لم يقم منذ فترة بأي عملية على الحدود الشمالية، لكنه كان وراء الهجوم الذي استهدف الصيف الماضي اوتوبيس “للسياح الاسرائيليين في بلغاريا، وهو الذي اطلق في تشرين الاول 2012 طائرة استطلاع صغيرة في الاجواء الاسرائيلية. ويرى الكاتب ان سبب التخوف المتجدد في اسرائيل هو ان يدفع تدهور الاوضاع في سوريا الرئيس بشار الاسد الى اتخاذ قرار بنقل الاسلحة المتطورة الذي لديه الى ايدي “حزب الله”.
ويعتقد المعلق العسكري في صحيفة “يديعوت احرونوت” رون بن يشاي ان الحادث مؤشر لمدى حساسية الوضع على الحدود بين لبنان واسرائيل، لضخامة المخاوف الاسرائيلية من ان يؤدي تدهور الاوضاع في سوريا الى تهريب الاسلحة المتطورة والنوعية من سوريا الى لبنان، والمقصود خصوصا صواريخ بر – بحر الروسية الصنع، و صواريخ “سكود – دي” البعيدة المدى التي طورتها سوريا ونقلت عددا منها الى لبنان. واعتبر المعلق انه من مصلحة النظام السوري في الوقت الحاضر مساعدة “حزب الله” ونقل منظومات الاسلحة المتطورة اليه كي لا تقع في ايدي الثوار. واضاف: “اذا صحت التقارير اللبنانية التي تحدثت عن خرق سلاح الجو الاسرائيلي الاجواء اللبنانية اكثر من مرة مساء الثلثاء الماضي، فمن المحتمل جدا ان يكون ذلك قد جرى في اطار المتابعة الدقيقة لاسرائيل لما يجري على الحدود بين لبنان وسوريا، ومن اجل منع “حزب الله” من الحصول على سلاح تعتبره اسرائيل “يخرق التوازن”.
وفي كل الاحوال يدخل الحادث الاخير في ما تسميه اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية “سياسة الذراع العسكرية الطويلة”، والتي يدخل في اطارها الهجوم على المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007، وقصف شاحنات السلاح في السودان عامي 2009 و2011، وتفجير مصنع للسلاح في الخرطوم في تشرين الاول 2012.
النهار
استراتيجية إسرائيلية لما بعد الأسد!
رندى حيدر
تكشف التحليلات الإسرائيلية الكثيرة للعملية الأخيرة التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، والتي ترفض إسرائيل حتى الآن رسمياً الاعتراف بها، عدداً من المعطيات الأساسية المتعلقة بهدف العملية وتوقيتها، وترسم صورة مثيرة للقلق عما يمكن ان يؤول اليه الوضع على الحدود اللبنانية –الإسرائيلية في المرحلة المقبلة.
يشدد المعلقون في إسرائيل على ان الهدف استرجاع القدرة على الردع في مواجهة “حزب الله”، التي تآكلت كثيراً منذ انتهاء حرب تموز 2006، وتطبيق سياسة “الخطوط الحمر”، ومنع “حزب الله” من الحصول على أي سلاح متطورة “يكسر التوازن “. فالقصف استهدف قافلة محملة صواريخ SA-17 الروسية الصنع، التي حصلت عليها سوريا في الفترة الأخيرة، وتهريبها الى لبنان لا يشكل خرقاً سورياً للخطوط الحمر وانما هو خرق للاتفاق الذي وقعته سوريا مع روسيا نفسها. ويلمح الإسرائيليون إلى أنه على رغم التنديد الروسي بالغارة، فهم ينسقون مع الروس في شأن هذه الأسلحة، وان هذا كان موضوعاً للزيارة التي قام بها المستشار الحكومي للأمن القومي يعقوب عميدرور لروسيا هذا الاسبوع.
ولكن لماذا توقيت الهجوم الآن بالذات، على رغم ان عمليات تهريب السلاح كما تدعي إسرائيل نفسها لم تتوقف منذ 2008؟ الجواب المنطقي عن ذلك له علاقة بالصراع الدائر في سوريا.
وهنا تصير الصورة أشد تعقيداً وتداخلاً، فعلى رغم الاستهداف الإسرائيلي لـ”حزب الله”، من غير المستبعد أن تكون مهاجمة قافلة السلاح داخل الاراضي السورية لعدم استفزاز الحزب وتجنيبه الرد على الهجوم، وتالياً تجنب مواجهة واسعة معه لا يبدو الإسرائيليون راغبين بها الآن، وهم يدعون أن الحزب أيضاً لا يريدها.
ويزيد هذا الافترض ربط الغارة بتدهور الاوضاع في سوريا، وبالمخاوف الإسرائيلية المتزايدة ليس فقط من تهريب السلاح الى “حزب الله”، وانما من مغبة وقوع مخازن السلاح السورية التقليدية منها وغير التقليدية في ايدي المعارضة المسلحة السورية على اختلاف أنواعها.مما يؤشر لبلوغ الصراع في سوريا مرحلة جديدة، وربما مقاربة إسرائيلية مختلفة لمواجهة مرحلة ما بعد الأسد.
والواقع ان دخول إسرائيل على خط ما يحدث في سوريا يضعها ليس فقط في مواجهة مع نظام بشار الأسد و”حزب الله” فحسب، وانما ضد المعارضة المسلحة في سوريا أيضاً. ويمكن اعتبار الغارة بداية تحرك إسرائيلي لمنع وقوع مخازن السلاح في سوريا في قبضة الثوار في سوريا أو”حزب الله” على حد سواء.
وأكثر ما يقلق أن ما جرى قد يكون بداية لعمليات إسرائيلية مشابهة، ولعودة التوتر الى حدودنا.
النهار
رسائل العدوان “الإسرائيلي” على سوريا
محمد السعيد ادريس
على الرغم من تعدد الرسائل التي حملتها الغارة الجوية الإجرامية “الإسرائيلية” على مركز “جمرايا” للبحوث العسكرية بريف دمشق الأربعاء (30 يناير/ كانون الثاني الماضي)، فإنّ هناك رسالتين أكثر أهمية من كل الرسائل الأخرى . الرسالة الأولى تخص إيران وحزب الله معاً، أما الرسالة الثانية فتخص الولايات المتحدة وروسيا والتوافق الجديد الذي أخذت معالمه في الظهور، وعلى الأخص في الشرق الأوسط، وبتحديد أكثر في سوريا .
الرسالة الأولى التي تخص إيران وحزب الله مفادها أن استراتيجية “الضربات الوقائية” وسياسة “الردع المبكر” باتتا جاهزتين للتعامل مع كل من إيران وحزب الله، في إشارة إلى تبدّل موازين القوى لمصلحة الكيان الصهيوني في ظل تداعيات “الارتباك الشامل” الذي يفرض نفسه الآن في سوريا، ويعطي الكيان الصهيوني فرصة تاريخية لشن عدوان ضد حزب الله وربما ضد إيران .
فالغارة الجوية التي شنتها الطائرات “الإسرائيلية” على الموقع العسكري بريف دمشق استهدفت، حسب معلومات إعلامية، مجمعاً عسكرياً وقافلة نقل “صواريخ أرض – جو” روسية الصنع من طراز “إس .إيه 17” كانت موضوعة على آليات، إضافة إلى عدد من المباني المتجاورة التي يشتبه في أنها تحوي أسلحة كيماوية كان “الإسرائيليون” يخشون نقلها إلى حزب الله . واضح أن هذه المعلومات مصدرها “إسرائيلي”، وأنها استهدفت تبرير العدوان، رغم أن الواقع قد يختلف عن ذلك في ضوء معلومات أخرى تتحدث عن عمليات نقل معدات وأسلحة يقوم بها الجيش السوري إلى المناطق الأكثر أمناً والأكثر سيطرة من جانب النظام السوري، وأن ما يقال عن نوايا نقل هذه الأسلحة والمعدات إلى “حزب الله” ليس إلا محض افتراء “إسرائيلي” .
الواقع يقول إن المسألة ليست فقط محض افتراء، ولكنها تخطيط ورسالة شديدة الوضوح إلى كل من إيران وحزب الله، مفادها أن الكيان الصهيوني عند موقفه المعلن بخصوص منع نقل أية أسلحة كيماوية أو صاروخية من سوريا إلى حزب الله، لكن الأهم، هو أن الكيان الصهيوني أضحى قادراً على “خوض مغامرات محسوبة” ضد حزب الله وإيران .
مثل هذه المغامرات المحسوبة ربما تكون صادمة للطرفين: إيران وحزب الله على ضوء صمت النظام السوري، وعلى ضوء ما يمكن وصفه ب”تحفيز” إيراني لهذا النظام كي يرد على العدوان بما يستحق . فقد وصل سعيد جليلي رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني إلى دمشق في زيارة امتدت ليومين عقب هذا العدوان مباشرة (1 و2 فبراير/ شباط الجاري)، وأعرب عقب لقائه الرئيس السوري بشار الأسد، عن ثقته بحكمة القيادة السورية في التعامل مع هذا الهجوم “الذي يستهدف الدور الريادي لسوريا في محور المقاومة”، وأكد “دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية الكامل للشعب السوري المقاوم في مواجهة العدو الصهيوني” . أما اللواء محمد جعفري القائد العام للحرس الثوري الإيراني، فكان تعليقه على هذا العدوان هو التنديد والتوصيف عندما قال إن “إيران منذ سنوات كانت ومازالت تحذر من السلوك الوحشي للكيان الصهيوني الغاصب”، كما أشاد بصمود الحكومة السورية بوجه الاعتداءات والمؤامرات الخارجية، وأعرب عن أمله بأن تقوم الحكومة السورية بالرد المناسب إزاء الاعتداءات، معتبراً أن الكيان الصهيوني لا يعترف إلا بلغة القوة “ويجب التعامل معه على نحو مقاوم وحازم” . ولم يختلف موقف وزير الخارجية علي صالحي عن ذلك كثيراً، فقد اعتبر العدوان “الإسرائيلي” انتهاكاً سافراً للسيادة السورية، وأنه يأتي ضمن السياسات الغربية و”الإسرائيلية” للقفز إلى الأمام، وتغطية إنجازات الحكومة والشعب السوريين في تثبيت السيادة وإعادة الاستقرار والأمن إلى البلاد، كما اعتبر أن هذا العدوان “يثبت حق سوريا حكومة وشعباً في مقاومة الكيان “الإسرائيلي”، كما يثبت تماشي المجموعات المسلحة التي تزعزع الأمن والاستقرار مع الأهداف “الإسرائيلية”” .
هذه التصريحات الإيرانية التي لم تخرج عن نطاق توصيف العدوان وإدانته، وتحفيز القيادة السورية إلى ردّ محسوب جاء متناقضاً تماماً مع تصريحات إيرانية لمسؤولين كبار أكدوا أن “العدوان على سوريا سيكون عدواناً على إيران” .
لم تردّ سوريا وربما لن تردّ، ولم تردّ إيران ولن تردّ، ولم يصدر حزب الله موقفاً واضحاً وصريحاً من أية تداعيات محتملة لهذا العدوان على سوريا، وهذا ما كانت تريده “إسرائيل” وما يريده نتنياهو بالتحديد، وهو يحاول ترميم ما بقي من سمعته ومكانته هو وحزبه من جراء النتائج الهزيلة التي مني بها في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت الشهر الماضي . فالعدوان على سوريا جاء ضمن استعداداته لتشكيل حكومته الجديدة، وقد اختار الطرف الأضعف في مثلث “الأعداء” (إيران وسوريا وحزب الله)، وربما الأضعف في ظل الظروف الراهنة، كي يوجه عدوانه من أجل دخول معركة تشكيل الحكومة من مركز القوة، لكنه في الوقت ذاته، نجح في أن تصل رسالته إلى إيران وحزب الله، أن الكيان الصهيوني عند تهديده وعند قدرته على ممارسة الردع، وعلى توجيه ضربات إجهاضية لأي مصدر للتهديد حتى لو كان هذا التهديد محتملاً .
أما الرسالة الثانية التي تخص التوافق الأمريكي الروسي الجديد، فهي تهدف إلى التأكيد أن “إسرائيل” لن تقبل أن يكون هذا التوافق، وبالذات ما يتعلق بسوريا، على حساب مصالحها وأمنها . فقد جاء العدوان “الإسرائيلي” على سوريا في الوقت الذي أخذت تتشكّل فيه بعض معالم التوافق الأمريكي الروسي بعد سنوات من التوتر الذي ظهر جلياً إزاء الأزمة السورية . معالم هذا التوافق ظهرت في الموقف الأمريكي الجديد من الأزمة السورية الرافض لتسليح المعارضة والمتشدد تجاه السلفيين الجهاديين الذين يقاتلون نظام الأسد، وخاصة “جبهة النصرة” التي وضعتها واشنطن في خانة المنظمات الإرهابية .
كما ظهرت في تصريحات جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الجديد التي قال فيها “إن واشنطن تحتاج إلى التعاون مع روسيا في الشأن السوري”، وتحدث أيضاً عن “أهمية تحسين العلاقات مع موسكو وإعادتها إلى مستواها الملائم”، ولم ينس أن يشير إلى أن موسكو ساعدت واشنطن على حل عدد من القضايا المهمة وبينها “اتفاقية ستارت”، وساعدتها أيضاً في إطار مفاوضات “مجموعة 5+1” مع إيران .
الحكومة “الإسرائيلية” تدرك هذه التوافقات، وتدرك أيضاً أن واشنطن عازمة على التفاوض مجدداً مع إيران على برنامجها النووي، وأن لقاءً سوف يعقد يوم 25 فبراير/ شباط الجاري في كازاخستان لهذا الغرض بين إيران و”مجموعة 5+1” .
تطورات تدركها الحكومة “الإسرائيلية” بالقدر الذي تدرك فيه أن تقاسماً جديداً لمناطق النفوذ يحتمل أن يتشكل بين كل من واشنطن وموسكو في المنطقة، ولا تريد أن يكون هذا التقاسم على حسابها .
الخليج
الغارة على دمشق: صمت إسرائيلي تفضحه المباركة الأميركية!
حلمي موسى
بعد يوم واحد من إعلان سوريا عن الغارة الإسرائيلية على أراضيها، وتقديم احتجاج إلى الأمم المتحدة، بادرت الإدارة الأميركية إلى إعلان وقوفها إلى جانب إسرائيل. وحذر البيت الأبيض سوريا من مغبة زعزعة «الاستقرار في المنطقة عن طريق نقل أسلحة لحزب الله». وجاء التحذير الأميركي في حمى الإدانات الدولية والعربية للعدوان الإسرائيلي.
أما دمشق فتوجهت إلى الأمم المتحدة، عبر تقديم احتجاج رسمي، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية، التي أكدت على حق سوريا في «الدفاع عن نفسها وأرضها وسيادتها». أما الرد العسكري فجاء على لسان رئيس هيئة الأركان علي عبد الله أيوب، الذي قال «نعرف حجم قدراتنا وجاهزيتنا لاستخدام هذه القدرات في الوقت المناسب». (تفاصيل 15)
وفي واشنطن، خرج المستشار في مجلس الأمن القومي الأميركي بن رودوس ليحذر النظام السوري من نقل أسلحة لـ«حزب الله». وقال رودوس أن «سوريا قد تزعزع أكثر استقرار المنطقة عبر نقل أسلحة لحزب الله». ومما لا ريب فيه أن هذا التحذير يؤكد ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» من أن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة سلفاً بنيتها الإغارة على أهداف في سوريا. كما أن صحيفة «تايمز» اللندنية نقلت عن جهات أميركية قولها إن الشاحنات التي قصفت حملت أيضاً عتاداً إلكترونياً يشوش قدرات التوجيه المستندة لنظام «GPS» المستخدم في الطائرات من دون طيار. كذلك نشرت «وول ستريت جورنال» تقديرات أميركيين بأن إسرائيل هاجمت قافلة شاحنات حملت صواريخ مضادة للطائرات كانت في طريقها إلى «حزب الله» وأن الغارة تمت قرب المنشأة التي قالت دمشق إنها قُصفت.
وأشار معلقون إسرائيليون إلى أن إصرار سوريا على أن المستهدف في الغارة كان مركز أبحاث علمية لأغراض عسكرية جاء لتجنب حرج مع روسيا التي تزود سوريا بأسلحة متطورة. وكتب المعلق العسكري في موقع «يديعوت» الإلكتروني، رون بن يشاي أن «الزعم السوري أعد لتشويش واقع أن السوريين نقلوا أسلحة روسية متطورة، صواريخ أرض جو من طراز SA-17 لحزب الله الأمر الذي ينتهك الاتفاقيات الموقعة مع موسكو». ورأى أن نقل أسلحة كهذه لـ«حزب الله» «يورط نظام الأسد في مواجهة ديبلوماسية وسياسية خطيرة مع موسكو. ولهذا اختارت دمشق تصويب الأنظار العالمية إلى منشأة في المنطقة التي قصفت فيها قافلة السلاح الروسي المتطور”.
وتركز التعليقات الإسرائيلية على أنه مثلما لـ”حزب الله” مبرراته لعدم الرد فإن لإسرائيل أسبابا لعدم استفزازه. وربما لهذا الغرض تم استهداف القافلة في الأراضي السورية وليس اللبنانية. ويعزو بعض المعلقين منطق إسرائيل هذا إلى التجربة التاريخية، حيث السوابق عديدة لضربات إسرائيلية في الأراضي السورية من دون الرد عليها، وعكس ذلك إذا تعلق الأمر بـ”حزب الله” في لبنان الذي تقلص الردع الإسرائيلي في نظره.
عموماً وبرغم التقديرات الإسرائيلية بترجيح عدم رد سوريا على الغارة، إلا أن الاستعدادات كانت واضحة لاحتمالات حدوث الرد. وربما لهذا السبب سافر وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أمس لحضور مؤتمر وزراء دفاع أوروبيين في ألمانيا موحيا بعدم توقع تطورات. لكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية رفعت حالة التأهب في الجبهة الشمالية منذ مطلع الأسبوع ونشرت بطاريتي “قبة حديدية” في الجليل الأعلى. وهناك حركة واسعة لاستبدال وشراء كمامات الغاز في المناطق الشمالية في إسرائيل. كما أعاد الجيش تجريب منظومات الإنذار في “كريات شمونه” شمالاً.
من جهتها، تعاطت غالبية الصحف الإسرائيلية بحذر شديد مع الغارة التي استهدفت موقعاً سورياً على مقربة من الحدود اللبنانية. ولكن صحيفة “اسرائيل اليوم”، المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو خرجت عن انضباطها، واستخدمت عناوين أقرب إلى الاعتراف بالمسؤولية. واحتل عنوان: “تم تحذيرهم، استهانوا، تلقوا الضربة” صفحتها الأولى. في حين ابتعدت الصحف الأخرى عن هذه الدرجة من الإيحاء فعنونت “يديعوت”: “سوريا تعترف: اسرائيل هاجمت”. واختارت “معاريف” خطاً مشابهاً، فعنونت “سوريا: إسرائيل هاجمت منشأة عسكرية قرب دمشق”، وكذلك تقريباً فعلت “هآرتس”.
ومن الجائز أن هناك من سيرى أن الصحيفة المقربة من نتنياهو أرادت تجيير الحدث داخلياً، خصوصاً أن هناك من رأى أن التهديدات الإسرائيلية لسوريا تخدم أغراضاً داخلية. وعموماً، نقلت “إسرائيل اليوم” عن “منشورات أجنبية” أن إسرائيل هاجمت مرتين في سوريا، في الهجوم الأول دمرت قافلة شاحنات أقلت صواريخ مضادة للطائرات كانت في طريقها الى “حزب الله”. وفي الهجوم الثاني، والذي أعلن عنه السوريون، دمرت معهد بحوث قرب دمشق.
عموماً، وإذا صحت الأحاديث، فإن الغارة التي استهدفت القافلة كانت في موقع ما بين الزبداني وبلدة النبي شيت اللبنانية في البقاع. وقيل إن القافلة كانت تحمل صواريخ “سام 17” الروسية الصنع التي تخشاها إسرائيل نظراً لصعوبة اكتشافها، ولسهولة تنقلها.
وكتبت “يديعوت” أن الجيش الإسرائيلي يركز جهده الاستخباري على كل تحرك قرب الحدود اللبنانية السورية لمنع تسرب أسلحة متطورة إلى لبنان، مضيفة أن “حزب الله” معني بامتلاك هذا النوع من الصواريخ، مثلما هو معني بالحصول على صواريخ أرض – أرض بعيدة المدى، وصواريخ أرض – بحر من طراز “ياخونت” الروسية القادرة على شل حركة سفن الصواريخ، فضلاً عن الموانئ ومنصات الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط.
ونقل مراسل الشؤون العربية في “هآرتس” تسفي بارئيل، تقديرات يفيد أحدها بأن الصواريخ تعود لـ”حزب الله”، وأودعت في سوريا لمنع اسرائيل من استهدافها في لبنان. وانه على خلفية التدهور في سيطرة النظام على اجزاء مختلفة من سوريا، قرر “حزب الله” إعادتها منعاً من سقوطها في أيدي المعارضة المسلحة.
وخلص بارئيل إلى أن “حزب الله” يبدو غير معني بفتح جبهة ضد إسرائيل، خشية من رد مكثف في وقت ليس بوسعه الاعتماد على المساعدة السورية.
وتساءل المراسل العسكري لـ”يديعوت”، أليكس فيشمان في مقالته بعنوان: “مخاطرة محسوبة” عما إذا كان الهجوم هو “أول النذر باقتراب مواجهة عسكرية واسعة النطاق على الجبهة الشمالية؟”. وحاول الإجابة عن طريق التوضيح بأن رئيس الأركان الإسرائيلي الحالي، بني غانتس ونائبه غابي آيزنكوت، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أفيف كوخافي، هم أنصار ما يسمى بـ”سياسة المنع” عبر الفعل السري. ولكن “هذه السياسة تغدو فاشلة إذا ظهرت بصمتك ودعوت الطرف الآخر للرد، حيث يمكن أن تنشب حرب ربما لا تريدها ولا مبرر لكلفتها”، بحسب قوله.
وخلص فيشمان بأنه بالرغم من أن إسرائيل غير معنية بمواجهة عسكرية شاملة في الشمال إلا أن جيشها استعد جديا. وأشار إلى أنه من الجائز الافتراض أن إسرائيل أقرب إلى مواجهة عسكرية في الشمال من أي وقت مضى.
عموماً رأى تسفي بارئيل أن الغارة تعني أن إسرائيل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من المعركة الدولية للضغط على النظام السوري. ويمكن لمثل هذا الهجوم أن يلمح أيضاً لدول أخرى، لا سيما تركيا والولايات المتحدة، بأن هجوماً عسكرياً على سوريا لدفع النظام الى الانهيار كفيل بأن يكون خياراً. وأوضح أن تكرار هجمات كهذه كفيل بان يضع الدول الغربية امام معضلة جديدة، مفادها أنه اذا كان ممكناً الهجوم في سوريا أو في لبنان لمنع نقل السلاح، واذا اتفقت في ما بينها الآن على أن كل استخدام للسلاح الكيميائي سيرد عليه برد عسكري، فلماذا لا تهاجم أيضاً كي تنقذ آلاف الناس وتدفع نظام الاسد الى الانهيار؟
وربما أن هذا التقدير هو ما دفع محرر الشؤون الدولية في “معاريف” نداف إيال، إلى اعتبار الغارة جزءا من “الاستعدادات لسقوط الأسد”.
وأيا يكن الحال فإن بوعز بيسموت في “إسرائيل اليوم” يرى صعوبة الرد السوري على الغارة بسبب ما أسماها “متاهة الأسد”. وأشار إلى أنه منذ بدأت الثورة قبل سنتين ونظامه في مسيرة انهيار بطيئة ولكن مؤكدة. وظهر مؤخراً تدهور كبير، أدى برئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف للاعتراف في مقابلة مع شبكة “سي.ان.ان” بأن النظام في سوريا يعيش على زمن مستقطع. أما جيران سوريا، بمن فيهم تركيا واسرائيل، فبدأوا يبدون علامات العصبية الواضحة. فإضافة الى خطر انهيار النظام، أضيف خطر حقيقي يتعلق بتسرب السلاح الكيميائي. و”الدول لا تأخذ قرص تهدئة الآلام في مثل هذه الحالة. بل تأخذ صواريخ باتريوت”.
وأشار بيسموت إلى أن الأسد يمكنه بالطبع أن ينجذب للرد، “ففي وضعه الحالي يمكنه فقط أن يحسن صورته”، مضيفاً أن “الجبهة ضد إسرائيل هي ضمانة مؤكدة في العالم الاسلامي للصعود في مستوى الشعبية… غير أن كل الجيش السوري مجند للحرب ضد الثوار، ويكاد الخيار العسكري السوري يكون غير موجود”.
ويوضح بيسموت أن الرد السوري كفيل باجتذاب رد اسرائيلي، “ولديه (الأسد) الأدوات في الترسانة لهذا الغرض”، إلا أن ذلك سيؤدي إلى انهيار سريع للنظام.
وبرغم التزام إسرائيل الصمت رسميا واندفاع عدد من أبواقها الإعلامية للإيحاء بدوافع الغارة فإن الكثير من دول العالم حملتها المسؤولية عن هذا التصعيد. وعلى الصعيد العربي، برزت إدانات كل من الجامعة العربية ومصر ولبنان والعراق. وكان رد الفعل العراقي أبرزها حيث وصف الغارة بـ”الإهانة” للعرب. إلى ذلك، اتسمت ردود فعل كل من إيران وروسيا بأهمية خاصة.)
السفير
عدوان جمرايا: الأهداف الحقيقيّة للضربة الإسرائيليّة
الهدف الإسرائيلي المعلن لغارة جمرايا يخفي خلفه رسائل أرادت تل أبيب إيصالها إلى أكثر من جهة. وفي التوقيت المرتبط بالحرب الدائرة في سوريا، تبدو اكثر الرسائل خطورة هي تلك الموجهة إلى الدول الغربية المحجمة عن التدخل عسكرياً في سوريا: نفذنا «بروفا» وهذا الرد السوري
محمد بدير, حسن عليق
احتاج الأمر إلى نحو خمس سنوات لتقرر تل أبيب أن الخط الأحمر الذي ملأت الدنيا صراخاً بأن اجتيازه ممنوع، كان على وشك أن يُعبر أول من أمس. في الأدبيات الإسرائيلية ذات الصلة بالجبهة الشمالية، يُقصد بالخط الأحمر نقل أسلحة استراتيجية «كاسرة للتوازن» من مخازن الجيش السوري إلى حزب الله. أما إعلان منع الاجتياز، فيعني الاستعداد الدائم لتحرك عسكري وقائي يجهض عملية النقل في مهدها أو إبان حصولها. وهذا، وفقاً لإجماع التسريبات الإعلامية، ما تحقق ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء.
وأياّ تكن هوية الهدف الذي أغارت عليه المقاتلات الإسرائيلية وطبيعته، فإن الثابت في ما جرى أن تل أبيب نفذت اعتداء جوياً في عمق الأراضي السورية ضد هدف يتصل بقدرات المقاومة. هذا ما أكدته التسريبات التي أشارت إلى منظومة دفاع جوي حديثة الطراز تشكل، بحسب صحيفة هآرتس، «تغييراً في موازين القوى الإقليمية»، في ما لو وضع حزب الله يده عليها. وهذا أيضاً ما تبنّته القيادة السورية حين أعلنت أن المنشأة التي تعرضت للاستهداف مسؤولة عن «رفع مستوى المقاومة والدفاع».
فإسرائيل التي باتت معزوفتها المفضلة خلال الأعوام الماضية، تحديداً منذ ما بعد عدوان تموز 2006، تقتصر على التهديد والوعيد من مغبة امتلاك حزب الله لأسلحة استراتيجية، هي إسرائيل نفسها التي أقرّت قبل أشهر وسنوات على لسان أرفع مسؤوليها المعنيين بأن السيف قد سبق العذل، وأن كل ما كانت تخشاه على هذا الصعيد أصبح واقعاً محكوماً عليها التعايش معه. لنراجع على سبيل المثال، تصريح القائد السابق للمنطقة الشمالية، يائير غولان، في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل اليوم» بتاريخ 6/ 4/ 2012 الذي جاء فيه ما حرفيّته: «ما يوجد لدى حزب الله اليوم يقض مضاجعنا. ووفقاً لإدراكنا، كل ما عدا السلاح الكيميائي، مهما بلغ مستوى تطوره، قد تم نقله إلى حزب الله».
إذا كان الأمر كذلك، أي إذا كانت الفرضية العملانية الإسرائيلية تنهض على مقومات مفادها أن ما في حوزة الحزب هو بالضبط ما كانت تخشى إسرائيل أن يصل إليه، يطرح السؤال نفسه حول خلفية ما فعلته إسرائيل حقّاً في عدوانها أول من أمس على سوريا. فنحن لسنا أمام إحباط لعملية انتقال قدرة إلى الحزب من النوع الذي لا يمتلكه، كما أننا لسنا أمام عملية شطب (إبادة) لقدرة نوعية تمتلكها دمشق، ذلك أن المرجح جداً أن ما تم تدميره هو نسخة واحدة من جملة نسخ حصلت عليها سوريا من المنظومة التسليحية إياها. ومن البديهي أن تدمير « قطعة» عسكرية تعلم تل أبيب أن سوريا تمتلك العديد من أمثالها ليس مبرراً مجدياً لعملية تنطوي على هذا القدر من المغامرة.
في البحث عن المتغيرات التي تفسر الفعل الإسرائيلي، لا يعثر المرء إلا على عامل واحد، هو الحرب الداخلية المشتعلة في سوريا التي تستنزف الدولة وكيانها نظاما وجيشا وشعبا. فإذا افترضنا أن إسرائيل كانت مطّلعة على عمليات نقل الأسلحة الإستراتيجية إلى حزب الله من قبل (بناء على ما قاله غولان)، فإن هذا الافتراض يستتبع افتراضاً آخر مفاده أنها لم تكن تتجرأ على اعتراض هذه العمليات في حينه، لسبب وجيه هو أنها كانت تخشى رد الفعل السوري في وقت كانت دمشق لا تزال تتمتع باستقرارها السياسي والأمني، وقادرة بالتالي على لعب دورها الإستراتيجي ضمن محور المقاومة ببراعة وقوة.
نحن، إذاً، أمام تحيّن إسرائيلي للحظة «قاسية» في الطرف المقابل، ظاهرها استغلال الضعف السوري لإعادة إنتاج رسائل التهديد السابقة بهدف تكريس مفهوم الخط الأحمر، برغم فوات الأوان من الناحية الفعلية. وتوسلت إسرائيل عنوان حزب الله للدخول على خط المواجهة الجارية في سوريا ضد نظام الأسد، كونه العنوان الوحيد الذي يؤمّن لها المشروعية السياسية الدولية لاعتدائها، فضلاً عن أنه يعفي المعارضة السورية من حرج الاعتراض عليه. ولا يمكن فهم الدخول الإسرائيلي الميدان السوري مباشرة إلا في ضوء: أولاً، تحطم كل الرهانات الإسرائيلية (وغير الإسرائيلية) السابقة التي ضربت الموعد تلو الآخر لانهيار نظام الأسد فلم تحصد إلا الخيبة. ثانيا، اتجاه الوضع الميداني خلال الأسابيع الأخيرة نحو مزيد من الترجّح لمصلحة النظام. ثالثا، الانكفاء الدولي عن فكرة التدخل العسكري في سوريا.
أما في الجوهر، فيفترض بالهجوم الإسرائيلي، في حسابات تل أبيب غير المعلنة، أن يسجل مجموعة نقاط مشتركة. أولى هذه النقاط «القضاء على ما في الذمة» لعمليات اعتراض نقل الأسلحة التي حالت معادلات الردع القائمة في الماضي دون تنفيذها. ثانيتها السعي إلى تثبيت معادلات جديدة تتصل بالحدود التي من المسموح للنظام السوري أن يتعامل ضمنها مع ما لديه من أسلحة استراتيجية. ثالثتها فتح الباب أمام القول إن التهويل القائم حول فكرة التدخل الخارجي ليس واقعياً، بدليل حصول نموذج مصغّر له من دون أكلاف. رابعتها مد المعارضة الميدانية المسلحة برافعة ضغط مستجدة على النظام السوري من خلال إشغاله بجبهة جديدة تشتت جهده، وتحول دون استجماع قواه وتركيزها في المواجهة القائمة، وكذلك إحراجه معنويا وأخلاقيا عبر إظهاره بمظهر «المستبسل ضد شعبه، والمنكفئ أمام إسرائيل».
وهذا الإحراج يشمل كل محور المقاومة الذي يبدو أنه أخطأ في تقديره، عندما بنى حساباته في سوريا على أساس أن تل أبيب لن تدخل علناً الحرب الدائرة في بلاد الشام، علماً بأن بصمات الاستخبارات الإسرائيلية تبدو واضحة المعالم في بعض العمليات الأمنية التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الماضية، خصوصاً تلك التي استهدفت خبراء لا صلة لهم بالحرب الداخلية. وبين هؤلاء من عملوا خلال العقد الأخير على بناء الترسانة العسكرية المنتشرة بين أيدي المقاومين، في غزة ولبنان وسوريا.
الأخبار
هل بدأ نقل السلاح الإستراتيجي ؟
علي حماده
شكّلت الغارة الاسرائيلية ليل اول من امس على قافلة محملة اسلحة “نوعية” متجهة من سوريا نحو الاراضي اللبنانية عند منطقة تقع الى الشمال من جبل الشيخ، خبرا توقفت عنده دوائر استخباراتية اوروبية، ولا سيما ان معلومات اكدت لـ”النهار” ان تل ابيب اخطرت حلف شمال الاطلسي وعددا من العواصم الاوروبية بالعملية قبل حدوثها، وتقاطعت معلومات مفادها ان ثمة حراكا غير اعتيادي على مستوى نقل اسلحة من سوريا الى لبنان، وتحديدا الى “حزب الله”، الامر الذي يعتبر مقلقا ليس فقط لاسرائيل بل لدول منظومة حلف شمال الاطلسي “الناتو” على وجه الاجمال. فقد سبق ان جرى تحذير بشار الاسد من مغبة نقل اسلحة استراتيجية الى “حزب الله” على قاعدة انه سيستدعي ردا منسقا بين جميع اطراف “الناتو”. ومعلوم ان السلاح الاستراتيجي تندرج تحته جميع انواع السلاح غير التقليدي فضلا عن منظومات الصواريخ المضادة للطائرات. وكل هذه الاسلحة يشكل نقلها خرقا لتفاهم غير مكتوب بين النظام في سوريا من جهة وكل من اسرائيل والولايات المتحدة من جهة اخرى، يقضي باحترام هذا الخط الاحمر. لكن يبدو ان بشار الاسد بدأ بخرق التفاهم المشار اليه، مما استدعى عملية اسرائيلية حظيت بغطاء غربي كامل، وجرى ابلاغ موسكو بالامر بعد حصول الغارة على قاعدة ان موسكو لا يسعها الاعتراض على الغارة ضمن هذه الشروط، وخصوصا ان الاسلحة المعنية روسية الصنع، وتحرص موسكو على احترام نوع كهذا من الخطوط الحمر حتى في ظل دعمها للنظام في سوريا. فهذه الخطوة (نقل اسلحة متطورة) لا تندرج تحت مظلة الحماية الروسية. من هنا فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الغارات، معظمها سيكون سريا ولن يعلن عنه في الوسائل الاعلامية، لمنع “حزب الله” من حيازة اسلحة ذات طبيعة استراتيجية في تلك المنطقة المحددة من الشرق الاوسط. فالحزب في نظر القوى المعنية، ومن ضمنها روسيا، يبقى ذراعا ايرانية ويتحرك ضمن افق ايراني بحت، ووفق شروط ووظائف تحددها طهران وحدها. وعند هذه النقطة فإن روسيا تقف في صف الغرب واسرائيل.
في اطار آخر، وفي اتصال اجراه زميل مقيم هنا في باريس برمز معارض مقيم في سوريا حتى الان، سمع الاول من الثاني كلاما مغايرا لمناخات جرى تعميمها أخيرا عن تقدم تحققه قوات النظام في عدد من المناطق الملتهبة في محيط دمشق وحمص، فقال: “ان ما تسمعونه في وسائل الاعلام، او بالاخبار المتواترة هنا وهناك غير صحيح، فالثورة في وضع جيد جدا وتحقق تقدما مستمرا على الارض. وكل ما يحكى عن تسجيل النظام نقاطا على المستوى العسكري غير صحيح”. اضاف: “ان الثورة صامدة على الارض، بل انها سائرة نحو تحقيق انتصار في مدى اقرب مما تتصورونه. فقط راقبوا منطقة الساحل جيدا التي يزعم النظام انها حصنه الحصين. ان الاوضاع هناك تشهد تحولات كبيرة ستسمعون عنها قريبا”.
… وتبقى سوريا في قلب الحدث!
النهار
دور إسرائيل في سوريا!
عبد الرحمن الراشد
الحرب في سوريا هم إسرائيلي أيضا، وقد لا تقل نتائجها خطرا عليها من حرب أكتوبر 1973. سقوط نظام بشار الأسد قد يغير الخريطة، وربما يهدد توازن القوى القائم منذ فك الارتباط الذي وقعه الرئيس حافظ الأسد وإسرائيل برعاية هنري كيسنجر في تلك الحرب. فسوريا هي الدولة الكبرى الثانية على حدودها بعد مصر، وعلى الرغم من هدوء الجولان فإن سوريا الوحيدة التي لم توقع اتفاق سلام، على اعتبار أن لبنان كان جزءا من القرار السوري، والوحيدة المسلحة حتى أذنيها بأسلحة كيماوية وبيولوجية.
مر أول عام من الثورة، والإسرائيليون لم يصدقوا احتمالية انهيار نظام الأسدي الحديدي، لكنهم منذ مطلع العام الماضي صاروا يؤمنون أن الأسد ساقط لا محالة. وبسقوط الأسد سيخسر الإسرائيليون «عدوا عاقلا»، وحارسا أمينا لكن بقدر خوفهم من سقوطه بقدر تزايد شهيتهم في التأثير على النتيجة النهائية.
بسقوط الأسد، إسرائيل تخشى من المجهول، ومن المؤكد أنها من أكثر الأطراف رصدا لما يجري كل يوم على جبهات الحرب عند الجارة. وقلق إسرائيل مبرر ومتوقع، إلا إذا تمادت وسعت أو ساعدت في إعادة رسم الخريطة السورية. ولا أظن أني على خطأ إذا قلت إن إسرائيل تشجع فكرة إقامة الدولة العلوية التي يجهز لها الأسد على ساحل البحر المتوسط، وغيرها من دويلات. وهي لا تبالي بقيام حرب أهلية في الداخل السوري إن لم تكن تشجعها، والحرب بين الإخوة السوريين متوقعة لو حاول الأسد الانفصال بجزء من البلاد. ولإسرائيل دائما مصالح في أن ينشغل جيرانها العرب بالحروب الأهلية بينهم، ومن صالحها تفكيك سوريا إلى دويلات كردية وعلوية ومسيحية ودرزية وسنية. لكن ألا تخاف إسرائيل من وجود «القاعدة» في سوريا المنهارة؟ الفكرة مخيفة و«القاعدة» بعبع للغرب لكن ليس لإسرائيل، فالتنظيم يتحاشى مواجهة الإسرائيليين، على الرغم من كثرة أدبياته المعادية لليهود. وإسرائيل تعرف أنه لا حزب الله ولا «القاعدة» ولا حماس، ولا من سبقها من الفصائل الفلسطينية الحمراء مثل أبو نضال والجبهة الشعبية كانت تهدد أمنها، كلها كانت فقط مصدر إزعاج، فميزان القوى لصالحها دائما، وتكسب الحرب في الأخير. أيضا إسرائيل حصنت نفسها ببناء حدود منيعة، بنت جدارا طويلا فصل الضفة وستبني آخر مع مصر، وستشيد «جدار إسرائيل العظيم» إلى الجولان بجدار يفصلها عن سوريا.
لم يصدر عن تل أبيب أي معلومات أو تلميحات حول دورها في سوريا لكننا نعرف أن هذه أخطر حرب على حدودها وتمس أمنها مباشرة ولا يمكن ألا يكون لها دور. القليل قيل، الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس بعد عودته من روسيا في مرة سابقة قال، إنهم ضد التدخل العسكري الأجنبي لكنهم يؤيدون فكرة إرسال قوات عربية إلى هناك لفرض السلام! طبعا بيريس يعرف أن التدخل الدولي يكفيه أسبوع لإسقاط نظام الأسد أما التدخل العربي فسيطيل الحرب سنوات. وهي الفكرة السخيفة التي دعت إليها الجامعة العربية دون أن تقول كيف سترسل قوات عربية ومن هي هذه القوات؟
وأتصور أن إسرائيل أثرت في رؤية الغرب، وكذلك روسيا، حيال التعامل مع الأحداث في سوريا، والأغلب أنها خلف تراجع اهتمامهم وتهديداتهم لنظام الأسد. الإسرائيليون يرون احتمالات أربعة لنهاية التراجيديا السورية؛ الأول، سقوط النظام وقيام نظام بديل منهك من المعارضة على دولة مدمرة وأرض محروقة. الثاني، سقوط النظام مع استمرار الحرب الأهلية من دون حكومة مركزية قوية كما حدث في الصومال. الثالث، فرار الأسد وعصابته إلى الساحل، والإعلان عن انفصالهم وإقامة دولة علوية، وبالتالي استمرار المعارك بين السوريين. الاحتمال الأخير والضعيف بقاء الوضع كما هو، الأسد في دمشق والمعارضة تقاتله، وتبقى الحرب كرا وفرا لزمن طويل.
كل هذه الاحتمالات تخدم إسرائيل، أما الخيار الذي لا يناسبها كان التدخل الدولي قبل عام أو أكثر وإسقاط النظام وإقامة نظام سوري جديد مدعوم دوليا على أسس ديمقراطية. تعرف أن هذا سيجعل سوريا جارة أقوى، سكانها أكبر ثلاث مرات من إسرائيل، وبنظام شعبي حقيقي.
الشرق الأوسط
الغارة الاسرائيلية الأخيرة على سوريا:
“حزب الله” معني بالرسالة… وبالردّ أيضاً
ابراهيم بيرم
لم يعد خافياً ان “حزب الله” قارب الغارة الاسرائيلية الأخيرة على اهداف في الاراضي السورية على أساس انه احد ثلاثي مستهدف مباشرة بهذه الغارة اضافة طبعاً الى سوريا نفسها وايران.
دوائر التحليل في الحزب لم يفاجئها اطلاقاً اقدام تل ابيب على ارتكاب هذا العدوان، فمنذ زمن بعيد كان ثمة نقاش حقيقي داخل الدوائر عينها حول احتمالات السلوك الاسرائيلي حيال الأوضاع في سوريا، فكان الاستنتاج أن اسرائيل لا يمكن ان تظل بمنأى عن هذه الاوضاع، كما فعلت حيال التحولات والتطورات التي جرت في دول عربية اخرى، اذ ان سوريا هي احدى حلقات مثلث الممانعة والمقاومة الذي تعتبره اسرائيل خطراً مباشراً عليها.
وتدرك القيادة الاسرائيلية تماماً ان خروج النظام السوري من المواجهات الدائرة منذ قرابة عامين مع المعارضين المسلحين أمر وسقوطه او إنهاءه امر آخر له حسابات مختلفة خصوصاً ان الجيش السوري هو آخر جيش عربي محترف يمتلك امكانات واسعة ويحمل عقيدة مواجهة حقيقية لاسرائيل.
وعليه فان الدوائر عينها عكفت على النظر الى هذه الغارة على انها تنطوي على أبعاد عدة منها ما له علاقة بمسار الأزمة في سوريا، ومنها ما له صلة بالكلام المتعاظم عن امكان انضاج تسوية للأزمة السورية بات الطرفان الروسي والأميركي شريكين فيها كلٌّ من منطلق حساباته الخاصة، ومنها، وهذا الاهم، ما له علاقة بقواعد الاشتباك وقواعد اللعبة بين اسرائيل نفسها و”حزب الله”. وقد ارادت اسرائيل بطبيعة الحال التغطية على اهداف ومقاصد ورسائل معينة، عندما بادرت الى الزعم بأن الهدف المقصود من الغارة قافلة صواريخ سورية (سام 17) متجهة الى ترسانة “حزب الله” في لبنان، علماً ان الامر من اساسه مستبعد كون المنطقة المستهدفة بالغارة ليست منطقة عبور اسلحة ولا يمكن لأسباب جغرافية وأمنية ولوجستية أن تكون كذلك في اي يوم من الايام، فكيف في ظل الاوضاع العسكرية المضطربة التي تسود محيط دمشق وريفها منذ اشهر.
وفي كل الأحوال، بات الحزب يعتبر أنه بعد مضي عامين على صمود النظام السوري وهو ما راهن عليه اساساً حتى في اصعب الاوقات، فان اسرائيل توجّه رسالة واحدة إلى الأطراف الثلاثة المعنية مباشرة بهذه الأزمة. وعلى هذا الأساس، وسواء كانت الضربة الاسرائيلية هي عند هذه الحدود او انها بداية لما يمكن أن يليها من اعمال وممارسات من هذا النوع، فالثابت ان الحزب يرى أن اسرائيل بدأت بتغيير قواعد اللعبة، وهو أمر يطرح على بساط البحث جدياً مسألة استمرار الحزب في التزام مقتضيات القرار 1701 الذي صدر غداة حرب تموز عام 2006، وهو الالتزام الذي ادهش العالم كله، ودليله العملي واضح في منطقة جنوب الليطاني حيث منطقة عمليات القوة الدولية.
صحيح ان الغارة الاسرائيلية كانت بعيدة عن الاراضي اللبنانية، ولم تطاول أي هدف له علاقة مباشرة بمنظومة القوى لدى الحزب، لكن الحزب يعي في المقابل ان الغارة هي بشكل أو بآخر تحرش واضح بالتحالف الذي يشكل هو أحد أعمدته، وأحد قواه الضاربة، وبمرتكزات قوة هذا الحلف، خصوصاً بعد تصاعد كلام له معنى وقيمة وفحواه ان المستهدف مركز علمي لتطوير سلاح الصواريخ الذي هو إحدى نقاط التوازن والردع مع القوة العسكرية الصهيونية بالنسبة الى الحزب.
ربما ان ثمة من يجد في الكلام الاخير لوزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج، والذي قال فيه ان الغارة هي رد اسرائيلي على سوريا التي صمد نظامها وتماسك جيشها وواجه وامتص كل هجمات المعارضين، تبريراً لعدم الرد المباشر على الغارة، وتحجيم أهدافها والتقليل من أهميتها وابعادها، لكن هذا التحليل قد لا يعني العقل الاستراتيجي لدى الحزب الذي بات ينطلق من مبدأ انه معني مباشرة بالغارة، وانه استطراداً عليه أن يكون جزءاً وحلقة من حلقات الرد في مكان وزمان بمقدور الحزب ان يحددهما وهو الذي أدمن لعبة الردود الموجعة لاسرائيل على أكثر من مستوى وفي أكثر من مكان.
وبالطبع ثمة في الاوساط المواكبة لنهج الحزب في مثل هذه الحالات نقاشات حول مسألة هل الضربة الاسرائيلية هي من النوع الذي يمكن ارجاء الرد المباشر عليه؟ أم انه يستلزم رداً نوعياً عاجلاً لافهام الكيان الصهيوني بأن الكلام الذي روجه غداة الغارة وفحواه بأنه يراهن على ان دمشق في حالة ضعف ووهن وان “حزب الله” في حالة ارباك مما لا يسمح لهما في هذه المرحلة بالذات بأن يبادرا الى اجتراح رد، هو كلام لا معنى ولا قيمة له خصوصاً في هذه المرحلة المصيرية التي يعتبر فيها الحزب وايران ان الحرب الكونية على سوريا ونظامها وجيشها إنما المراد منها أولاً وأخيراً ضرب واسطة عقد المواجهة والممانعة لاسرائيل.
لذا فبقدر ما أتت الغارة الاسرائيلية لتؤكد صحة ما ذهب اليه الحزب مراراً في معرض تحذيره من مآل الاوضاع في سوريا إذا ما راحت في اتجاح الجرح المفتوح النازف، فإنها تضع الحزب قبل سواه امام تحدي الرد، وبشكل عاجل. وهكذا وعندما يحضر فجأة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الايراني سعيد جليلي الى دمشق بعد ساعات من الغارة، ويطلق من هناك كلاماً فحواه ان اسرائيل ستندم على ما اقترفته، فإن ذلك يعني ان الرد على الحدث صار أمراً وارداً في الحسبان.
ومما يزيد في رسوخ هذا الاقتناع ان الرد على الغارة الاسرائيلية هو جزء من منظومة دعم النظام السوري الذي حافظ الى حد بعيد على تماسكه وصموده مما أهّله للدخول في مرحلة أخرى غير مرحلة الرهان على تداعيه وانهياره.
إذاً لمسألة الرد معانٍ واهداف وضرورات متعددة منها ضرورة الحفاظ على المعنويات، وفي كل هذا الخضم يبدو جلياً أن “حزب الله” معني.
النهار
الأسد والغارة الإسرائيلية!
طارق الحميد
لا يمكن اعتبار الغارة الإسرائيلية على سوريا أمرا مفاجئا، خصوصا أن نظام الأسد قد فعل المستحيل لجر إسرائيل للأزمة، ووفق حساباته، للقول بأن ما يحدث في سوريا هو مخطط خارجي. ولذا فإن السؤال هو: لماذا الآن.. وما هي المدلولات؟
فقد حاول الأسد مرارا تحريك الأمور مع إسرائيل سواء عبر الجولان، أو لبنان، ولم ينجح. لكن اليوم قامت إسرائيل بتوجيه ضربة جوية على هدف لم يعلن بشكل واضح، حيث يقول النظام الأسدي إن الغارة استهدفت مركزا للأبحاث، بينما تقول التقارير الدولية إنها استهدفت صواريخ منقولة لحزب الله. ولكي يكون التحليل واضحا فلا بد من سرد ما سمعته من معلومات هنا؛ فقبل شهر ونصف الشهر سمعت من زعيم عربي كبير أن إسرائيل تراقب الأسلحة السورية بمختلف أنواعها، وأنها تنوي استهداف الأسلحة حال نقلها، أو تحريكها، بما في ذلك استهداف مواقع الأسلحة الكيماوية. ويقول الزعيم العربي إنه في حال تم استهداف الأسلحة الكيماوية بعمل إسرائيلي انفرادي فإن ذلك يعتبر بمثابة الجنون، لأن عواقبه ستطال الجميع. وعليه فمن الضرورة إقناع إسرائيل بعدم الإقدام على عمل مثل هذا. هذه القصة تعني أن إسرائيل كانت، ولا تزال، تراقب الأوضاع السورية جديا، ولديها مخطط متكامل للتعامل مع تطورات الأحداث هناك.
ومن هنا، فإن دلالات العملية الإسرائيلية في سوريا مهمة جدا؛ فإذا كانت العملية هي استهداف لصواريخ روسية الصنع منقولة إلى حزب الله – والواضح حتى الآن أن هذه هي الرواية الأدق – فذلك يعني أن الأسد قد أدرك أن موازين القوى على الأرض قد اختلت، ولم يعد بمقدوره حتى الحفاظ على صواريخ (إس إيه 17). والاحتمال الآخر أن الأسد قد استشعر بأنه قد يصار إلى تدخل دولي قريب ضده؛ وبالتالي فهو يريد تهريب أسلحته إلى حزب الله على أمل استخدامها من الأراضي اللبنانية. وهذا يعد تفكير اللحظات الأخيرة، أي حركة يأس، كما فعل صدام حسين حين هرب طائراته إلى إيران بعد احتلاله الكويت. وهذا يدل أيضا على أن الأسد ماض للأخير، أي الحرب، لكن بقدرات واهية، حتى لو استعان بحزب الله الذي سيكون تورطه في الدفاع عن الأسد بمثابة كسر الظهر، عسكريا، وشعبيا!
ومن مدلولات الغارة أيضا أن إسرائيل تراقب سير الأحداث في سوريا، وتتصرف وفق أهداف محددة وهي ألا يخرج الأسد عن قواعد اللعبة، بمعنى أنه من المقبول أن يقتل شعبه، ويدمر سوريا، وهذا بالطبع مكسب استراتيجي لإسرائيل، لكن ليس من المقبول أن يغير الأسد قواعد اللعبة، ولا حتى الثوار، فكل ما يريده الإسرائيليون هو أن تبقى الحرب سورية – سورية، ويتم بذلك استنزاف حلفاء الأسد، الذي ترى إسرائيل أنه ساقط لا محالة، وبالطبع استنزاف سوريا كلها، وبذلك تضمن إسرائيل أنه عند انتهاء الأزمة، ووفق أي نتائج، فستكون سوريا كلها منهكة وخارج المعادلة لفترة طويلة، وهذه رؤية قاصرة بالطبع، لكن الغريب أن هذا هو أيضا المخطط الأسدي والإيراني والذي يقوم على أنه لا سوريا بعد الأسد!
الشرق الأوسط
الكيميائي السوري: نتنياهو يعتمد «التخويف الذاتي» لمكاسب داخلية
حلمي موسى
خلال يومين، ومن دون سابق إنذار، توترت ثم هدأت الأجواء العسكرية بين إسرائيل وسوريا جراء تقارير حول احتمالات الحرب والخوف من «تسرب» أسلحة كيميائية سورية إلى «حزب الله» أو سقوطها بأيدي جهات معادية أخرى. وأمس الأول احتل الموضوع العناوين الرئيسية للصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، ثم اختفى أمس وكأنه لم يكن. ومع ذلك انفردت «معاريف» في النقل عن مصادر في الخارجية الإسرائيلية قولها إن تخوف نتنياهو من السلاح الكيميائي السوري عرض «لأسباب تتعلق بمصالح خفية».
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد نشرت في ذروة المعركة الانتخابية وقبل إعلان النتائج خبراً مفاده أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قطع انشغاله بالحملة الانتخابية ليعقد اجتماعاً أمنياً طارئاً للبحث في أمر السلاح الكيميائي السوري واحتمال وقوعه بأيد معادية. وسبق لإسرائيل أن أشارت عدة مرات في السابق إلى احتمال أن تتدخل عسكرياً، إذا حدث ونقلت أسلحة إستراتيجية سورية بينها السلاح الكيميائي إلى جهات معادية، ومنها «حزب الله». وفي هذا السياق، تبارت سلطات محلية في شمالي إسرائيل في إظهار الاستعداد أو الحاجة إلى متطلبات مواجهة ظروف استخدام أسلحة كيميائية في أي حرب مستقبلية.
غير أن «معاريف»، كما سلف، نقلت عن مسؤولين كبار في الخارجية الإسرائيلية انتقاداتهم الشديدة لنتنياهو لأنه فاقم مستوى المخاوف مما يجري في سوريا من دون سبب حقيقي. وقال هؤلاء إنه لم تظهر مخاوف من وقوع أي اجتياز للخطوط الحمراء التي رسمتها إسرائيل بالنسبة للسلاح الكيميائي لدى سوريا. وأضافوا أن نتنياهو تصرف هكذا برغم أن صورة الوضع في سوريا مؤخراً لم تتغير سلباً بشكل دراماتيكي.
وبحسب مسؤول كبير في الخارجية الإسرائيلية، فإن «صورة الوضع في سوريا، خصوصاً في ما يتعلق بمخازن السلاح الكيميائي، لم تتغير في الأسبوعين الأخيرين، وعمليا يسود نوع من الوضع الراهن في الصراع بين جيش الأسد والثوار». وقال موظف آخر إن «إسرائيل تتابع عن كثب ما يجري في سوريا، وبحسب المعلومات التي لدينا لم يطرأ تدهور بالنسبة لحماية السلاح الكيميائي ولم تجتز الخطوط الحمراء التي وضعتها إسرائيل بشأنه».
وأشار المسؤولون في الخارجية الإسرائيلية إلى أنه ليست صدفة قيام البعض بتسريب أمر عقد نتنياهو جلسة سرية في الموضوع السوري يوم الأربعاء الماضي، وتسريب بعض ما دار في الاجتماع. وأوضحت «معاريف» أنه وفقاً للتسريبات فإن البحث دار حول مخاوف من وقوع أسلحة كيميائية بأيدي منظمات سلفية سورية، ومن استمرار نقل أسلحة متطورة إلى «حزب الله». وجرى التشديد خصوصاً على صواريخ متطورة من طراز «سكود»، وصواريخ أرض بحر وأرض جو.
وفي المقابل، قال مسؤول في الخارجية الإسرائيلية إن ما تسرب من أنباء عن الجلسة لم يكن دقيقاً، في حين أشار آخر إلى أن هذه التسريبات «جعلت وسائل الإعلام تخدم فعلياً مصالح خفية لنتنياهو». وأوضح هؤلاء أنه كان يمكن توجيه الرسائل بهدوء من دون اللجوء للتسريبات وإعطاء الانطباع بأن رئيس الحكومة استدعى على عجل وزير الدفاع إيهود باراك، الذي كان يزور أوروبا. وأوحت «معاريف» بأن نتنياهو كان معنياً بإظهار الخطر الكيميائي السوري منذ ما قبل أسبوعين على الانتخابات الإسرائيلية حيث أثار الأمر في زيارته إلى الجولان وفي اجتماعه مع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي. كذلك أظهر نتنياهو هذه المخاوف في مداولاته مع القوى الأخرى بشأن المفاوضات الائتلافية وربطه بين تشكيل الحكومة المقبلة.
وكان نتنياهو قد أعلن أنه «ينبغي أيضاً النظر حولنا، إلى ما يجري في إيران وملحقاتها، وإلى ما يجري في ساحات أخرى، إلى السلاح الفتاك الذي يوجد في سوريا والآخذ في التسرب»، مضيفاً أن «الشرق الأوسط لا ينتظر نتائج الانتخابات وهو لا يتوقف في زمن تشكيل الحكومة». وقال «يوجد هنا الكثير من التهديدات، ركام من التهديدات، الأكثر شدة التي ذكرتها وغيرها أيضاً، والواقع يواصل التطور»، موضحاً أن «كل المنطقة تعتمل ونحن ملزمون بأن نكون جاهزين وأقوياء ومصممين حيال كل تطور محتمل. ولهذا الغرض فاني سأتطلع إلى تشكيل أوسع حكومة وأكثرها استقراراً، من أجل الاستجابة قبل كل شيء إلى التهديدات الأمنية ذات المغزى على دولة إسرائيل، وأنا مقتنع بأنه في وسعنا أن نتصدى لهذه التحديات».
وبحسب «معاريف» فإن أوساط وزارة الخارجية الإسرائيلية لم تقدر وحدها أن نتنياهو استخدم الوضع الأمني الهش جدا في سوريا كي ينقل رسالة إلى رؤساء الأحزاب الذين يدير معهم مفاوضات ائتلافية بشأن الحاجة إلى إقامة حكومة واسعة. ونقلت عن عدد من الدبلوماسيين قولهم إن «رفع مستوى المخاوف مما يجري في سوريا يرتبط بشؤون سياسية داخلية في إسرائيل». ووفقاً لدبلوماسيين أوروبيين فإن «نتنياهو يزرع الرعب والخوف بطريقة مشابهة لطريقة العمل التي اتبعها في المسألة الإيرانية في السنة الماضية. هذا تخويف ذاتي».
والواقع أن تخويف نتنياهو من الخطر الكيميائي السوري لم يقتصر فقط على الإسرائيليين بل تخطاه إلى الأميركيين والدول الغربية أيضاً. فقد التقى نتنياهو أمس الأول مع وفد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي من الحزبين الجمهوري والديموقراطي برئاسة روب وايتمان، وأبلغهم انه في كل ما يتعلق بسوريا، ينبغي على إسرائيل أن تختار بين «خيار سيء، وأسوأ». وقال السفير الأميركي في إسرائيل دان شابيرو إنه بين إسرائيل ودولته تعاون كامل وتنسيق كامل في الموضوع السوري. وفي ذات الوقت، زار مستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن القومي يعقوب عميدرور موسكو، وبحث مع الرئيس في الموضوع السوري.
غير أنه خلافا لرأي «معاريف» فإن المعلق العسكري في «هآرتس» عاموس هارئيل، اعتبر أن التركيز الإعلامي على الكيميائي السوري وجه رسالة إلى الأطراف المعنية وإلى الأسرة الدولية. وكتب أن التحذير يتخطى رسم خط أحمر للرئيس السوري بشار الأسد أو لـ«حزب الله».
وكانت كل الصحف الإسرائيلية تقريباً قد نشرت أمس الأول تقارير حول استدعاء نتنياهو لوزير الدفاع من الخارج، وللسفير الأميركي في تل أبيب للتشاور بشأن الخطر الكيميائي السوري. وبدا كما لو أن الوضع طارئ ويستدعي العمل الفوري. وعززت إسرائيل هذه التخوفات بقيامها على عجل بنشر بطاريات قبة حديدية في الشمال ومنطقة حيفا.
السفير
المفترق السوري بين الغارة والحوار
علي الأمين
الهدف او الاهداف التي طالها العدوان الاسرائيلي على سورية فجر الاربعاء، بعد نحو عامين من بدء الثورة السورية، تفتتح الانتقال الاسرائيلي من مرحلة المراقبة والمتابعة الاستخبارية الى مرحلة “الهجوم الوقائي”. هجوم استباقي توّج سلسلة التحذيرات الاسرائيلية من انتقال المخزون السوري من الاسلحة الكيماوية المزعومة سواء الى ايدي “حزب الله” او المجموعات المسلحة.
فهل بدأت اسرائيل مرحلة التدخّل المباشر في معادلة الصراع الاقليمي والدولي في سورية من نافذة السلاح غير التقليدي هذا؟ كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مهّد لهذا العدوان الاحد، بالقول خلال اجتماع مجلس الوزراء الاسرائيلي ان بلاده “تستعد لمواجهة كافة التطورات التي تحدث في سورية…”. تمهيد اعقب تحريك اسرائيل نظام القبة الحديدية الدفاعي الى الشمال اي في اتجاه الحدود مع لبنان وسورية.
الخطوة الاسرائيلية هذه تنطوي على مجازفة اسرائيلية، خصوصا انها تأتي بعد تصريحات رسمية ايرانية قالت إنها ستتعامل “مع أي هجوم على سورية على أنه هجوم على ايران”. وبعد تصريحات من اعضاء في المجلس الوطني السوري المعارض قالت ان “الرئيس بشار الاسد قد يلجأ في خطوة يائسة الى فتح المواجهة مع اسرائيل”. وهي بطبيعة الحال ليست في اطار تسجيل نقاط انتخابية في معركة انتخابية داخلية، بل هي خطوة خارج السياق الداخلي في اسرائيل، بعدما استعاد نتنياهو مجدداً رئاسة الحكومة. إذا هذه المجازفة الاسرائيلية تصل الى حدّ الاستعداد الجدي لحرب ليس مع “حزب الله” فحسب، بل مع سورية وايران ايضا.
الى هذا الحد يمكن توصيف الموقف الاسرائيلي اليوم. وبالتالي فإن المجازفة بهذا المعنى تنطوي اما على ان الهدف الذي طالته الطائرات الاسرائيلية الاربع يستحق المجازفة، وبسلاح الجو عبر اربع طائرات حربية، او ان اسرائيل تؤكد من خلال هذا العدوان انها تريد ان تكون جزءاً من الصراع في سورية ومن بوابة الاسلحة غير التقليدية التي ُتجمع الدول الكبرى، بما فيها روسيا، على رفض انتقالها الى “حزب الله” او المجموعات المسلحة. خصوصا ان موسكو كانت حريصة على تقديم ضمانات لواشنطن لجهة عدم انتقال هذا السلاح الى مجموعات عسكرية او دول اخرى. فيما اكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان النظام السوري جمع الاسلحة غير التقليدية من مواقع عدة في مختلف انحاء البلاد وخزّنها في موقع واحد بعيدا عن هجمات المعارضين.
تطور الاحداث هذا جعل من العامل الاسرائيلي عنصرا اضافيا. فهو الى كونه يظهر الاسد في موقع المستهدف من اسرائيل، حرص البيان العسكري الرسمي السوري على ابراز ان مركزا استُهدف في الغارة كان مخصصا “لرفع مستوى المقاومة والدفاع الذاتي”. وهو ما رد عليه رئيس الائتلاف السوري المعارض احمد معاذ الخطيب بإدانة سلوك النظام “لعدم رده على العدوان الاسرائيلي بطائراته بدل قصف المدنيين”. كما اطلق رد فعل ايرانياً هذه المرة من المرشد السيد علي خامنئي الذي وصف “العدوان على سورية بأنه عدوان على ايران”.
هذا التطور ترافق مع الاعلان عن لقاء رباعي سيعقد بين السيناتور الاميركي جو بايدن ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الدولي الى سورية الاخضر الإبراهيمي ورئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب يوم السبت المقبل في ميونيخ. تطور جاء في اعقاب مواقف ليّنة للخطيب تجاه الحوار مع ممثلي النظام.
كل ذلك يكشف عن ان مسار الاحداث في سورية وتطورها على عتبة مرحلة انتقالية: مرحلة اختبار فرص التحول السلمي مع تهويل بمواجهات عسكرية اقليمية بدأت اسرائيل بطلقاتها الاولى من سورية.
كاتب لبناني
البلد
تسهيل مهمّة “القاعدة“!
سميح صعب
من الطبيعي ان تلتقي المصلحة الاميركية لا بل ان تطابق المصلحة الاسرائيلية في تدمير سوريا بما تشكله من ثقل استراتيجي في المنطقة أيا يكن من يحكمها. بيد ان الاشد غرابة ان تلتقي مصلحة اميركا واسرائيل مع مصلحة تنظيم “القاعدة” في تدمير سوريا. وقبل سوريا دمرت اميركا العراق في الحرب التي شنتها عليه عام 2003، ثم اكملت “القاعدة” تدمير ما تبقى من العراق باثارة حرب مذهبية أتت على النسيج الاجتماعي الذي كان قائماً عليه هذا البلد.
ليس ضروريا ان يقود هذا الكلام الى افتراض وجود مؤامرة محبوكة او اتفاق مسبق بين اميركا واسرائيل و”القاعدة” ومن يقف خلفها على تدمير سوريا، إنما يطرح تساؤلاً عن سر هذا الالتقاء الظرفي لمصالح الاطراف الثلاثة في استمرار الحرب في سوريا بغية استنزافها حكماً ومعارضة حتى الرمق الاخير. وليس مصادفة ان يكون بعض اطراف المعارضة السورية بدأوا يستفيقون ويدركون ان البقاء ضمن الحلقة المفرغة التي تدور فيها البلاد منذ عامين معناه ان الطرف المنتصر في سوريا سيكون الخاسر الاكبر فيها، وانه لا بد من العودة الى الحوار واسقاط كل الشروط المسبقة التي يستحيل تنفيذها.
قد تكون الغارة الاسرائيلية بداية تورط اسرائيلي في الحرب السورية الداخلية، مثلما تورطت أواخر السبعينات والثمانينات من القرن الماضي في الحرب اللبنانية الداخلية وصولاً الى اجتياح لبنان عام 1982.
فاسرائيل مهما بلغت من قوة لا يمكنها ان تتحكم بقواعد لعبة التدخل وحدود هذا التدخل متى بدأ والى اين يمكن ان يجرها في ما بعد.
ويدور نقاش عموماً منذ عامين في اسرائيل عن التحولات الجارية في العالم العربي والى اين يمكن ان تنتهي، وهل هي لمصلحة الدولة العبرية ام أنها على المدى البعيد ستؤجج العداء لها، علماً انها استفادت مما يسمى “الربيع العربي” كي تقفل الملف الفلسطيني وتقضي على “حل الدولتين”؟
على الجبهة المصرية تلقت اسرائيل بعضاً من نتائج التغيير هناك من خلال عمليات تسلل عبر الحدود، أما في سوريا فكانت هي المبادرة الى التورط في النزاع.
وفي النهاية ترى اسرائيل ان سقوط النظام السوري ضربة استراتيجية كبرى لايران و”حزب الله”. وهي تعتقد ان الفوضى التي قد تنشأ، اذا ما انهار النظام، اخف وطأة عليها من استمرار التحالف بين سوريا وايران و”حزب الله”. وتلتقي في ذلك مع التقويم الاميركي لفوائد اسقاط الاسد. وبذلك تعمل اميركا واسرائيل من حيث تدريان او لا تدريان على تسهيل مهمة “القاعدة”!
النهار
في انتظار الرد المفاجئ
عبد الوهاب بدرخان
كان العدوان الاسرائيلي على سوريا، لكن الهدف كان “حزب الله”. لذا توعدت سوريا وايران معا بـ”رد مفاجئ”. وطار سعيد جليلي، موفد المرشد علي خامنئي، الى دمشق ليؤكد “دعم الجمهورية الاسلامية الكامل للشعب السوري المقاوم في مواجهة العدو الصهيوني”. اما بشار الاسد فاتهم اسرائيل بمحاولة “زعــزعــــة استقرار سوريا”. ولم يُعرف تمامـــــــا عن اي “شعب مقاوم” يتحــدث جليلي طالمــــا ان ايران معنيــــة بالنظـــــــام وحده، ولا اي “استقـــــرار” يعنيه الاســد طالما ان طائراتـــــه لا تـــزال تدك مدن سوريــا وبلداتها.
لم يكن مسموحا، بعد اسبوع من التهديدات الاسرائيلية، العلنية والمتواصلة، ألا يشتبه رصد “حزب الله” بأن تحليق الطيران الحربي المعادي لساعات طويلة في الاجواء اللبنانية يستدعي اليقظة والحيطة في سوريا ايضا. واذا صح ان شحنــــة صواريخ مضــــــادة للطائرات اعدت للنقــل ليلا الى لبــــــنان، فــلا بد ان هـــذا السبب اضافي للشك والحذر. لكن النظام وحلفـــــاءه مشغولـــــــون اكثر بالتخطيط لقتل السوريين، الشعـــب المقاوم الحقيقي.
الأغرب جاء على لسان وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج. سئل لماذا لم ترد سوريا على الغارة. أجاب: “العدو الاسرائيلي هو الذي رد”. كيف؟ شرح ان مركز البحوث في جمرايا في ريف دمشق هاجمته “العصابات المسلحة” (يقصد قوات المعارضة) عشرات المرات “لتدميره والاستيلاء عليه” وعندما فشلت في ذلك “قامت اسرائيل بنفسها فاستهدفته بطيرانها”. تخيلوا كيف سيقرأ وزراء الدفاع الآخرون كلام زميلهم السوري عن التواطؤ والتنسيق بين اسرائيل والمعارضة السورية، او “ادواتها” كما وصفها الفريج، ناسيا ان احد اهداف اسرائيل كان منع المعارضة، او “المتطرفين” كما تسميهم، من السيطرة على مبنى مركز البحوث. كان رد الفريج “مفاجئا” فعلا.
طبعا، لاحظ الجميع كيف ان ايران و”حزب الله” سجّلا انتعاش “نهج المقاومة” بفعل هذا العدوان الاسرائيلي، لأن رواية النظام السوري عن “المؤامرة” حصلت اخيرا على ما يؤكدها. اذ قال الحزب ان الغارة كشفت “خلفيات ما يجري في سوريا منذ عامين”. لم تستطع ابتسامـــــات الاسد وجليلي التغطية على خسارة حصلت لسوريا ايا يكن نظامها. ثم ان الغـارة اثبتت ان انكشاف سوريا امام العدو الاسرائيلي اصبح فادحـــــــا كما لم يكن قبــل الآن، لا لأن الثــــــورة الشعبيــــــة اضعفت النظـــــــام، بل لأن النظام المهادن اسرائيل تاريخيا ادار كل اسلحة المقاومة والممانعة الى الداخل، مؤكدا انه كان معاديا دائما لسوريا ولشعبها.
النهار
ليت الأسد يردّ الإهانة
عبد الباري عطوان
من المؤكد ان الرئيس بشار الاسد الذي تتوالى الضربات على رأس نظامه منذ ما يقرب العامين تقريبا، يشعر بحرج كبير هذه الايام بعد توارد الانباء عن الغارة الجوية الاسرائيلية التي استهدفت ‘مركز ابحاث’ في جنوب العاصمة دمشق دون ان تكتشفها الرادارات، او تتصدى لها الطائرات السورية. ولكن ما يعزي الرئيس السوري ان هذه الغارة تحرج المعارضة السورية ايضا التي تريد اسقاط نظامه، من حيث نسف نظريتها التي تقول بأن اسرائيل حريصة على بقائه واستمراره في السلطة لأنه يحافظ على امن حدودها.
منتقدو النظام السوري، وما اكثرهم هذه الايام، يقولون انه لم يتردد لحظة في اسقاط طائرة استطلاع تركية اخترقت الأجواء السورية، بينما لم يطلق اي قذيفة على طائرات اسرائيلية اخترقت الاجواء السورية اكثر من مرة ودمرت اهدافا استراتيجية، من بينها مفاعل دير الزور النووي المزعوم.
للإنصاف، وليس دفاعا عن النظام، فإن الطائرة التركــــية كانت قديمـــة متهالكة امريكية من نوع ‘اف 5’ تنتمي الى مرحلة ما بعد الحـــرب العالـــمية الثانية، تماما مثل طائرات ‘ميغ 21’ التي يتكون منها معظم سلاح الجو السوري، بينما الطائرات الاسرائيلية هي من احدث ما انتجته المؤسسة الحربية الصناعية الامريكية التي تتحدى الرادارات الروسية الصدئة.
لا عذر للنظام السوري في عدم امتلاكه طائرات ورادارات حربية حديثة لوقف مسلسل الانتهاكات الاسرائيلية المهينة لأجوائه، وتدمير اهداف في العمق السوري، خاصة انه يشكل حلقة استراتيجية في تحالف يضم روسيا والصين وايران. كما ان استخدام عذر الرد بكل الوسائل الممكنة، صار تكرارا للعبارة المشؤومة التي استخدمها السفير السوري في لبنان حول الرد ‘المفاجئ’ في الزمان والمكان المناسبين.
‘ ‘ ‘
كنا نعتقد ان حلف الناتو يخشى التدخل عسكريا في سورية، على غرار ما حدث في ليبيا، لان النظام السوري يملك اسلحة حديثة متطورة مثل صواريخ ‘اس 300’ المضادة للطائرات قادرة على ايقاع خسائر كبيرة في الطائرات المهاجمة، ولكن هذا الاختراق الاسرائيلي الذي كان بمثابة اختبار للقدرات العسكرية السورية وترسانتها من الاسلحة الروسية الحديثة،اذا ما وجدت، جعلنا نشعر بخيبة امل كبرى في هذا المضمار.
من الواضح ان القيادة السياسية الاسرائيلية تحسب حسابا اكبر لحزب الله، بدليل انها فضلت ضرب قافلة الاسلحة المزعومة هذه في الاراضي السورية، وقبل عبورها الحدود السورية الى لبنان لان احتمالات ردّ الحزب اللبناني على هذه الغارة اكبر بكثير من احتمالات ردّ النظام السوري.
النظام السوري كان يجب ان يتصدى لهذه البلطجة الاسرائيلية، او يرد عليها، وفي هذا الوقت بالذات، ليثبت لكل معارضيه، والمطالبين برأسه، والعرب والسوريين منهم بالذات، انه مستهدف فعلا من اسرائيل، وان هناك مؤامرة للإطاحة به لانه يشكل خطرا وجوديا عليها بتبنيه لسياسات المقاومة والممانعة.
اصبحنا نشعر بالعار كعرب ومسلمين، ونحن نشاهد الطائرات الاسرائيلية تقصف قوافل ومخازن اسلحة في السودان، وتغرق سفنا في البحر الاحمر، وقوافل اخرى في الصحراء الليبية في طريقها الى سيناء ثم غزة، وتدمر مفاعلات نووية وليدة في اقصى الشمال الشرقي السوري، دون ان يتصدى لها احد.
عندما تعتدي اسرائيل على قطاع غزة الجائع المحاصر، وترسل طائراتها الحديثة والمتقدمة نفسها، يتصدى لها رجال المقاومة، ويردّون على العدوان بما هو اكثر منه، ويطلقون العنان لصواريخهم لتدكّ قلب تل ابيب والقدس، ويرسلون اربعة ملايين اسرائيلي الى الملاجئ كالفئران المذعورة، فلماذا لا تردّ سورية بالمثل وهي التي تملك ترسانة تطفح بالصواريخ من كل الانواع والاحجام؟
‘ ‘ ‘
اسرائيل اعتدت على سورية وسيادتها وكرامتها، وهذا الاعتداء يجب ان لا يمرّ مرور الكرام حتى لو ردت اسرائيل بإشعال فتيل حرب اقليمية في المنطقة بأسرها، فماذا ستفعل اسرائيل اكثر ما فعلته امريكا في افغانستان والعراق، ألم تحتل البلدين.. ثم ماذا حدث بعد ذلك؟ بقية القصة معروفة ولا نريد تكرارها.
هل يخشى النظام في سورية من احتلال اسرائيل لسورية، اهلا وسهلا، فقد احتلت قبل ذلك قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، فماذا حدث، الم تنسحب منه مهزومة ذليلة ومن جانب واحد تماما مثلما حدث لها في جنوب لبنان بفعل المقاومة البطولية عام 2000؟
اسرائيل تعيش حالة رعب وارتباك، لان قيادتها السياسية قبل العسكرية، تدرك انها ستكون الخاسر الاكبر في المدى المتوسط، وتخشى من الحروب اكثر من العرب، لانها لا تستطيع تحمل سقوط الصواريخ التقليدية على مدنها، ناهيك عن الصـــواريخ المحمّـــلة برؤوس غير تقليدية.
الم يهرع بنيامين نتنياهو الى الرئيس الامريكي باراك اوباما مرتين لانقاذه من مأزقه، في المرة الاولى عندما طالبه بالتدخل لوقف اقتحام الطابق العلوي من السفارة الاسرائيلية في القاهرة، بعد ان حاصر المتظاهرون مجموعة من موظفيها، وكانوا بصدد حرقهم، وفي الثانية عندما توسل اليه للتوسط لدى الرئيس المصري محمد مرسي لوقف اطلاق الصواريخ من قطاع غزة كردّ على العدوان الاسرائيلي عليه؟
الرئيس الامريكي باراك اوباما وصف نتنياهو بأنه جبان رعديد في تصريحات لمراسل صحافي امريكي يهودي بقصد ايصالها اليه، ولكن المشكلة اننا العرب اكثر جبنا منه للأسف واصبحنا متخصصين في ابتلاع الاهانات.
لا نريد حربا اسرائيلية تستهدف سورية وهي تمر في هذا الظرف الحرج من تاريخها.. ولكن من حقنا ان نسأل عما سيكون رد فعل الاسرائيليين على اي انتقام سوري او لبناني؟ هل سيدمرون سورية؟ لقد دمرت بالفعل.. هل سيقتلون الآلاف من الشعب السوري؟… هناك ستون الف شهيد سقطوا حتى الآن من جراء الحرب الاهلية الدموية، هل سيضعفون الجيش السوري والمؤسسة العسكرية؟.. لقد انهكت على مدى عامين من الحرب.
نختم بالقول والتذكير ان شعبية الرئيس الاسد ارتفعت بمجرد ان اعتدت عليه اسرائيل، ومن المؤكد انها سترتفع اضعافا اذا كان هو الذي رد على هذا العدوان.
القدس العربي
سوريا وخيارات الرد الصعبة
إبراهيم الشيخ
في المدة الاخيرة شهدت المنطقة عدة تصريحات صادرة من ايران واسرائيل حول تصعيد الوضع بين اسرائيل وسوريا وحزب الله، ويبدو ان هذه التصريحات لم تأت من فراغ، وانما كانت بناءاً على معلومات تمتلكها اجهزة المخابرات المختلفة.
بدأت التصريحات من ايران حيث حذر مسؤول ايراني من ان أي هجوم يستهدف سوريا يُعد هجوم على ايران وحلفائها في المنطقة، وبعد ذلك بدأت سلسلة التصريحات الاسرائيلية المحذرة من وقوع الاسلحة الكيماوية أو اي اسلحة تقليدية متطورة في يد حزب الله او في يد الاسلاميين الذين يحاربون النظام السوري، واسرائيل لم تكتف بالتصريحات، وانما بدأت خطوات عملية، ونصبت منظومتان لصواريخ باتريوت على مقربة الحدود من الحدود مع سوريا ولبنان، وتم تفحص جاهزية الملاجئ في شمال اسرائيل لاحتمال وقوع أي حرب.
كل هذه الامور مجتمعة كانت توحي بأن شيئاً ما تُحضر له اسرائيل، ويبدو ان قامت به الطائرات الاسرائيلية من قصف لمركزالبحوث العسكرية في ريف دمشق كان هو الهدف من التحضيرات والتصريحات الاسرائيلية التي سبقت هذا الاستهداف، فاسرائيل جهزت جبهتها الداخلية كاحتراز من اي رد سوري على عملية القصف هذه.
سادت حالة من الغموض وتضاربت الانباء في بداية الامر، ولم تتضح حقيقة وماهية الاهداف التي قصفتها الطائرات الاسرائيلية، ولكن يبدو ان اسرائيل لن تنفي ما قامت به لانها دائما تجد المسوغات لتصرفاتها، وكل التكهنات كانت منصبة على المعلومات التي تفيد بأن الهدف كان شحنة اسلحة كانت مرسلة الى حزب الله، واسرائيل علناً تصرح بانها لن تسمح بان يمتلك حزب الله اللبناني اسلحة متطورة، وتعمل كل ما في جهدها مخابرتيا وعلى الارض من اجل منع حصول ذلك.
لا شك ان هذا الحادث سيؤثر على الاستقرار والهدوء على الجبهة اللبنانية والسورية، ومن غير المعروف كيف سيكون الرد السوري، ويبدو ان اسرائيل تعرف ان سوريا منهكة بسبب الاقتتال الداخلي لن تكون قادرة على الرد، ومما لا شك فيه ان القيادة السورية وضعت بموقف صعب، اما الرد لامتصاص الازمة الداخلية وكسب الرأي العام الداخلي لصالح النظام، واما عدم الرد وهذا الاحتمال سيعرض النظام الى المزيد من الانتقاد بعدم الرد ومحاربة اسرائيل.
ان عدم الرد على الهجوم الاسرائيلي سيشجع على تكرار الهجمات في المستقبل تحت ذرائع ومسميات مختلفة، مثل نقل الكيماوي السوري أو نقل اسلحة الى حزب الله.
ومما لا شك فيه ان حكومة نتنياهو المقبلة والمتطرفة ستكون حكومة حرب بامتياز، وستشهد الفترة المقبلة تطورات خطيرة، فهذه الحكومة وعلى الصعيد الفلسطيني لن تقبل بحل الدولتين، وستؤجج الاوضاع الجبهتين السورية واللبنانية.
ان اسرائيل تستغل الوضع الداخلي السوري وضعف سوريا، والعقوبات التي تعاني منها ايران، ومعارضة الداخل اللبناني لسلاح حزب الله، وقد تعمد الى جره في المستقبل القريب الى حرب تسعى اسرائيل من وراءها الى اضعافه، وبالتالي اضعاف النفوذ الايراني في لبنان من اجل ابتزاز ايران في اي مفاوضات مع المجتمع الدولي أو مع الولايات المتحدة الامريكية.
يبدو ان الولايات المتحدة نجحت في ثني اسرائيل عن فكرة مهاجمة ايران، لما ستكون لهذه الحرب من تداعيات، والتي من الممكن ان تكون مدمرة للجميع، وبلا شك ان امريكا غير قادرة وغير مهتمة في الدخول في حرب جديدة في المنطقة بعد تجربتها في العراق وافغانستان، وسبب اخر يمنعها من ذلك وهو الازمة الاقتصادية التي تمر بها.
انه وبعد اعتراف نتنياهو على عدم قدرة اسرائيل تدمير وايقاف المشروع النووي الايراني عسكرياً، إتضح ان التهديدات الاسرائيلية كانت للاستهلاك المحلي، والضغط على واشنطن من اجل اتخاذ اجراءات صارمة ضد ايران، ولكن الدور الاسرائيلي لم ينته بعد فسيجري الضغط على الادارة الامريكية بواسطة اللوبي اليهودي من اجل منع ايران من امتلاك السلاح النووي.
يتضح هنا تقاسم الادوار بين الولايات المتحدة واسرائيل، فايران ستكون من مهمة الولايات المتحدة للضغط عليها وباشكال مختلفة من اجل ثنيها عن المشروع النووي، واسرائيل ستنقل معركتها ضد سوريا وحزب الله.
ايلاف
دخول إسرائيل على ميدان الأزمة السورية: عامل طارئ يزيد وطأة المخاوف اللبنانية
روزانا بومنصف
حين اطل الرئيس الاميركي باراك اوباما قبل يومين في برنامج “ستون دقيقة” جنبا الى جنب مع وزيرة الخارجية التي غادرت منصبها مع بداية ولايته الثانية هيلاري كلينتون، لم يفاجأ متابعو السياسة الاميركية من الاوساط الديبلوماسية بالتبريرات التي قدمها كل من اوباما وكلينتون ازاء المقاربة المعتمدة في الموضوع السوري التي تنطوي على وجوب “الحذر الكبير” كما قال كل منهما والتي تصب في خانة القول ان الولايات المتحدة ليست في وارد التدخل وانها تزين بدقة ما اذا كان تدخلها يساعد في الحل او يعقده. فهذه المقاربة باتت معروفة ولا تحمل جديدا يذكر وهي انعكست اصلا وقبل اشهر قليلة على الدول الغربية التي تبدي حماسة لمقاربات اخرى على غرار ما كانت لوحت به كل من فرنسا وبريطانيا في وقت ما وعادتا عنه لاحقا نتيجة الموقف الاميركي الحذر والمتريث على عكس ما جرى ويجري بالنسبة الى التدخل الفرنسي في مالي مثلا والذي يلقى دعما غربيا واسعا. الا ان هذه التبريرات تركت انطباعات سلبية لدى كثر نتيجة انتظار طويل لاول اطلالة للرئيس الاميركي بعد الانتخابات الاميركية من جهة وتحرك مرجو بنسبة كبيرة للمساعدة في انهاء الوضع في سوريا من جهة اخرى. ذلك ان هذه الانطباعات, وان لم يتوقع احد ان يتدخل الاميركيون مباشرة بالوضع السوري، تعزز ما يسري من معطيات ان الولايات المتحدة ستترك الوضع السوري لأن ينضج نفسه بنفسه على وقع العمليات العسكرية الجارية من دون استعداد لا للتفاوض مع ايران في هذا الشأن ولا ايضا مع النظام الذي عليه ان يتحمل مسؤوليته، وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية متابعة، في عدم التجاوب مع محاولات ايجاد حل سلمي للازمة بالتزامن مع محاولات انضاج معارضة سورية تستطيع ان تفرض نفسها. يضاف الى ذلك ادراك واشنطن ان روسيا على موقفها من الوضع السوري من دون اي تغيير فيه ايا كانت التصريحات التي توحي بالعكس وتاليا لا جدوى من جهود تبذل في غير مكانها راهنا والمراوحة في المواقف تسري على الاميركيين كما تسري على الروس.
وتعتقد هذه المصادر انه على رغم الضغط المعنوي الذي يشكله عدد الضحايا المتزايد في سوريا على الدول الغربية بحيث يرغمها على الانتقال من مؤتمر الى آخر بغية البحث في سبل للمعالجة، فانها تبدو مثقلة بالتطورات الملحة الاخرى لا سيما تلك التي توالت في مصر مع الاحتفال بالذكرى الثانية للثورة ضد حكم حسني مبارك وتجد في ذلك مبررا للانصراف جزئيا عن سوريا الى اولويات اخرى في المنطقة حيث تعم الفوضى دولا عدة على نحو مقلق وخطير. الا انه مع الانباء التي توالت في الساعات الاخيرة عن ضربة وجهتها اسرائيل الى هدف داخل الحدود السورية اكدت حصولها مصادر عدة وقالت الصحف الاسرائيلية انها استهدفت قافلة تنقل صواريخ مضادة للطائرات الى “حزب الله”، تبرز تساؤلات عما اذا كان ثمة عوامل يمكن ان تطرأ وتغير قواعد اللعبة القائمة حتى الان بحيث تتدخل اسرائيل او يعول على تدخلها لردع بعض التحركات بدلا من تدخلات غربية اخرى نظرا الى انها سبق ان اغارت على منشأة نووية سورية في العام 2007 وكان النظام في عز قوته وسطوته ولم يبد اي رد فعل عسكري او ان تدخلات من هذا النوع يمكن ان تعقد المشهد الاقليمي اكثر بالنسبة الى الوضع السوري بحيث تساهم في تغيير المعطيات وفق ما يخشى كثر نظرا الى رهان البعض على تحريك الوضع السوري مع اسرائيل من اجل تغيير الوضع الميداني داخل سوريا وخارجها اي مواقف الدول الاقليمية. وتاليا هل يمكن ان يستنفر الاعتداء الاسرائيلي ردا من جانب النظام او داعميه؟ وكانت اسرائيل عمدت في الاسبوعين الاخيرين الى تسريب معلومات عن اجتماعات امنية اسرائيلية كثيفة تضمنت تحذيرات من نقل اسلحة سورية وصواريخ من انواع معينة الى ” حزب الله” في لبنان يمكن ان تضاعف قدراته ويوازنها مع القدرات العسكرية الاسرائيلية في بعض المجالات. فهل كانت تتوقع نقل قوافل اسلحة عبر الحدود فتكون جاهزة لها فحضرت الرأي العام لهذا الاحتمال ام هناك تحضير لامور اخرى؟
في اي حال في المقابلة التي اجراها اوباما قبل يومين قال في معرض الحديث عن مقاربة ادارته للوضع السوري انه في اي خطوة ” علينا ان نتأكد ليس فقط من ضمان المصالح الاميركية بل ايضا القيام بما هو صحيح وملائم للشعب السوري وجيران سوريا كاسرائيل والذين سيتأثرون بما يجري بشكل عميق “. وواضح ان مصلحة اسرائيل في ما يجري في سوريا وتطوراتها تشكل اساسا في ميزان الرؤية الاميركية للوضع السوري وسبل معالجته. كما ان اوباما رسم خطا احمر وحيدا بالنسبة الى النظام هو نقل الاسلحة الكيماوية او استخدامها او وقوعها في ايدي معارضين للنظام او موالين له من تنظيمات داخل سوريا او خارجها، لكنه لم يذكر الاسلحة الاخرى وان يكن يمانع في نقل الاسلحة من حيث المبدأ الى ” حزب الله “.
ولا يمكن القول ان هذا التطور لا يشكل عامل قلق اضافيا وجديدا على المخاوف اللبنانية المتعاظمة من تداعيات الازمة السورية وانعكاسها عليه من جوانب عدة.
النهار
الضربة الإسرائيلية في موازين الردّ وعدمه، لبنان ارتبك إزاء انتهاكات وتداعيات تتجاوزه
روزانا بومنصف
على رغم ان الضربة الجوية الاسرائيلية يوم الاربعاء الماضي ركّزت على اهداف داخل سوريا، فإن ارتباكا كبيرا اصاب لبنان واركان سلطته مع تلقيهم الانباء عن الضربة خارج لبنان، وخصوصا مع التقارير التي نقلت على ألسنة مصادر امنية لبنانية رصدت الحركة الجوية الاسرائيلية، ومن بينها الطلعات الاستطلاعية فوق الاجواء اللبنانية. اذ بدا لبنان معنيا على نحو مباشر وان سارع كل افرقائه الى التنديد بالاعتداء الاسرائيلي على سوريا، بغض النظر عما يجري فيها، على رغم بروز مخاوف قوية من تداعيات يمكن ان تصيب لبنان نتيجة الاعتقاد ان الهجوم الاسرائيلي قد يكون وفّر لـ”حزب الله” الذي بدا معنيا بهذا الاستهداف الاسرائيلي، نظرا الى ما تردد انه قافلة صواريخ له من سوريا، الذريعة او الفرصة ليقوم بعمل عسكري اذا صح ان قافلة الصواريخ تخصه. لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تراجع على قاعدة ان رد الحزب على ضرية حصلت داخل سوريا سيثبت ان قافلة الصواريخ كانت له على نحو سيناقض الكثير من منطقه حول ضرورة وقف تهريب السلاح الى سوريا، في حين انه يقوم بنقل السلاح من سوريا الى لبنان، كما انه قد لا يناسبه التورط في مواجهة اسرائيل عبر الرد على الضربة التي وجهتها الى سوريا لاعتبارات مختلفة، من بينها وفق ما يقول كثر انه هو من يختار توقيت الرد وليس اسرائيل من تستدرجه اليه، وان خوضه حربا ضد اسرائيل لن يكون لسبب يتصل بسوريا على رغم حيوية نظامها بالنسبة اليه، بل لسبب يتصل بايران واحتمال تعرضها لاعتداء اسرائيلي او اميركي او سواه بفعل الخلاف على ملفها النووي، وتاليا فانه لن يستنزف سلاحه الايراني المنشأ والذي بات يصعب استبداله في ظل الحرب في سوريا في غير موقعه. ومع ان مسؤولين ايرانيين كبارا نددوا بالاعتداء الاسرائيلي وهددوا بالرد عليه ومساعدة النظام السوري في هذا الاطار، فإن هذا الامر تم استبعاده في هذه المرحلة، بحيث تعتقد مصادر متابعة ان الضربة أدت غرضها وانتهت عند هذا الحد. اذ ان ايران يمكن ان تهدد اسرائيل، وهي لا تنفك تقوم بذلك يوميا، الا ان قدرتها على خوض معركة ضد اسرائيل للرد او حتى مساعدة النظام على ذلك سيقحمها في حرب تتجنبها، وتقدم الذريعة والفرصة لتشن اعتداءات على منشآتها النووية. وعلى رغم الاعتقاد ان فتح جبهة مع اسرائيل يمكن ان يساعده النظام في تحويل الثورة ضده في الداخل واحراج معارضيه، فان هذا الخيار لم يعد متاحا كما كان قبل سنتين، ولا يعتقد ان النظام ينوي المخاطرة بسلاحه الجوي الذي يستخدمه ضد المعارضين في الداخل في اتجاه اسرائيل، خشية فقدانه بالتزامن مع تراجع سيطرته في الداخل وأرجحية عدم قدرته على استعادة حشد السوريين من حوله.
ما بدا مربكا للدولة اللبنانية والحكومة من بين جملة امور، وعلى هامش المخاوف من تداعيات اقحام لبنان في الازمة السورية قسرا بفعل وجود عوامل مشتركة عدة في هذه المسألة، هو انتهاكات قوية للقرار 1701 عجزت الحكومة عن اثارتها في الطلعات الجوية الاسرائيلية المتجددة فوق لبنان تزامنا مع الاعتداء الاسرائيلي على اهداف في سوريا، ولو ان الطائرات المهاجمة لم تعبر الاجواء اللبنانية الى سوريا على نحو مباشر، وذلك في مقابل استهداف اسرائيل قافلة صواريخ موجهة لفريق اساسي داخل الحكومة، في حال صح ذلك، فيما ينص القرار 1701 على منع وصول الاسلحة اليه. واذ حددت اسرائيل وقبلها الولايات المتحدة اهداف العملية بمنع صواريخ معينة الى “حزب الله” حماية لاسرائيل، فان امن لبنان والمخاطر على توازنه السياسي الداخلي تبدو مغيبة عن الجدل الخارجي وحتى الداخلي، على رغم وقوف لبنان على حد سيف على هذا الصعيد.
النهار
إسرائيل مع مَن في سوريّة؟
حازم صاغيّة
جاءت الغارة الإسرائيليّة الأخيرة، التي لا يزال هدفها مشوباً بشيء من الغموض، تجدّد «السجال» بين بيئتي السلطة والمعارضة السوريّتين. فالأولى رأت أنّ تلك الغارة دليل لا يُدحض على أنّ إسرائيل تقف ضدّ نظام بشّار الأسد، وتعمل ما يسعها لتكميل ما بدأته المعارضة المسلّحة وحلفها الممتدّ من الدوحة إلى واشنطن.
أمّا بيئة الثورة فنوّهت بعدم الردّ السوريّ الرسميّ، وهو ما يرقى إلى برهان آخر على استمرار التواطؤ بين النظام الأسديّ الذي أسكت جبهة الجولان منذ 1974 وبين الدولة العبريّة.
وواضح هنا أنّ كلاً من الحجّتين تبني على جزئيّة صحيحة، لتستخلص منها رواية قابلة للطعن والتشكيك. لكنْ يبقى أنّ البناء على موقف إسرائيل المفترض من أجل البرهنة على صحّة الموقف في كلّ من الطرفين هو من بقايا ثقافة سياسيّة قديمة تجمع بين الأطراف العربيّة حين تتنازع وتتصارع. وقد تكرّست الثقافة هذه وتصلّب عودها عقداً بعد عقد، بحيث بات من الصعب علينا تعقّل العالم من دون أن نحدّد مسبقاً أين تقف إسرائيل. فإذا تراءى لوهلة أنّ طرفاً من الأطراف يتقاطع مع حركة أبدتها الدولة العبريّة، أو يستفيد من خطوة خطتها، بادر الطرف المذكور إلى التنصّل وإعادة تأويل الموقف بما يضمن له النصاعة والنقاء.
وفيما تنساق المعارضة وراء ذهنيّة التحريم هذه بولاء ساذج للسلف الفكريّ الصالح، فإنّ السلطة تعتمد الذهنيّة إيّاها بسينيكيّة بعيدة لا حاجة إلى كشف ما فيها من كذب وخداع ولا مبالاة بالعقل كما بالواقع ووقائعه. وهذا فضلاً عن الدور النفعيّ الكبير الذي لعبه النظام السوريّ في تأسيس تلك الطريقة في النظر والمحاكمة.
إلاّ أنّ ما يزيد بؤس «السجال» هذا بؤساً أنّ إسرائيل ليست هنا وليست هناك. إنّها مع مصلحتها الأمنيّة في أكثر المعاني ضيقاً، أي في أن لا تهتزّ جبهتها الهادئة مع سوريّة، وألاّ يتسرّب من سوريّة سلاح كيماويّ أو نظام سلاحيّ متقدّم، وألاّ يصل إلى «حزب الله»، فضلاً عن القلق الذي يسمّيه البعض وجود «القاعدة» وأخواتها على حدودها.
وتلك «الهواجس» الإسرائيليّة تحمل أصحابها على تفضيل إضعاف النظام مع بقائه، أو إبقائه أضعف ممّا كان. ذاك أنّ بقاءه هو ما اعتادت عليه وجنت فوائده على الجبهة المشتركة في الجولان، ناهيك عن تولّي هذا النظام ضبط أيّة راديكاليّة إسلاميّة تقول إسرائيل إنّها تقلقها، فيما إضعاف النظام يتكفّل بتقليص دعمه لحلفائه في «الساحة اللبنانيّة». أمّا أن تكون لدى الدولة العبريّة استراتيجيّة تتعدّى مصالحها الأمنيّة هذه وتتّصل بمستقبل سوريّة، فهذا كرم أخلاق لا تسمح التجارب بافتراضه في الإسرائيليّين حيال السوريّين، أو حيال أيّ عرب آخرين، تماماً كما لا يمكن افتراض مثله عند أيّ طرف عربيّ حيال الإسرائيليّين.
وهذا ما يفسّر الدفاع المتّصل لتلّ أبيب والمقرّبين منها في واشنطن عن «ضرورة بقاء النظام السوريّ»، مثلما يفسّر توجيهها، بين الفينة والأخرى، ضربة مذلّة وموجعة له.
وأسوأ ممّا عداه، بالمعنى النفعيّ للكلمة، أنّ هذا «السجال» السوريّ – السوريّ يتجاهل أنّ الهمّ الإسرائيليّ في الموضوع السوريّ (الحدود، السلاح الكيماويّ، «القاعدة»…) يكاد يغدو نقطة التقاطع العالميّة حيال سوريّة. وفي المعنى هذا، يغدو «السجال» الذي يستغرقنا دليلاً آخر على جهد يُبذَل في المكان الخطأ.
الحياة
غارة إسرائيلية على سياسة «النأي بالنفس»!
جورج سمعان
الغارة الإسرائيلية في سورية أدت غرضها، بصرف النظر عن الغموض الذي أحاط بأهدافها، ومحاولات «التوظيف» التي لجأ إليها النظام السوري وخصومه. التزمت تل أبيب حتى الآن عدم التدخل في ما يجري خلف حدودها الشمالية الشرقية. اكتفت بالمراقبة بعدما وجهت تحذيرات، في بدايات الأزمة، من اللعب على الحدود عندما حاولت دمشق تحريك تظاهرات في الجولان وجنوب لبنان. ويمكن وضع هذه الضربة في إطار السياسة التقليدية التي اتبعتها تل أبيب وتقوم على مطاردة شحنات الأسلحة والصواريخ إلى «حزب الله» والفصائل الفلسطينية في غزة. ولا حاجة إلى التذكير بالغارات التي استهدفت قوافل في السودان والبحر الأحمر وأماكن أخرى.
لا يبدو أن إسرائيل ترغب في حرب واسعة. لكنها لا يمكن أن تسكت على محاولات كسر ميزان القوى، أو تهديد ما تسميه أمنها الحيوي في مواجهة مساعي إيران أيضاً للحفاظ على أمن «حلف الممانعة» أو المقاومة، من جنوب لبنان إلى العراق. ولا تريد التدخل في الأزمة السورية، لذلك بادرت قبل الغارة الأخيرة إلى إبلاغ من يعنيهم الأمر سلفاً، واشنطن وموسكو. أما غريمتها الجمهورية الإسلامية فلا ترغب هي الأخرى في مواجهة كبيرة. علماً أن الضربة الإسرائيلية وفّرت لها فرصة لتنفيذ تهديداتها غداة إعلان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد أن أي استهداف لسورية هو بمثابة استهداف لإيران ولحلفائها في المنطقة. اكتفت بالتهديد فحسب! أما دمشق فلجأت، كما هي العادة «تاريخياً»، إلى التلويح بـ «الرد المناسب في الوقت المناسب». إذ لا يعقل أن يغامر النظام في دمشق بمواجهة مع الدولة العبرية ستؤدي إلى مزيد من إضعافه واستعجال سقوطه.
نددت إسرائيل في السابق بخطورة نقل صواريخ «سكود» إلى «حزب الله»، ولوّحت بالحرب إذا حدث ذلك. وعبرت أخيراً عن مخاوف من احتمال انتقال أسلحة كيماوية إلى الحزب أو إلى أيدي حركات متشددة. وهو ما حذرت منه واشنطن دمشق، وحضت موسكو على التدخل لتحذير النظام السوري من خطورة التعامل خطأ في موضوع هذه الأسلحة. ومعروف أن روسيا لم توفّر للنظام في السابق أسلحة ترى إليها تل أبيب عنصر إخلال بالميزان العسكري القائم. وقد طمأنتها القيادة الروسية في حينه إلى أنها لا يمكن أن توفر لسورية أسلحة هجومية، خشية انتقالها إلى أيدي جماعات متطرفة يمكن بدورها أن توفرها لجماعات تناهض موسكو في الشيشان وفي عدد من دول آسيا الوسطى الموالية للكرملين.
لذلك، إن المخاوف من مصير السلاح الكيماوي السوري قضية تتشارك فيها إسرائيل وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا وتركيا ودول عربية محيطة. وقد ترددت أنباء عن وجود قوة أميركية صغيرة في الأردن جاهزة للتدخل والحؤول دون وصول مثل هذا السلاح إلى حركات متشددة. خصوصاً أن توسع انتشار هؤلاء المجاهدين في سورية بات مصدر قلق للغرب عموماً. وهو هاجس دفع ويدفع واشنطن إلى التلاقي مع موقف موسكو في السؤال عن «اليوم التالي» لسقوط النظام. وإذا كانت أنقرة استعانت بصواريخ «باتريوت» الأطلسية، فإن إسرائيل لم تتأخر أيضاً في نشر بطاريات من «القبة الحديد» في الجولان والجليل.
تستطيع الولايات المتحدة ومعها الدول الأوروبية أن تنتظر وتراقب من بعد ما يجري في سورية. لكن إسرائيل تجد نفسها معنية مباشرة تماماً مثل العراق والأردن ولبنان وتركيا… وإيران في صلب المعمعة. فهي تدرك أن تغييرات جذرية طرأت على عقيدتها العسكرية والأمنية منذ حلول «الربيع العربي» وتداعياته في المنطقة، من تركيا إلى مصر. وتدرك جيداً ما يعني التهديد الذي يشكله انحلال سلطة النظام السوري، من اهتزاز للاستقرار على حدوده الجنوبية، وخطر انتقال ترسانته الكيماوية والصاروخية إلى أيدي «حزب الله» وجماعات متشددة. وأخطر من هذا وذاك تتحسب لمواجهة تداعيات سقوط كل التفاهمات التي كانت قائمة بينها وبين دمشق، خصوصاً أنه لم يعد خافياً دعم طهران نظام الرئيس بشار الأسد بالرجال بعد المال والمشورة.
خسرت إسرائيل علاقتها الاستراتيجية مع تركيا بعد الهجوم على السفينة «مرمرة». ثم خسرت نظام حسني مبارك في مصر. خسرت ركنين أساسيين من أركان أمنها الاستراتيجي. وها هي اليوم محكومة بإعادة صوغ مفهوم جديد لأمن حدودها الشمالية الشرقية، سواء طال أمد النظام القائم في دمشق أو انهار فجأة. منظومة الترتيبات التي قامت منذ وصول الرئيس حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 لم تعد صالحة. يتعين البحث عن صيغة جديدة. ويشمل هذا بالطبع الحدود مع لبنان التي كانت إلى حد كبير جزءاً من التفاهم مع نظام الأسد الأب ثم الابن. كانت تل أبيب وغيرها من العواصم الغربية تلجأ إلى النظام السوري لإيصال ما يستدعي من رسائل إلى «حزب الله» ومن ورائه إيران. بعد خروج القوات السورية من بيروت وانشغال النظام بأزمته الداخلية بات ملحاً إيجاد قناة لمثل هذه الرسائل. وهذا ما يفسر حرص الجهات الدولية على بقاء الوضع في لبنان على حاله، تمسكاً بالحكومة الحالية لنجيب ميقاتي، والذي لا يوازيه سوى تمسك الأميركيين بحكومة نوري المالكي. ذلك أن القائم المعروف خير من البديل المجهول الذي يدفع الجميع إلى إعادة النظر في حساباتهم وسياساتهم وعلاقاتهم.
بالطبع لا يمكن اعتبار الغارة الإسرائيلية بداية تحديد جديد لمفهوم العلاقة مع دمشق، لأنها لم تكن الأولى. جاءت في سياق ضربات سابقة أبرزها تلك التي وجهتها إسرائيل صيف عام 2007 إلى ما اعتبرته منشأة نوية في دير الزور. يبدو مستبعداً أن يلجأ المتصارعون على سورية إلى تصعيد واسع. يبدو مستبعداً أن يلجأ بنيامين نتانياهو إلى جرّ إيران وحلفائها إلى مواجهة مباشرة، مهما بالغ في إعلاء الصوت حيال الملف النووي، ومهما شعر بأن طوق العزلة الدولية يضيق حول عنق تل أبيب، ومهما تعززت مخاوفه من الوجوه الجديدة في إدارة الرئيس باراك أوباما. ولا يعقل في المقابل أن تردّ دمشق بفتح جبهة مع إسرائيل قد تعجل في سقوط النظام. ولا يبدو أن حليفتها إيران لن تجد مفراً من الذهاب إلى الحرب إذا ضيق الحصار الاقتصادي عليها الأنفاس وهدد بخسارتها أرض الشام! لعل خيار الحرب الواسعة في الإقليم بات بعيداً، وإن توقعه كثيرون ضرورة لإعادة خلط كل الأوراق، ودفع الجميع إلى طاولة حوار تتناول كل الملفات العالقة في سلة واحدة، من القضية الفلسطينية إلى الملف النووي الإيراني ومستقبل سورية… تمهيداً لقيام نظام إقليمي جديد على أنقاض هذه الحرب.
الحرب الدائرة في سورية وفّرت حتى الآن لجميع المتصارعين تبادل مواجهات دموية بالوكالة، على غرار ما كان يحصل أيام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وقد شارفت هذه الساحة على استنفاد أهدافها، ولم يعد ممكناً أن يستمر تغاضي المجتمع الدولي عن صور المجازر والمآسي الإنسانية. وأبعد من ذلك قد لا تسمح واشنطن وموسكو بمزيد من التعقيدات فيما هما تقتربان من إيجاد صيغة للتفاهم على تسوية سياسية تؤشر إليها تصريحات ومواقف من هنا وهناك، وآخرها المواقف التي أطلقها رئيس «الائتلاف الوطني» المعارض أحمد معاذ الخطيب. وإذا كان طرفا النزاع في سورية يشعران باستحالة تعديل ميزان القوى القائم لتداخل عناصره الداخلية بالخارجية، فإن من مصلحة إسرائيل مواكبة الموقف الأميركي الذي يبدي حرصاً على تغيير مدروس في سورية يقي المنطقة كلها السقوط في الفوضى بما يؤثر في مصالح الحليفين الاستراتيجيين ويؤدي إلى خسائر مضمونة.
ومن مصلحة إيران أيضاً أن تواكب التحرك الروسي مهما بالغت في التمسك بالنظام، لأن سقوط سورية في الفوضى الكاملة أو الحرب الأهلية الواسعة سينعكس حروباً مماثلة هنا وهناك، من لبنان إلى العراق، وهي ساحات لا تزال طهران تعتبرها جزءاً من منظومتها في جبهة المواجهة مع أميركا وإسرائيل. ولا يمكنها أن تجازف بمزيد من الخسائر. من هنا، إن دفع المتصارعين في سورية إلى استعجال تسوية تقوم على تغيير مدروس يشرك كل مكونات الشعب السوري ويطمئنها إلى مستقبلها ومصيرها وحده كفيل بوقف حمام الدم، ويعجل برحيل النظام، والأهم من ذلك يجنب المنطقة مزيداً من الاهتراء والفوضى اللذين لن يخرج منهما رابح في الداخل ولا في الخارج…
كشفت الغارة الإسرائيلية «المدروسة» أن لا أحد من أطراف الحرب الباردة في الإقليم والمواجهات الدموية في الساحة السورية يمكنه أن ينتظر طويلاً… لم يعد غطاء «النأي بالنفس» صالحاً للاختباء خلفه والتهرب من مواجهة الأزمة.
الحياة
اسرائيل ستندم.. نحن في الانتظار
عبد الباري عطوان
صحيح ان الغارة الاسرائيلية التي استهدفت مركزا للأبحاث جنوبي دمشق، ولم تستغرق الا اربع دقائق، قد احرجت النظام السوري، الا انها احرجت ايران بقدر اكبر، وهذا ما يفسر، في اعتقادنا، ردة الفعل الايرانية الغاضبة والمتوعدة بالانتقام.
السيد سعيد جليلي امين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني الذي طار الى دمشق فور اذاعة انباء الغارة، والتقى الرئيس بشار الاسد اكد في مؤتمر صحافي عقده بعد اللقاء ‘ان الاسرائيليين سيأسفون لهذا العدوان’.
المسؤولون الايرانيون اكدوا اكثر من مرة ان اي اعتداء على سورية هو اعتداء على ايران، وان الاخيرة لن تسمح بسقوط نظام الرئيس بشار الاسد. ولا شك ان هذه الغارة الاسرائيلية وضعت هذه الاقوال موضع اختبار جدي، خاصة ان منتقدي ايران في اوساط المعارضة السورية استغلوها للتشكيك في هذا الالتزام، ورددوا اتهامات تقول ان ايران تدعم النظام في مواجهة شعبه، ولكنها لا تفعل الشيء نفسه عندما يتعلق الأمر بالعدوان الاسرائيلي.
اللهجة التي استخدمها السيد جليلي في مؤتمره الصحافي، والتهديدات بالانتقام من العدوان الاسرائيلي التي وردت على لسانه، جاءتا مختلفتين عن كل التصريحات والتهديدات السابقة، مما يوحي ان احتمالات الرد على هذا العدوان الاستفزازي الاسرائيلي باتت اكثر ترجيحا من اي وقت مضى.
السؤال هو عما اذا كان هـــــذا الرد المفــــترض سيكون مباشرا، اي من قبل قوات او طائرات او صواريخ ايرانية، او عبر الطرف السوري نفسه الذي تعرض لأكثر من عدوان مماثل حتى قبل اندلاع الثورة السورية، او من خلال طرف ثالث مثل حزب الله في لبنان والجهاد الاسلامي في قطاع غزة؟
‘ ‘ ‘
نختلف مع بعض الآراء، خاصة في منطقة الخليج، التي تقول ان ايران لم تحارب اسرائيل مطلقا، فحزب الله اللبناني الذراع العسكرية لإيران في المنطقة العربية حقق انتصارين كبيرين في حربين ضد اسرائيل، الاول عام 2000 عندما اجبر اسرائيل على التسليم بالهزيمة والانسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان، ودون اي اتفاق مع المقاومة اللبنانية. والثاني عندما صمد صيف عام 2006 لاكثر من 33 يوما وحطم اسطورة دبابة ‘الميركافا’ الاسرائيلية.
ولا يمكن ان ننسى ان الصواريخ التي ردت فيها المقاومة الفلسطينية على الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة، سواء كانت ‘فجر5’ التي كانت في حوزة الجهاد الاسلامي، او ‘ام 75’ الحمساوية من صنع ايراني بالكامل، مثلما هو حال صواريخ الجهاد، او من مواد وقطع ايرانية وتركيب خبراء حركة ‘حماس’.
العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الذي استغرق ثمانية ايام كان اختبارا للقبة الحديدية الاسرائيلية في مواجهة صواريخ ايران، التي وصلت للمرة الاولى الى تل ابيب ومشارف القدس المحتلة، والغارة الاسرائيلية التي استهدفت مركز الابحاث او القافلة التي كانت تنقل اسلحة وصواريخ مضادة للطائرات الى حزب الله، حسب الرواية الاسرائيلية، جاءت لاختبار مدى صلابة التحالف الايراني السوري،الى جانب كونها رسالة استفزازية لإيران لهزّ صورتها امام الرأي العام العربي او قطاع عريض منه.
ما يجعلنا نميل اكثر هذه المرة الى احتمالات الردّ الانتقامي على هذه الغارة، وربما في فترة قريبة، انه لو حدث فعلا، سيخلط كل الأوراق في المنطقة، وسيعزز موقف النظام السوري، وسيحرج المعارضة السورية، وقد يعطي الرئيس الاسد ‘عجلة انقاذ’ من مأزقه الحالي.
انا شخصيا سمعت السيد سمير النشار العضو القيادي في المجلس الوطني السوري يدين العدوان الاسرائيلي على سورية، ويؤيد اي ردّ عليه، وقال بالحرف الواحد في مقابلة على قناة ‘الميادين’ الفضائية انه لو كان في السلطة لما تردد في استخدام كل الاسلحة للتصدي لهذا العدوان والثأر منه.
السؤال هو حول قدرة النظام السوري على التخلص من عقدة الخوف تجاه اسرائيل، والاقدام على الرد على هذا العدوان السافر، لوضع حدّ لهذه الإهانات الاسرائيلية المتكررة، خاصة ان اسرائيل تهددّ بتكرار الغارات، واقامة منطقة عازلة بعمق 17 كيلومترا داخل الحدود السورية في مواجهة هضبة الجولان المحتلة.
اسرائيل لم تخرج منتصرة في جميع حروبها التي خاضتها منذ عام 1973 ضد العرب، والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية على وجه الخصوص، صحيح انها اجتاحت لبنان مرتين، الاولى عام 1982 ،والثانية عام 2006، ولكنها اضطرت للانسحاب مهزومة في المرتين، وهاجمت واجتاحت قطاع غزة مرتين ايضا، الاولى شتاء عام 2008 ، والثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، واضطرت الى استجداء وقف اطلاق النار ولم تحقق ايا من اهدافها في القضاء على حركات المقاومة الرئيسية مثل حماس والجهاد الاسلامي، او تدمر ترسانتها المكتظة بالصواريخ الحديثة من مختلف الأوزان والأحجام.
‘ ‘ ‘
نتمنى ان يراجع الرئيس الاسد التجربة الامريكية في العراق، والاخرى في افغانستان، ولا نعتقد ان اسرائيل تستطيع ان تحقق في سورية ما عجزت امريكا، القوة الأعظم في التاريخ، عن تحقيقه.
صحيح ان العرب ممزقون، والمستقر مجازا منهم يقف في الخندق الآخر المعادي لسورية، ولكن هؤلاء لم يكونوا جميعا عونا لسورية، والاستثناء الوحيد هو مصر، واذا صحت البيانات الايرانية العسكرية التي تتحدث بشكل دوري عن اختبار صواريخ بعيدة المدى، وانتاج طائرات قادرة على اختراق الرادارات، وعن مناورات عسكرية برية وبحرية، فإن سورية تجد دعما من حليف قوي يستطيع ان يعوضها عن كل العرب.
الغرب ينصب صواريخ باتريوت لحماية حليفته تركيا، وحلف الناتو يؤكد انه سيقف الى جانبها في حال تعرضها لأي عدوان خارجي، ومن المفترض ان تفعل ايران الشيء نفسه بالنسبة الى حلفائها في سورية، اوهكذا يقول المنطق.
ما نريد ان نقوله، وبكل اختصار، ان هــــذه العـــــربدة الاســرائيلية يجب ان تتوقف، وان التهديدات والتوعدات الايرانية والسورية يجب ان تترجم الى افعال حتى يتم اخذها بالجدية المطلوبة. واذا تحقق ذلك فإن اقنعة الكذب والنفاق والتبعية لاسرائيل وامريكا ستسقط عن وجوه كثيرة بشعة.
القدس العربي
الغارة الإسرائيلية: هل بدأت حرب إسقاط الأسد؟
غازي دحمان *
تشكل الغارة الإسرائيلية على مركز البحوث العلمية في جمرايا غرب دمشق، تحولاً جديداً وفارقاً في الأزمة السورية المشتعلة منذ ما يقرب العامين، وهو تحوّل لا بد أن تترتب عليه جملة من الاستحقاقات السياسية والعسكرية في المرحلة المقبلة، إضافة إلى كونه تطوراً مدروساً ومنسّقاً مع جهات دولية وإقليمية مؤثرة في الحدث السوري.
ولعلّ الأمر اللافت في هذا الإطار أن إسرائيل، وعلى مدار عامين من الأزمة، نأت بنفسها عما يجري في الداخل السوري، وتعاملت مع الحدث بعقل بارد وسلوك أكثر برودة، وذلك على رغم أن شظايا الأزمة قد طاولتها أكثر من مرّة، إلا أن إسرائيل أصرت على تجاهل هذا الأمر وتبريد الشظايا عبر التعامل معها على أنها أحداث حصلت إما بالصدفة أو عن طريق الخطأ، رافضة وضعها في سياق أمني عسكري يرتب عليها بلورة جملة إستراتيجية تجاه الوضع السوري وتطوراته.
وباستثناء بعض إجراءات الحماية، كبناء السياج المكهرب على الحدود مع سورية والقيام ببعض المناورات العسكرية في الجولان، ظلّت إسرائيل تلعب دور المراقب الصامت لتفاعلات الأزمة السورية، وإن أصرّت على التذكير، بين الحين والآخر، على خطوطها الحمراء المتمثلة في منع وصول أنواع من السلاح إلى «حزب الله» أو إمكانية سيطرة «الجيش الحر» على مواقع الأسلحة الكيماوية، التي لا بد أنها تراقبها وتعرف أمكنة تخزينها بوسائل رصدها الخاصة أو بالاعتماد على وسائل الرصد الأميركي بهذا الخصوص.
ترى، ما الذي تغير في مسار الحدث السوري وانعكس تالياً على الحسابات الإسرائيلية؟ وما دام أن إسرائيل لا يهمها من الحدث السوري سوى تجنيبها الارتدادات القاسية له، فما الذي تغير في ميدان هذا الحدث ودفع بإسرائيل إلى الخروج من حالة النأي بالنفس لتضرب في عمق هذا الحدث وأماكنه الحساسة جداً؟
من المعروف أن مركز البحوث العلمية في جمرايا، وإن كانت له صفة مدنية باعتباره مركزاً علمياً، غير أنه من الناحيتين العملية والإجرائية مركز عسكري بامتياز، سواء من حيث إدارته حيث يشرف عليه ضباط من الجيش السوري أو من حيث طبيعة مهامه التي تتركز في الغالب على القيام بتطوير نماذج من الأسلحة الروسية والصينية والكورية الشمالية والإيرانية، وبخاصة الصواريخ بأنواعها وأحجامها المختلفة، فضلاً عن إشرافه على كافة برامج الأسلحة الكيماوية بالتنسيق مع «إدارة الحرب الكيماوية»، ويقوم على هذا العمل مهندسون وفنيون مقربون من النظام جرى إيفادهم إلى بعض الدول الغربية، مثل بريطانيا وفرنسا، للتخصص في مجالات الهندسيات الميكانيكية والكهربائية والزراعة والكومبيوتر وهندسة الإنشاءات، وعمل النظام على عزلهم في مساكن خاصة قريبة من مجمع البحوث في جمرايا.
وبالعودة إلى الغارة، فثمة وقائع غريبة أحاطت بها، إذ يؤكد سكان المناطق القريبة من الموقع، في دمر والهامة ومعربة، أن العملية وقعت في منتصف الليل تماماً، وقد هزّت عشرة انفجارات غير مسبوقة في شدتها المكان، ويشدّد السكان على أنهم لم يروا طائرات ولم يسمعوا هديرها، وأن ما رأوه في تلك اللحظات هو رشقات من الصواريخ مصدرها الجبال المحيطة بموقع المركز حيث تتموضع هناك كتائب وألوية الفرقة الرابعة، إحدى أهم فرق قوات النخبة السورية، ما دفع السكان إلى الاعتقاد بحصول انشقاق في صفوف هذه الفرقة، أو ربما محاولة لصد هجوم كتائب من «الجيش الحر» تسلًلت إلى هذا الموقع الحساس، وما زاد من حالة التشويش ما أعلنه التلفزيون السوري عن قيام مجموعة إرهابية بتفجير سيارة مفخخة في المكان.
غير أن الصمت الإسرائيلي على العملية وعدم المسارعة إلى تكذيب الخبر يرجح ضلوعها المباشر بالحدث، وذلك قياساً بحدث سابق حصل في سورية نفسها، عندما أقدمت الطائرات الإسرائيلية على ضرب موقع «الكبر» بالقرب من دير الزور ولم تكشف إسرائيل مسؤوليتها عن الحادثة إلا بعد مرور سنوات عدة، وأما بخصوص عدم رؤية السكان القريبين من الموقع المستهدف للطائرات المغيرة أو سماع هديرها فإن ذوي الاختصاصات العسكرية يعرفون أن لدى إسرائيل أنواعاً من الطائرات قادرة على ضرب الهدف من أماكن بعيدة جداً، وأما بخصوص قيام بعض كتائب الفرقة الرابعة بقصف المكان فالتقدير الأرجح هو الاشتباه بعملية إنزال في الموقع، وقد حصل الأمر ذاته في موقع «الكبر» حيث قامت إسرائيل بعملية قصف وإنزال، حصلت من خلالها على عينات من تربة الموقع لإثبات وجود عملية تصنيع أسلحة دمار شامل.
ولكن يبقى السؤال المعلق: ما الذي استهدفته إسرائيل في عمليتها هذه؟، هل هي شاحنات كان يجري تحميلها في هذا الوقت المتأخر من الليل ليصار إلى إيصالها إلى أماكن محددة؟ وهل كانت إسرائيل على علم بوجهة هذه الناقلات (البقاع اللبناني، طرطوس، مواقع عسكرية سورية)؟ أم أنها استهدفت مخازن معينة في المركز كانت تحتوي على أسلحة معينة تعتقد إسرائيل أن من شأنها التأثير على أمنها؟ أم أن إسرائيل، وبناءً على تقديرات ومعطيات معينة، قامت بعمل استباقي استهدفت من خلاله أسلحة معينة تعرف جدواها وخطورتها ورأت أن الوقت حان لاستهدافها كي لا يستخدمها النظام ضدها أو حتى لا تقع بأيدي «الجيش الحر» أو حتى لا يتم إرسالها إلى «حزب الله»؟
قد لا يمكن التكهن بمعرفة النوايا الإسرائيلية ولا طبيعة تقديرات قادتها العسكريين، لكن خروج إسرائيل عن صمتها العسكري وإقدامها على مغامرة بهذا الحجم، لا بد أن تكون وراءه معطيات مقلقة تتعلق برؤيتها لواقع الصراع في سورية وتطوراته في الأيام والأسابيع المقبلة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يتوجب ربط هذا الإجراء بسياق عام تدور تفاصيله في البرين التركي والأردني وفي مياه البحور المجاورة، بخاصة أنه يأتي تتويجاً لمناورات وتدريبات عسكرية ذات طبيعة خاصة، الأمر الذي قد يدفع إلى الاستنتاج بإمكانية تكرار هذا النمط من العمليات التي تهدف إلى إسقاط نظام الأسد عبر ضرب مراكز قوته الصلبة من دون الحاجة إلى خوض حرب كبرى في ظل مناخ التوتر والانشداد الإقليمي والدولي.
* كاتب سوري
الحياة
حرب سورية محدودة على اسرائيل تنقذ النظام
صحف عبرية
الخلاف الاعلامي حول مسألة الغارة الاسرائيلية في سوريا، المزعومة، يجب ان يبقى من نصيب وسائل الاعلام الاجنبية. وسواء كانت التقارير صحيحة ام لا، فان على اسرائيل الرسمية أن تحافظ على ضبط النفس والا تنجر الى تصريحات تبجحية من شأنها أن تورطها.
صمت القدس الرسمية مبارك. هكذا تصرفت حكومات اسرائيل في الماضي وهكذا يجب التصرف الان. واذا كنا لغرض النقاش الاكاديمي فقط سنتبنى موقف وسائل الاعلام الاجنبية والتصريحات التي تأتي من سوريا، لبنان وايران والتي تقول ان سلاح الجو الاسرائيلي هو الذي نفذ الغارة كي يدمر صواريخ مضادة للطائرات متطورة كانت في طريقها الى حزب الله، فان سلاح الجو يستحق الثناء الى جانب جهاز الاستخبارات في الجيش الاسرائيلي. ويجدر بالذكر ان هذه العملية، مهما كانت ناجعة، لن تمنع سوريا وايران من محاولة تسليح حزب الله مثلما جرى منذ حرب لبنان الثانية وحتى الغارة موضع الحديث.
كما أنه اذا كان صحيحا ادعاء وسائل الاعلام الاجنبية، فان الحديث يدور عن تنفيذ التهديدات التي أطلقتها اسرائيل الرسمية منذ سنين دون أن تنفذها. والان، اثبتت اسرائيل انها قادرة على أن تستخجم ‘الذراع الطويلة’ لها بنجاعة وفي توقيت دقيق على نحو رائع. ماذا ستفعل كيانات الارهاب الثلاثة وهل ستنفذ تهديداتها بالرد على اسرائيل؟ من الصعب ان نتوقع ذلك بيقين. قرأت جيدا تحليلات الخبراء المختلفين وثقتهم بان سوريا، حزب الله وايران لن يردوا وذلك لاسباب داخلية صرفة. ودون أن نحسم الموقف هنا، يجدر بنا أن نترك مجالا للشك وللاستعداد.
ماذا ستفعل الكيانات الارهابية الثلاثة وهي ستنفذ تهديداتها بالرد على اسرائيل؟ من الصعب ان نتوقع ذلك بيقين. التقارير في وسائل الاعلام والتي تقضي بان الجيش الاسرائيلي يتابع عن كثب ما يجري ومستعد لاستباق الخطر تفعل فعلها. والتصريحات الحماسية التي تأتي من سوريا، لبنان وايران لا تشير، بالضرورة الى نوايا هجومية، ولكن محظور على اسرائيل الاعتماد على هذه التقديرات.
الاسد يوجد على شفا الانهيار. صحيح أنه منذ سنتين ونيف يتكرر الادعاء بان الاسد سيسقط قريبا ولم يحصل بعد شيء غير مذبحة رهيبة وفظيعة. ويقال للمتشائمين ان الاسد ليس خارج التاريخ. مصيره حسم وسقوطه سيأتي حتى لو تلبث. وبالذات لهذا السبب على اسرائيل ان تنتبه جيدا من أن يحاول الاسد رص الصفوف تجاه العدو المشترك لكل الفصائل المقاتلة في سوريا. فالمعارضة السورية ليست مؤيدة متحمسة لاسرائيل بل العكس ومن شأن الاسد أن يغرى ويفكر بانه يمكن الخروج من الحصار عليه من خلال عمل ضد اسرائيل يؤدي الى حرب محدودة. وبالنسبة للاسد مثل هذه الحرب جيدة لانها تحدد العدو المشترك. يجدر باسرائيل أن تستعد لذلك جيدا.
حتى لو خاطرنا في تقديراتنا وقررنا بان الاسد لن يستخدم السلاح الكيميائي اذا ما قرر العمل، فان استخدام السلاح الكيميائي تجاه اسرائيل من شأنه أن يؤدي بسوريا الى مصيبة لم يسبق أن شهدتها ابدا. كل الحواجز التي تقف اليوم في وجه اسرائيل ستزول، والضربة على سوريا يمكنها أن تكون فتاكة للغاية. محظور علينا أن يغرينا التفكير بان كل زعماء سوريا غير عقلانيين على نحو ظاهر. ومن غير المستبعد أن حتى ايران ستدفع الاسد الى مغامرة من هذا النوع كي تثبت بان الامور في ايران كالمعتاد، رغم التقارير عن التفجيرات في مفاعلاتها.
منظمة حزب الله ستواصل التسلح. الى جانب ذلك فان نصرالله ايضا يعرف بان كل مخزونات السلاح لن تجلبه الى ما يسميه الخبراء الاسرائيليون بانه ‘سلاح محطم للتعادل’ ويفهم جيدا ما يمكن لاسرائيل أن تفعله حين لا تعود اياديها مكبلة. ينبغي الامل بان يعرف زعماء اسرائيل كيف يردوا بالشكل السليم على كل استفزاز أو رد، اذا ما جاء.
تشيلو روزنبرغ
معاريف – 3/2/2013
القدس العربي
سوريا..الغارة والحوار
حبيب فياض
لا تزال الازمة السورية مبهمة من حيث مآلاتها، رغم المستجدات التي طرأت عليها. والسؤال عن مسارها ونهاياتها لا يزال يحمل اشكالية الانتقال من الراهن المشهود الى فهم المستقبل المبهم. توازن القوى بين المعارضة والنظام يعزز قدرة كل منهما على البقاء حيث هو من دون القدرة على التقدم أو الحسم. كما ان تباعد الرؤى بين الاطراف الخارجية الداعمة لكل منهما يساهم في تثبيت هذا التوازن، ويضع الازمة امام احتمالات متساوية، لا يستثنى منها احتمال التدخل العسكري، خاصة بعد الغارة الاسرائيلية على جمرايا.
فاحتمال سقوط النظام يساوي احتمال قدرته على البقاء. وقدرته على هزيمة الجماعات المسلحة تعادل قدرتها على اسقاطه. والقوى الاجنبية المعادية للنظام قادرة على التدخل عسكريا بمقدار ما هنالك من خطوط حمراء من قبل اصدقائه لمنع هذا التدخل. احتمالات التسوية أيضا ليست أكثر ولا أقل من مؤشرات استمرار الازمة. ووصول الازمة الى حائط مسدود يجعل التسوية ممكنة بمقدار ما يدفع الى بقاء المشهد الدموي على صورته الراهنة.
العنصر الاسرائيلي دخل مؤخرا على خط الازمة السورية بغية كسر المعادلة والاخلال بهذا التوازن. اسرائيل تريد استباق مسار التسوية في سوريا بمسار الحرب. هذه المرة، هي ضربت في جرمايا وفي حساباتها، بخلاف المرات السابقة، احتمال عدم بقاء دمشق مكتوفة الايدي. اعتداء جمرايا لم يكن يهدف فقط، وفق الحسابات ذاتها، الى تحقيق منجز ميداني يتمثل بضرب موقع أو بتدمير قافلة. بل ما وراء الاكمة ابعد من ذلك: الاعتداء هذا، محاولة اسرائيلية لفتح جبهة جديدة تساعد على اسقاط النظام، ومحاولة تسلل لاصطفاف اسرائيلي فعلي الى جانب خصوم دمشق. بمعنى آخر، أرادت تل ابيب استدراج تدخل عسكري غربي تحت المظلة الاسرائيلية لاطاحة الرئيس بشار الاسد ونظامه.
والواقع، ليس ثمة ما يضمن بأن فتح تل ابيب لمسار جديد من العدوان على دمشق، سوف يغير في المعادلة السورية. وبدلا من ان يدفع ذلك الى الاخلال بالتوازن القائم، قد يؤدي الى تكريسه، إذ إن عدم الرد السوري على الغارة لن يغير من الواقع في شيء. في حين ان الرد عليها من الممكن ان يفسح في المجال امام اعادة تعويم النظام وخلط الاوراق، بمقدار ما كان الهدف منها (الغارة) استدراجه وتقويضه. وبرغم صحة القول إن قرار الرد لا يمكن التفرد به سورياً بمعزل عن الحلفاء الذين لا يعملون على قرقعة طبول الحرب، فان دمشق في لحظة الواقعة، على افتراض حصولها، لن تجد نفسها وحيدة في الميدان بمعزل عن حلفائها.
وللغارة روايتان: الاولى سورية، تحدثت عن استهداف مركز دراسات عسكرية. والثانية اميركية كشفت عن استهداف قافلة من صواريخ سام 9 المضادة للطائرات مرسلة الى حزب الله في لبنان. وفي حال صحت الرواية الاميركية، فان الحزب معني بالامر باعتبار ان الغارة تهدف الى ضرب امداداته العسكرية. اما في حال صحة الرواية السورية فان الحزب معني ايضا باعتبار ان سوريا تخوض»معركة صمود» نيابة عن كل اطراف المقاومة والممانعة.
سيظل اسقاط نظام بشار الاسد، بخلاف ما يحاول ان يروج له البعض، اولوية لدى الكيان الاسرائيلي. يدل على ذلك، كون سوريا واسطة العقد في محور بات دوره يتجاوز ممانعة هذا الكيان ومقاومته، الى تهديده في بقائه ووجوده. وما ذهاب تل ابيب الى بناء جدار حدودي (وربما ايضا منطقة عازلة) يفصل الجولان عن باقي الاراضي السورية، سوى اجراء وقائي لمنع تسلل فوضى المسلحين، في مرحلة ما بعد الاسد التي تتهيأ لها وتدفع باتجاهها.
مساران يتسابقان للخروج من حالة المراوحة التي تعتري الازمة السورية: الاول سلمي، فتح نافذته موقف معاذ الخطيب بقبوله التفاوض مع النظام. والثاني عسكري، أثارت غباره الغارة الاسرائيلية الاخيرة. واذا كان النظام يمتلك الجرأة لرفض دعوة الحوار بوصفها ترتكز على البحث في ترتيبات اسقاطه بطريقة سلمية، فمن المفترض ان يمتلك جرأة اكبر للرد على أي اعتداء اسرائيلي يهدف الى إضعافه تمهيدا لاسقاطه بالقوة.
السفير